بسم الله
لقد كان التصوف بلاء ابتليت به الأمة كيف لا وقد دخل فيه الكثير من العقائد الزائغة التي وجدت فيه عشا دافئا لتفريخ الضلال والانحراف عن الدين الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ..
فالعزلة الصوفية بحجة التفرغ لتهذيب النفوس عزلت هذه الفرقة عن التفاعل مع المجتمعات المسلمة ..
واقتصرت الطقوس الصوفية على مجالس الذكر البدعي الذي يحتل فيه الرقص والاهتزاز حيزا مهما ..يضاف إلى ذلك الاحتفالات بموالد ما يسمى الأولياء عندهم والطواف بقبورهم ودعائهم من غير الله ..
لذلك كان موقف التصوف سلبيا من فريضة الجهاد في سبيل الله والتصدي لمن سولت له نفسه غزو بلاد المسلمين .. بسبب تسرب بعض النظريات الفلسفية وبعض المذاهب الهندية والمجوسية وعقيدة الحلول والاتحاد والتقمص والتناسخ إلى الفكرة الصوفية ..وأدت هذه العقائد إلى إزهاق عقيدة الولاء والبراء في نفوس أولئك المتصوفة ..
ذلك كما قرر ابن عربي في قوله : ومن اتسع في علم التوحيد ولم يلزم الأدب الشرعي فلم يغضب لله ولا نفسه ..هـ
فإن التوحيد يمنعه من الغضب ، لأنه في نظره ما ثم من يغضب عليه لأحدية العين عنده في جميع الأفعال المنسوبة إلى العالم ، إذ لو كان عنده مغضوب عليه لم يكن توحيد ، فإن موجب الغضب إنما هو الفعل ، ولا فاعل إلا الله .. [1]
وقد وثق ابن تيمية رحمه الله ، مشهدا يدل على هذه النتيجة فقال :
وكان بعض الأكابر من الشيوخ العارفين من أصحابنا يقول هذا أعظم ما بينته لنا لعلمه بأن هذا أصل الدين وكان هذا وأمثاله في ناحية أخرى يدعون الأموات ويسألونهم ويستجيرون بهم ويتضرعون إليهم وربما كان ما يفعلونه بالأموات أعظم لأنهم إنما يقصدون الميت في ضرورة نزلت بهم فيدعونه دعاء المضطر راجين قضاء حاجتهم بدعائه والدعاء به أو الدعاء عند قبره بخلاف عبادتهم الله تعالى ودعائهم إياه فإنهم يفعلونه في كثير من الأوقات على وجه العادة والتكلف حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم وقال بعض الشعراء :
... يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر ..هـ [2]
وبسبب تلك العقائد الباطلة التي تبناها جمع من الصوفية ومنها الحلول والاتحاد وعقيدة وحدة الوجود التي كذلك كان لها الأثر البالغ في التثبيط عن الجهاد بل بالرضا بالعدو وموالاته نرى بأن تأريخ الصوفية يعج بالمواقف المشينة في التعاون مع الأعداء أو على أقل تقدير مهادنتهم ومداهنتهم ..
وذكر شيخ الإسلام : أن ما جرى للمؤمنين مع أولئك الاتحادية هي أشهر المحن الواقعة في الإسلام ..
وقد عرف الأعداء هذا السر فقابلوا الصوفية بالمثل واعترفوا بجميلهم واهتموا بهم بل وحتى دعموهم ومن الأمثلة على ذلك :
قرر ابن تيمية : أن ظهور الأحمدية (الرفاعية ) وإضعافهم الوازع الديني المتصل بالفقه الإسلامي مباشرة ، وتخديرهم الناس وحملهم على الخمول والكسل والتسليم ، كان أكبر أسباب ظهور التتار .. [3]
وقال مصطفى كامل في كتابه المسألة الشرقية صـ212 : "من الأمور المشهورة عن احتلال فرنسة للقيروان، أن رجلاً فرنساوياً دخل في الإسلام ، وسمى نفسه : سيد أحمد الهادي واجتهد في تحصيل الشريعة ، حتى وصل إلى درجة عالية، وعين إماماً لمسجد كبير في القيروان فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة استعدّ أهلها للدفاع عنها، وجاؤوا يسألونه أن يستشير لهم ضريح شيخ في المسجد يعتقدون فيه، فدخل - سيد أحمد - الضريح، ثم خرج مهوِّلاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم: إنّ الشيخ ينصحكم بالتسليم ؛ لأن وقوع البلاد صار بحتاً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن القيروان أقل دفاع، بل دخلها الفرنساويون آمنين" اهـ [4]
لقد كان للتيجانيين "شرف" خدمة المستعمر الفرنسي في بلاد المغرب ,, كما هو معروف لدى العلماء وكان أكثر المتطوعة في الجيش الفرنسي منهم. وفي مصر رحّب المتصوفة بنابليون وأدخلوه حلقتهم وألبسوه الجبة ورحبوا به على أنّه قدر الله ، ذُكر أنّه حمل المسبحة وسمّى نفسه الدرويش عبد الله نابليون ..[5]
