ألغاز خلية حزب الله
شريف عبد العزيز
ترددت كثيراً قبل أن أمسك قلمي وأدلو بدلوي ، في قضية خلية حزب الله التي تم القبض عليها داخل الأراضي المصرية ، وهي القضية التي شغلت الرأي العام العربي والشرق الأوسطي طيلة الأيام القليلة الماضية ، ذلك أن الحيادية في كتابة مثل هذه المواضيع الشائكة عادة ما تكون غائبة ، فأما أن تتبني وجهة النظر المصرية الرسمية عن القضية ، وأما أن تتبني دفاعات وتبريرات حزب الله عن الموضوع نفسه ، وهذا ما لاحظه كل المراقبين لوسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تناولت الموضوع ، فإما هجوم إعلامي كاسح يتخلي فيه القائمون عليه عن أبسط معايير الموضوعية والمهنية الصحفية في الطرح والتناول ، وإما دفاع تبريري هزيل يتشح برمي الآخر باتهامات التخوين والعمالة لأعداء الأمة ، وهكذا ضاعت الحقيقة في هوجة التراشق الإعلامي بين الجانبين ، المهاجمين والمدافعين .
والسر الحقيقي وراء غياب هذه الحيادية في الطرح يرجع لعدة أسباب منها :
1ـ وجود قدر كبير من الغموض الذي يكتنف القضية ، بحيث أننا نسمع كل يوم معلومات جديدة ، وتحليلات جديدة بشأن الأطراف الفاعلة فيها .
2ـ الضبابية التي تتعلق بالتحقيقات التي تمت بخصوص القضية ، والتضارب الذي حصل في التصريحات الرسمية المصرية بخصوص مسائل جوهرية بالقضية أبرزها توقيت القبض علي الخلية ، وتوقيت الإعلان عنها ، والسر وراء تأخير الإعلان لعدة شهور ، ومنها عدد المتهمين في القضية وجنسياتهم ، والتي تزداد كل يوم .
3ـ دخول العديد من الأطراف الخارجية في ملف القضية ، مما أسهم في تعقيدها وزيادة الغموض فيها ، مثل الطرف الإسرائيلي الذي دخل بقوة في ساحة الأحداث ، وكان دخوله بلا شك غريباً ومريباً ، وفي غير صالح الطرف المصري بالمرة ، بل أسهم في إنقاذ مكانة حزب الله من الإنهيار بالكلية داخل الشارع العربي والمصري والمسلم ، وأيضا دخول حركة حماس كطرف آخر في القضية ، وتحميلها اللوم علي ضلوعها في مؤامرة تستهدف النيل من مكانة مصر ، وتهديد حدودها ، ثم استغلال قوي الأغلبية اللبنانية للقضية من أجل تحقيق مكاسب انتخابية داخلية ، وأخيراً الزج بقضية القافلة السودانية المقصوفة بشرق السودان منذ عدة شهور والتي اكتنفها الكثير من الغموض ، مما جعلها عرضة للتحميل علي أي ملف مفتوح ، وهذا ما تم فعلاً ، حيث ذكرت تقارير حديثة بالعلاقة بين القافلة والخلية ، وأنها كانت موجهة لأعمال التخريب الداخلي بمصر.
4ـ توسيع دائرة الإتهامات الموجهة لأفراد الخلية يوماَ بعد يوم ، حتى أصبح المتابع لقضية يسمع كل يوم اتهامات جديدة تضاف للائحة الإدانة ، فالتهمة الأولي كانت تجنيد الشباب للسفر إلي غزة عن طريق الأنفاق في سيناء ، ثم توسعت الاتهامات لتشمل القيام بأعمال تخريبية داخل مصر ، واستهداف السياحة والسياح ، وعمل مسح ديموغرافي لقري ومدن سيناء بهدف تحديد النقاط الحيوية التي يمكن الهجوم عليها ، شراء بعض الفيلات علي مجري قناة السويس لزوم عمليات الرصد البحري للسفن الأمريكية ، وإعداد منصات لهجوم علي هذه السفن ، استقدام خبراء في إعداد المتفجرات والأحزمة الناسفة لتدريب وإعداد الكوادر الداخلية علي الأعمال الإرهابية ، وأخيراً نشر الفكر الشيعي وترويج مبادئ وأفكار الثورة الإيرانية ، وإن كان الاتهام الأخير معروف للجميع وليس قاصراً علي هذه الخلية وحدها ، وهذا التوسيع لدائرة الاتهامات واكبه في المقابل توسيع في دائرة المتهمين ، ودخول جنسيات جديدة لتشمل مصريين وسودانيين ولبنانيين وفلسطينيين ، وما يدرينا لعلنا نشهد في الفترة القادمة دخول إيرانيين وسوريين وقطريين ، ليلتئم شمل دول محور الممانعة .
