ملاحظات ونقدات علمية على مقالة الأستاذ يوسف فرحات حول عدنان إبراهيم (2) الحلقة الأخيرة

بواسطة ابو محمد الغزي قراءة 3026
ملاحظات ونقدات علمية على مقالة الأستاذ يوسف فرحات حول عدنان إبراهيم (2) الحلقة الأخيرة
ملاحظات ونقدات علمية على مقالة الأستاذ يوسف فرحات حول عدنان إبراهيم (2) الحلقة الأخيرة

ابو محمد الغزي

9-9-2012

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

قال الأستاذ: "على كل حال أستطيع أن أصف الرجل بدون مبالغة بأنه صاحب عقل موسوعي ، وذاكرة حادة ، له من كل علم نصيب كبير ، وربما لدرجة التخصص المتعمق ، فهو رجل بحق فوق العادة ، لذا وصفه الدكتور طارق سويدان : بأنه قد سبق زمانه . وقد سجل مثل هذه الشهادة بعض العلماء الذين عرفوه مثل العلاَّمة البوطي ، والمفكر الإسلامي عبد الوهاب المسيري" .

أقول: إن هذا الغلو في مدح الرجل والثناء عليه وذكره بأوصاف كبيرة كالعالم والعلامة

والموسوعي وغير ذلك كان لها بالغ الأثر في إخراج هذه المغالطات التي هي في نظره حقائق وتحليلات، فالرجل يعد نفسه من المحققين البارعين، ولكن هيهات أن تنال ذرى المجد بالأماني والتشبع بما لم يعطه المرء، والذي يسمع للرجل يجد أن غاية ما وصل إليه اطلاع مشوش في فنون الشريعة، فهو كحاطب ليل، لا تجده ينطلق من قواعد مطردة وأصول معروفة يحاكم إليها ويعول عليها، والحكم عنده هو عقله الذي رأى نفسه به أعلم الناس ولم يرى سوى ذلك كما هو ظاهر عليه في دروسه وردوده!!

والظاهر أن الأوصاف المذكورة هي من كيس الكاتب، أو بناء على الشخصيات التي امتدحته، فإن كان هذا من عند الكاتب فربما يصدق أن هذه الأوصاف بالنسبة له، وأما أنها عليه وعلى غيره فهذه مكابرة للحس والواقع وادعاء عريض، وأما إن كان من شهادة تلك الشخصيات التي ذكرها، فعلى تقدير اعتبار أقوالها فهي لا تجعل من الرجل علامة موسوعيا، لأن هؤلاء المادحين يحتاجون إلى من يزكيهم أصالة وبخاصة السويدان والبوطي فأما الأول فمعروف بشذوذاته والثاني أشهر وقد أرانا الله من عمى بصيرته وعظيم جهله في موقفه من الثورة السورية ودفاعه المستميت عن أسياده النصيريين وبخاصه حبيبه بشار الأسد وحسبنا الله ونعم الوكيل، فثناء هؤلاء في حقيقته عناء ومدحهم لشخص قدح والله المستعان

قال الكاتب : ولا أذهب بعيداً إذا قلت إن الجدل الذي أحدثته أطروحات عدنان إبراهيم وردود بعض العلماء عليه ، واستعداد آخرين لمحاورته – وآخرهم العلامة المحدث حاتم الشريف العوني - لهو أكبر دليل على قَدم الرجل الراسخة في العلم .

أقول: بل هذا أكبر دليل على جهله وتطاوله وتعالمه، لأن الجدل سيما الجهلاء لا العلماء، وهي بضاعة المفاليس، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج: 8]

وعجبا من الكاتب حين يجعل رد بعض العلماء عليه واستعدادهم لمحاورته علامة على علم الرجل وأمارة على نعوت التبجيل والتكريم التي أسبغها عليه، فلماذا لا تجعل دليلا على انحرافه وابتداعه في دين الله تعالى؟ وذلك أن الخلاف لو كان في مسائل الاجتهاد وقضايا النزاع ما تكلف العلماء أو بعضهم عناء الرد عليه لأن الخلاف في الفرعيات لا ينضبط بحال، ولكل رأيه ما دام يسير على نسق قويم في الاستدلال والاستنباط.

