أنور مالك
"حزب الله" ليس تنظيماً للمقاومة العربية والإسلامية، ولا هو يدافع عن لبنان ولا عن قضايا الأمة الإسلامية المصيرية، كما يسوّق الصفويون الفرس والمتصفونون العرب. ولا هو حركة سياسية لديها مشروعها القومي العربي في المنطقة، ولا هو حزب سياسي في لبنان يتنافس مع غيره من الأحزاب السياسية لأجل بناء البلاد وخدمة العباد..
"حزب الله" هو تنظيم إرهابي وعنصري وطائفي وإيراني، زرع كالسرطان في خاصرة العالم العربي والإسلامي، وتمّ اختيار موقعه وهدفه وتركيبته البشرية والفكرية والدينية بذكاء استراتيجي فعّال للغاية، وهو يستعمل قضية فلسطين والمقاومة للحفاظ على سلاحه الذي يشكل خطراً على اللبنانيين أكثر من غيرهم.
لقد تمكّن هذا الحزب من التسويق لنفسه على أنه حزب مقاوم ضد الكيان العبري، وأنه يدافع عن لبنان وفلسطين ويتصدّى للمشروع الصهيوني، وبذلك أعطى "مشروعية" خاصة به بعيداً عن حقيقته الطائفية التي تجري فيه مجرى الدم ولا علاقة لها أصلاً بالمقاومة بل هي ترتبط أساساً بمصالح إيران القومية الفارسية فقط.
ظلّ "حزب الله" وأمينه العام حسن نصر الله يهدّد "إسرائيل" منذ حرب يوليو/ تموز 2006 التي سوّقها كانتصارات أسطورية وتاريخية غير مسبوقة في تاريخ العالم الإسلامي، رغم أن الصهاينة حققوا كل أهدافهم، ورغم الدمار الذي حلّ بلبنان على جميع المستويات، كما أن حربه هذه أدّت إلى دخول قوات أممية "اليونيفيل" وتمركزت في الجنوب، وبها وضعت الدولة العبرية حدودها في أمانٍ حقيقي يحميها من تسلّل عناصر المقاومة الفلسطينية التي أثقلت كاهلها بعيداً عن الأضواء والدعاية الإعلامية كما يفعل "حزب الله".
بوجود قوات حفظ السلام "اليونيفيل"، لحق جنوب لبنان بجبهة الجولان التي ظلت آمنة على مدار سنوات طويلة بفضل نظام الأسد، ولم يتم إطلاق رصاصة واحدة رغم شعارات المقاومة والممانعة وجبهة الصمود والتصدّي التي صدّع بها الأسد العالم العربي والإسلامي.
هذا ما تريده "إسرائيل" التي لا تهمّها الشعارات بقدر ما يهمّها الواقع، فنظام الأسد يرفع شعار العداء لإسرائيل وجبهة الجولان آمنة تحرسها قواته العسكرية وتراقب ذلك قوات أممية، ثم جاء الأمر من جهة لبنان، حيث إن "حزب الله" بدوره على درب نظام الأسد من حيث شعارات العداء المرفوعة، ولكن ذلك لا يهم ما دامت الحدود آمنة تحت حماية قوات حفظ السلام، وهو ما ستعمل لأجله أيضاً في جهة سيناء والأردن.
نصر الله في كل مرّة يخاطب أتباعه لأكثر من ساعة عبر شاشات وأقمار صناعية يسهل على الموساد الصهيوني تحديد إحداثيات مكانه في ثوانٍ وقصفه خلال دقائق، لكنها لم تفعل ذلك، بل معلومات متوفرة لدى أجهزة أمنية عربية تثبت أن "الموساد" يشارك في أمن نصر الله بطرق مختلفة.
الأمر نفسه بالنسبة لزعيم "حزب الله" الذي لم ينفّذ أيّ تهديد من تهديداته التي يطلقها ويتغنّى بها أتباعه من المهووسين بالنصر المزّيف والبطولات الكرتونية، وهو أمر طبيعي، فالدارس للوضع الحقيقي لـ"حزب الله" والمنطقة يدرك أنه لا يستطيع فعل أيّ شيء غير الكلام والشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع في الصراع الدولي القائم بالمنطقة. كما أنه لا يمكنه أن يتحرّك إلا بإيعاز من إيران التي تستعمله حسب ما تمليه مصالحها ومعاركها في الساحة العربية والدولية.
