لبنان يدفع ضريبة هيمنة "حزب الله"

بواسطة المزماة قراءة 932
لبنان يدفع ضريبة هيمنة "حزب الله"
لبنان يدفع ضريبة هيمنة "حزب الله"

"حزب الله" يحصد شوك سياساته المهددة لاستقرار لبنان على شكل احتجاج شعبي

تكشف أحداث الاحتجاجات الجارية في لبنان، أن هذا البلد يدفع الآن ضريبة هيمنة "حزب الله" وتمسكه بالأجندة الإيرانية. وذلك يمنح اللبنانيين حق التعبير عن غضبهم، نتيجة لفقدان بلدهم بوصلة المواقف والخيارات العربية، ووقوعه في فخ المحور الإيراني، بسبب هيمنة "حزب الله". "الحزب" لم يتوقف عند اختطاف القرار السياسي اللبناني الداخلي ومواقف لبنان الخارجية فقط بتجييرها لصالح طهران، بل تغول في الشأن الاقتصادي ومارس الفساد والعبث بسوق العملة وبكل ما يتصل بقوت اللبنانيين ومستقبلهم.

الغريب أن حليف إيران يشعر هو الآخر بالقلق من التظاهرات التي نددت به صراحة وفضحت دوره السيئ. ولم يكن حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، يتخيل يوما أن ترفع الشعارات الغاضبة ضده في بيروت وطرابلس، فانعكس غضب "الحزب" تجاه رد الفعل الشعبي في أحدث خطاب لرئيس "الحزب"، الذي أظهر حرصا مبالغا فيه على الحكومة اللبنانية، رغم أن رئيسها سعد الحريري يشكو بوضوح من تغول "الحزب" على القرار اللبناني سياسيا واقتصاديا وعلى كافة المستويات.

لكن خطاب نصر الله على هامش التظاهرات الشعبية أشعل الغضب من جديد في الشارع اللبناني، أو ساهم في الرفع من وتيرته، حيث أطلقت الحشود شعارات أكثر حدة ومباشرة ضد "حزب الله"، عقب خطاب أمينه العام الذي استفز المتظاهرين، وهدد بقمع كل من يحاول تغيير قواعد المشهد في لبنان.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتذمر فيها اللبنانيون من الأوضاع الاقتصادية، لكن الجديد في التظاهرات الأخيرة أنها أشارت بشجاعة إلى دور "حزب الله" في الإضرار بلبنان. وكان من اللافت، تلك الهتافات التي رفعها المحتجون ضد أمين عام ميليشيات "حزب الله" الموالي لإيران، وذلك بالتزامن مع بدء كلمة له قاطعها اللبنانيون بشعارات مناهضة بشدة لـ"الحزب" وأمينه العام، وهو الذي اعتاد على إصغاء أتباعه لخطبه الطويلة من دون أي تشويش، بينما عملت الاحتجاجات على تقزيم نصر الله وإظهاره في صورة المتشبث بمصلحة ميليشيا على حساب الضرر الاقتصادي الذي يعاني منه اللبنانيون بفعل فشل النخبة السياسية اللبنانية، وبدافع أساسي من هيمنة "حزب الله" على الساحة في لبنان.

كل من يراقب الأحداث في المشهد اللبناني خلال السنوات الماضية. يعرف جيدا أن عقدة الدولة اللبنانية وكارثتها الحقيقية، تتمثل في بناء "حزب الله" دولة داخل الدولة وجيشا خاصا يحتكر سلاحا وميليشيات تمولها إيران باسم المقاومة، ما يدفع "الحزب" باستمرار إلى الحفاظ على أي غطاء يشرع بقاء هيمنته، تحت أي مظلة رسمية شكلية تتستر بالشراكة، بينما يتحرك "حزب الله" عبر الشراكة المزعومة ضد مصالح الشعب اللبناني وضد علاقاته الطبيعية مع محيطه العربي.

هناك أمثلة عديدة على تضحية "حزب الله" بمصالح اللبنانيين، من أجل تمرير مواقفه التي تخدم إيران، ويصعب حصر مواقف الذراع الإيراني في لبنان لكثرتها، وعلى سبيل المثال لا يمكن تجاهل استفزاز إعلام "حزب الله" لدول الخليج، رغم أنها كانت ولا تزال من أبراز الداعمين اقتصاديا وسياسيا للبنان.

لو كان "حزب الله" وطنيا يحرص على مصالح شعب لبنان، لما ارتكب العديد من الحماقات المتكررة، ولما أطلق العديد من التصريحات المستفزة، ضد الدول التي لم تتردد في الوقوف إلى جانب اللبنانيين.

لسنا بحاجة لأن نذهب بعيدا للتذكير بمواقف تؤكد وقوف الخليج باستمرار إلى جانب لبنان، رغم تطاول إعلام "حزب الله" وتصريحات قيادته غير المهتمة بمصالح لبنان. كما لا يتطلب إثبات ذلك العودة إلى أرشيف الزيارات الرسمية للمسؤولين اللبنانيين إلى الخليج، والتجاوب الدائم مع الدعوات لتقديم الدعم وتطوير مجالات الاستثمار. وأحدث زيارة قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كانت إلى عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أبوظبي، نهاية الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، قبل أيام فقط من انفجار الاحتجاجات في الشارع اللبناني.

ورغم التصريحات العدائية التي يطلقها "حزب الله" من لبنان ضد الخليج بانتظام، تفاعلت قيادة الإمارات مع زيارة رئيس الحكومة اللبنانية، وعملت على رفع الحظر عن سفر المواطنين الإماراتيين إلى لبنان، إلى جانب تعهدات أخرى تتصل بالجانب الاقتصادي والاستثماري، لكن الوضع في لبنان لم يصمد وكان الوقت قد تأخر على الإنقاذ وخرج اللبنانيون إلى الشوارع.

ورغم مراهنة القوى الطائفية في لبنان على تبعية الجمهور لها ومقدرتها على إطفاء الاحتجاجات، إلا أن الوضع مختلف في الاحتجاجات الحالية، ونال "حزب الله" منها الكثير من الشعارات المناهضة، ما يعني أن تستر حليف إيران وراء شعارات المقاومة لن يحميه ولن يجعله بمنأى عن المحاسبة الشعبية، وعلى الأقل ستعمل على اهتزاز صورته وظهوره على لسان نصر الله مدافعا عن وضع سياسي منتج للفساد والفشل الاقتصادي، وهذا ما يريده "حزب الله" ليتمكن من المحافظة على وجوده وعلى سلاحه في وضع لا يسمح بتشكل دولة لبنانية أقوى من الميليشيات.

ما يمكن الخروج به من تظاهرات لبنان أنها موجهة ضد القوى التي تعبث بالساحة اللبنانية، وفي مقدمتها "حزب الله"، الذي يتجاهل استقرار اللبنانيين، ويركز على تنفيذ أجندة طهران، والتطاول على الآخرين نيابة عنها، وهذا ما فعله "حزب الله" ويحصد نتائجه على شكل احتجاج لبناني شعبي.

بقلم : د. سالم حميد

المصدر : مركز المزماة للدراسات والبحوث

23/2/1441

22/10/2019



مقالات ذات صلة