معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (2)

بواسطة د. خالد الخالدي قراءة 5920
معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (2)
معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (2)

 د. خالد الخالدي

معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (1) معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (2) معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (3)

حظي معاوية بن أبي سفيان بمكانة كبيرة عند الخلفاء الراشدين، يُستدل على ذلك من كثير من المواقف والشهادات، نذكر منها ما يأتي:-

 1- شارك ضد المرتدين في معركة اليمامة في خلافة أبي بكر، ويقال إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب، فقد جاء في تهذيب الكمال أن معاوية بن أبي سفيان قال:" أنا قتلت مسيلمة".

 2- أبلى معاوية بلاء حسناً في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان لفتح الشام، فقد كان قائداً ميدانياً في المقدمة، يقول البلاذري:" وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسن وأثر جميل". ومثال لذلك فتحه لقيسارية سنة (16هـ= 637م) التي تحدث عن فتحها ابن الأثير فقال:" فسار معاوية إليها فحصر أهلها، فجعلوا يزاحفونه وهو يهزمهم ويردهم إلى حصنهم، ثم زاحفوه آخر ذلك مستميتين، وبلغ قتلاهم في المعركة ثمانين ألفاً، وكملها في هزيمتهم مائة ألف وفتحها".

 3- وثق به عمر بن الخطاب بسبب بلائه الحسن، وسيرته الطيبة، فولاه على دمشق بعد وفاة أخيه يزيد في طاعون عمواس سنة ( 19هـ= 640 م)، ثم ضم إليه الشام كلها، وأبقاه والياً عليها مدة خلافته، لأنه لم يجد منه إلا خيراً.

 4- أول من طالب الخلافة ببناء أسطول للمسلمين هو معاوية، ولم يأذن عمر له خوفاً على المسلمين، وكرر الطلب في خلافة عثمان، فأذن له بعد أن اشترط أن يُخيَّر المسلمون ولا يُجبروا، فبنى دوراً لصناعة السفن في مصر وعلى سواحل الشام، واستقدم لذلك الصناع والنجارين من كل مكان، ونجح في بناء أسطول كبير. وإنه لمن الإنجازات العجيبة التي يسجل فيها الفضل لمعاوية أن يبدأ المسلمون ركوب البحر في أول خلافة عثمان ثم ينجحون بعد مرور أقل من أربع سنوات على خلافته وتحديداً في سنة (27هـ = 648م) في فتح جزيرة قبرص، ثم يتمكنون من حسم معركة بحرية كبيرة سنة (31هـ = 652م) هي معركة ذات الصواري، ثم ينجحون في محاصرة القسطنطينية عاصمة الروم سنة ( 51هـ = 672م) لمدة سبع سنوات في حملة برية بحرية كبيرة.

 5- تشرف معاوية بأنه كان قائداً لأول جيش من أمة محمد يغزون في البحر، وكان ذلك في خلافة عثمان، وهو الذي أرسل أول جيش إسلامي لغزو القسطنطينية. وهذان الجيشان هما اللذان قال فيهما النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي روته أم حرام فقالت:" سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا ". وقد شاركت أم حرام مع معاوية في غزوه لقبرص، ووقعت عن دابتها فماتت ودفنت فيها.

 6- كان لتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية الفضل الأكبر في قطع دابر الفتنة التي فرقت المسلمين وأضعفت كلمتهم، وقد أسهم معاوية بحلمه وحكمته في تشجيع الحسن على اتخاذ قرار التنازل، فعندما علم بميله للتنازل والصلح أرسل إليه بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك. وبالسياسة نفسها ضم مصر وخراسان ووحد الأمة تحت خلافته، بعد فتن واقتتال وفرقة استمرت من سنة ( 35- 40هـ=655-660 م)، وقد سمي عام (41هـ = 661م) الذي توحدت فيه الأمة عام الجماعة.

 7- كان لمعاوية الفضل في استئناف حركة الجهاد والفتح التي توقفت زمن الفتنة، وقد عملت قواته على كافة الجبهات، فحققت فتوحات كثيرة في شمال أفريقيا والمغرب من خلال قادة كبار أحسن اختيارهم، وتولى دعمهم وتوجيههم ومتابعتهم.

8- لمعاوية فضل كبير في التطور الإداري والحضاري الذي شهدته الدولة الإسلامية، فهو أول من أنشأ البريد، وأول من حزم الكتب ثم ختمها، وأول من أنشأ ديوان الخاتم، وأول من وضع المقصورة في المساجد حراسة للأمراء من الاعتداء، وأول من أنشأ للمسلمين أسطولاً بحرياً، وهزم أعداءهم في البحر، وفتح جزره ، وأول من جاء إلى المسجد الحرام بمنبر خطب عليه، وكان الخلفاء قبل ذلك يخطبون واقفين على أرجلهم، وأول من جعل لسلطان المسلمين عزاً وأبهة.

 9- كان معاوية حريصاً على سعادة رعيته، وأن يوصل لهم حقوقهم من غير أن يسألوها، فقد روي أنه كان "يبعث رجلاً يقال له أبو الجيش في كل يوم، فيدور على المجالس، يسأل هل ولد لأحد مولود، أو قدم أحد من الوفود؟ فإذا أخبر بذلك، أثبت في الديوان، ليجري عليه الرزق". إن الحاكم الذي يحرص على أن يوصل لأفراد رعيته حقوقهم قبل أن يسألوه إياها، حاكم فاضل عادل يستحق حبهم وتقديرهم.

 10- عرف معاوية الفضل لأهل الفضل في زمانه لأنه صاحب فضل "ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل"، ومن ذلك أنه عندما جاءه خبر قتل علي-رضي الله عنه- جعل يبكي ويسترجع، فقالت له امرأته: تبكي عليه وقد كنت تقاتله؟! فقال لها: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم". ... يتبع

فلسطين أون لاين



مقالات ذات صلة