بعد حرب يوليو/ تموز 2006 التي جاءت في ظروف معينة وترتبط أساساً بالملف النووي الإيراني، اقتصرت معارك "حزب الله" على الشعارات مع إسرائيل، ولكنه مع غيرها فقد خاض عدّة معارك أخرى، حيث وصل به الأمر إلى اجتياح بيروت عسكرياً وفرض ما يريد على الدولة اللبنانية التي صارت أسيرة قوات عسكرية إيرانية في المنشأ والمعتقد والغاية.
بلا شكّ أن حسن نصر الله نجح عبر تسويق إعلامي فضائي محكم بأن يشغل بال الكثيرين من العوام في العالم الإسلامي، وصار ذلك "البطل القومي" الذي لن يتكرّر، وهو الأمر نفسه مع كل من "يتجرأ" على "إسرائيل" رغم أنه ورّط بلاده في حرب غير متكافئة أدّت إلى دمار كبير، كما تمّ خلالها استهدف المقاومة الحقيقية التي كانت تؤرق "إسرائيل" في حين أن "حزب الله" ظل محافظاً على كيانه ولم يكن أصلاً هدفاً للحرب الصهيونية على لبنان.
الحرب الوحيدة التي خاضها "حزب الله" منذ نشأته إلى يومنا هذا هي التي تجري حالياً في سوريا ضد الشعب السوري الثائر على الاستبداد والفساد والاحتلال الأجنبي، وقد أدّت هذه الحرب القذرة التي يشارك فيها "حزب الله" إلى سقوط العديد من قياداته الميدانيين والنخبويين وآلاف الجنود من تنظيمه الذين وجدوا أنفسهم يخوضون حرباً "مقدّسة" في إطار ولاية الفقيه.
منذ اندلاع الأزمة السورية اصطفّ "رجل الدين الشيعي" حسن نصر الله باستماتة مع "العلماني" بشار الأسد، واعتبر ما يحدث هي مجرّد مؤامرة على "المقاومة"، رغم أن ما يجري حينها كان عبارة عن مظاهرات سلمية مطالبها محدّدة قوبلت بالقمع والقتل منذ اللحظات الأولى بدرعا في مارس/ آذار 2011.
حسن نصر الله كافأ نظام الأسد الذي غدر بالمليشيات السنّية ونزع سلاحها أثناء وجوده في لبنان، في حين حافظ على سلاح "حزب الله" بما يتنافى واتفاق الطائف لعام 1989 الذي يفرض حلّ جميع الميليشات المسلّحة وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية.
بلا شكّ أن هذا الاصطفاف طائفي بحت ليس له علاقة بالمؤامرة المزعومة ولا غير ذلك، لأنه لم يصدر عن الشعب السوري ما يدلّ على أنه سيصير عميلاً للصهاينة أو أنه سيعادي المقاومة، بل حملت المظاهرات شعارات قوية تطالب بتحرير الجولان وفلسطين من الاحتلال الصهيوني، وهذه طبعاً من أهداف المقاومة الحقيقية وليست تلك المزيّفة التي يريد أن يحتكرها "حزب الله" ومشتقاته.
لكن التساؤل يتعلّق بأسباب هذا الاصطفاف بين "حزب الله" الذي جلب قوات "اليونيفيل" لتحلّ بمواقعه في الجنوب اللبناني وتبعده عن المناطق المحتلّة، ونظام الأسد الذي بدوره لم يطلق رصاصة واحدة تجاه الجولان المحتل والمحمي بدوره من قوات حفظ سلام دولية، في حين قصف شعبه بالكيمياوي وصواريخ سكود!
