النظام الإيراني ...وسقوط ورقة التوت
كتبه/أحمد عمرو
مفكرة الإسلام: لم يكن أحد يتوقع أن كل تلك التداعيات في المشهد الإيراني ستحدث أثناء الانتخابات الرئاسية وبعد ظهور النتائج، فقد كشفت الأزمة الإيرانية الحالية حقيقة هذا النظام، وطبيعته، وأسقطت ورقة التوت التي كانت تستر عورته، فلم يكن من المتوقع أن يأتي رفض نتائج الانتخابات والتشكيك بنزاهتها من الإيرانيين أنفسهم.
فقد كشفت الانتخابات الأخيرة عددًا من الأمور منها:
أولاً: انكشاف طبيعة نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية وطبيعة الانتخابات الرئاسية به، خاصة أنه كان ينطلي ـ في ظل الزخم الإعلامي إبان الانتخابات ـ على كثير من المتابعين للانتخابات الإيرانية من الشعوب العربية أنها انتخابات حقيقية شفافة ونزيهة، يملك فيها الرئيس صلاحيات نظرائها في معظم دول العالم، في حين تبين أن الولي الفقيه هو الحاكم الأساسي في النظام الإيراني، وأن الرئيس المنتخب ما هو إلا منفذ لسياسة الولي الفقيه.
ثانيًا: أن النظام الإيراني نفسه لم يصل بعد ـ رغم مرور ثلاثين عامًا ـ لحالة من التبلور واستقرار السلطات، فالحاصل على الساحة الإيرانية اليوم ما هو إلا حالة شد أعصاب من قِبل لاعبين أساسيين في السلطة والنظام نفسه، فمنذ تولي خامنئي منصب المرشد العام وهو لم ينعم قط بنفس الصلاحيات التي كان يتمتع بها الخميني، وهو الأمر الذي دفعه للنزول بثقله في الانتخابات لدعم نجاد الذي يتميز بالانصياع الكامل لسلطة الولي الفقيه، كما دفع في الوقت نفسه معارضيه من ذوي الثقل في الشارع الإيراني مثل رفسنجاني وخاتمي إلى محاولة الحد من الصلاحيات المعطاة للمرشد، وهو ما يؤشر أن النظام الإيراني لم يزل في مرحلة الحراك.
ثالثًا: بعد خطبة خامنئي التي أكد فيها نزاهة الانتخابات ودعا إلى وقف المظاهرات واعتبر أي خروج بعد ذلك هو خروج على السلطة والنظام، ثم استمرار تلك التظاهرات بعد ذلك، فمن تلك لحظة أصبحت طاعة الولي الفقيه وسلطته على المحك، فلم يعد هناك سمع ولا طاعة وخرج الناس في التظاهر وخرج موسوي أيضًا معلنًا استعداده للاستشهاد، وقام رفسنجاني بدور مع رجال الدين داعيًا إلى تعيين مجلس قيادة جماعي بدلاً من الولي الفقيه للخروج ببلاد من أزمتها الحالية.
ولهذا فإن سلطان ولاية الفقيه ـ وهو المبدأ الناظم لفلسفة الجمهورية الإسلامية ـ بدأ في الاهتزاز. بل نستطيع أن نقول: إن سلطان الثورة الإسلامية نفسها فقد هيبته في نفوس الإيرانيين.
رابعًا: مست التجاذبات والمناظرات بين المرشحين للرئاسة الإيرانية نزاهة ومصداقية رموز محسوبين على النظام فلقد كانت المناظرات التلفزيونية غير المسبوقة بين المرشحين الأربعة فرصة لكشف الأوراق وتعرية ركام هائل من ممارسات الفساد المالي والسياسي على مدى سنوات طويلة مضت من عمر الجمهورية الإسلامية، وبقدر ما كشفته هذه المناظرات من أخطاء وتجاوزات في السياسات والممارسات، بقدر ما أدت إلى تعرية النظام نفسه أمام الرأي العام الإيراني والعالمي.
