السلفية والشيعة في لبنان..ما وراء وثيقة التفاهم؟!

بواسطة عصام زيدان قراءة 491

السلفية والشيعة في لبنان..ما وراء وثيقة التفاهم؟!

 

عصام زيدان

Essam_zedan30@hotmail.com

 

وقع حزب الله اللبناني الشيعي وممثلون لتيارات سلفية سنية الاثنين (18/8) على وثيقة تفاهم هدفها كما نصت العمل لمنع الفتنة المذهبية ونقل الخلافات من الشارع إلى الحوار بين العلماء، وهو ما قد يثير العديد من علامات الاستفهام، حول الأسباب التي دعت حزب الله إلى الدعوة إلى هذه الوثيقة وإبرامها مع التيار السلفي..

وقبل التعرض لهذه الأسباب، سنقف لزاما عند قراءة عامة لهذه الوثيقة المشبوهة، وبعض ما ورد فيها من بنود.

قراءة عامة في بنود الوثيقة:

تضمنت الوثيقة ثمانية بنود شددت على حرمة دم المسلم على المسلم، والامتناع عن التحريض الذي يذكي نار الفتنة، والسعي للقضاء على الفكر التكفيري عند الطرفين، وحق أي مجموعة باللجوء إلى الوسائل المشروعة للدفاع عن النفس عند تعرضها إلى اعتداء، كما أكدت على وقوف كل طرف مع الآخر بقوة وحزم إذا تعرض حزب الله أو السلفيون لأي ظلم ظاهر وجلي من أطراف داخلية أو خارجية، وتشكيل لجنة من كبار مشايخ الطرفين للبحث في النقاط الخلافية عند الشيعة والسنة ما يساهم في حصر الخلافات ضمن اللجنة ويمنع انتقالها إلى الشارع.

والملاحظة الأولى الجديرة بالتأمل أن الوثيقة خلت من أي إشارة للجرائم التي ارتكبها حزب الله في حق سنة بيروت، وهو ما يعنى غسل يد هذه الميليشيا من الجريمة بأيد طائفة من السنة أنفسهم.

كما أن بنود الوثيقة خلت من أي إشارة أو تعهد من قبل حزب الله بعدم تكرار مثل هذه الجرائم..فلا اعتراف بالجرم السابق، ولا آلية لمنع تكرارها مستقبلا.

ولم تتضمن الوثيقة أي إشارة إلى تيار المستقبل، ومنع التهجم على قادته باعتباره من يمثل التيار السني على الأقل تمثيلاً رسمياً، واقتصرت الوثيقة على بنود وعموميات غير منضبطة بحال.

وتجاوزت الوثيقة كذلك حق الدولة في احتكار ملاحقة الجرائم التي ترتكب على أراضيها، وجعلت ذلك مرجعه إلى سلاح الطرفين لرد أي اعتداء، وهي محاولة مكشوفة لشرعنة هذا السلاح في الداخل.

الأسباب التي دعت حزب الله إلى طرح الوثيقة

لا يمكن لشخص ذو عقل رشيد أن يتنكر أو ينكر أهمية الحوار بين الشخصيات السياسية أو الأحزاب والمذاهب الدينية لإيجاد رقعة مشتركة للتفاهم والتنسيق، لاسيما إذا تسممت العلاقات بين الأطراف وزادت حدتها، وانتقلت إلى طور صراع الشوارع..فقد حفلت الشريعة في نصوصها بما يوحى بأهمية الحوار وإقامة الجسور حتى مع المخالفين في العقيدة، على أن يكون ذلك بالتي هي أحسن.

ولكن المشكلة في هذه الوثيقة أنها تأتي في ظل وضعية سياسية وأمنية تثير العديد من الشكوك حولها.. فحزب الله موقفه من السنة في لبنان وغيرها من الدول العربية واضح لا يحتاج إلا أن نسترجع وقع الأحداث في 7 مايو 2008، حينما استباح هذا الحزب بيروت ونال أهل السنة وبيوتهم وأموالهم من ميليشات هذا الحزب ما نالهم، دون غيرهم من الطوائف والملل الأخرى التي تذخر بها لبنان.

وهذه وإن كانت الحادثة الأبرز في التاريخ القريب لحزب الله، فان الوثيقة المشار إليها لابد وان نستصحب عند قراءتها، وتحليلها كذلك الحوادث التي تمر بها مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنية ودور حزب الله في دعم العلوييين ضد السنة..ولابد أن نسترجع معها من التاريخ البعيد الحظر الذي فرضه حزب الله على السنة للمقاومة والجهاد في الجنوب ضد إسرائيل..وغير هذا كثير على الصعيد الداخلي، الذي يجلي صورة وطبيعة علاقة حب الله مع الستة في لبنان.

أما على الصعيد الخارجي، فلابد من قراءة  الوثيقة على خلفية المشهد الحالي، ومن واقع علاقة حزب الله الوطيدة مع إيران، وإعلان الأمين العام للحزب ولاءه لنظام ولاية الفقهية، هذا أولا، وثانيا الدعم الذي يقدمه حزب الله للميليشيات العراقية التي استباحت دماء السنة في العراق.

