هل كانت "صفا" ضحية التقارب المصري الإيراني؟

بواسطة شريف عبدالعزيز قراءة 536

هل كانت "صفا" ضحية التقارب المصري الإيراني؟

الاثنين 18 اكتوبر 2010

بقلم: شريف عبدالعزيز

 

شهدت المنطقة العربية في الآونة الأخيرة حراكا سياسيا واستراتيجيا علي عدة أصعدة وعلي مسارات كانت شبه منقطعة لفترة طويلة من الزمان، وكان من أهم هذه المسارات التي حدث فيه تغييرا ملحوظا، التقارب الحادث بين مصر إيران بما للدولتين من ثقل استراتيجي ومكانة إقليمية ونفوذ كبير في المنطقة، وكلاهما يمسك بالعديد من الملفات المتقاطعة، ويعلق بالقضايا المتوترة في المنطقة، وعلي الرغم من المسافة الكبيرة بين البلدين والقطيعة التي استمرت لفترة طويلة، والتي بدأت تقريبا مع تغير النظام الحاكم في إيران ووصول حكم الملالي بقيادة الخميني، وهي القطعية التي وضعت البلدين في المواجهة الباردة حينا من الدهر، إلا أن التغير الحادث في الآونة الأخيرة كان لابد له من تبرير وتوضيح سياسي لموقف كلا البلدين، والقرابين المتبادلة بين البلدين في سبيل هذا التقارب، والأجندة المعلنة والخفية من هذا التقارب الذي استرعي بشدة أنظار المحللين والمراقبين في المنطقة وخارجها.

طوال الربع قرن الماضي كانت العلاقات المصرية - الإيرانية محكومة بعدة محددات، بعضها ثابت والبعض الأخر متغير، فمنذ قيام الثورة الإيرانية والعلاقات المصرية - الإيرانية مقطوعة بسبب استضافة مصر لشاه إيران وتوقيع النظام المصري معاهدة سلام مع "إسرائيل"، بالإضافة للمساندة المصرية لنظام صدام حسين أثناء حربه الضروس ضد إيران. ويُعد شارع خالد الإسلامبولي بطهران والذي سُمي على اسم قاتل السادات، ومقبرة الشاة في القاهرة، خير مُعبر عن هذا الشقاق بين النظامين، ولم تتجاوز العلاقات بين البلدين أبداً حد الواجبات الدبلوماسية مثل مكالمات وبرقيات التهنئة والتعزية المتبادلة والمحادثات المعدودة على أصابع اليد الواحدة والتي لم تخرج بأي نتائج سوى أمل كل من الطرفين في تبادل العلاقات يوماً ما.

محددات الاستراتيجية المصرية تجاه إيران

العلاقة بين مصر وإيران في نظر كثير من المحللين والمراقبين للأوضاع السياسية في منطقتنا العربية والإقليمية، من قبيل الألغاز السياسية التي تحتاج لتفسيرات ونظريات خاصة تختلف عن غيرها من النظريات المتعارف عليها في السياسة والعلاقات الدولية، فهي علاقة كلما تقاربت تباعدت، وكلما أشرفت الملفات العالقة بين البلدين علي الطي والنسيان تفجرت توابع جديدة لقضايا قديمة أعادت العلاقة للمربع رقم صفر، ومواقف مصر وإيران من القضايا العالقة بين البلدين مواقف شديد الصلابة، وتتسم بالسلبية العدائية، خاصة من جانب مصر التي وقفت بقوة وصلابة تجاه التدخلات الإيرانية في لبنان وفلسطين، ووقفت في صف الدول الخليجية ضد إيران، وظلت العداوة والقطيعة تحكم العلاقة بين الدولتين، حتى بدأت الأمور تتغير تدريجيا شيئاً فشيئاً، حتى كان التقارب الأخير والمتمثل في دبلوماسية الطيران المتبادل، وهي دبلوماسية أمريكية الصنع استخدمها الرئيس الأمريكي نيكسون مع الصين في أوائل السبعينياتن وعرفت بسياسة "البنج البونج".

