ويستمر دور المجوس

بواسطة د.محمد السيد قراءة 587

ويستمر دور المجوس

 د.محمد السيد

 

" تخليتم عنا ثلاثين عاماً ، فصغرنا وكبر غيرنا ! “، " نأتي إليكم فنأكل طعاماً لذيذاًً ونسمع كلاماً عاطفياً جيداً ، ثم لا نجد أي شيْ على الأرض " ، بهذه العبارات ؛ أجابني اثنان من العلماء الكبار في لبنان ، حين اتصلت بهما مستفسراً عن الأوضاع في لبنان .

لقد حوصرت بيروت وهوجمت ثلاث مرات ، إحداها كانت على يد إسرائيل عام ( 1982م) والأخريان كانت على يد عناصر شيعية ، إحداها كانت على يد حركة أمل عام ( 1985م) ، وهذه الثالثة – وأرجو أن تكون الأخيرة - على يد حزب الله وحركة أمل أيضاً ( وهما يشكّلان مجتمعتين وجهاً آخر لإسرائيل ) .

حين نسترجع التاريخ ؛ نرى بوضوح أن هذا العنف المنظم الذي قام به حزب الله خلال الأيام الماضية ، لم يكن وليد الصدفة ، ولم يكن مسألة عشوائية قام بها بعض الغوغاء ، بل نُظِم ورُتب بشكل منهجي أدى إلى ما أدى إليه . لأن المجوس – على مدار التاريخ – عمدوا إلى إسقاط المدن والدول الإسلامية ، بدءاً من أبي لؤلؤة المجوسي ، مروراً بابن العلقمي الذي أسهم في سقوط بغداد ، والدولة الصفوية في إيران التي أسهمت في سقوط الدولة العثمانية ، وانتهاءً بالعصر الحديث ، حيث أسهموا من جديد في سقوط بغداد وتسهيل دخول الدبابة الأمريكية المحتلة، وهاهم الآن في بيروت ، وإخوانهم الحوثيون في اليمن ، ولا ندري عن القادم !.

ليس من قبيل الصدفة أن توقف قناة المستقبل وجريدة المستقبل وإذاعة الشرق ، لأن هذه الوسائل الإعلامية كانت تنقل ما يحدث في بيروت بشكل دقيق ، وبالتالي ؛ فليس من مصلحة الحزب والحركة وحلفائهم أن تفضح تصرفاتهم من خلال الإعلام والبث الفضائي المباشر بالصوت والصورة .

ومرة أخرى يعيد التاريخ نفسه ، فإثر أحداث مذبحة صبرا وشاتيلا ، منعت حركة أمل – آنذاك - وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من دخول المخيم ونقل الصورة المأساوية الحقيقية للمجزرة ،فكُسرت الكاميرات وأُتلفت الأفلام ، وصودرت من الصحفيين ، وكان جلّ ما تناقلته وسائل الإعلام العربية منقول عن نظيرتها الغربية ، التي اشتكت بدورها من ذلك ، كما ذكرت صحيفة الصنداي تايمز آنذاك ..

لقد استطاعت قنوات المنار التابعة لحزب الله ، و ( nbn ) التابعة لحركة أمل ، وتلفزيون الجديد الشيوعي ، و ( otv ) التابعة لميشال عون حليفهم ، أن تفرض تعتيماً على الأخبار ، كما قاموا بنقل الصورة التي أراد حزب الله نقلها إلى العالم ، فأصبحتَ تشاهد هذه القنوات وكأنها تنبع من مشكاة واحدة .

وحتى قناة الجزيرة – التي يدير مكتبها في بيروت أحد القريبين من حزب الله وهو غسان بن جدو – استخدمت كل إمكاناتها في نقل الصورة التي أراد حزب الله نقلها ، واقتصرت في غالب تغطياتها على طرف واحد دون نقل الصورة كاملة ، ولم تكن كما تعلن في شعاراتها منبراً للرأي والرأي الآخر ، بل كانت منبراً للرأي نفسه من أشخاص عدة !

لقد كان حزب الله يتغنى بأنه لن يوجه سلاحه إلى الداخل، وأنه حزب المقاومة لإسرائيل فقط، فصحونا بين ليلة وضحاها لنكتشف أن بيروت مدينة إسرائيلية جديدة، داهمها حزب الله وحركة أمل ليروعوا سكانها من "اليهود من أهل السنة " ! الذين ناوئوهم خلال الفترة الماضية !، فأُقفل المطار ، واقتُحمت المنازل ، وروع الآمنون .