5ـ إقرار السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ، بانتماء المتهم الرئيسي في القضية سامي شهاب لحزبه ، واعترافه الذي أثار دهشة المراقبين بتهمة تقديم الدعم الذي وصفه باللوجستي للفلسطينيين في غزة أثناء الحرب ، وعدم إنكاره لنشاطات حزبه المخابراتية عبر الأراضي المصرية ، وللترويج الشيعي داخل مصر ، مع نفيه لسائر الاتهامات ، مما أعطي الفرصة أمام الجهات الرسمية المصرية لئن تطالب بإدراج اسمه في لائحة الاتهام .
ولكن هناك العديد من الحقائق الثابتة المتعلقة بهذه القضية نستطيع أن نلخصها في النقاط الآتية :
1ـ أن الحرب الإعلامية المشتعلة الآن علي أوجها بين الإعلام المصري وحزب الله ، المستفيد منها حتى الآن هو حزب الله ، وذلك بسبب فجاجة هجوم الإعلام المصري ، وتجاوزه الذي تخطي المعايير الأخلاقية في التعامل مع المخالفين والخصوم ، فألفاظ مثل الشيخ قرد ، وشيخ المنصر ، لا تصلح كأدوات لتعبئة الرأي العام المصري والعربي والمسلم ضد حزب الله وأمينه العام ، وبجولة سريعة علي تعليقات القراء ومنتديات الأخبار ، وردود فعل الشارع حتى المصري منه ، نجد أن كثيراً منهم يظن أن القضية ملفقة ، ويبدي قدراً متزايداً من التعاطف مع الحزب وشيخه ، لأن الإعلام المصري أخطأ في قراءة الحدث وكيفية استغلال قضية كانت ممتازة وواضحة وبها كل أدوات النجاح.
2ـ أن حسن نصر الله نجح في استدراج الحكومة المصرية في خانة التهمة الواحدة في بداية الإعلان عن الخلية ، حيث سارع هو عقب الإعلان مباشرة بالاعتراف بمسئولية حزبه عن مساعدة الفلسطينيين في غزة ، ولم تنتبه الجهات الرسمية أن مثل هذه التهم مما يثير الشارع العربي والإسلامي ، لأنه يظهر مصر في صورة المتعاون مع الصهاينة والأمريكان في حرب الفلسطينيين ، والحليف الوثيق لأعداء الأمة في المنطقة ، ولم تنفع المبررات القانونية التي ساقها المعلقون المصريون علي ذلك ، وحين تنبه المصريون لذلك أخذوا في الكشف عن باقي الاتهامات المذكورة ، ولكن بعد أن ثبت لدي الرأي العام العربي والإسلامي أن تهمة الخلية الوحيدة هي مساعدة الفلسطينيين .
3ـ أن ملف القضية غير مرشح للإقفال والطي في الأيام القادمة ، بل العكس هو الذي سيصير والله أعلم ، ذلك لأن العديد من الأطراف الخارجية قد دخلت علي خط القضية مثل إسرائيل التي قدمت خدمة عظيمة لحزب الله بدخولها علي ساحة الأحداث ، ومثل لبنان وإيران وحركة حماس ، وغيرهم من الأطراف التي سيكون لها مصلحة في تأجيج القضية لمصالحها الخاصة وحساباتها داخل المنطقة .
4ـ أن حزب الله الذي حاول الظهور بصورة النصير الوحيد للفلسطينيين وقضايا المسلمين في المنطقة ، والذي دأب علي تقديم نفسه كقوة دفاع وحيدة ضد العربدة الصهيونية في المنطقة ، لن يتخلي أبداً عن طائفيته البغيضة ، وأساليبه الملتوية في الترويج للتشيع الصفوي في المنطقة ، كما لن يكف أبداً عن المتاجرة بدماء الشهداء من أبناء المسلمين في كل مناسبة ، حتى أصبح شعار المقاومة لا يختلف كثيرا عن شعار المتاجرة .
أخيراً إن كان الحزب لن يكف عن طائفيته وانحيازه الأعمى لإيران علي حساب عروبته ومصلحة بلاده وأيضا إسلامه ، فهل يتخلي بلهاء العرب عن الانبهار الأعمى بمثل هذه الشعارات الجوفاء التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والفرقة .