يتداول أفراد الجهاد الإسلامي منذ فترة نسخة من العدد الثاني عشر لمجلة (صوت الجهاد الإسلامي) وهي مجلة شهرية تصدر عن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين-عدد شهر ربيع الأول 1429هـ الموافق مارس 2008م، حيث احتوى على مقال مهم لأفراد الحركة يهدف لنشر الوعي الحركي عندهم، والمقال يحمل عنوان (موقف الحركة من الشيعة) وهو بقلم الأمين العام للحركة "رمضان شلح" والذي حاول بكل طاقته إمساك العصا من الوسط حتى لا تتهم حركته بالتشيع! وفي نفس الوقت حرص ألا يغضب حلفاؤه الشيعة في إيران!! وهذه المحاولات اليائسة والمتكررة – وليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها د.شلح عن موقف الحركة من الشيعة!- أوقعته في تناقضات عدة وكثيرة تبدو واضحة جليّة لكل مراقب لحركة الجهاد عن كثب ومدى ارتباطها وقياداتها بإيران والتشيع، ولكنها قد تنطلي على البعض من أبناء الحركة الذين لا يرون إلا بعين الحزب وحسب مقرراته!! وهذه آفة الحزبية على مر العصور، فهي تقيد العقل وتحصره في قالب خاص لا تتعدى نظرته صورتها الضيقة التي يُراد لها وتوجه له!!
ونحن هنا في لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة – فلسطين نسوق بعضاً من كلام الأخ شلح –مما ورد في مقاله- لنضعها أمام قرائنا ليكونوا الحكم على حقيقة ما قيل على ضوء الحقائق الشرعية والواقعية، ونحن في هذا نسلك مسلك النصح وإبراء الذمة لأهلنا في فلسطين وفي كل مكان.
يقول الأخ شلح تحت البند خامساً: "لذا فنحن نلتقي مع كل من يقاتل إسرائيل أو يعاديها، سواء كان من السنة أو الشيعة، أو حتى لو كان من غير العرب والمسلمين !!.." وهذا والله من العجب أن يصدر من قائد لفصيل إسلامي، فماذا أبقينا لغيرنا، ولماذا يعاب على المنهزمين والمنافقين والطغاة استعانتهم بالكافرين في تحقيق مصالحهم وتثبيت دولهم! إذا كان هذا هو المبدأ!! فهل نعطي لأنفسنا المبررات والمسوغات، ونطعن في الآخرين ونتهمهم طالما كان المبدأ واحداً!! ... وإطلاق هذا الكلام من دون ضوابط وشروط نص عليها أهل العلم يعتبر مخالفة صريحة لكلام نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: "إنا لا نستعين بمشرك" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني/ صحيح الجامع 2293. وهل كل من أعلن أنه يريد قتال "إسرائيل" أو أنه يعاديها يجعلنا نقف معه في نفس الخندق؟! فلماذا إذن أنشأت حركة الجهاد الإسلامي، طالما أنها تلتقي مع الفصائل الشيوعية واليسارية والعلمانية في قتال "إسرائيل" ولستم أكثر وطنية منهم حتى تزايدوا عليهم!! أم أن الغاية تبرر الوسيلة!!
ويقول قبل هذا تحت البند رابعاً: "...وقد أكدت كل كتب ومصادر أهل السنة في الفرق الإسلامية على أن الشيعة –عدا الغلاة- من فرق المسلمين ولا يوجد كتاب يخرجهم من فرق الإسلام.."، ونقول هنا اتق الله في هذا الكلام وكفاك تلبيساً على الناس:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ ..... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وهل الشيعة الإثنى عشرية الجعفرية ليست من فرق الغلاة، ألا يكفيك قولهم بتحريف القرآن وتكفيرهم الصحابة رضوان الله عليهم وطعنهم في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، وغيرها من الطامات!! ... أم أنه العمى الذي يصيب القلب قبل العين! وهم ما زالوا يتواصون بذلك ويتعاهدونه كبيرهم وصغيرهم من السادات والعمائم، بل أصبحوا يصرحون به الآن أكثر من أي وقت مضى، وآياتهم في إيران وغيرها تطفح بهذا الحقد الأسود الذي صبغ قلوبهم قبل ثيابهم، فأين منهم غير الغلاة!! نعوذ بالله من الجهل المركب...