لا يخفى على فطنة القارئ الكريم أن هذه المدينة تضم أطيافاً من فئات المجتمع اللبناني مسلمين وغير مسلمين ، وفيهم مناوئون لحزب الله ، لكن حزب الله ترك كل هؤلاء لينقض كالأسد – بالأصالة عن نفسه و الوكالة عن حلفائه إيران وسوريا - على أهل السنة ، فيقتل ويعتقل شباباً ، ويقيدهم ويضعهم أمام كاميرات التلفزيون في حالة مزرية ، وكأنهم أسروا أسيراً يهودياً !.

إن طبيعة أهل بيروت التسامح ، فليس فيهم حقدٌ على الآخرين ، وفي غالبيتهم لم يكونوا مسلحين ، ولذلك فحين انقض الآخرون عليهم لم يستطيعوا الوقوف أمامهم أو التصدي لهذه الغزوة التي لم يحسبوا لها حساباً !

لقد غرقت بيروت في صمت مطبق كأنه صمت القبور من هول الصدمة ، وأقفلت المحال أبوابها وخلت الطرقات من المارة ، وامتلأت الشوارع بالنفايات البشرية التي شكلها المسلحون والنفايات المادية الخارجة من البيوت .

" أختي وأبناؤها محاصرون في تلة الخياط ( أحد أحياء بيروت السنية ) ، ممنوعون من الخروج ، ومسلحو " حزب الله " في الأزقة وفوق أسطح البنايات يقنصون كل من يخرج إلى الشوارع " .

" مقتل خمسة أشخاص أثناء تشييع جنازة في الطرق الجديدة ( حي سني في بيروت ) " والصور أظهرتهم وهم يتخبطون في دمائهم .

"محاصرة دار الفتوى والمساجد ، ومنزل النائب سعد الحريري ، والسراي الحكومي ، واقتحام منزل نائب سني آخر هو عمار حوري ".

هذه مرويات ومشاهد ذكرها الإعلام وأناس كانوا في المكان ، نقلوها بصدق وأمانة ، وليس الهدف منها المبالغة أو التهويل والتحذير من أخطار متوهمة أو خيالات.

ويعيد التاريخ نفسه مرة أخرى ، فتنتقل الأحداث إلى خزان أهل السنة طرابلس ، ليجد أهل السنة أنفسهم وجهاً لوجه مع النصيرين العلويين من سكان طرابلس ، ويحدث الاقتتال بينهم في باب التبانة ، ويسفر النصيريون عن وجههم الكالح ، ليصرح قائدهم البارحة على إحدى الفضائيات قائلاً : عددنا ( 50) ألفاً ، ليس لدينا مانع من أن يقتل نصفهم ليحيى النصف الآخر بكرامة !

إن هذه المعركة حدثت نفسها بين سنة طرابلس ووالد هذا الشخص ( علي عيد ) بدعم سوري إيراني مشترك ، قبل ربع قرن من الآن ، فتغيرت الشخوص وبقي المكان والعقائد لم يتغيرا .

وعلى الجانب الآخر من الصورة مارس الجيش اللبناني ما يسمى بالحياد ، فأغلق المطار ، ولم يصنع شيئاً ، وأقفلت الطرق إليه ، ولم يصنع شيئاً ، وأقفلت غالبية الطرق الرئيسة في بيروت والمناطق ، ولم يصنع شيئاً ، وانتشر في شوارع بيروت الرئيسة وترك الأزقة الخلفية للمسلحين ليعيثوا فساداً ، وكان القتل والتخريب على مرأى منه ومسمع ، وكل ذلك سوغته قيادة الجيش بالخوف من أن يؤدي دخول الجيش المعركة إلى انفراط عقده ،لكون كثير من أبنائه من الطائفة الشيعية ، وهو أمر استدعى انتقاداً مبطناً من رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في خطابه مساء السبت الماضي ، طالباً من الجيش أن يمارس دوره على الأرض ، حكماً بين الفرقاء ، فليت شعري أي حياد هذا؟ وما فائدة الجيش حين لا يُقدم وقت الإقدام !

وهنا أتذكّر كيف كان حال اللواء السادس في الجيش اللبناني، الذي وقف مع حركة أمل وأسهم بدوره في المذابح التي ارتكبتها الحركة ضد اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء ، تلبية لنداء زعيم الحركة آنذاك وحامي الديمقراطية الآن نبيه بري !