اللغز الذي قد يكون عصياً على الفهم تتضح معالمه وخيوطه بالبحث في محددات الاستراتيجية المصرية حيال إيران والتي تقوم علي عدة نقاط أساسية:

النقطة الأولي

التقدير المصري لحجم ودور إيران الإقليمي، وإدراك صانع القرار المصري لإيران على أنها منافس إقليمي طموح، يقوم في سبيل تمكين نفوذه بالتحالف مع أي طرف، ثم ما يلبث أن ينقلب عليه لو كانت المصلحة في ذلك، وهذا الطموح التوسعي لإيران عادة ما يكون علي حساب القوي التقليدية في المنطقة، أي يكون بالخصم من رصيد النفوذ المصري، علي أساس أن مصر كانت اللاعب الأساسي في المنطقة لفترة طويلة من الوقت، وسواء كان هذا يتم بتدبير وفق خطة موضوعة سلفاً تنفذها الدولة الإيرانية، أو يقع بشكل عفوي، أثناء حركة إيران لتعزيز دورها الإقليمي، ومصر تدرك جيداً أنه لا عفوية في الأداء الإيراني السياسي التوسعي في المنطقة.

النقطة الثانية

مكانة مصر وارتباطها بالمحور العربي وهي المكانة التي تفرض علي مصر مواقف معينة تجاه الطرف الإيراني، وكلما أدت حركة إيران إقليميّاً إلى التأثير سلباً على المصالح العربية، كلما وجدت مصر نفسها مستنفرة ضد إيران  وهذه المسألة تعزى إلى "الصِّلات القوية" لمصر بدول المنطقة والمستندة إلي أسس أيديولوجية وتاريخية وعاطفية، وأيضا إلي روابط اقتصادية واستراتيجية أعمق وأوثق مع الدول العربية، لذلك دعمت مصر العراق في حربها ضد إيران، ودعمت البحرين ضد الأطماع الإيرانية فيها، كما وقفت بجوار الإمارات في قضية الجزر الثلاثة المتنازع عليها، ودعمت اليمن في حربها ضد الحوثيين المرتبطين أيدلوجيا وتنظيما مع إيران، ثم لا ننسي موقف مصر القوي تجاه حزب الله الشيعي في لبنان، وكلما دخلت دولة عربية في نزاع مع إيران وجدت مصر نفسها أما اقتناعا أو اضطرارا تقف في الصف المعارض لإيران.

النقطة الثالثة

قناعة مصر بأن مسألة التعامل مع ملف إيران النووي بالحسم العسكري، وتحجيم الدور الإيراني بالقوة سيعود علي المنطقة بغاية الضرر، وسيؤدي لنتائج خطيرة، إذ ستوقظ إيران خلاياها النائمة وتحرك طابورها المندس داخل كل دول المنطقة تقريبا والممثل في الأقليات الشيعية والتي لا يكاد أن يخلو منها بلد في المنطقة، وذلك لضرب مصالح الدول التي شاركت في ضربها، مما سيخلق حالة من الفوضى والدمار والإرهاب، والذي سيدفع الضريبة الباهظة لهذا الحل العسكري، هي دول المنطقة، خاصة المحسوبة منها فعليا علي المعسكر الغربي، ومن هذا الأساس رفض الرئيس المصري دعوة إسرائيل له بتكوين حلف عسكري ضد إيران، وهذا ما حدث خلال اجتماع الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشرم شيخ في 11 مايو الماضي، فرغم أن زيارة نتنياهو كانت تهدف بالأساس لإقناع مصر بتشكيل جبهة موحدة ضد إيران، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، حيث كشفت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة أن الرئيس مبارك أكد لنتنياهو أن أي تعاون أمني أو عسكري مع إسرائيل ضد إيران ليس وارداً على الرغم من أن العلاقة بين القاهرة وطهران سيئة، ونقلت قناة الجزيرة عن تلك المصادر القول :"فيما يتعلق بالملف الإيراني ومحاولة إسرائيل تشكيل حلف يضم مصر والأردن، فقد رفض الرئيس مبارك هذا الطرح رفضا تماما وحتى قبل اجتماعه مع نتنياهو، كما أن تصريحاته بعد الاجتماع لم تتطرق لذلك وركزت فقط على القضية الفلسطينية".

النقطة الرابعة

عدم غلق الباب نهائيا أمام رجوع العلاقات مع إيران، وإبقاء الباب مواربا أمام الإشارات الصادرة من الجانب الإيراني، بحيث لا تكون قطيعة تامة، ولا تطبيع كامل، بل يقدر الأمر بقدره، وحسب متغيرات الأوضاع الدولية والإقليمية، وهذه النقطة تحديدا تعبر عن مخاوف مصر من التوسع الإقليمي لإيران وتحولها للاعب أساسي في منظومة التأثير في المنطقة، بما قد يجعل طهران مركزاً للتفاعلات الإقليمية، لاسيما إن تمكنت من إبرام صفقة مع الولايات المتحدة تقوم على مقايضة عسكرة البرنامج النووي الإيراني باعتراف أمريكي بدور إقليمي كبير لطهران على حساب مصر، وهو ما بدأت بوادره في الظهور فعلياً في الاتفاق الإيراني - الأمريكي علي تولية المالكي رئاسة الحكومة العراقية وبالشروط الإيرانية، وإطلاق يد إيران في العراق وغيرها من دول المنطقة، فمصر تعلم يقينا أن أمريكا علي استعداد تام للتضحية بحلفائها في المنطقة وعلي رأسهم مصر من أجل تسيير مصالحها وترسيخ وجودها، مما يجعل مصر علي قناعة بإبقاء الباب مواربا أمام عودة العلاقات الإيرانية مرة أخرى، خشية الغدر الأمريكي والإسرائيلي وسياسة قلب المجن التي تتبعها أمريكا علي الدوام في تسيير أمورها ومصالحها.

مصر وإيران والود الحذر

بوادر تحسن العلاقات بين مصر وإيران بدأت منذ أواخر العام الماضي، ففي 13 يوليو الماضي، التقى وزيرا الخارجية المصري أبو الغيط و الإيراني متكي وجها لوجه على هامش اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز بشرم الشيخ، وعقب اللقاء، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير حسام زكى أن هذا النوع من اللقاءات موجود وقائم، والعلاقة بين الوزيرين هي علاقة شخصية وإنسانية طيبة، ولا ترتبط بالضرورة بوجود خلافات سياسية أو اختلافات في وجهات النظر، وأضاف أن الخلاف المصري مع أي طرف لم يكن أبدا خلافا شخصيا، ولكن دائما ما تكون خلافات مصر مع أي طرف على سياسات أو وجهات نظر معينة، وبالتالي لا يجب تأويل المسائل بشكل أكبر مما تحتمل.

وردا على سؤال حول العلاقة بين مصر وإيران في الفترة القادمة، قال زكي :"إن العلاقات بين مصر وإيران هى علاقات قديمة وقد شهدت هذه العلاقات في الفترة الأخيرة الكثير من التجاذبات والتوتر ونعمل على استعادة العلاقات الطبيعية ولا داع لتأويل الأمور أكثر مما تحتمل، أو أن نبالغ ونهول في حجم الخلاف ونصفه بأوصاف ليست موجودة".

ثم جاء الرد الإيراني سريعا عندما وصف وزير الخارجية الإيراني متكي مصر بأنها بلد مهم على مستوى المنطقة، مؤكدا أن موقفها تجاه موضوع إيران النووي منطقي ومبدئي، وذلك خلال استقباله الرئيس الجديد لمكتب رعاية مصالح مصر في طهران، ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن متكي القول :"إن المشاورات بين طهران والقاهرة تشكل دعما قويا لشعوب المنطقة"، داعيا نظيره المصري أحمد أبو الغيط إلى زيارة طهران والتشاور حول القضايا الإقليمية، فخرج وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في 30 سبتمبر الماضي بتصريحات مثيرة أكد خلالها أن إيران ليست دولة معادية لمصر ولكن القاهرة لها مطالب محددة فيما يخص برنامجها النووي، وفي مؤتمر صحفي عقده مع نظيره البولندى رادوسلاف سيكوروسكى بالقاهرة، أضاف أبو الغيط قائلاً :"إننا نقولها بأكبر قدر من الصراحة والاستفاضة، إيران ليست دولة معادية لمصر، فهي دولة صديقة ودولة إسلامية، ولكن مصر لها مطالب محددة فيما يتعلق بالقدرات النووية لطهران"، مجددا في الوقت ذاته مطالب القاهرة لإسرائيل بالانضمام إلى معاهدة منع الانتشار مثلها مثل باقي دول منطقة الشرق الأوسط.

