بين بابا الفاتيكان .. ومرشد الثورة في إيران !

بواسطة شريف عبد العزيز قراءة 470

بين بابا الفاتيكان .. ومرشد الثورة في إيران !

 

 

شريف عبد العزيز

عندما ظهرت دعوة الإسلام ، وأشرقت شمسها النيرة علي وجه الأرض الكالح ، كانت أكبر المشاكل التي واجهها الرسول صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم ، هي مشكلة المغالاة في الأشخاص ، وتقديس آثار الآباء وتقليدهم ، في ظل انتشار فكرة عبادة الأشخاص وتقديسهم واعتقاد العصمة فيهم ، وإضفاء بعض الصفات الإلهية عليهم ، وكانت الدولة الفارسية المجوسية ، هي لب هذه الفكرة ومصدرها الأساسي في المنطقة ، إذ كان يعتقد الفرس أن ملوكهم الأكاسرة تجري في عروقهم دماء سماوية ، وأنهم ينتسبون إلي الله عز و جل مباشرة بأسباب النسب ، تعالي الله عما يقولون علواً كبيراً ، وكان الفارسي العادي ، أو رجل الشارع المجوسي البسيط وغيره ، لا يتخيل أبداً أن يري كسري بعينه ، أو يدخل إيوانه المهول الذي فتحه الصحابة رضوان الله عليهم سنة 16 من الهجرة ، وصلي فيه سعد بن أبي وقاص صلاة الفتح ، وكان الفرس المجوس يعتقدون أن ملوكهم الأكاسرة أبناء الله المعصومين من أي خطأ أو خلل ، حتى وهم أطفال صغار ، لا يتصور فيهم غير العصمة الربانية ، وظلت هذه الأوهام تحكم عقول الفرس المجوس ، حتى جاء الإسلام ، و دخل الفرس في دين الله أفواجاً ، وخرجت هذه الأفكار من رؤوسهم ، ولكن ليس بصورة كاملة ، إذ بقيت بعض آثار هذا التقديس في زوايا القلوب وحنايا النفوس ، ومع أول دخل وقع في الأمة عادت هذه الأفكار للظهور مرة أخري ، وأخذت في التنامي والازدياد يوماً بعد يوم ، وقد أخذت نكهة إسلامية ، وصبغة مذهبية ، وأصبحت الأفكار الفارسية الكسروية عن تقديس الشخوص والذوات واقعاً ملموساً داخل كيان الملة الإسلامية التي جاءت في الأساس لمحاربة مثل هذه الأفكار الشركية ، وأصبحت فرقاً وجماعات ودولاً ، بل أصبحت هذه الأفكار المجوسية الفارسية ، بنداً من بنود العقيدة عند فرق الشيعة قاطبة ، وقد أخذت عقيدة الولاية وتعظيم الأئمة الحيز الأكبر في دين الشيعة بشتى فرقهم ، وأحد أهم أركان الدين والعقيدة الشيعية ، ومع وفاة الإمام الحادي عشر للشيعة الحسن العسكري سنة 260 هجرية وقع الشيعة في أزمة ولاية حقيقية ، كان المخرج منها بضلالة  أشد، هي فكرة الإمام المهدي الذي سيخرج آخر الزمان ، والذي سيستتر عن العيون حتى يحين الوقت المعلوم ،

الولاية والكهنوت.

ومع اتساع زاوية الانحراف في العقائد الشيعية مع مرور الزمان ، امتزجت فكرة الكهنوت النصرانية والتي تقوم أيضا علي تقديس الأشخاص ، واعتقاد العصمة فيهم ، بعقيدة الولاية والإمام المهدي الغائب عند الشيعة ، لتخرج للعلن لأول مرة فكرة ولاية الفقيه عن الإمام الغائب ، وذلك علي يد الخوميني ، والتي كانت أهم أدوات سيطرته علي الشعب الإيراني الوثاب ، واستطاع بها أن يخضع ليس شيعة إيران فحسب ولكن الشيعة الجعفرية في العالم كله لنفوذه وتأثيره الديني ، حتى أصبح يلقب بظل الله في الأرض ، ولا يجرؤ أي أحد علي معارضة أوامره مهما جانبها الصواب ، وكل من تسول له نفسه ذلك ، كان يتم التنكيل به و بأشد الصور ، مهما كانت درجته العلمية أو الوظيفية ، مثلما حدث مع بني صدر ومنتظري وغيرهم ، مع العلم أن الكثير من علماء الشيعة في قم وغيرها قد عارضوا فكرة ولاية الفقيه هذه وأنكروها عليه ، وعلي رأس هؤلاء المعارضين الإمام الشريعتمداري الذي أرسل إليه الخوميني عشرة ألاف من جلاوزته مسلحين بالعصي والهروات وحاصروا بيته ، وهم يهتفون : [ اهدموا وكر التجسس واحرقوه ] وقتلوا عدداً من حراس الإمام ، وألزموه الاعتزال في بيته حتى الوفاة ، ومثل ذلك فعل مع الطباطبائي القمي ، وغيرهم مما جعل الأصوات المعارضة لفكرة ولاية الفقيه والمرشد الأعلى ، يعتبرون بما جرى لرفقائهم ، فآثروا الصمت الأليم .

