من البقيع إلى مكة ماذا تريد طهران؟
عصــام زيــدان
في لعبة قديمة لتقسيم الأدوار بين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية على خامنئي، تعرض الاثنان معا قبل أيام لوضع الشيعة في المملكة العربية السعودية خاصة، وحرضا على تسييس موسم الحج المقبل.
فقد طالب خامنئي بمعاملة خاصة لمواطني بلاده في السعودية، حيث اعتبر موسم حج هذا العام فرصة لا بد من الاستفادة منها من خلال "التواجد قرب المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، ومراقد أئمة الهدى وكبار الصحابة لترسيخ القيم الإيمانية والمعنوية والخضوع أمام الباري تعالى".
أما الرئيس نجاد فذهب أبعد من ذلك، حيث قال لدى اجتماعه مع أعضاء المجلس الأعلى للحج في إيران إن موسم حج هذا العام "يعتبر فرصة استثنائية للدفاع عن القيم الإسلامية"، مؤكدا ضرورة الاستفادة من هذه الشعيرة من أجل "البراءة من المشركين"، التي سنها قائد الثورة الخوميني للشيعة.
وختم نجاد تصريحاته، التي أوردها تلفزيون العالم الإيراني الذي يبث باللغة العربية بقوله "إننا نرفض وضع القيود على حجاجنا، وإذا لم تحترم السعودية مكانة الشعب الإيراني فإن طهران ستتخذ إجراءات مناسبة".
وكلا التصريحين يعنيان أن إيران تنوي استغلال شعيرة حج هذا العام من أجل أهداف وشعارات سياسية، حيث تعيد تلك التصريحات إلى الأذهان اشتباكات حدثت قبل 22 عاما بين الحجاج الإيرانيين ورجال الأمن السعوديين، وراح ضحيتها أكثر من 400 قتيل، على خلفية أعمال شغب تحت مبررات سياسية ومذهبية قام بها الحجاج الإيرانيون.
أما عن الماضي القريب فإن تلك التصريحات الطائفية التحريضية تستدعى إلى الذاكرة تلك التظاهرات الآثمة التي وقعت بداية العام الحالي 2009، والتي قامت بها جموع من الشيعة في المدينة المنورة بالقرب من البقيع، حيث قطعت السكون والهدوء الذي امتازت به هذا الأرض الطيبة التي يضم ثراها خير من وُري في الثرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحبه الكرام.
وقراءة الحدثين معا تعطيان دلالة على أن إيران ماضية في عزمها على العبث بالأماكن المقدسة سواء في مكة أو المدينة وتحقيق تلك التخرصات والتوهمات التي نادى بها زعيم الثورة الإيرانية الخوميني من قبل.
فقد سبق ونقلت صحيفة "كيهان" بتاريخ 4/8/1987م تهديدا من الخوميني للقائمين على أمر البيت الحرام والمدينة المنورة بقوله "سوف نحاسبهم بعون الله في الوقت المناسب، وسوف ننتقم لأبناء إبراهيم من النماردة والشياطين وأبناء قارون".
كما نقلت له إذاعة طهران بتاريخ 20/7/1988م تصريحا قال فيه:"سوف نزيل آلام قلوب شعبنا بالانتقام من أمريكا وآل سعود في وقت مناسب، وسنضع وسم حسرة هذا الجرم الكبير على قلوبهم، ونضع حلاوة في حلق أسر الشهداء بإقامة حفل انتصار الحق، وبتحرير الكعبة من يد الآثمين، سوف نحتل المسجد الحرام".
فهذه الخلفية التاريخية، يمكن من خلالها رؤية تلك التصريحات باعتبارها جزء من كل، وحلقة من مخطط يطمح الشيعة في تنفيذه مدفوعين في ذلك بدوافع عقدية مضمونها تكفير السنة واعتبارهم "نواصب"، وهو ما يترتب عليه بالضرورة، وفقا للمعتقد الشيعي، اعتبارهم غاصبين ومحتلين لهذه الأماكن المقدسة، ويجب "تطهيرها".
وهذه المحاولة الإيرانية لإثارة الشغب السياسي في الأماكن المقدسة، من ناحية ثانية، لا يمكن فصلها كذلك عن دورها في اليمن ودعم المتمردين الحوثيين، فليست صنعاء ووحدتها الجغرافية فقط هي المقصودة والمستهدفة بهذا الدعم الإيراني الذي لم يعد مجالا للجدل أو الشك خاصة بعدما تمكنت السلطات اليمنية مؤخرا من ضبط سفينة أسلحة إيرانية عليها مجموعة من الخبراء الإيرانيين متوجهة إلى المتمردين الحوثيين.
فإيران كما تسعى لإحداث هزات طائفية في الداخل السعودي من خلال البعد العقدي والمذهبي، وتجييش الشيعة واستقطابهم، نراها تسعى كذلك للاحتكاك الخشن بالحدود السعودية، ومحاولة جعلها بؤرة ومنطقة ملتهبة مذهبيا، وجذب الرياض والزج بها للدخول في تلك المعارك الدائرة بين القوات الحكومية اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة الحدودية شمال اليمن.
فمنذ بدء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين كثفت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية اتهاماتها للسعودية بالتدخل بأشكال مختلفة من بينها مشاركة الطيران الجوي في قصف مناطق تواجد الحوثيين، وتقديم الدعم اللوجستي للجيش اليمني، على الرغم من نفي الحكومة اليمنية رسميا ولأكثر من مرة تلك الأنباء.
ومؤخرا زعمت فضائية العالم الإيرانية الرسمية (22/10) أن النظام السعودي جند نحو ألف عنصر للانضمام إلى القوات اليمنية بهدف تقديم الدعم اللوجستي في حربه ضد الحوثيين في صعدة، مضيفة أن السعودية قدمت إضافة لهذا الدعم مبلغا قدره 5 ملايين دولار للحكومة اليمنية لدعمها في المجالات اللوجستية في حربها في شمال البلاد.
كما دفعت السلطات الإيرانية بتظاهراتطلابيةأمام السفارة السعودية بالعاصمة الإيرانية طهران، احتجاجا على المعارك الدائرة بين الحوثيين وقوات الجيش في صعدة، ووفقا لما ذكرته وكالة مهر الإيرانية (20/10) فقد ردد المتظاهرون شعارات تندد بسياسات السعوديةواتهامهابالتدخل المباشر في معارك صعدة ضد إخوانهم الحوثيين.
فإثارة حرب صعدة لها أهداف متعددة في منظور صانع السياسية الخارجية الإيراني، وفي مقدمتها التحرش بالحدود اليمنية ـ السعودية، وجعلها منطقة هشة ومصدر قلق مذهبي للرياض، وجرها إلى صراع إقليمي مذهبي.
وثمة بعد ثالث يمكن من خلاله قراءة تلك التصريحات وهي محاولة إيرانالهروب إلى الأمام من أزمتها الداخلية، والضغط الدولي عليها بإثارة القضايا الخلافية والمذهبية مع دول الجوار.
وأبسط دليل على ذلك هو استخدام خامنئي لتعبير "الشيعة" في محاولة واضحة لتجييش أبناء الطائفة، من خلال استثارة النعرات الطائفية.
فمنذ أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة يمارس النظام الإيراني تصعيدا إعلاميا، وغير إعلامي، وبشكل مستمر ضد دول الجوار بدا من لبنان وحتى اليمن مرورا بالعراق والسعودية، وباكستان التي أخذت نصيبا وافرا من الاتهامات، بل وتعدى الحرس الثوري الإيراني الأراضي الباكستانية في تصعيد غير مسبوق.
فتلك التصريحات، من هذا المنظور، حلقة لتوحيد الصف الإيراني الداخلي من خلال إثارة المشكلات الخارجية مع دول الجوار وإعطائها بعدا مذهبيا مثيرا لعواطف الشعب الإيراني، بحيث بقطع الطريق على فريق الإصلاحيين.
وأخيرا نقول أن إيران كثيرا ما تخلط الأوراق السياسية بالأبعاد المذهبية وترمى بكرات النار على دول الجوار للإفلات من الإشكالات الداخلية وتخفيفا للضغوط الخارجية، ولا أحد يضمن أن ترتد إليها تلك الكرات الملتهبة وأن تجنى من وراء هذا الخلط الطائش خسرانا كبيرا.