وخلاصة الأمر أنه لا تلازم بين علم الرجل والرد عليه، إذ قد يكون المردود عليه من أضل الناس بدين الله تعالى، وكم رد علماء أهل السنة قديما وحديثا على أئمة الضلالة وأرباب البدعة ولم يكن ذلك يلبسهم ثوب العلم وعباءة الفقه في دين الله تعالى.

وعلم الشريعة خير محض بيد أن حملته لا يلزم أن يكونوا كذلك، ولذلك كان السلف يحذرون من علماء السوء والبدعة. قال سفيان بن عيينة: " فتنتان هما فتنة كل مفتون عالم فاجر وعابد جاهل"

 قال الكاتب: وأنا أكتب هذا المقال خطر في بالي أنني سأتعرض لحملة تشويه من الذين يجهلون قواعد النقد العلمي ، وَسأُتهمُ بأني أدافع عن الرجل وأتبنى أفكاره ، مع العلم أن الدفاع عن الدكتور عدنان وفق المنهج العلمي يُشرفني ، ولا يعَيبُني ، وأنا الذي أخبره أكثر من غيري . وبهذه المناسبة عندما عاب بعض النقاد على البخاري – رحمه الله – روايته عن بعض شيوخه الضعفاء اعتُذر له بأنهم شيوخه وهو أخبر بهم من غيره

أقول: يبدو الكاتب في هذه الفقرة وكأنه متناقض فيما يخطه، وذلك لأنه اعتبر الدفاع عن الرجل وتبني أفكاره تهمة ثم أردف بأن الدفاع عنها شرف له، والأصل في الأستاذ أن يكون واضحا في كلامه فإما أنه مع الرجل في انحرافاته وضلالاته أو أنه يرى ذلك اجتهادا قد يوافق عليه..

وإقحام البخاري وشيوخه في ذا الباب مشعر بأن عدنان ابراهيم شيخا للأستاذ فهنيئا له به!!

قال الكاتب: وفي هذه المقالة سأقدم رأيي في كيفية التعامل مع مخالفات الدكتور عدنان في جملة من النقاط :

1- مما لا شك فيه أن أطروحات الدكتور عدنان إبراهيم الأخيرة فيها كثير من المخالفات لجماهير الأمة الإسلامية ، لذا من الطبيعي أن تكون ردة الفعل على هذه المخالفات كبيرة ، وقاسية في بعض الأحايين ، حتى ذهب بعض المتسرعين والمندفعين والمغالين إلى حد تكفير الرجل ، وهذا هو الثمن الطبيعي الذي سيدفعه كل من يخرج عن المألوف – وقد قيل : الناس أعداء ما يجهلون - . وَيُذَكِّرُني هذا بما حدث لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، عندما أعلن فتاويه في مسائل الطلاق ، حيث خالف فيها جماهير الأمة بما في ذلك الأئمة الأربعة دفع ثمناً غالياً كلفه أن يعيش في السجن حتى مات ، واليوم أصبحت أراء شيخ الإسلام التي هُجرت بالأمس هي التي يُفتي بها أكثرُ العلماء .

أقول: سبق وأن رددت على قول الكاتب بأن عدنان ابراهيم خالف جماهير الأمة وما في هذه العبارة من تلبيس الحق بالباطل، وذكرت أن الرجل قد خرق الإجماعات التي لا يعرف فيها منازع يعتد به ..

وأما تكفير البعض له فلا أظن أحدا ممن يخالفه قال به إلا أنهم بينوا ما في أقواله من كفر وضلال، والرجل قد يكون معذورا في نفسه لجهل أو شبهة يدرآن التكفير عنه ..

