الدعم الإيراني لــ«الصابرين» في غزة.. الدوافع والأهداف (2-2)

بواسطة المرجع قراءة 1376
الدعم الإيراني لــ«الصابرين» في غزة.. الدوافع والأهداف (2-2)
الدعم الإيراني لــ«الصابرين» في غزة.. الدوافع والأهداف (2-2)

تناولنا في الجزء الأول من الدراسة دوافع الدعم الإيراني لحركة «الصابرين» الشيعية في غزة والتي هدفت بالأساس إلى ترسيخ الوجود الإيراني في القضية الفلسطينية، كوسيلة لتعميق الدور الإيراني في المنطقة، وفي هذا الجزء نتناول صور الدعم المالي الذي تقدمه ايران لحركة «الصابرين»، فضلًا عن آليات المواجهة

 

تعتمد حركة «الصابرين» بشكل كامل على إيران في تمويلها، وتتلقى دعمًا ماليًّا إيرانيًّا يُقدر بقيمة 10 ملايين دولار سنويًا كما ذكر سلفًا، لتتمكن من ترسيخ وجودها خاصة مع الرفض الشعبي الذي تواجهه الحركة في قطاع غزة ذي الأغلبية السنية المطلقة.

 

ومن أجل تنفيذ عملها الإغاثي الموجه، فإن الحركة أنشأت جمعية خيرية تحت اسم «الباقيات الصالحات»، تعكف على تقديم مساعدات مالية للعائلات الأشد تضررًا من الحصار، إضافة إلى الدعم المالي الذي تقدمه لسكان المخيمات بدافع استمالتهم نحوها، وكانت داخلية “حماس” أصدرت قرارًا في مارس 2016 بحل هذه الجمعية كرد فعل على استغلالها للعمل الخيري كوسيلة مستترة من أجل نشر التشيع .

 

وعلى الصعيد العسكري، عملت الحركة جاهدة على تعظيم قوتها العسكرية لمواجهة تهديدات الفصائل السنية داخل القطاع و”إسرائيل” في خارجه، من خلال إنشائها جناحًا مسلحًا بإسم «سرايا الرسول الأعظم»، والذي تمكن لاحقًا من الحصول على صواريخ «جراد» و«فجر» الإيرانية قصيرتا المدى، إضافة إلى قناصات «شتاير» الإيرانية، القادرة على تنفيذ عمليات قنص على مدى كيلومترين.

 

كما مكن الدعم المالي الحركة من إنشاء مصنع خاص بها للصواريخ في 2014، إلا أنه تم تدميره في صيف نفس العام فى قصف "إسرائيلي"، ورغم هذا، أعلنت «سرايا الرسول الأعظم» في أكتوبر 2017، قيامها بصناعة صاروخ محلي تحت اسم «أحمد السرحي»، ما يكشف إصرار الحركة على تطوير قدرتها العسكرية لتقف حائلًا أمام أي محاولات لوأدها .

وعلى المستوى الإعلامي، فإيران تسعى للترويج للحركة بصفتها إحدى الحركات الفاعلة في الصراع العربي ـــــ "الإسرائيلي"، وظهر هذا جليًا في حديث مستشار المرشد للشؤون الدولية، على أكبر ولايتي، حينما حاول استثمار تصنيف الولايات المتحدة للحركة كإرهابية، ووصفها بالحركة المجاهدة التي لن تتوقف إيران عن دعمها .

 

آلية مواجهة حركة الصابرين

تقتضي مواجهة حركة «الصابرين» الشيعية في قطاع غزة رغبة جماعية، ليس فقط من كل القوى السنية داخل القطاع، ولكن أيضًا من القوى الإقليمية الفاعلة صاحبة النفوذ، إلا أن هناك تضاربًا في وسائل المواجهة بين الفواعل المحليين والخارجيين لاختلاف الرؤى بشأن مستقبل القطاع ومدى أهميته للأمن القومي للمنطقة.