حصلت هذه الانتكاسة للصوفية نتيجة تبنيهم للعقائد الباطلة كقول التيجاني : أن الأصل في كل ذرة في الكون أنها مرتبة للحق سبحانه وتعالى ، ويتجلى فيها بما شاء من أفعاله وأحكامه ، والخلق كلهم مظاهر أحكامه وكمالات ألوهيته.. ويستوي في هذا الميدان : الحيوان والجمادات والآدمي وغيره ، ولا فرق بين الآدمي وبين المؤمن والكافر فإنهما مستويان في هذا البساط ، ويكون على هذا ، الأصل في الكافر التعظيم لأنه مرتبة من مراتب الحق .. ولا يكون هذا إلا لمن عرف وحدة الوجود [6]
حقيقة عقيدة وحدة الوجود :
إن عقيدة وحدة الوجود هي عقيدة كفرية باطلة تعتبر أن كل شيء في الوجود هو الله فلا فرق بين خالق ومخلوق ولا ربا ولا مربوب فالعين واحدة ,, ومن ثم فلا ثنائية في الوجود ..
وهذا يقتضي ألا يكون هنالك فرقا بين كافر ومسلم ولا بين صنم ومصحف فالكل شكل واحد وهو عين وجود الرب ..
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ..
يقول ابن تيمية : ولهذا كان يصرح بذلك التلمساني، وهو كان أعرفهم بقولهم وأكملهم تحقيقاً له، ولهذا خرج إلى الإباحة والفجور، وكان لا يحرّم الفواحش ولا المنكرات، ولا الكفر والفسوق والعصيان.
وحدثني الثقة الذي رجع عنهم لما انكشفت له أسرارهم أنه قرأ عليه، "فصوص الحكم " لابن عربي، قال: فقلت له: هذا الكلام يخالف القرآن . فقال القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا [7]
ويقول عندما سئل عن كتاب فصوص الحكم لابن عربي :
ما تضمنه كتب (فصوص الحكم) وما شاكله من الكلام: فإنه كفر باطناً وظاهراً ؛ وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين. وهؤلاء نوعان:
نوع يقول بذلك مطلقاً، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممن يقول: إن الوجود واحد، ويقولون: إن وجود المخلوق هو وجود الخالق ، لا يثبتون موجودين خلق أحدهما الآخر، بل يقولون: الخالق هو المخلوق ، والمخلوق هو الخالق . ويقولون: إن وجود الأصنام هو وجود الله ، وإن عبّاد الأصنام ما عبدوا شيئاً إلا الله .
ويقولون: إن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم.
ويقولون: إن عبّاد العجل ما عبدوا إلا الله ، وإن موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل، وإن موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء، وأن فرعون كان صادقاً في قوله: أنا (ربكم الأعلى) بل هو عين الحق ، ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص.
ويقول أعظم محققيهم: إن القرآن كله شرك، لأنه فرق بين الرب والعبد ؛ وليس التوحيد إلا في كلامنا.
فقيل له: فإذا كان الوجود واحداً، فلم كانت الزوجة حلالاً والأم حراماً ؟ فقال: الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم .. [8]
وقال ابن تيمية أيضاً : وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي يجوع ويعطش، ويمرض ويبول ويَنكح ويُنكح، وأنه موصوف بكل عيب ونقص لأن ذلك هو الكمال عندهم، كما قال في الفصوص ؛ فالعلي بنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية: سواء كانت ممدوحة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة .. هـ[9]
لقد أثرت هذه العقائد الباطلة والمسمومة على تثبيط الناس عن شيء أسمه جهاد ومقارعة الأعداء ..
فالصوفي القائل بوحدة الوجود ينظر على أن العالم كله عين واحدة ..ففرعون عند الاتحادي على حق عندما قال أنا ربكم الأعلى فكيف لأهل الإسلام معارضته أو مجاهدته ..؟؟
وقس على ذلك طردا .. فلا فرق عندهم إذا بين الأمريكي والبريطاني والفرنسي واليهودي الغازي وبين المصري والليبي والفلسطيني والجزائري الذي غُزيتْ بلاده واحتلت ..
فالكل عندهم عين واحدة وهي وحدة الوجود التي تمثل عندهم وجود الحق .. سبحانه وتعالى عما يقول هؤلاء الأفاكون .
