نزار جاف
28-8-2012
مؤتمر دول عدم الانحياز المزمع عقده في طهران بين الثلاثين و الواحد و الثلاثين من الشهر الجاري، إکتسب أهمية خاصة و ملفتة للنظر بسبب مکان عقده قبل أي شئ آخر، ولو کان مکان عقد المؤتمر أية عاصمة اخرى لمر الأمر مرور الکرام کما هو حال المؤتمرات السابقة لحرکة عدم الإنحياز.
النظام الايراني الذي يعاني من حالات ضيق نفس تکاد أن تصل الى حد الإختناق على الأصعدة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و يمر بمرحلة صعبة يواجه فيها لأول مرة أزمات عصيبة لايمکن التصدي لها و معالجتها بالطرق و الأساليب التقليدية، کما لايمکن أيضا التخفيف من وطئتها عبر السعي للإلتفاف عليها، يجد في عقد مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران”برکة”و”نعمة”طلت عليه في موسم القيض و القحط و الإنحباس غير المألوف الذي يمر عليه، ومن يدقق في وسائل إلأعلام الايرانية يجد حملة إعلامية غير مسبوقة لتضخيم و تهويل هذا المؤتمر و إعطائه حجما أکبر من حجمه الإعتيادي بکثير، والملفت للنظر أن التوجه الرسمي في إيران هو بإتجاه إستغلال المؤتمر على صعيدين مهمين هما:
ـ الصعيد الداخلي الإيراني: الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالنظام و الأوضاع الإجتماعية الوخيمة بفعل تداعيات الأزمة الإقتصادية و السياسات الفاشلة للنظام الإيراني، تلقي بظلالها بقوة على الشارع الإيراني الذي بات يدرك أکثر من أي وقت مضى مدى حالة العزلة و الإنطوائية التي تلف النظام وأن الجميع يعلمون بأن السياسات الخاطئة و العقيمة للنظام قد أدخلت البلاد في نفق مظلم جدا يوحي بکل شئ غير الأمن و الإستقرار و السلام، ولذلك فإن النظام الإيراني و لکي يوحي للشعب الإيراني من أنه مازال يقف على رجليه و أن البساط لم يسحب من تحت قدميه، فإنه يتحجج و يتباهى بعقد هذا المؤتمر في طهران و يسوقه بمثابة دليل عيني على ثباته و بقائه.
ـ الصعيد العربي و الإسلامي: يمکن تسمية المرحلة الراهنة التي يمر بها النظام الإيراني بأنها الاسوأ إطلاقا على الصعيدين العربي و الإسلامي، وان الشارعين العربي و الإسلامي ينظران بريبة تامة لدور النظام الإيراني في العالمين العربي و الإسلامي و ينتظران سياسة عربية إسلامية جديدة تلتزم الصرامة و الحدية أزاء النظام الإيراني خصوصا وأن دوره الطائفي المشبوه في سوريا يکشفه على حقيقته و يبين بجلاء کذب و زيف طروحاته الإسلامية الجامعة، ويسعى إعلام جمهورية ولاية الفقيه هذه الأيام لإستغلال عقد مؤتمر دول عدم الإنحياز في طهران لکي يعيد لنفسه شيئا من الإعتبار في الشارعين العربي و الإسلامي بعد أن تعرض لهزة سياسية عنيفة نزعت عنه کل الأغطية و الدثارات التي تخفى خلفها طوال الأعوام السابقة.
المجتمع الدولي الذي يسعى لإجبار النظام الإيراني على الإنصياع و الرضوخ لمطالبه، کان يجب أن يفکر أکثر من مرة قبل الموافقة على عقد مؤتمر دول عدم الإنحياز في طهران، خصوصا وأن المشکلة تکمن في أن عقد هکذا مؤتمر في مثل الظروف الحالية الإستثنائية للنظام، من شأنه أن يکون رسالة دولية غير حکيمة و بعيدة عن المنطق وقد يساء فهمها و تفسيرها من جانب قطاع عريض من الشارع الإيراني، تماما مثل قرار إدراج منظمة مجاهدي خلق ضمن لائحة المنظمات الارهابية عام 1997، والذي فسر شعبيا على أنه رسالة للشعب الإيراني من أن نظام الملالي قد صار أمرا واقعا.