 

وبالنسبة لـ”إسرائيل”، فهي تتعامل وفق استراتيجية بعيدة المدى مع فكرة النفوذ الشيعي داخل القطاع، ويقصد بذلك أنه رغم الرغبة "الإسرائيلية" في الحد من النفوذ الإيراني داخل قطاع غزة، فإنها لا تمانع من وجود حركة شيعية محدودة القوة داخله على أن يتم توجيهها بالأساس لمواجهة الحركات السنية، التي أثبتت التجارب عدم قدرتها على التعايش مع الفصائل الشيعية ذات التوجه الطائفي والمدعومة من ايران - حدث اقتتال داخلي بين السنة والشيعة داخل كل من لبنان، سوريا، واليمن، إضافة إلى احتقان داخل العراق- .


 

وينم ذلك عن الرغبة "الإسرائيلية" في إشعال فتيل الحرب الأهلية فى القطاع، لتتمكن من استنزاف فصائله، ما يجعل مهمتها في أي حرب مقبلة من أجل السيطرة عليه أمرًا سهلًا.


 

ويضاف إلى الاستراتيجية "الإسرائيلية" في إشعال فتيل الحرب الأهلية داخل القطاع، أنها «سياسة مزدوجة»، إذ أن الصعود الشيعي داخل القطاع سيؤدي بدوره لتصعيد الخطاب السلفي- يهاجم “حماس” بسبب مهادنتها لـ”إسرائيل” ويعتبر ذلك تخليًا عن فكرة الجهاد المسلح من أجل تحرير الأرض المحتلة- وجعله أكثر عنفًا، ما يُحتم المواجهة بين الطرفين بغض النظر عن تأثير ذلك على الصراع مع “إسرائيل”.


 

ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى الأولوية التي تمنحها تنظيمات السلفية الجهادية في غزة- مثل «جيش الإسلام، وجيش الأمة، وجند أنصار الله» الموالين لتنظيم القاعدة- لقتال من يعتبرونهم «المرتدين».


 

على سبيل المثال، نجد أن تنظيم «القاعدة» في سوريا، ممثلًا في جبهة النصرة، يمنح الأولوية لقتال الفصائل السورية على قتال النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران.


 

وقد استشعرت «“حماس”»، المسيطرة على القطاع منذ 2007، خطر صعود الشقين المتناقضين- الشيعة والسلفيين- في المرحلة التي أعقبت الإعلان عن تأسيس حركة الصابرين في 2014، على وحدة القطاع، فلجأت لاتخاذ قرار داخلي، دون أن يُعلن عنه رسميًا، بحظر كل أنشطة الحركة في يوليو 2015، كوسيلة للردع داخل القطاع .


 

ورغم هذا القرار ما زالت الحركة تمارس أنشطتها الاجتماعية داخل القطاع، وكان آخرها مشاركتها في الاعتصام المفتوح أمام مقر الصليب الأحمر في غزة يوم 12مارس 2018، ويرجع هذا التساهل إلى الضغط الإيراني الذي تحاول “حماس” التكيف معه من أجل إعادة العلاقات لما كانت عليه قبل الثورة السورية.


 

ومن الجدير بالذكر أن العلاقات أخذت منحني الهبوط بشكل رئيسي بين “حماس”، وإيران بعد الخطاب الذي ألقاه خالد مشعل من أسطنبول في سبتمبر 2012، وأعلن فيه دعمه للثورة السورية اتساقًا مع الموقف العربي العام، وأملًا في تحسين أواصر العلاقة بين “حماس” والدول العربية.


 

وتسهم قضية المصالحة الوطنية بين حركتى فتح و”حماس” التي بدأت بتوقيع اتفاق للمصالحة بين الطرفين في أكتوبر 2017 - تتولي مصر دور الوساطة بين الطرفين- والهادفة إلى إعادة تسليم السلطة الفلسطينية زمام الأمور في القطاع من خلال حكومة الوفاق الوطني- إلى وضع حد للظروف الاقتصادية الصعبة التي تتغذي عليها التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك حركة الصابرين.


 

ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى سلبية الأثر الذي حدث نتيجة العقوبات الاقتصادية على القطاع  والتى تاثر بها نحو 50 ألف موظف، إذ أن هذه الإجراءات لم تؤذ الهياكل المسلحة للتنظيمات المتطرفة بقدر ما تأتي بنتيجة سلبية على المواطنين، ما يدفعهم للميل نحو التنظيمات المتطرفة لاحقًا.


