قصة جماعة الإخوان المسلمين مع الشيعة والثورة الإيرانية !!
الأستاذ عدنان سعد الدين
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام . الراصد
الشيخ عدنان سعد الدين من القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، وقد كان له نشاطات بارزة في خدمة الدعوة الإسلامية في بلاد عديدة جداً .
كتب الشيخ مذكراته والتي صدر منها مجلدين للآن عن دار عمار – الأردن ، وقد تعرض في مذكراته لموقف جماعة الإخوان المسلمين للثورة الإيرانية والعقيدة الشيعية فقال في صفحة 2/401:
والخطأ الفادح، أو الخطيئة الكبرى بتعبير آخر، ما ارتكبه قادة التيارين الإسلامي والقومي في بلاد الشام والعراق، من تصميم أكثرهم على تجهيل الأجيال الصاعدة لحقيقة الحركات الباطنية والجماعات السرية في تاريخها، وفي واقعنا المعاصر، وصرفهم عن التحدث في هذه الموضوعات أو الاهتمام بها، أو التحذير منها، بدعوى الخشية على الوحدة الوطنية، وإثارة الحساسيات بين أبناء الوطن الواحد، وإذا كان هذا التفكير مقبولاً على صعيد العمل السياسي، ووجوب إقصائه عن برنامج الأحزاب في الساحة السياسية، فإنه لخطأ فادح إخفاء وطمس الكيد الباطني، وما ينبثق عنه من خطط وبرامج ومخططات على الصعيد الفكري والفقهي والفلسفي، وتجهيل الأمة ـ ولاسيما قادة الفكر ـ بها، وعدم تحصينهم من شرورها وأخطارها، لتكون لديهم المناعة مما يبيت لأمتنا العربية والإسلامية من مؤامرات ما زلنا نكتوي بنارها.
خلت الساحة لورثة الحركات السرية الباطنية، ليتسللوا إلى أعماق مجتمعاتنا غير المحصنة، وداخل أحزابنا، وصميم أجهزتنا الحساسة، ويستلموا مفاصلها، ويمسكوا بالقرار، وتبقى الأمة بأكثريتها الكاثرة كالقطيع الذي يسوقه الجزارون إلى حيث يريدون، لاستخدامهم أو عزلهم أو التخلص منهم مادياً أو معنوياً أو بالأسلوب الذي يقررون.
عندما ظهرت حركة الخميني ـ الذي خدع المسلمين في جنبات الأرض بوعود ظهر فيما بعد كذبها، من تحرير القدس وفلسطين، وأداء صلاة الشيعة في الحج مع عامة المسلمين... إلخ ـ طار الناس فرحاً، واندفعوا وراء الخميني دونما وعي أو تبصّر، وبجهل مطبق بتاريخنا العربي والإسلامي، وبجهل أكبر بعقائد وأفكار الحركة الخمينية، فلم تمض على ذلك أشهر معدودات، وقبل اكتمال عام على استلام الخميني الحكم في إيران، وطرد الشاه، وإلغاء الملكية، وانتصار دول ولاية الفقيه، حتى ظهرت الفجيعة للعيان، وخيبة الأمل في هذا النظام، فمنذ الأسبوع الأول لاعتلاء الخميني عرش الطاووس في طهران، حضر الوفد الفلسطيني برئاسة عرفات، لتحط به أول طائرة هبطت في مطار طهران بعد الانتصار، حدثني الأستاذ هاني الحسن سفير فلسطين في إيران عن تجربته فقال: لم أكتشف انتمائي لأهل السنة والجماعة ـ أو سنيتي حسب تعبيره ـ إلا في إيران، عندما أقمت في طهران سفيراً لفلسطين، من شدة ما رأيت من تعصب طائفي شيعي ذميم ضد المسلمين الآخرين. وعندما فتحت السودان مركزاً ثقافياً في طهران، مقابل سبعة عشر مركزاً ثقافياً إيرانياً في السودان، وصار الإيرانيون يوزعون الدولار على طلاب جامعة الخرطوم وغيرهم من الجامعات الأخرى، وبشروا بالمتعة، وإسقاط صلاة الجمعة... إلخ حتى يظهر الإمام، حدثني ابن عمر رئيس المركز الثقافي الوحيد في طهران في زيارة لي في الفندق بالخرطوم، قائلاً: لم أر أشد تعصباً من هؤلاء لمذهبهم بصورة تجعل الإنسان في يأس من التفاهم معهم أو التعاون مع قادتهم ومؤسساتهم. وعندما حطت الطائرة الثانية التي حملت وفداً إسلامياً عريضاً يمثل الحركات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي، سمعت من الدكتور أحمد القاضي أحد أبرز أعضاء الوفد الكبير، كيف كان الإيرانيون الحكام الجدد ينظرون إلى أعضاء الوفد باللامبالاة، وتركهم وحدهم فترات طويلة ينتظرون الإذن للمثول بين يدي ولي الفقيه ـ الخميني ـ ليقدموا له التهنئة بالانتصار، بل إن أحدهم من الزملاء القدامى في الدراسة قال للوفد متشفياً: الآن ذكرتمونا؟ مع أنهم تعاملوا معه ومع أمثاله الكثر في نطاق الاتحاد الإسلامي في أمريكا بأخوة كاملة، دون أن يفطنوا إلى مذهبه أو طائفته أو تشيعه الذي بدا كالحاً حينما صار مسؤولاً في حكومة ولي الفقيه.
دُعينا إلى أمريكا لنشارك في حوار تحضره نخبة مختارة من العاملين في حقل الدعوة، من الشرق، وآخرين من المقيمين في ديار الغرب لمناقشة سبل الدعوة وتبليغها إلى الآخرين، والوسائل والأساليب والطرق المجدية في ذلك، ولاسيما الحديثة منها، وكان العدد المختار قليلاً لا يتجاوز خمسة وعشرين إلى ثلاثين مشاركاً من قيادات الجماعة. طلبت الكلام، فذكرت أننا جميعاً أيدنا الخميني في انتصاره على الشاه، فرحنا بذلك، وبالطروح التي صدرت عنه بادئ ذي بدء، ولكن لم تمض على ذلك أشهر قليلة ، حتى ظهر ما كان خافياً عبر الإذاعة الناطقة بالعربية في الأحواز، وفي كتبهم التي تنال من الخلفاء الراشدين الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، وإصرارهم على الاحتفاظ بالجزر الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي احتلتها حكومة الشاه، مستغلة ضعف دولة الإمارات أمام جبروت إيران، لتنزعها من أهلها بالقوة، بدعوى أن حكومة الخميني لا يمكن أن تعيدها إلى الاستعمار!! وغير ذلك مما بدا في سياسة جمهورية ولاية الفقيه، بيد أن أحد القادة المشاركين، انتصب واقفاً بسرعة فائقة، وحاول إسكاتي قائلاً: لماذا لم تقولوا هذا في عهد الشاه؟ فأجابه الأخ الكبير المحسن الوفي عبد الله المطوع أبو بدر رحمه الله قائلاً: دعه يكمل كلامه، فأكملت وانتهى النقاش بعد ذلك.
وعاد كل منا إلى بلده، فحدث لغط كبير في أوساط الجماعة حول الثورة الخمينية بين مؤيد لها ومعارض أو متحفظ عليها أو حيران تجاهها، فشكلت الجماعة لجنة من علمائها لبحث العقائد الشيعية وفقه الشيعة وسياساتهم وموقفهم من المسلمين، فقدمت اللجنة العتيدة دراسة رصينة انتهت فيها إلى أن بين السنة والشيعة فروعاً يمكن تجاوزها، وخلافات تمس الجوهر، وتصادم العقيدة لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها، مثل الإمامة التي هي لدى الشيعة ركن من أركان الإسلام كالشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج، وأنها وقف من الله كالقرآن الكريم ـ أي مُنَزَّلة ـ يخرج من الملة من ينكرها، ومن لا يؤمن بها، وأن الأئمة الاثني عشر معصومون...