حرکة عدم الإنحياز تؤکد في ميثاقها على إحترام السيادة الوطنية لأي بلد في العالم، لکن النظام الإيراني الذي بات يعرف العالم کله دوره السافر في کل من العراق و لبنان و أن حکومتي هذين البلدين لايمکنهما إنتهاج سياسة مضادة أو معادية أو على الأقل محايدة فيما يتعلق بالشأن الإيراني، کما أن الحديث عن ما قيل و يقال عن تدخلات هذا النظام في مختلف دول المنطقة و العالم فهو حديث ذو شجون و يحتاج الى ليال سمر طويلة لکي نروي جانبا منها و ليس کلها فتلك”حکاية العمر کله”، ومن هنا، فإن إنعقاد هذا المؤتمر لهذه الحرکة في إيران يناقض ميثاقها و يضعها تحت طائلة المسائلة، ومن المفيد جدا هنا أن نؤکد على أن البنية السياسية الفکرية للنظام و النابعة من مبدأ ولاية الفقيه تعطي”تفويضا إلهيا”للنظام کي يتدخل في أي بلد يشاء وفق معاييره الفقهية، والعودة الى قضية إغتيال الرئيس المصري الراحل و تلك الإتصالات التي تمت بين النظام الإيراني و جماعة خالد الإسلامبولي على تلك الخلفية، تؤکد هذه الحقيقة بالإضافة الى أن تصريحات و مواقف الولي الفقيه من الأحداث في سوريا و العراق و لبنان و فلسطين، تثبت بأن هذا النظام يعتبر مسألة التدخل في شؤون الدول الاخرى”خصوصا وإن کانت مخالفة أو غير متفقة مع النظام الايراني”، حقا شرعيا منحه لنفسه بموجب مبدأ ولاية الفقيه.
والثغرة الکبيرة الأخرى التي فتحها النظام الإيراني في جدار الرفض الدولي المقام ضده، تکمن في تلك الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها الامين العام للأمم المتحدة لطهران على خلفية إنعقاد هذا المؤتمر، والتي سيقوم النظام أيضا بتوظيفها بالصورة المناسبة و الملائمة لجعلها في خدمة أهدافه، ومن الممکن جدا أن يقوم النظام بإستغلال زيارة کي مون لکي يغطي على سجله السئ في مجال حقوق الانسان بصورة عامة و حقوق المرأة بصورة خاصة، لکن على الأمين العام للأمم المتحدة أن لاينسى أن هذا النظام أدين لأکثر من 60 مرة في مختلف المحافل الدولية و من بينها الجمعية العامة للأمم المتحدة و هيئات أخرى تابعة للمنظمة الدولية بالإضافة لمنظمات و هيئات حقوق الاننسان و غيرها، و من واجب الأمين العام وهو يقوم بهکذا زيارة غير مناسبة أن تکون لزيارته تأثير نوعي على مسألة حقوق الإنسان في إيران و خاصة السجناء السياسيين في إيران و کحد أدنى مطلوب من الأمين العام زيارة السجون الإيرانية و اللقاء بعوائل سکان أشرف الذي يعيشون ظروفا صعبة ولاسيما وأن هناك ضغوطات أمنية مشددة عليهم لأنهم قاموا بزيارة أبنائهم أو بناتهم في أشرف و بسبب ذلك تعرضوا لحرمانهم من مزاولة أعمالهم او ألقي بهم في غياهب السجون، ومن المفيد هنا مطالبة السيد[1] بان کي مون بمنع إعدام السجين السياسي غلام رضا خسروي الذي من المقرر أن ينفذ فيه حکم الاعدام يوم 10 أيلول/سبتمبر القادم.
المصدر :موقع الثورة السورية