وإقحام ما جرى لشيخ الإسلام في هذا المقام خبط في المسائل وتخليط في تقريرها، فإن شيخ الإسلام رحمه الله قد خالف الجمهور في مسائل فرعية يسع فيها الإجتهاد وله سلف فيها وإن كانوا قلة، وأما هذا الرجل فإنه يعيث فسادا في القطعيات كما بينا فلا وجه لمقارنته بشيخ الإسلام، وكأن الكاتب يريد أن يرفع من خسيسة صاحبه بالمقارنات الكاذبة !!

قال الكاتب:

2- كنت أتمنى لو أن الدكتور عدنان ما أقدم على تفجير هذه القنابل عبر خطب الجمعة وعلى مواقع الشبكة العنكبوتية ، ولو أنها دُونت في الكتب ، لتصدى لها العلماء بهدوء ، لكن للأسف الشديد ، عملت هذه الأفكار على تشويش عقول العامة . كما كنت أتمنى على الرجل لو أنه عالج تلك المواضيع بلغة أكثر تسامحاً وهدوءاً ، لكان ذلك أقبل للسامعين ، لكن الرجل مع قوة لغته العلمية ، كان كثيراً ما يخلط هذه اللغة بحدة في اللسان ، وكأنه يتقمص شخصية ابن حزم ، في هجومه على خصومة لدرجة الازدراء بهم أحياناً ، وقد نقلت له ذلك شخصياً .

أقول: هذه المرة يعتب الكاتب على شيخه أن قام بتفجير هذه القنابل على حد تعبيره ، ولا أدري ماذا سيستفيد القارئ من هذا العتاب؟ وهل معنى ذلك أن الأستاذ يخالفه في طريقة الطرح لا في المطروح!! كما أن الكاتب يعترف بخجل أن شيخه سليط اللسان على من يخالفه ولا يوافق هواه، وأما الثناء على لغته ووصفها بالقوية فهذا استخفاف بالعقول فإن الرجل كثيرا ما يلحن في العربية ويخلطها بأسوء مستويات اللغة العامية، ولولا خشية الإطالة لذكرت بعض الأمثلة على مصائبه اللغوية، والعجيب بعد هذا كله أن الكاتب لا يفتؤ بين الفينة والأخرى يشبه الرجل بعلم من أعلام هذه الأمة، وفي هذا المقام يجعله كابن حزم فإلى الله المشتكى

قال الكاتب:

3- إذا كان الرَدُّ على الدكتور عدنان أمراً واجباً ، فينبغي أن يتصدى لهذه المهمة من هم أهلٌ لذلك ، لأن العالم لا يرد عليه إلا العالم ، أما أنصاف العلماء وطلاب العلم المبتدئين والذين يَهرفون ما لا يَعرفون ممن لا يُحسنون إلا فن التشغيب والسب والشتم ، فعليهم أن يلتزموا الصمت ، وألا يُقحموا أنفسهم في هذه المعركة العلمية .

أقول: قوله إن العالم لا يرد عليه إلا عالم فيه نعت للرجل بأنه عالم وهذا ما ينازع فيه أصالة، فإذا كان يقصد بالعالم من شهد له العلماء بالعلم والمعرفة فلا يعرف أحد من العلماء والشيوخ المحققين من أثنى عليه وأجازه، وكون البعض يثني عليه في مجال معين لا يعني مدحه في غيرها وهذه مسألة مهمة، وإذا كان يراد بالعالم من حوى علما فهذا مما يختلف فيه الناس نسبيا وهذا بعيد عما نحن فيه، وبناء على ذلك فإن اشتراط الكاتب أن يرد عليه عالم إن سلمنا له بصحة ذلك فإنه مصادرة على المطلوب، وكيف والقاعدة التي ذكرها باطلة أصلا، لأنه كم من طالب علم صغير سبق شيخه وفتح عليه ما لم يعرفه وهذا كثير وأهل العلم يقررونه، فالشرط أن يكون الراد ممن أحاط بالمسألة التي يتكلم فيها وليس من الضروري إطلاعه على كافة علوم الشريعة لأنه عزيز في زماننا

قال الكاتب:

4- من خلال استماعي لأكثر مخالفات الرجل العلمية ، وجدت أنه مسبوق في كل ما قال ، وإن كان الذين سبقوه قلة من العلماء الكبار ، لم يشتهروا بهذه الآراء ، إلا أن هذا ربما من شأنه أن يخفف من حدة الهجوم عليه ، كما من شأنه أن يدفع لدراسة المسائل التي خالف فيها بصورة أكثر عمقاً وعلمية .