ضحايا التقارب المصري الإيراني

بعد هذه التصريحات الدبلوماسية الودية بين الجانبين أخذت سياسة التقارب بين مصر وإيران تدخل مسارات أكثر عمقا ووضوحا منها تخفيف اللهجة العدائية في الإعلام المصري ضد إيران، ورفع الدعم عن جماعة العلماء المسلمين العراقية والتي كان لها مقر دائم بالقاهرة وتحظي بدعم وعناية من الحكومة المصرية، والتجاهل المتعمد لكثير من الملفات العالقة بإيران مثل قضية انتهاك حقوق أهل السنة بإيران، والوجود الإيراني في أفغانستان، وملف جماعة جند الله، ثم كانت آخر هذه الخطوات المتبادلة توقيع اتفاقية الطيران المتبادل وتقضي بتسيير 28 رحلة جوية أسبوعيا بحد أقصى بين القاهرة وطهران، وهو عدد من الرحلات كان لا يقطع بين البلدين في سنوات وليس في أسبوع واحد!، ثم توجت سياسة التقارب بالتصريح الشهير لشيخ الأزهر أحمد الطيب الذي أعلن فيه أن لا يمكن تكفير الشيعة وأنه لا يوجد مبرر واحد لتكفيرهم، وأفتي بصحة الصلاة خلفهم، وعقب علي الفتوى الهزيلة الماكرة  لخامنئي بتحريم الإساءة لأمهات المؤمنين بقوله :"إنها صادرة عن علم صحيح وعن إدراك عميق لخطورة ما يقوم به أهل الفتنة وتعبر عن الحرص على وحدة المسلمين، ومما يزيد من أهمية تلك الفتوى أنها صادرة عن عالم من كبار علماء المسلمين ومن أبرز مراجع الشيعة وباعتباره المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ولأن لكل سياسة حذرة، ولكل تقارب ضحاياه وقرابينه التي تذبح علي نصب الصداقة، فإن مصر قررت استخدام نفوذها الكبير علي الإعلام الفضائي لتحكمها من القمر الصناعي الأكبر في المنطقة (النيلسات)، ففتحت المجال أمام قرابة 47 قناة شيعية تبث دعاياتها وعقائدها وأفكارها في عقول المسلمين، وأخذت في نفس الوقت في تحذير وتحجيم القنوات الفضائية التي تواجه هذه الأباطيل والضلالات التي تبثها القنوات الشيعية تحت مسمي مخالفة شروط البث، ومن هذا المنطلق تم ذبح عدة قنوات إسلامية علي نهج السلف الصالح وهو النهج الذي يري فيه الإيرانيون أن الأخطر والأهم في مواجهة مخططاتهم وأباطيلهم، وعلي رأس هذه القنوات التي تم إيقافها بحيلة لا تنطلي علي طفل صغير، هي قناة صفا الكويتية والتي كانت شوكة في الحلق الشيعي في الفضاء الإعلامي العربي والإسلامي، واستطاعت أن تكشف كثير من مخططات الشيعة وتفضح أباطيلهم، وكان المبرر لوقف القناة؛ أن جهات غير معلومة تقوم بالتشويش علي إشارة القناة ــ التي لا يعلمها إلا القائمين علي إدارة القمر الصناعي النيلسات ــ وقد اتضح فيما بعد أن التشويش قادم من إيران، وقد قال خبراء البث الفضائي إنه من المستحيل أن تقوم إيران بالتشويش من داخل إيران، وأن التشويش لابد أن يكون صادرا من دولة قريبة في المنطقة، لبنان أو فلسطين أو الأردن أو الكيان الصهيوني وهكذا، أما أن يكون التشويش من داخل إيران فمستحيل كما قال الخبراء، وهذا يؤكد علي أن وقف قناة صفا ما هو إلا من صنيع القائمين علي إدارة النيلسات، وهي إدارة في غاية أمرها خاضعة للتوجهات السياسية.  

ولكن السؤال الذي يثور الآن هل تتوقف القرابين والضحايا عند وقف القنوات المتصدية للفكر والضلال الشيعي أم أن وراء الأكمة ما هو أكبر وأعمق من وقف قناة، وهل وقف قناة صفا وأخواتها غاية الأمر أم مجرد بداية لحملة تشييع ستجتاح المنطقة في إطار اللعبة السياسة التي لا تعرف المحبة الدائمة والعداوة الدائمة بل تعرف فقط المصالح الدائمة.

 



مقالات ذات صلة