بلطجة نصر الله .. مسلسل "إسرائيلي" متواصل
الجمعة 19 نوفمبر 2010
بقلم د. سامح عباس
أماط حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني من على وجهه قناعاً جديداً من أقنعة الزيف والخداع، التى يتخفى وراءها مدعياً البطولة والاستبسال، وهو مختبئ فى باطن الأرض، لسنوات طويلة، لا يظهر على أنصاره إلا عبر الشاشات السينمائية، التى يجيد التحدث من خلالها، بالقدر الذي يجيد به تمثيل دور البطولة الكاذبة، كما لو أنه أحد أبطال هوليوود الخارقين، الذين تنبهر بهم على الشاشات، وكأنهم قوة لا تنكسر، لكن وفى واقع الأمر لا يمكن مشاهدتهم فى تلك الصورة إلا عبر تلك الشاشات، لأنهم فى واقع الأمر أضعف ما يكونوا عن الأدوار التى يقومون بتجسيدها، خارج نطاق تلك الشاشة؛ وهكذا حال نصرالله، الذي تقمص مؤخراً دور البلطجي السياسي، لبث الذعر والرعب في من حوله، عندما هدد بقطع "يد" كل من يجروء على المساس بأحد قيادات حزبه الشيعي، فى حال توجيه الاتهامات لهم بالتورط فى عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
نتيجة "الكنترول" !
فتصريحات نصرالله بقطع "يد" من يقترب من قادة حزب الله، لم تكن مجرد تصريحات انفعالية، أو ذلة لسان، حسبما اعتاد البعض وصف مثل تلك التصريحات النارية، بل على العكس تماماً، فقد أراد نصر الله توجيه رسالة تهديد وقائية ضد أي إجراء مرتقب قد يتعرض له شخصياً أو لأحد قادة حزبه، على الرغم من أنه حتى الآن لا يستطيع أحد أن يجزم بتورط أحد فى حزب الله فى عملية اغتيال الحريري، والأمر لا يعدو حتى الآن كونه قراراً ظنياً، قد يتحقق أو لا يتحقق. لكن ترقب نصر الله الشديد لصدور نتيجة التحقيق، حتى ولو من غرفة "الكنترول" تعكس مدى القلق الذي يعيشه الآن، والذي يتزايد قلما اقترب الموعد المحدد لإعلان النتيجة المرتقبة قبل نهاية العام الجاري.
والسؤال المطروح عقب تصريح حسن نصر الله هو أي "يد " يعتزم قطعها، هل هى "يد" صهيونية أم "يد" أمريكية غربية، لا بالطبع، بل هى وبكل تأكيد "يد" لبنانية، سنية وعربية. وعلى الرغم من الإجماع اللبناني على تشكيل اللجنة الدولية للتحقيق فى اغتيال الحريري، لكن يبدو أن نصر الله يحاول توجيه ضربة استباقية لنتائجها، من خلال التهديد والوعيد، وهو ما معناه فى نهاية الأمر حرب أهلية جديدة، ستأتي هذه المرة على الأخضر واليابس فى لبنان، لأنها ستكون حرب من أجل فرض السيطرة والهيمنة.
بلطجة سياسية
لقد تدنى حسن نصر الله بتصريحه هذا لأقل مستوى من السياسة، يمكن وصفه بـ "البلطجة" السياسية لا يبرع فيها سوى قاداته فى طهران، وعلى رأسهم أحمدي نجاد، وأقرانه فى تل أبيب، بداية من بنيامين نتنياهو، مرورواً بإيهود أولمرت، ونهاية بالسفاح ارييل شارون، ليدخل لبنان لدائرة عنف مغلقة حاولت الخروج منها بشكل نهائي بعد أن وضعت الحرب الأهلية فيها أوزارها، فنصر الله بتصريحه هذا دهس بقدميه دولة القانون فى لبنان، وأثبت مرة أخرى بأنه الرجل الأقوى الذي لا يخطط فقط لجعل جنوب لبنان محافظة إيرانية، بل يرغب فى جعل لبنان كلها محافظة إيرانية، تحت أي إدعاء أو مسمى.
لقد أدرك نصر الله بأن ساعة الصفر قد اقتربت، وأنه ليس هناك وسيلة أفضل من التخويف والترهيب - وهى إحدى أبرز مصطلحات قاموس البلطجة السياسية - لكي يحقق مخططاته ومؤامراته. ويبدو أن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان، قد أضفت مزيداً من القوة والبلطجة السياسية على حسن نصر الله، الذي يتصرف كما لو أنه رئيس البلاد.
السيناريو القادم
لكن دعونا لا نقف كثيراً أمام تصريح نصرالله فقط، لنتأمل سوياً ونتنبأ أيضاً بالوضع الذي ستئول إليه لبنان فى حال تورط حزب الله فى عملية اغتيال الحريري، ليكون سيناريو الأحداث القادمة مطروحاً أمامنا بكافة تفصيلاته وبكل وضوح. فمن المتوقع أن يثير قرار تورط أحد قادة حزب الله الذي يسيطر تقريباً على معظم المناطق الجنوبية للبنان، إلى جانب كونه أكبر منظمة لبنانية تمتلك السلاح العسكري، بدعوى المقاومة، ولديه كافة المقاومات لإقامة دولة شيعية مستقلة فى الجنوب، بما يملكه من دعم خارجي سواء عسكرياً أو سياسياً، من جانب إيران وسوريا، غضب قائد الحزب حسن نصر الله، والذي سيعتبرها محاولة جديدة للنيل منه ومن حزب الله، لكن السؤال هو هل قوة حزب الله وبهذا الشكل يمكن لأي طرف فى لبنان الاقتراب منها أو المساس بها، خاصة وأن رد الفعل المرتقب لحزب الله سيكون قوياً كما هو متوقعاً، وقد يصل الأمر إلى حد المواجهات العسكرية مع الدولة اللبنانية. لكن ومن جهة أخرى ثمة هناك رغبة لدى نصر الله فى الدخول لمثل هذه المواجهة ليحقق من خلالها أغراضه ومخططاتها بالرغبة فى السيطرة على بيروت حتى ولو بالقوة العسكرية.