إن أهل السنة بحاجة الآن – أكثر من أي وقت مضى - إلى تفكير جاد وعميق يبحث هذا الأمر بدقة ويستخرج منه العبر التي يجب أن يتعلموا منها بقدر ما آلمتهم .

إنهم بحاجة إلى التواصل فيما بينهم سواء في داخل لبنان أو خارجه لابتكار الأساليب التي تسعى إلى نشر قضيتهم وتوضيح خطر المجوس القادم على لبنان والمنطقة بشكل واضح ، كما أنه لابدّ من التواصل مع وسائل الإعلام العربية والعالمية وفضح المخططات والأعمال التي ارتكبها المجوس الجدد في بيروت وأماكن أخرى من لبنان .

وفي الوقت نفسه فإن على العلماء مسؤولية كبيرة في بيان الحق وتوضيحه للناس ، وذلك بتحديد اتجاه البوصلة الذي يجب أن يسيروا فيه ، فلقد كانت كلمة مفتي الجمهورية أول يوم من الحدث محلاً لتسليط الضوء من قبل وسائل إعلام مختلفة ، ثم تبعه عددٌ من العلماء والمشايخ ، ولهذا أثر واضح في أن العلماء لهم دورهم الذي لا يستهان به في القيادة ، فيجب عليهم أن يلتقطوا هذه الإشارة ولا يضيعوها عند الهدوء والتقاط الأنفاس ، حتى لا تُستَلب الانتصارات ، وتضيع في الهواء .

إننا بحاجة إلى النظرة الواسعة الشاملة للصورة بأكملها ، وأن نسمي الأمور بأسمائها ، ونعرف عدوّنا الحقيقي ، الذي يجب أن نعدّ العدة لمواجهاته ، وبالتالي ؛ فإن أم المعارك التي يجب أن يخطط لها العلماء في لبنان هي بناء الطائفة السنية على أسسٍ صحيحة تحفظ بقاءهم من الزوال ، بناء يجعل هذه الطائفة تمارس دورها الطبيعي الذي يمارسه أهل السنة على مدار العصور في كونهم أهل العدل والحق والتسامح وبذل الخير للآخرين ، كما أنهم في الوقت نفسه ينطبق عليهم قول عمر رضي الله عنه : " لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني" .

وهذا يقتضي من العلماء أن يطوّروا آلياتهم ، ويخرجوا من النظرة الضيقة المبنية على قلة العلم أو الوعي عن البعض ، وحب المصالح الشخصية عند البعض الآخر ، وادعاء الحياد والهدوء البارد ! لينهض فئة من المخلصين – ولا أظنهم قلة – ليعيدوا الناس إلى الجادة ويرسموا لهم طريق الخلاص .

وفي الوقت نفسه ؛ أطالب القادة والعلماء والموسرين في العالم العربي والإسلامي ألا يتخلوا عن إخوانهم في لبنان بالنصح والتسديد والمساعدة ، فما تبذله إيران وسوريا في لبنان من المال والسلاح والرجال ، أمرٌ لا يستهان به ، وهاهو ذا بدأ يؤتي أكله فيما نرى ونسمع .

إنكم إن أسلمتم لبنان للمجوس وغيرهم ؛ فأخشى أن يصلكم الدور ، وأن تندموا ولات ساعة مندم .

وهنا أطالب عدداً من الكتّاب الذين كتبوا هذه الأيام ، ودافعوا عن المجوس بحجة ما يسمى بالممانعة ، وأنهم مقاومة وطنية تقاوم الأمريكي والصهيوني أن يعيدوا النظر في كتاباتهم ويتفكّروا في الوقائع كما هي ، ويخرجوا من التنظير والأبراج التي يعيشون بها ، ليعلموا كم هي جنايتهم عظيمة من كل جوانبها حين لا يشاهدون الصورة من كل جوانبها .

إنه لا ينبغي أن نظل نستمرأ النوح والبكاء والشكوى ، كما يفعل المجوس في كل عاشوراء ، وأن ينتقل إلينا هذا الأمر ، بل لابدّ من أخذ العدة له ووضع الخطط المناسبة لصده ، فما حدث كافً في أخذ العبرة ، وما يجب فعله يجب أن يتجاوز ردّ الفعل الآني ، إلى الأفعال المنظمة الممنهجة وفق دراسة وخطط إستراتيجية .

 



مقالات ذات صلة