حاجة طهران إلى هذه "المسرحية النووية"
د. عبد لعظيم محمود حنفي
صرحت إيران رسميا في 9 أبريل (نيسان)، عيد التكنولوجيات النووية الوطني، عن بدء تخصيب اليورانيوم بالحجم الصناعي. ولم يفت طهران في غضون ذلك، التحذير الضروري في مثل هذه الحالات.
فقد حذر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، من أنه إذا جرت مواصلة الضغط على إيران "بسبب برنامج البحوث النووية السلمي الذي تنفذه"، فلن يبق أمامها خيار غير "إعادة النظر في عضوية البلد في معاهدة منع انتشار السلاح النووي".
فأية تساؤلات من الممكن أن تبقى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن إيران، بعد إبداء مثل هذه العزيمة الواضحة، وعقب هذا الفصل الجديد من الفصول المتلاحقة والمتسارعة في قصة الطموحات النووية الإيرانية. لا مجال للتشكيك في طموح إيراني لإنتاج قنابل ذرية، للاعتبارات الآتية:
أولا، أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تسعة تقارير مكتوبة، توضح بكلمات لا لبس فيها نتائج تحقيقاتها. وتوثق هذه التقارير بأن إيران قامت بشكل منتظم، منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، بنشاطات نووية سرية، بينها نشاطات غير معلنة في تخصيب اليورانيوم وعزل البلوتونيوم. وتتهم التقارير إيران بشكل محدد بأنها "أخفقت في الكثير من المناسبات، في التعاون وتيسير تطبيق الإجراءات الوقائية، كما تثبت نشاطات الإخفاء الواسعة النطاق".
ثانيا، أن إيران تعمدت إخفاء نشاطاتها المتعلقة بدورة الوقود النووي لمدة حوالي عشرين عاماً، لأن تلك النشاطات تهدف إلى صنع أسلحة نووية. وفي حين أن الوكالة الدولية قد نجحت في إجبار إيران على الاعتراف ببعض هذه النشاطات، إلا أن إيران واصلت عدم التعاون بشكل تام.
ثالثا, تشير التقديرات إلى أن مجمل الكلفة التي تحملتها إيران في استثمارها في نشاطات مرتبطة بدورة الوقود النووية، يتراوح ما بين 600 مليون وألف مليون دولار، وأكثر من ذلك. ويكاد يكون من المستحيل التوصل إلى نتيجة مفادها أن إيران تنفق مثل هذه المبالغ الباهظة لأي غرض غير الأسلحة النووية، خاصة لدى أخذ بعين الاعتبار، مخزون إيران الضخم من البترول والغاز وافتقارها إلى أي مفاعلات نووية صالحة للتشغيل، وأيضا التزام روسيا المنصوص عليه في العقود على تزويدها بالوقود للمفاعل الوحيد الذي يجري بناؤه حالياً طوال السنوات العشر الأولى بعد تشغيله.
رابعا، لقد انتهج النظام الإيراني مسارات تكنولوجية ثنائية الاستعمال، لاكتساب القدرة على إنتاج مادة قابلة للانشطار لصنع أسلحة نووية.
خامسا، تعتقد الولايات المتحدة أن إيران تسعى حالياً إلى بدء برنامج بلوتونيوم من خلال تشييد مفاعل أبحاث للماء الثقيل ومعمل للماء الثقيل. وعلاوة على ذلك، وثّقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجهات أخرى، بشكل جيد، لسعي إيران النشط للحصول على تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم. وما زال العمل جارياً في تشييد المرافق لتحويل وتخصيب اليورانيوم.
سادسا، لقد عرضت روسيا على إيران منذ عام 2005م، القيام بتخصيب اليورانيوم في الأراضي الروسية، بضمان تزويد المفاعلات الإيرانية قدر حاجتها بالوقود النووي. لكن طهران رفضت هذا العرض أسوة بحزمة الاقتراحات التي تقدمت بها الدول الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي وألمانيا.
ونذكر بالمناسبة أنها وعدت إيران دعم انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، والمساعدة في بناء المحطات الكهرذرية، وتوريد قطع الغيار الجديدة من أجل الطائرات المدنية شريطة تخليها عن تخصيب اليورانيوم. ويبدو هذا الاقتراح مغريا، فلماذا إذن ترفضه إيران؟ إن السبب واحد في كلتا الحالتين، هو التهرب من الرقابة الخارجية على عملية تخصيب اليورانيوم. ويبدو أن إيران تماطل في عملية التفاوض، بغية الحصول على فرصة الشروع في تخصيب اليورانيوم إلى المستوى المطلوب لتصنيع القنبلة
سابعا، من الأدلة الدامغة التي أظهرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وثيقة اكتشفها المفتشون، تشير إلى أن إيران تلقت معلومات من شبكة نشر سرية للتكنولوجيا النووية، حول صب و"مكننة" صنع أنصاف كرات من فلز اليورانيوم. وهذا أمر مرعب، نظراً لأنه لا يوجد أي غرض لاستخدام أنصاف كرات اليورانيوم هذه، سوى الأسلحة النووية. ولم تقم إيران حتى الآن، كما هو الحال أيضاً في ما يتعلق بعدد من الأسئلة الأخرى التي وجهتها الوكالة الدولية، بتقديم تفسير كامل حول تعاملها مع الشبكة السرية لنشر تكنولوجيا الأسلحة النووية.
ثامنا, لا يتطلب تخصيب اليورانيوم بدرجة 90 بالمائة وصنع القنبلة الذرية في حدود العام الواحد، سوى عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي. وسبق أن أعلن الإيرانيون عن نيتهم في زيادة عدد هذه الأجهزة في مصنعهم في "نتانز" إلى ثلاثة ألاف جهاز، ولكن في اليوم التالي بعد الاحتفال بالعيد الوطني للتكنولوجيات النووية (9 أبريل)، أعلن نائب رئيس إيران، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، غلام رضا أغا زاده، عن وجود خطة لتشغيل 50 ألف جهاز للطرد المركز.
وبالمناسبة، يشكك الخبراء الروس في إمكانيات إيران النووية، المبالغ فيها. ذلك أن قدرات أجهزة الطرد التي تستخدمها إيران حاليا، حسب التقييمات المتوفرة، أقل بآلاف المرات عما لدى أي بلد يتملك دورة الوقود النووي الكاملة.
وتحتاج إيران على أقل تقدير إلى 5 سنوات لتخصيب وقود كاف لمفاعل ذري واحد بهذه القدرات. وأكثر الفترات واقعية هي من 5 إلى 7 سنوات. ولا تتوفر لدى إيران في يومنا الراهن، علاوة على ذلك، التكنولوجيات الضرورية لمواصلة معالجة اليورانيوم المخصب، ولذلك فإن فكرة بدء العمل على تخصيب اليورانيوم صناعيا، تبدو غير واقعية.
ويرى العاملون في مؤسسة "تيخ سناب إكسبورت" الروسية، أن الإيرانيين لا يستطيعون القيام ذاتيا بتحضير المركب الرئيسي، المركب الذي يولد الحرارة في المفاعل الذري، وبالتالي لا يمكن التحدث عن تحضير الوقود للمحطات النووية.
وإذا صح هذا فعلا، يتبادر السؤال: ما هي حاجة طهران إلى هذه "المسرحية النووية"؟
* خبير الدراسات الإستراتيجية