أقول: نعم هو مسبوق فقد سبقه إلى هذا الخوارج والمعتزلة والشيعة وأئمة الضلالة !!

قال الكاتب:

5- واضح أن الرجل يقحم العقل كثيراً في محاكمة النصوص ، مما دعاه في بعض الأحيان أن ينكر أحاديث وردت في الصحيحين ، وعدم الالتفات إلى السند والانشغال بمحاكمة المتن ، وكثيراً ما كان يحاكم نصوص السنة النبوية بناءً على فهمه للقرآن الكريم ، وهذا المنهج سلكه بعض المتقدمين ، وفريق من المتأخرين ، مثل : السيدة عائشة رضي الله عنها ، والتي خالفت بعض الصحابة ، وردت بعض الأحاديث بسبب تبنيها لهذا المنهج ، ومن المتأخرين الشيخ محمد عبده ، وتلميذه المجدد محمد رشيد رضا ، والشيخ محمد الغزالي ، وآخرين . وعلى كل حال منهج محاكمة العقل للنص فيه كثير من المخاطر والمجازفة ، التي تؤدي إلى إنكار بعض نصوص السنة الصحيحة

أقول: هذا الكلام الذي قاله الأستاذ لم يفه به أحد من العلماء المعتنين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعرف واحد منهم قال بأن عائشة رضي الله عنها كان من منهجها رد النص إذا خالف فهمها للقرآن وهو تقول عليها وافتراء تبرأ من مثله أمهات المؤمنين، ولكنها رضي الله عنها كانت تغلط بعض الصحابة أحيانا لكونها سمعت ما يخالفه من النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها سمعت على وجه آخر، ويا ليت شعري كيف تساوى أم المؤمنين بهؤلاء المتأخرين الذين ذكرهم وحكى عنهم هذا المذهب العاطل، ولا أجد سببا لذلك إلا ترويج هذا المذهب الهدام بنسبته للصحابة وهذه جريمة علمية يجب التراجع عنها، وليرض الكاتب أن يكون من خصماء عائشة يوم القيامة !

قال الكاتب:

6- لا يشك عاقل ، أنه وبالرغم من مخالفات عدنان إبراهيم ، إلا أنه يُصنف في هذا الإطار بأنه متأول ومجتهد في مسائل غاية ما تُوصف بأنها من فروع العقيدة ، وفَرقٌ بين إنسان يتكلم في هذه المسائل بالتشهي والهوى ، وآخر صاحب نظر علمي يجتهد في فهم النصوص ، وربما يُصيب أويُخطئ ، فالأول غير معذور والآخر معذور .

أقول: سبحان الله .. إنكاره لنزل المسيح وخروج الدجال وتطاوله على كثير من الصحابة يعد اجتهادا مغفورا، فيا ترى ماذا بقي من الدين؟!

وليست هذه القضايا من فروع العقيدة كما يزعم الأستاذ بل هي من أصولها وثوابتها والمخالف فيها ضال عن سبيل أهل السنة خارق لجماعتهم، فحسبك دفاعا عن الرجل وقد رضي لنفسه أن يكون فريسة للشبهات والأجدر بك أن تدعوه إلى التوبة الصادقة والاستقامة على الجادة وأن تبين انحرافاته بالبرهان ليعرفها من أراد الهداية ولسنا بحاجة إلى رسم خريطة للرد عليه فإنه قد تجاوز الحد الذي لا يطاق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

 



مقالات ذات صلة