مرشد الثورة وبابا الفاتيكان

وفي ظل ولاية الفقيه نائب الإمام الغائب مهدي آخر الزمان ، أصبح مرشد الثورة يمتلك صلاحيات مطلقة ، وسلطة كاملة ، تمكنه التدخل في كل شيء ، وأي شيء ، وبالتالي أصبح مرشد الثورة أشبه ما يكون بالباباوات والأساقفة عند النصارى ، من صفات التقديس والمغالاة ، وفوق مستوى البشر، بل يفوق سلطة بابا الفاتيكان وغيره ، إذ أن سلطة المرشد دينية ودنيوية ،وتشمل صلاحياته وفقاً للمادة 110 من الدستور الإيراني أمور منها :

 1ـ تعيين الفقهاء المراقبين علي صيانة الدستور و القوانين التي يسنها مجلس الشعب .

2ـ نصب وعزل رئيس أركان الحرب وقائد الحرس الثوري وأعضاء الدفاع الوطني ، وقادة أفرع الجيش الثلاثة.

3ـ تعيين أعلي سلطة قضائية في البلاد .

4ـ إعلان الحرب وقبول الصلح .

5ـ عزل رئيس الجمهورية وإلغاء نتائج الانتخابات .

6ـ العفو عن المدانين في قضايا في حدود قوانين الإسلام .

في حين أن سلطة بابا الفاتيكان وغيره من أساقفة المذاهب النصرانية الأخرى دينية فقط .

واليوم تتعرض ولاية الفقيه لأخطر اختبار تمر به بعد ثلاثين سنة من حكم الثورة القصير لإيران ، وقد خرجت مئات الآلاف من الإيرانيين الغاضبين ، ليس من تزوير الانتخابات فحسب ، ولكن من تحيز المرشد الأعلى خامنئي لصالح ربيبه نجاد ، وإصراره على عدم الإستماع لأصوات المعارضين العالية ، وتنكيله بالمتظاهرين بمنتهي الشدة ، وفي مشاهد ذكرت الإيرانيين بأيام الشاه الفاسد ، ولما لم تفد القوة الغاشمة والقهر الأمني للمعارضين وأنصارهم ، وأخذ الأمر يخرج عن نطاق السيطرة ، لجأ المرشد إلي آخر أوراقه ، وهي استخدام كارت الحرمان من الجنة واتهام معارضيه بالشرك بالله ، لمخالفتهم أوامره ونواهيه ، كما جاء ذلك علي لسان خطيب الجمعة في طهران بالأمس ، وعضو مجلس الرئاسة في خبراء القيادة ، وأحد سدنة النظام الإيراني ، أحمد خاتمي الذي اتهم المعارضين والمتظاهرين بالإشراك بالله ، لأنهم قد خالفوا أوامر البابا ، عفوا أقصد المرشد الأعلى .

هذا الكلام كان يعترض عليه المفتونون بإيران وثورتها ، من جوقة التبشير والتطبيع الإيراني في المنطقة ، ويتهموننا بالتهويل والمبالغة ، ويرموننا بالإسقاط ، والهروب من نقد الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة العربية ، ويلمزوننا من طرف ليس بخفي بخدمة المشروع الأمريكي و الصهيوني في المنطقة ، إلي آخر تهريجات الطابور الإيراني الذي يردد مثل الببغاء شعارات الاستكبار العالمي والتصدي للطغيان ودعم المقاومة هوائياً ، والتي يحرص المسئولون الإيرانيون علي ترديدها في كل مناسبة .

فما رأي السادة المفتونين بما قاله أحد أعمدة النظام الإيراني ، وأحد حراس ولاية الفقيه وسدنته الأن ؟

أصبح من يعترض علي المرشد كالمعترض علي الله عز و جل نفسه ، ومن اعترض علي المرشد فقد أشرك بالله عز و جل ، ويستحق الخلود في النار ، فهل نسمع صوتاً من كتيبة التبشير الإيراني في بلادنا ، ينكر هذا الكلام الجافي الطافح بالغلو ، وهل يجرؤ الأستاذ هويدي أو هيكل أو الغنوشي أو غيرهم من رواد التطبيع الإيراني علي الاعتراض علي هذا الكلام ؟ الإجابة السهلة الواضحة هي لا وألف لا ، لم ولن يجرؤ أحد رواد التطبيع الإيراني علي إنكار هذا الكلام أو رده أو الاعتراض عليه ، لأن الأمر قد انكشف ، والمسألة لم تعد أبداً قناعة فكرية ، ومحصلة عقلية بأفضلية النموذج الإيراني ، بل إن الأمر علي ما يبدو له حسابات آخري ، وهي بالطبع ليست حسابات فكرية بقدر ما هي حسابات بنكية .

 



مقالات ذات صلة