على وقع هذا المشهد في الداخل والخارج يأتي حزب الله راغبا في إبرام وثيقة مع التيار السلفي السني، فما هي الأسباب الداعية؟

يعود ذلك برأينا لجملة من الأسباب لعل أهمها الأتي:

أولا: محاولة شق الصف السلفي على وجه التحديد

ففي الوقت الذي تشرذم فيه الصف السني، في ظل غياب قيادة راشدة وواعية بمجريات الأحداث وأبعادها العقدية، حافظ التيار السلفي على وضعية مغايرة إلى حد ما، وحافظ على تماسكه ورؤيته للأحداث السياسية بمنظور عقدي واضح تبلورت معالمه واتضحت خاصة بعد أحداث 7 مايو واستباحة بيروت من قبل ميليشيا حزب الله.

وبدا الصف السلفي وكأنه النواة الجديدة التي ستشكل هوية السنة في بيروت، خاصة وان تيار المستقبل يعاني من اختلالات واضحة ستؤثر حتما على وضعيته المستقبلية وقدرته على تمثيل الصف السني واقعياً ورسمياً.

في ضوء هذه الرؤية الاستشرافية للوضع السلفي في لبنان، جاءت مبادرة حزب الله الاستباقية لطرح وإبرام هذه الوثيقة لشق الصف السلفي، والحيلولة دون قيادته للسنة في لبنان، لاسيما وأن هذا التيار قد يشكل عباءة جيدة لتيارات مسلحة في الداخل قادرة على كسر احتكار الشيعة للسلاح، بعد القضاء على مسلحي نهر البارد في معاركهم مع الجيش العام الماضي.

وبدأ الانقسام بالفعل حتى قبل أن توقع الوثيقة، حيث وقعها مع حزب الله عن التيارات السلفية رئيس "جمعية الإيمان والعدل والإحسان" الشيخ حسن الشهال، ولم تشارك فيها شخصيات سلفية رئيسة منها الشيخ داعي الإسلام الشهال مؤسس التيار السلفي ورئيس "جمعية الهداية والإحسان" الذي اعتبرها "خرقاً من حزب الله للساحة السلفية".

ثانيا: تغيير الوضعية السياسية لتيار المستقبل وعلاقته بالتيار السلفي

من المعروف في الساحة الداخلية الطرابلسية أنها خزان الأصوات السنية، ويعول عليها كثيرا تيار المستقبل في الانتخابات القادمة، وكونها ساحة ذات توجهات واحدة بلا انقسامات تقريبا سيجعل من أصواتها قوة لهذا التيار، خاصة وأن التيارات السلفية، لم تدخل في سجال علني، أو تظهر نوعا من الاستقلالية في مواجهة تيار المستقبل، ودخول حزب الله على خط العلاقة مع هذا التيار السلفي قد يؤثر في طبيعة العلاقة بين هذا التيار وتيار المستقبل، ويقود لانقسامات في طرابلس نفسها تؤثر على القدرة التنافسية لهذا الأخير، الذي استخدم كلمات دبلوماسية تعبر عن رفضه للوثيقة، من نوع أنه كتيار سياسي ينبذ العنف والتطرف، ودعوات الفتنة المذهبية والطائفية إلا أنه لم يتبن هذه الوثيقة أو غيرها، وانه يخشى من الاتفاقات الثنائية، وأثرها على الواقع السياسي فعلا أو إيحاء، انطلاقا مما سبق من اتفاقات ثنائية، كان لها أثر سلبي على الوضع السياسي في لبنان، وأنه يفضل حتما اتفاقا شاملا بين الأطراف اللبنانية كافة.

ثالثًا: تحسين صورة حزب الله في الشارع اللبناني

فقبيل الدخول على طاولة المفاوضات التي ستناقش سلاح هذه الميليشيات، يحتاج حزب الله إلى تحسين صورته في الشارع اللبناني، وأن يبعث برسالة عاجلة لطمأنة الصف السني بأن السلاح سيكون بمعزل عن الداخل، بل وسيساهم في الدفاع عن السنة إذا تعرضوا لظلم "ظاهر وجلي"، وهو الأمر الذي قد يفقد تيار المستقبل وقوى 14 آذار قدرا من الدعم الشعبي والسياسي في محاولتهم لوضع هذا السلاح تحت تصرف الدولة بعيدا عن مغامرات حزب الله الطائشة.

     وفي الأخير نقول إن حزب الله برع إلى حد ما خلال السنوات السابقة في استدراج بعض قيادات الصف السني، وجعل منها أبواقا للحزب وتصرفاته في الداخل والخارج، وإن كان هؤلاء  من خارج الصف السلفي، وفقدوا بريقهم، وقدرتهم الجماهيرية على الترويج لتصرفات ميليشيا حزب الله، فان صورة واحدة فيها من التقبيل والحفاوة من بعض التيارات السلفية لقادة حزب الله قد يكون أبلغ أثر في الساحة اللبنانية من كثير من الخطب العصماء لبعض القيادات المحسوبة على السنة.

 



مقالات ذات صلة

عليك ان تقرأ