فلم القتال والجهاد إذا ..؟؟
وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية صريح وواضح ..؟؟
لذلك أحجم هؤلاء المتصوفة عن جهاد الأعداء وقتالهم عبر سنوات التاريخ الماضية والحاضرة بل كانوا معول هدم لبناء الأمة الإسلامية ..
وإليكم بعض الأمثلة على ذلك :
يقول شيخ الإسلام : وقد خاطبني مرة شيخ من شيوخ هؤلاء الضلال لما قدم التتار آخر قدماتهم وكنت أحرض الناس على جهادهم فقال لي هذا الشيخ أقاتل الله ، فقلت له هؤلاء التتار هم الله وهم من شر الخلق ؟ , هؤلاء إنما هم عباد الله خارجون عن دين الله ، وإن قدر أنهم كما يقولون فالذي يقاتلهم هو الله ويكون الله يقاتل الله وقول هذا الشيخ لازم لهذا وأمثاله [10]
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله :
ابن عربي و ابن الفارض الزعيمان الصوفيان الكبيران عاشا في عهد الحروب الصليبية ، فلم نسمع عن واحد منهما أنه شارك في قتال ، أو دعا إلى قتال ، أو سجل في شعره أو نثره آهة حسرى على الفواجع التي نزلت بالمسلمين ، لقد كانا يقرران للناس أن الله هو عين كل شيء ، فليدع المسلمون الصليبيين ، فما هم إلا الذات الإلهية متجسدة في تلك الصور ، هذا حال أكبر زعماء الصوفية ، وموقفهم من أعداء الله ، فهل كافحوا غاصباً أو طاغياً ؟ ..هـ
وقال الشيخ محمد أحمد لوح : أما عقيدة وحدة الوجود التي نادى بها هؤلاء المتصوفة فتهدف إلى إلغاء الأحكام أي : موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين تحت مظلة وحدة الأديان . قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( عند بيان المراتب الصوفية ) وأما المرتبة الثالثة : أن لا يشهد طاعة ولا معصية ، فإنه يرى أن الوجود واحد ، وعندهم أن هذا غاية التحقيق والولاية لله ، فإن صاحب هذا المشهد يتخذ اليهود النصارى وسائر الكفار أولياء .. هـ [11]
وترد هنا ملاحظة هامة , هي أن التتر عرفوا للصوفية فضلها في انتصاراتهم التدميرية وقدروها كثيرا وأعطوها مركزا مرموقا , جعلها تهيمن على كل البلاد التي اجتاحها التتر , وقد جلى هذه الحقيقة أحد مشايخ الرفاعية , هو صالح بن عبد الله البطائحي عندما قال صراحة تامة لابن تيمية في مناظرته له في مصر سنة 705 :
نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر , وأما عند الشرع فلا ,, وكان هذا التقدير الكبير للصوفية من قبل التتر الذين دمروا البلاد وأهلكوا العباد سببا آخر لإقبال الناس من أهل البلاد التي اجتاحها التتر ومن التتر أيضا , إقبالا كاملا على الصوفية وتقديس مشايخها إلى درجة التأليه , حتى عم البلاء إلا من رحم ربك [12]
لذا فيجب الحذر من هذه العقائد الزائغة والضالة والحذر ممن يروج لمثل هذه الأفكار ولو تحت مسميات جديدة تغلف القديم مثل "الأخوة الإنسانية" أو "التسامح الديني" أو "الوعي الديني المنفتح" أو غيرها من التسميات لأن هذه العقائد تقتل الغيرة الإيمانية والانتصار للحق وبغض الباطل وتجتث من النفوس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل تجعل من معتنقي هذه الأفكار حميرا يركبه أعداء الأمة من اليهود والنصارى فلا غرابة في أن نجد اليهود المحتلين لفلسطين يدعمون الحركات الصوفية ويوفرون لها كافة الحرية في بث أفكارها وقد جلينا هذا في مقالات سابقة لمن أحب الاطلاع عليه ..
موقع الحقيقة
لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة في فلسطين
19/6/1442
1/2/2021
[1] (تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي ص568)
[2] .(الرد على البكري ) ..
[3] (الكشف عن حقيقة الصوفية )
[4] (موسوعة الرد على الصوفية)
[5] المصدر السابق
[6] (تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي 568- 569) ..
[7] ( انظر: مجموع الفتاوى 2/ 127)
[8] (الفتاوى 2/364-365).
[9] (الفتاوى 2/265)
[10] (الرد على البكري )
[11] ) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (
[12] ( محمود عبد الرؤوف القاسم – الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ -)