البعض من الشخصيات الثقيلة الوزن في السياسة العالمية، وغالبيتهم مؤيدون لإسرائيل، من أمثال وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر، يجاهرون بعدائهم للثورة السورية ويعملون ما في وسعهم للإبقاء على نظام بشار الأسد.
عندما لمس وفد "المجلس الوطني السوري" ايام رئاسة برهان غليون، بوادر ايجابية لدى الإدارة الروسية خلال زيارة قام بها الى موسكو، وكان فلاديمير بوتين وقتها لا يزال رئيسا للوزراء ويحضر للإنتخابات الرئاسية وبدأ يذعن لثقل ضغوط دول الخليج العربي وتركيا وبعض دول الاتحاد الاوروبي، قام كيسنجر بزيارة طارئة الى موسكو والتقى بوتين قبل جلسة ثانية لمجلس الامن الدولي بشأن الازمة كي يضمن اصرار الروس مجددا على استخدام حق النقض (الفيتو).
البعض يتساءل لماذا يمون كيسنجر على بوتين وليس على اوباما؟
في الحقيقة هو يمون على الرئيسين ولكن واشنطن التي تقود شعار الدفاع عن الحريات وحقوق الانسان لا يمكن ان تظهر علانية عدم رغبتها بتغيير نظام بشار الأسد على الأقل في المدى المنظور، ولهذا كان لا بد ان يسدي الخدمة الرئيس الروسي الذي تربط بلاده علاقات تاريخية علنية جيدة بآل الأسد.
بعد الفيتو الثاني، تصاعدت الأعمال العسكرية مجددا وارتكب المزيد من المجازر، الأمر الذي أثار حفيظة بريطانيا دوليا بشكل خاص وكان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ الأكثر حراكا خلال الاشهر الثلاثة الماضية وكان الوحيد بين وزراء خارجية الدول الكبرى الذي يقول بعدم وجوب استبعاد اي خيار (بما في ذلك العسكري) لإنهاء حمامات الدم في سوريا.
تحركات هيغ وتصريحاته لم تعجب الاميركيين لأنها اظهرت لندن في موقع متقدم على واشنطن، فاستغل كيسنجر توقيت الاولمبياد واجرى لقاء مع هيغ في العاشر من آب (اغسطس) الماضي. بعد هذه الزيارة التصق موقف لندن بموقف واشنطن مع تبني رئيس الوزراء دايفيد كاميرون حرفيا عبر اتصال هاتفي مع الرئيس الاميركي باراك اوباما رواية "الخط الكيميائي الأحمر" رغم ان الرئيسين يعلمان ان الأسد لن يستخدم هذه الاسلحة ولكن صرحا بذلك فقط ليضعا لبلديهما سقفا مرتفعا لأي تدخل عسكري ممكن في الأزمة.
واكبر دليل على تراجع لندن عن موقفها المتحمس كان غياب التلويح بالتدخل العسكري عن خطاب هيغ في الجلسة الاخيرة لمجلس الامن التي ترأستها فرنسا وهي المرة الاولى منذ بدء هذا النوع من الجلسات التي يخفف فيها الوزير البريطاني من حدة كلامه. وركز عوضا عن ذلك على دعم المساعدات الانسانية وضرورة احالة جرائم النظام على القضاء الدولي.
كما ان غياب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عن الاجتماع الاخير في نيويورك جاء كصفعة مباشرة وجهها الأميركيون للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي بنظر واشنطن ذهب بعيدا عندما دعا في خطابه الى الاعتراف بحكومة تؤلفها المعارضة واعتبر ان "استخدام الاسلحة الكيميائية سيستدعي تدخلا اوتوماتيكيا عسكريا للأسرة الدولية". وهو (التدخل الاوتوماتيكي) ما نفاه بشكل واضح رئيس الاركان الاميركي مارتن ديمبسي خلال لقاء اعلامي في السفارة الاميركية في لندن الخميس الفائت.
انقرة وباريس تطرحان الآن مع شركائهما في حلف شمال الاطلسي (ناتو) فرض حظر جوي فوق مناطق في سوريا تقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر، ولكن واشنطن لن توافق على هذا المقترح اقله في الشهرين الفاصلين عن موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وفي حال خسر اوباما الانتخابات، هذا ايضا يعني حكما استمرار انعدام الحسم في القرار الدولي مدة شهرين آخرين الى حين دخول ميت رومني في حال فوزه الى البيت الابيض في شهر كانون الثاني (يناير) 2013.
تركيا وفرنسا لا تقدران على التحرك بشكل أحادي، وربما تعلن الجامعة العربية قرارا شجاعا ما فدولها تملك السلاح القادر على فرض حظر جوي ما، ولكن العرب لم يكونوا يوما في موقع اخذ المبادرة العسكرية وفي حال حصل هذا فستكون سابقة. مجلس الامن حتما لن يحرك ساكنا وواشنطن ستعمل ايضا على شل اي قرار بهذا الصدد في الناتو، والاخضر الابراهيمي سيكون مجرد موفد لتغطية العجز الدولي تجاه الأزمة خلال الفترة المقبلة التي قد تمتد من شهرين الى خمسة اشهر على اقل تقدير.
موقع المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات.مراد مراد