هذا السيناريو وإن كان البعض قد يستبعد حدوثه، لكنه ما زال احتمال قائم، فى ظل التوتر الشديد سواء داخل لبنان، أو فى محيطها الخارجي. وليس شك فى أن هناك أطراف إقليمية عديدة استخدمت، ولازالت تستخدم لبنان كساحة لتصفية الحسابات، ولعل حرب لبنان 2006 لخير دليل على ذلك، وقد عانت لبنان، ولازالت تئن حتى الآن من تداعيات تلك الحرب.
لجنة التحقيق الدولية
على أية حال نخشى جميعاً من حوث هذا السيناريو المخيف، الذي سيقود المنطقة لمنعطف تاريخي جديد لا يحمد عقباه. ومع ذلك ويبدو أن الشخص الوحيد – إذا كان يملك قراره - الذي يمكنه تغيير صورة هذا السيناريو هو حسن نصر الله نفسه؛ والذي فشل عدة مرات فى إجهاض عمل لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال الحريري- التى تشكلت فى عام 2005 - سواء من خلال الإدعاء بإظهار قرائن تفيد تورط الكيان الصهيوني فى عملية الاغتيال، بعد صمت استمر لسنوات منذ تنفيذ العملية، أو من خلال إثارة الرأي العام اللبناني ضد لجنة التحقيق عقب حديثه عن "العيادة النسائية" وقيام المحققون الدوليون بالحصول على أرقام هواتف زوجات وبنات قادة حزب الله من إحدى العيادات النسائية فى جنوب لبنان، وسعيه إلى تصوير الأمر على أنه اعتداء على أعراض اللبنانيين، رغم اعترافه وصمته فى الوقت ذاته بقيام أعضاء اللجنة الدولية بجمع معلومات حساسة وخطيرة عن حزب الله ونقلها إلى "إسرائيل". وهنا نستعرض ما قاله نصر الله فى إحدى خطبه - التي عُرضت في الآونة الأخيرة على شاشة السينما - لنلمس بأيدينا مدى التناقض فى مواقفه، وكيله بمكيالين فى التعامل مع الداخل اللبناني ومع الكيان الصهيوني :"المحققون الدوليون جمعوا معلومات عن حزب الله أكثر وأوسع بكثير مما هو مطلوب في التحقيق باغتيال الحريري وكل ما يحصل عليه المحققون الدوليون يصل لإسرائيل ومع ذلك سكتنا، إلا أن التطور الفضائحي الأخير الذي حدث بالعيادة النسائية سيعيدنا إلى أصل المسألة وهي الاستباحة الأمنية في لبنان تحت عنوان التحقيق الدولي". واستطرد محرضاً اللبنانيين ولاعباً على وتر المشاعر والكرامة "هل يجوز أن نقبل باستباحة لجنة التحقيق، يكفي ما حدث من استباحة، كل ما يحصلون عليه يصل إلى إسرائيل، كفى استباحة، استمرار التعاون يساعد على مزيد من الاستباحة والاعتداء على المقاومة، أي تعاون مع المحققين هو اعتداء على المقاومة، أدعو كافة اللبنانيين لمقاطعة المحققين الدوليين منذ الآن، أدعو كل مسؤول ومواطن لبنان إلى أن يحتكم لما يمليه عليه ضميره وكرامته وشرفه". ومع ذلك واصلت لجنة التحقيق الدولية عملها، لكن لماذا يصمت نصر الله عن نقل المعلومات لإسرائيل، أليس هذا مساساً بالكرامة وتعد واضح على حزب الله وسيادته التى يدعيها أم مؤسسات الدولة اللبنانية؟.
أقنعة نصر الله
لكن وفى حقيقة الأمر الوضع مغاير تماماً، فحسن نصرالله يريد أن يجنب قادة حزب الله التعرض لأية مساءلة قانونية من جانب الدولة اللبنانية بأي ثمن، حتى ولو كان ذلك بقطع "يد" كل من يقترب منهم. وهكذا سقط قناع آخر من أقنعة نصر الله المتعددة على شاشة السينما وهو قناع البطجي السياسي، الذي لا يمكن أن نفرقه عن الوجه الحقيقي للسفاح الصهيوني شارون ومن بني جلدته أولمرت ونتنياهو، الذين مارسوا ولا زالوا يمارسون البلطجة السياسية فى أبشع صورها، ضد العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، ويبدو أن الأمر تحول إلى مسلسل متكرر شارك فيه مؤخراً بقوة الأمين العام لحزب الله، ليواصل مسلسل البلطجة السياسية فى منطقة الشرق الأوسط حلقاته، بعد أن شهدت حالة من الإثارة والزخم مع انضمام ممثلين جدد له، أمثال نجاد ونصر الله لينضموا لأقرانهم من بني صهيون.