وقد اتهم نجاد خلال حملته الانتخابية رفسنجاني بالفساد هو وأسرته وبالتربح من أموال الدولة، ورفسنجاني ليس شخصية سياسية فحسب بل هو رجل دين حاصل على لقب حجة الإسلام، كما يشغل منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ويعد أقوى المرشحين لخلف المرشد الحالي، فإن جاء الدور على رفسنجاني ليصبح المرشد الأعلى، فكيف سيتم التوفيق بين معصومية الولي الفقيه، والاتهامات التي طالته بالفساد؟، وقس على ذلك فجميع المرشحين هم رموز دينيين، وقد طالتهم اتهامات بالكذب تارة وبالفساد أخرى، وتلك الاتهامات تمس بالأساس شرعية النظام الذي ينتمون إليه.
خامسًا: نزول الشعب الإيراني إلى الشارع بهذه القوة، وتجمعاته التي وصلت لمئات الآلاف المطالبين بالتغيير، يشير إلى أن النظام في طهران لا يعد يحظى بإجماع داخلي، ويثبت أن الشارع الإيراني متفاعل ولديه القدرة على النزول إلى الشارع وتغيير الأوضاع كما فعلها من قبل ثلاثين عامًا. وهناك إشارات إلى تجاوز التيار الإصلاحي للخطوط الحمراء والخروج عن ثوابت الجمهورية الإسلامية ورفض قواعد الديمقراطية الدينية ومبدأ ولاية الفقيه، والدعوة لديمقراطية ليبرالية، خاصة وأن التيار الإصلاحي يحمل في طياته قوى تجمع المثقفين والمفكرين والشباب، وبالذات الطلاب والمرأة ومعظم الطبقة الوسطى في المدن الكبرى، وما يجمع هؤلاء هو قضايا الحريات السياسية والاجتماعية والمشاركة وغيرها من القضايا السياسية.
سادسًا: أشارت التطورات السياسية الأخيرة في طهران إلى أن التحديات الأساسية للنظام الإيراني هي من داخله، وإن حاول البعض اتهام قوى خارجية بالوقوف وراء هذا الحراك على نحو ما قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي خلال لقائه دبلوماسيين أجانب أن «بريطانيا تتآمر ضد الانتخابات الرئاسية منذ أكثر من عامين». وأضاف «لقد لاحظنا وجود تدفق (لأشخاص من بريطانيا) قبل الانتخابات»، إلا أن تلك الادعاءات تظل عارية عن أدلة واضحة، كما أنه تأتي استمرارًا للشعارات الإيرانية المعهودة عن الاستكبار العالمي، والتي بدأ يملها الشعب الإيراني، خاصة وأن من تولى كبر التظاهرات ودعا الجماهير للنزول إلى الشارع، هم قادة ورموز في هذا النظام وليسوا من خارجه
سابعًا: كشفت أزمة الانتخابات الرئاسية القائمة الآن في طهران، بجانب خسارة حزب الله ـ الذي يدين بالولاء للولي الفقيه ـ للانتخابات اللبنانية الأخيرة تراجع المشروع الشيعي في المنطقة، فكيف للنظام الإيراني أن يسوق نفسه في العالم العربي ويدعي أنه نظام إسلامي نزيه وشفاف وعادل، ويدعو الآخرين لأن يحزوا حزوه، بعد كل تلك الملوثات التي لوثته، بدأً من اتهامات لرموز النظام بعضهم لبعض بالفساد والاختلاس، وانتهاء بأزمة التزوير والكذب على الجماهير على نحو ما يحدث في كثير من الدول العربية والتي تريد إيران أن تصدر ثورتها إليهم؟
لقد عرت تلك الأزمة النظام الإيراني تمامًا، وأصبح مكشوفًا أمام نفسه أولاً وأمام العالم أجمع ثانيًا، حتى لو انتهت الأزمة الإيرانية عند هذا الحد، فيكفي ما كشفته من عوار هذا النظام وخباياه.