بيت القصيد في المعادلة كلّها هي إيران، و"حزب الله" هو مجرّد ذراع عسكري إيراني يخضع ببيعة مطلقة ومقدّسة لولي الفقيه علي خامنئي، وقد تلقّى نصر الله الأمر في البداية للوقوف مع نظام الأسد الأقرب عقدياً إلى الشيعة "الاثني عشرية" التي اعترفت لأسباب سياسية بالنصيرية بعدما كانت من قبل تعتقد بكفرها وضلالها. دون الخوض في الأبعاد الدينية، نجد أن دخول "حزب الله" للقتال في سوريا هدفه استراتيجي ومن أجل وضع المنطقة برمّتها بين خيارين إما الأسد أو الحرب الإقليمية بين الشيعة والسنّة، من دون أدنى تفكير في خيارات أخرى تجنّب سوريا الخراب والدمار الذي يهدّد كل دول الجوار في المنطقة العربية.
فرضية المقاومة لا أساس لها، لأنه لو كان الأسد يشكّل خطراً على إسرائيل لاستغلوا الفرصة للانقضاض عليه مع هذه الثورة الشعبية العارمة ضده، ولكن حدث العكس أن "إسرائيل" واللوبي اليهودي في الغرب ظل يدافع عن نظام الأسد ووقف عائقاً أمام أي تدخل جدي وفعلي ضده، وقد حدّثني غربيون من الموالين للكيان العبري من أنهم يدعمون بقاء الأسد في الحكم، ورحيل نظامه يشكل خطراً على أمن "إسرائيل" القومي والوجودي.
الأمر كذلك بالنسبة لـ"حزب الله"، فإن دخوله العسكري في سوريا هي فرصة ذهبية للانقضاض عليه في معركة بعيدة عن معاقله في لبنان، وقد يكون ذلك بدعم المعارضة المسلّحة ومن دون حتى خوض حرب مباشرة بقوات عسكرية إسرائيلية ستكلّفها الكثير من الخسائر المادية والبشرية.
لكن الأمور غير ذلك، و"إسرائيل" رغم ضرباتها العابرة والمشبوهة في سوريا لم ولن تقبل بسقوط نظام الأسد لأنها عاشت معه أماناً حقيقياً على مدار نصف قرن تقريباً، والأمر نفسه على جهة لبنان، لأنه لولا "حزب الله" ما تواجدت قوات سلام دولية أخرى تسهر على أمن إسرائيل وعلى حساب ميزانية الأمم المتحدة. كما أن تنظيم حسن نصر الله الإرهابي كان يطارد المقاومين الفلسطينيين ويمنع تسلّلهم لداخل فلسطين، ولا يقبل بأيّ عملية ضد الصهاينة خارج ترتيبه أو قيادته وبما يخدم مخططاته الإيرانية.
من الجانب الاستراتيجي، إن سقوط نظام الأسد سيقطع الحبل السرّي الإيراني عن "حزب الله" بما ينهي وجوده حتماً، وخاصة أنه من البداية اصطفّ بطريقة طائفية مطلقة، مما جعل خصومه يتكاثرون سواء في لبنان أو غيره، ولم يعد ذلك الحزب المقاوم كما نجح في تضليل الكثير من العوام على مدار سنوات، بل مع الثورة السورية كشف عن قناعه الحقيقي كمليشيا طائفية وإرهابية تعمل لصالح إيران فقط.
إن قتال "حزب الله" في سوريا ليس دفاعاً عن اللبنانيين الذين يتواجدون بالقرى الشيعية، ولا لحماية "مقدسات دينية" مهدّدة، رغم أن النظام نفسه لم يحترم المساجد ولا الكنائس. بل لقد صار الحزب مخيّراً بين نهايتين حتميتين لا ثالث لهما، إما بقطع حبله السرّي مع طهران عن طريق دمشق، أو القتال حتى تحقيق بدائل أخرى غير "حزب الله" الذي صارت ورقته محروقة فيما يتعلّق بأمن "إسرائيل" ومشروع تصدير الثورة الإيرانية، ورغم كل ذلك أن استئصاله من خاصرة العرب مكلفة للغاية، وخصوصاً أن المد الصفوي لم يعد يقتصر على ميليشيات حسن نصر الله، بل صارت له أذرع أخرى في اليمن والعراق وسوريا والبحرين وغيرهم...
وللحديث بقية.
المصدر : الخليج اون لاين