وإنني أقتصر على إيراد نتف من أقوال الخميني لأن الجدل حول عقيدته وأفكاره وآرائه السياسية والفقهية يحتاج إلى مجلدات مطولة: يقول الخميني في الأئمة: لا يتصور فيهم السهو والغفلة([1]) ويقول عن الصحابيين الجليلين الخليفتين أبي بكر وعمر: ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين، وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى الأفاقين والجائرين غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي لأمر([2])، كما قال الخميني عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أعماله نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم([3])، ويتهم الخميني أبا بكر الصديق رضي الله عنه، بأنه كان يضع الحديث([4])، كما يتهم الصحابي الجليل سمرة بن جندب أيضاً في كتابه: الحكومة الإسلامية بأنه كان يضع الحديث([5]).
ذكر الخميني بتاريخ 28 ـ 6 ـ 1980 في خطاب إلى الشعب الإيراني بمناسبة ذكرى الإمام المنتظر في الخامس عشر من شعبان: فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، لكنه لم ينجح، حتى خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتحقيق العدالة، لم يوفق في ذلك أيضاً، فالذي سينجح بتحقيق العدالة في كل أرجاء العالم هو المهدي المنتظر.
وقال أيضاً في كلمة ألقاها في حسينية جماران بتاريخ 2ـ 3ـ 1968: إن فاطمة الزهراء عاشت بعد وفاة والدها خمسة وسبعين يوماً، قضتها حزينة كئيبة، وكان جبرائيل يأتي إليها لتعزيتها، ولإبلاغها في الأمور التي ستقع في المستقبل، وكان الإمام علي يكتب هذه الأمور التي تنقل لها من قبل جبريل([6]).
ويقول الخميني كذلك: إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل([7]).
وقد اخترت النقل عن الخميني، وتجاوزت الحديث عن أئمة الشيعة الكبار، كالكليني والمجلسي والحارثي والكاشاني والجزائري والطبرسي وكاشف الغطاء والعاملي وغرهم، الذين تحدثوا عن البداء والرجعة ونكاح المتعة، وتحريف القرآن، وعصمة الأئمة، وتكفيرهم للصحابة إلا ثلاثة، وردهم للسنة المطهرة، وعقيدتهم في الجهاد.. إلخ.
قدمت لجنة العلماء الإخوانية التي ضمت فطاحل فقهاء الجماعة دراستها المعمقة الرصينة فأعترض الأخر القيادي قائلاً: الخلاف بيننا وبينهم في العقيدة، ولكن المواقف السياسية متشابهة، ولما قيل له: والخلاف أيضاً معهم في المواقف السياسية في كذا وكذا من الأمور، قال: كما ذكر في الحوار الذي جرى في أمريكا: الآن فطنتم لهذه المخالفات، ولم يفطنوا لها في أيام الشاه، وحجب التقرير عن الجماعة، ولم يأخذ به، ولم يطلع عليه أبناءُ الجماعة وبناتها ليتنوروا، وليتحصنوا من هذه الضلالات، وذهب جهد علماء الجماعة الإسلامية هدراً، فماذا يقول من يفعل هذا يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ وما هي حجتهم أمام الله تعالى في اليوم العسير؟ نسأل الله تعالى له ولأمثاله العفو والمغفرة، وأن يتجاوز عنهم، وأن يجزيهم خير الجزاء بما قدموه من خدمة لدعوة الإسلام، ولرسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكي والسلام.
نقلاً عن شبكة الراصد الإسلامية
[1] ـ كتاب الحكومة الإسلامية: 91.
[2] ـ كتاب كشف الأسرار: 108.
[3] ـ المرجع السابق: 116.
[4] ـ المرجع السابق: 612.
[5] ـ الحكومة الإسلامية: 71.
[6] ـ الخمينية شذوذ في العقائد في المواقف للشيخ سعيد حوى.
[7] الحكومة الإسلامية: 52طبعة القاهرة 1979.