 

وعلى هذا، يجب على القوى الفاعلة من خلال جامعة الدول العربية أن تلعب دورًا في تقديم إعانات لسكان القطاع، لتمكنهم من الصمود أمام محاولات التأثير على وسطيتهم الفكرية، دون تقديم أي مواد يمكن أن تستخدم في الصناعات العسكرية، على أن يتم ربط ذلك بقيام “حماس” المسيطرة على القطاع بحملات أمنية، من أجل وأد أي فكر شيعي طائفي داخل القطاع.


 

وختامًا: لا بد للفصائل السنية داخل القطاع أن تعلم أن إيران ليست حليفًا موثوقًا، فالظاهر أنها تدعم القضية الفلسطينية بكل قوة، لكن أفعالها تثبت أنها تتخذ من القضية الفلسطينية وسيلة للتمدد في المنطقة.


 

كما يجب الوعى بأن أحد أهم أسباب تدهور علاقات تلك الفصائل مع الأنظمة العربية هو تقاربها مع إيران التي تعد المهدد الأول لأمن المنطقة من خلال سعيها الحثيث لتصدير الثورة بقوة السلاح إلى الدول الخليجية في الوقت الذي الذي تدخلت فيه عسكريًّا في سوريا لوأد الثورة على نظام الرئيس السوري.


 

ويظهر هذا التناقض منفعية النظام الإيراني وغياب الأخلاقيات عن سياسته الخارجية، حيث لا يترك فرصة إلا ويستغلها من أجل ممارسة نفوذه.


 

ولا يمكن للفصائل السنية أن تغفل عن تجارب الدول الشرق أوسطية في المنطقة مع إيران، والتي سعت لتحسين علاقاتها مع إيران في إطار مبدأ حسن الجوار، قبل أن تعود عليها هذه العلاقات بالسلب من خلال انتشار التشيع داخلها، إضافة إلي تكرار الأعمال الإرهابية.

 

فعلي سبيل المثال لا الحصر، تورطت إيران في عدد من الأعمال الإرهابية داخل البلدان العربية منها خلية العبدلي في الكويت والتي كُشفت في 2015 ، وحوكم أفرادها بتهمة التخابر مع "الحرس الثوري" الإيراني، كما قامت السلطات البحرينية بالقبض على عدد 116 شخصًا بتهمة التخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية بدعم من "الحرس الثوري" الإيراني  .

 

ونستنج من ذلك أن الدعم الإيراني للفصائل السنية مشروط بنمو حركة «الصابرين» عسكريًّا، وبمجرد أن يكتمل نضجها العسكري وتصبح قادرة على رد أي اعتداء من الفصائل السنية عليها، ستوقف إيران دعمها المالي والعسكري للفصائل السنية بشكل كامل، قبل أن توجه حركة «الصابرين» لبذل كل مجهودها من أجل السيطرة على القطاع وإكمال مخططها العسكري في المنطقة.


 

ولهذا فإن مواجهة هذه الحركة تتطلب موقفًا قويًا من الفصائل السنية، إضافة إلى دعم من القوى الإقليمية المناوئة لإيران والمتضررة من سياساتها.

 

المراجع

 

1- موقع إيلاف، “حماس” تحل جمعية خيرية شيعية في غزة،

 

http://elaph.com/Web/News/2016/3/1077518.html

 

2- USA Department of the state, https://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2018/01/277792.htm

 

3- حسن عباس، رصيف 22، تدعمها إيران وشعارها يشبه شعار "حزب الله".. زمن هي حركة الصابرين الفلسطينية،

 

https://raseef22.com/politics/2018/02/02/%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%8A%D8%B4%D8%A8%D9%87-%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84/

 

4- العربية نت، من هي حركة الصابرين ذراع ايران في فلسطين،

 

https://www.alarabiya.net/ar/iran/2018/02/02/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%8A-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D8%9F.html

 

5- العربية نت، فتح و “حماس” توقعان اتفاق المصالحة بالقاهرة برعاية مصرية،

 

https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2017/10/12/%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%88%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-.html

 

6- نائلة خليل، هذه مطالب وفد فتح لغزة..واجراءات عباس لمحاصرة “حماس”، العربي الجديد،https://www.alaraby.co.uk/politics/2017/4/10/%D9%87%D8%B0%D9%87-%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D9%88%D9%81%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D9%84%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3

 

 

المصدر : المرجع

30/9/2018

 

 



مقالات ذات صلة