20-8-2013
رغم أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد حذر أمته من أن يتعبوا سنن بني إسرائيل في تصرفاتهم ومنكراتهم كما قال : "لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ "فَمَنْ؟" [1][1] , إلا أن معظم ادواءهم قد ظهرت في مجموعات من الفرق التي انتسبت إلى الإسلام ولكنها قد ابتعدت كثيرا عن المنهج الإسلامي الصحيح .
ومن هذه الفرق والطوائف فرق وحركات وجماعات من المنتسبة للصوفية التي قلدت من سبقهم من بني إسرائيل من اليهود والنصارى , ولهذا عندما نتحدث عن فرقة من فرق اليهود نجد ان بينها وبين الصوفية كثيرا من التشابه في العقائد والأفكار والتوجهات , وهذه الفرقة اليهودية تسمي باليهود الحسيديم .
أصل التسمية:
كلمة "حسيديم " كلمة تعبر عن جمع لمفرد " حسيد " وتعني المحسن , أي أنهم يعتبرون بالتسمية عامل مفاصلة بأنهم من أفضل اليهود من المحسنين وأنهم يميلون إلى الصوفية ويكثرون من الحياة الخشنة ويخوضون كثيرا في القضايا الروحية – مع ثرائهم أغلبهم الفاحش وهذا لافت للنظر - وخاصة أنها ظهرت فيما سمي بعصر الانحطاط في أوروبا الشرقية الذي صاحبه تفكك لليهود وكثرة المذابح والتناحر الذي ساد بين رجال الدين " الحاخامات " وتكالبهم على المنافع الدنيوية الذي وصل إلى حشد الأنصار للاقتتال فيما بينهم وما صاحب ذلك من ظهور تأويلات جديدة وتفسيرات متنوعة وتلاعبات واضحة بالكتب السماوية لتوافق أهواءهم وما ينشدون .
التأسيس والمؤسس:
يدعى المؤسس الأول لها بـ " بعل شم طوب " واختصر في اسم "بشط" " Besht " , وهو حاخام يهودي عاش من " 1700-1760م " يقال أن اسمه الأصلي هو إسرائيل بن اليعازر وأصله من (بودوليا ) جنوب شرق اوكرانيا وهي تابعة لتركيا الآن , عاش ممارسا للسحر معظما بين أتباعه معتقدين في كراماته مما أغضب عليه الحاخامات واعتبروه في فتاوى واضحة منشورة جاهلا بالتوراة , ولكن ذبك لم يؤثر في مريديه الذين رفعوه لمستوى القداسة حيث قالوا أنه كشفت له الأسرار وانه مخلوق من روح لا مادة فيه مثل البشر وانه خلق مكرم لا ينزل إلى الأرض إلا كل ألف سنة مرة , فطبقوا ما أمرهم به حيث خلط بين التشريع الإلهي وتشريعه وهواه الشخصي فكانت عبادتهم على ما أمرهم به لا على ما أمرتهم به شريعتهم , وكانت لهم لغتهم الخاصة بهم واسمها " اليديش " وهي خليط من العبرية والألمانية .
وبعد وفاة بعل قادهم بعده (دوف بائر) الذي لقب بالواعظ والذي اقنعهم بأن " بعل شم طوب " قد خصه بعلم لغة الطير والشجر وقال انه يأتيه الخبر من السماء وكرر عليهم مواعظ بعل وزاد عليها فسمي بـ (المغيد ) أي الواعظ .
أماكن تواجدهم:
الحسيديم منتشرون في كثير من الدول , وأغلبهم في الولايات المتحدة وفلسطين وأوربا الشرقية , وبعد ظهورها كانت عقيدة أغلبية الجماهير اليهودية في شرق أوربا في عام 1815م ، بل ربما صارت عقيدة نصف يهود العالم آنذاك , أما الآن فقد يكونون من حيث العدد في قلة عددية لكنهم من ناحية التأثير فمؤثرون جدا إذ يملكون إمكانيات مالية ومادية عالية تمكنهم من المشاركة في القرار اليهودي في خارج فلسطين المحتلة وداخلها ولا أدل على ذلك من كون الحسيديم من أشد الداعمين المؤثرين لحركة ودعوة هرتزل في بداياتها .
