الصفقة المنتظرة!!!
حسن الرشيدي
هناك من يشاهد الأحداث الجارية فقط .... مهمته في هذا الزمان المشاهدة و ممكن أن يندهش فاغرا فاهه غير مصدق ما يدور أمامه هذا إذا اهتم أصلا بما يدور حوله.
فهناك الغالبية منشغلة في قوت يومها الذي لا تجده و بعضهم غارق في متاعه و لهوه و قنواته الفضائية.
ولكن بعيدا عن هذه الأمة أو قريبا منها هناك الأعداء من كل صوب...هناك روم و فارس يتصارعون على المنطقة يعتبروننا من مغانم الحرب التي تقسم و هم مختلفون على تقسيمها.
ومشهد الصراع بين الروم و الفرس أو بلغة العصر بين أمريكا و إيران تتداخل فيه فصول متوالية من التهديدات بالحرب تصل إلى تحريك الأساطيل و حاملات الطائرات و مرورا باحتكاكات بين هذه الأساطيل أو قطع منها بقوارب إيرانية و تنتهي بمؤشرات تقارب و أنباء عن مفاوضات سرية و اقتراب طبخ الصفقة بين الطرفين ثم تعود الأمور مرة أخرى إلى سابق اشتعالها من التوتر و التهديدات المتبادلة .
فما تفسير ذلك كله؟
هناك عدة نظريات تفسر ما يجري و لكنها لا تخرج بأي حال على أن هناك صفقة قادمة و لكن نظرا لسرية المعلومات و تكتم الأطراف عن ما يدور و ما يجري فإن سيناريو إخراج الصفقة لم يتضح بعد لكثير من المحللين و المراقبين لهذه الأوضاع و خاصة أن الطرفين الأساسيين في هذه الصفقة و هما إيران و الولايات المتحدة لديهما أوراق قوية في المنطقة و يتعاملان ببراجماتية بعد أن تخليا في السر عن أي عداء أيديولوجي أو عقائدي بينهما مما يستحيل معه أن تكون بينهما حربا ضارية تؤدي إلى إزاحة نهائية لطرف من الصراع .
و الملاحظ أن الأطراف الفاعلة في المنطقة و هي إسرائيل و سوريا و إيران و الولايات المتحدة في حالة من الشد و الجذب المتبادل نتيجة لمفاوضات تدور في الكواليس و بعضها في العلن وتتحدث مصادر صحفية مثلا على أن محادثات أنقرة بين سوريا و إسرائيل والتي أعلن عنها فيما بعد لم تكن هي المحادثات الوحيدة بين الطرفين في ذلك التوقيت فقد تزامن معها محادثات بين إيران و أمريكا فالأولى وفق هذه المصادر كانت تجري في إستانبول أم الأخرى فقد عقدت في أنقرة بل إن المفاوضات حقيقة كانت تجري بين هذين البلدين و أن المفاوضات بين سوريا و إسرائيل و هي ليست جديدة بأية حال كانت لتسويق المفاوضات الإيرانية الأمريكية و ربما تغطية عليها .
و أهم بنود هذه الصفقة والتي يجري التجاذب بشأنها تشمل : الموقف من البرنامج النووي الإيراني والسماح بمستوى من التخصيب النووي الإيراني المراقب وإعطاء إيران دورا إقليميا كبيرا في المنطقة بما يتناسب مع قوتها والأوراق التي في يديها هذا الدور يمتد من العراق والخليج إلى لبنان .
أما أبرز ملامح الخطوات العملية لتنفيذ هذه الصفقة وفق هذا السيناريو فهي أربعة أحداث مرت بها المنطقة تثبت بها إيران جديتها و رغبتها العارمة في تمرير هذه الصفقة و هي السكوت الإيراني الإيجابي عن العملية العسكرية ضد جيش المهدي و صمتها إزاء الدخول الأمريكي إلى مدينة الصدر.
أما الحدث الثاني فهو الإعلان عن تبادل الأسرى بين حزب الله و إسرائيل و تسليم حزب الله إسرائيل رفات الجنود الإسرائيليين في بادرة تثبت يها إيران حسن نواياها تجاه إسرائيل .
و الحدث الثالث فتمثل في اجتياح بيروت ثم الانسحاب منها و بعد ذلك اتفاق الدوحة في تحرك مزدوج تقول به إيران لأمريكا أن بيدها حسم مسألة لبنان و في نفس الوقت إعادته للحياة الطبيعية كبادرة إيرانية أيضا لإثبات حسن النوايا.
أما الحادث الرابع و هو الأخطر فهو إرسال إيران رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في الثالث عشر من الشهر الماضي تقدم فيها إيران عرضا بخصوص برنامجها النووي كما تضمنت الرسالة استعداد إيران للتعاون لحل المشكلة الفلسطينية و هذا يعني في لغة السياسة استعداد إيران للسلام مع إسرائيل .
ويلاحظ أن هذه الأمور قدمها الجانب الإيراني و لم تقدم أمريكا على عمل واحد سوى سكوتها الضمني عن اجتياح بيروت و الباقي هو تصريحات للمسئولين الأمريكيين يستبعدون فيها الحرب مع إيران بل إن وزير الدفاع الأمريكي صرح الشهر الماضي بأن الحرب ضد إيران كارثية .
ورد الفعل الأمريكي الفاتر هذا لأن أمريكا ربما كانت تتوقع إجراءات إيرانية أكثر إيجابية خاصة منها ما يتعلق بالملف العراقي وحث الأطراف الشيعية على القبول بالاتفاقية الأمريكية العراقية والتي تكرس الاحتلال الأمريكي للعراق بدون الالتفات إلى المطامع الإيرانية في أرض الرافدين و هذا ما دفع إيران إلى تعقيد المفاوضات في ملفها النووي و إعلانها رفض تعليق تخصيب اليورانيوم في الرد على مشروع الحوافز المقدم من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا و ترافق ذلك إلى عودة تصاعد التصريحات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران إلى تشدد أمريكي تجاه لبنان تمثلت في زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية أمس إلى بيروت واجتماعها بقوى الرابع عشر من آذار التي تتحدى الوجود السوري في لبنان و قبلها بدأت المنظمات الفلسطينية المخترقة من المخابرات السورية في بث تهديداتها من جديد والقيام ببعض العمليات الصغيرة التي تهدد من جديد بتفجير الوضع اللبناني و كأن الطرفين الإيراني الأمريكي قد دخلا من جديد استعراض أوراقهما من جديد .
و ربما القيادة الإيرانية تفكر الآن في أن صفقتها المتوقعة ستكون أفضل مع الإدارة الأمريكية الجديدة و إن عليها الانتظار و لملمة أوراقها من جديد و قد نقلت الواشنطن بوست الأمريكية عن قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني العميد قاسم سليماني أنه رغم الضعف الذي لحق بواشنطن جراء حرب العراق فإنها ما تزال قوية. وأعرب أمام عدد من زائريه عن اعتقاده بأن الأهداف الإيرانية والأميركية داخل العراق متشابهة إلا أنه لم يبد اهتماماً بعقد محادثات مباشرة ورفيعة المستوى مع الجانب الأميركي وإنما يفضل على ما يبدو الانتظار حتى رحيل إدارة بوش على أمل أن تتوافق توجهات الإدارة القادمة بدرجة أكبر مع المصالح الإيرانية.
و لكن هل تصبر إدارة بوش أيضا ؟ أم أنها ستندفع قبل انتهاء ولاية بوش إلى دفع إيران بالقوة لجلوس مرة أخرى للمفاوضات وفق الشروط الأمريكية؟ .