الأفكار والعقائد:
فكرتهم الأساسية وعقيدتهم الأولى أن هدف الإنسان في الكون الوحيد هو للالتصاق بالإله والاتحاد معه والشعور بدوام حضوره وبإرادته المستقلة ويعبرون عنها بكلمة " ديفيكوت" وهي تعني " الحب العميق للإله التي تؤدي إلى التوحد معه " , ويستصحب ذلك ما نعلمه عن أفعال بعض صوفية المسلمين الذي قالوا بالاتحاد والحلول والشهود وغير ذلك , فقال الحسيديم أن من شروط الـ " ديفيكوت " الشهود بحضور الإله وحلوله في كل شئ حتى في الأشياء التافهة ويعتقدون بالتناسخ لكن يعتبرونه نوعا من العقوبة على التقصير , فمن لم يؤد فرائضه كما ينبغي أو قصر فيها فسيضطر للاختيار أن يدخل النار لمدة نصف ساعة أو لقبول العقوبة بالعودة مرة ثانية للأرض في حياة أخرى ليحل في جسد إنسان أو حيوان أو حشرة .
ويعتقدون أن كل عمل يمكن ان يكون عبادة إذا لم يقصد منه الإنسان التمتع فالأكل والشرب والمحادثة وحتى الاتصال الجنسي عبادة إذا لم يقصد بها التمتع واللذة .
وللصلاة عندهم شرط ضروري أن يصحبها ما يعرف بـ"بهسلاهاووس" (Hislahavus) وهو الاستغراق الكامل والشعور بالنشوة .
الرقص والغناء - كما كثير من المتصوفة فيما يسمى بالإنشاد والمواجيد - شعيرة من شعائرهم , فيرقصون في أثناء كل احتفال وهو الأصل في المناسبات الدينية وحتى في الصلوات وتكثر جدا بين يدي حاخاماتهم الأحياء وعند قبور الأموات منهم .
وطلب السعادة ركن أصيل في فرقتهم حيث ادعوا أن الله لا يحضر ولا يشهدهم في أحزانهم و فيجب عليهم إبداء السعادة حتى عند اقترافهم للذنوب , والسعادة والرقص والغناء كفيلون بطرد الأرواح الشريرة والحزن والخوف يجلباها .
ومن أسباب تحقيق السعادة شرب الخمور فيجب عندهم عقيدة وديانة شربها قبل الذهاب إلى النوم ويعتبرون منحها للغير علامة من علامات الانتساب الحقيقي لهم .
ملابسهم خاصة ومميزة ,فيلبسون جلبابا طويلا أسود وقبعة سوداء وتحتها قلنسوة وتختلف فرقهم المتعددة في أزيائها ولكنهم يحرمون لبس الخليط من الصوف والكتان ولو بطريق الخطأ ويعتبرون الصلاة التي تقام بلبسه باطلة غير صحيحة .
لرجال الدين الذين ينعتون بـ "التسديك " عندهم قداسة خاصة فيعتبرونهم مخلوقين من مادة أكثر شفافية من غيرهم ، ويرونهم من التجليات النورانية العشرة أي أنه جزء من الإله وهذا ما نراه أيضا من اعتبار الولي أو الشيخ عند الصوفية في موضع قداسة لا يصل إليها غيره , وللتسديك القدرة والسلطة على إلغاء أي حكم من الأحكام الشرعية كما له القدرة على تغيير قضاء الله تعالى وقدره وكذلك له القدرة على أن يرى ما لا يراه الآخرون , ولا يجوز أن تنتقد أقواله ولا أفعاله بأي حال حتى وإن جهل السبب وعلى الحسيد أن يطيع التساديك إطاعة عمياء غير مشروطة , وهذا ما تعبر عنه صوفيا " كالميت بين يدي المغسل " .
وهناك عدة أفكار أخرى كثيرة مثل:
- فكرة المسيح المخلص.
- الهجرة إلى فلسطين ضرورة دينية.
- يحرمون على أتباعهم التعامل مع غيرهم من المتدنين من اليهود فضلا عن غير اليهود.
- منع كامل لأتباعهم من الاتصال بالعالم الخارجي للتعريف بهم.
- خُلق الخلق من لا شيئ.
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث
[1][1] البخاري..كتاب الاعتصام ومسلم كتاب العلم باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
ولمزيد من التفصيل ينظر:
اليهودية: عرض تاريخي والحركات الحديثة في اليهودية , عرفان عبد الحميد.
اليهود الحسيديم نشأتهم تأريخهم، وعقائدهم، وتقاليدهم , جعفر هادي حسن.
لحركات الباطنية اليهودية الحديثة: الحركة الحسيدية , بليل عبدالكريم , موقع الألوكة.