بل نص كل علماء أهل السنة والجماعة على كفر مذهبهم ومعتقداتهم كالقاضي ابن العربي والإمام الإسفرائيني والإمام ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهم الكثير ممن كتبوا في الفرق رحمهم الله جميعاً. ولا يعني كون أهل العلم أدرجوهم في الفرق الإسلامية أنهم ينتسبون لأهل السنة والجماعة ومذهبهم أو للطائفة المنصورة والفرقة الناجية، بل لكونهم خرجوا من تحت عباءة الإسلام وجعلوه وسيلة لنشر مذاهبهم وأفكارهم، ولذلك أدرج العلماء كل الفرق التي على هذه الشاكلة كالجهمية والمعتزلة والخوارج والصوفية ...الخ، ثم بيّنوا حقيقة مذاهبهم وما وقعوا فيه من انحراف وفساد وشرك وكفر كلٌ بحسبه، وكل ذلك تحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلِب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ". رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه، وصححه الألباني/ صحيح الجامع 2641 ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، ما أنا عليه وأصحابي" رواه الترمذي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، وحسنه الألباني/ صحيح الجامع 5343.
وكيف لا تكون الشيعة الإثنى عشرية من الفرق الضالة المنحرفة الغالية ومذهبهم يطفح بالشرك والكفر، وعبادة القبور والأضرحة من دون الله، غير الطواف والذبح والنذر والتوسل عندها، أما الغلو في آل البيت عليهم السلام وأئمتهم وإنزالهم منازل الربوبية والإلوهية!! فحدث ولا حرج... ويكفيك زيارة بسيطة لمواقعهم على الإنترنت حتى ترى ذلك بأم عينك، ولا أريد أن أرشدك لمواقع أهل السنة التي تصدت لفكرهم وعقائدهم حتى لا يقال هؤلاء يتحاملون عليهم؟! والحق واضح جلي لكل من رزق التوحيد ولم تتلوث عقيدته بأدران الشرك أو وسائلها.
ويقول في موضع آخر: "إن الخوض في مسائل الخلافات المذهبية ليس من اختصاصنا بل هو من اختصاص العلماء وأهل العلم والفقه الذين من حقهم ومن واجبهم تبيانها للناس" وهذا الكلام حق لا مرية فيه ولكن د. شلح يضعه في غير موضعه إذ يقرر في موضع آخر من كلامه أن الخلاف مع الشيعة الاثنى عشرية الجعفرية "ليس اختلافاً في أصول الإيمان وأركان الإسلام"!! ولا ندري هل أضحى القول بتحريف القرآن وتكفير الصحابة والطعن في عرض أمهات المؤمنين وعبادة القبور من فروع الدين التي يسع فيها الخلاف؟!! وأين كلام العلماء هنا في تقرير انحراف هذا المنهج وضلاله؟ أم هو للاستهلاك المحلي وذر الرماد في العيون!!
وهل ظهور أمثال الغوانمة وشحادة والحسني كأمثلة حية على التغلغل الشيعي في فلسطين والذين خرجوا من تحت مظلة الجهاد الإسلامي إلا نتيجة هذا التمييع العقدي، والضبابية في الطرح من أجل تحقيق مكاسب آنية ومصالح موهومة، وعندما أصبح لهم كيانات وجمعيات وحوزات وتنظيمات عسكرية مستقلة!! وأصبحت إيران تمولهم بشكل مباشر أعلنتم براءتكم منهم!!
ثم ألا يزال بعض رموز الحركة يدعون لجعل المذهب الجعفري مذهباً خامساً يدرس في الحلقات الخاصة لأفراد الجهاد، وقد طبقه بعضهم على منوال شيخهم في القطاع، والذي بدأ يؤتي أكله في أفراد الحركة وبعض قياداتها! ولسنا هنا بصدد ذكر الأسماء والرموز فما زلنا نحتفظ بخط الود والنصيحة بيننا، ولعل الله يصلحهم ويهديهم... وأصبحنا نسمع الطعن واللمز بالصحابة الأخيار وأمهات المؤمنين الأطهار، وغدا ضرب السلاسل في المناسبات العاشورية من دينهم، فقل لي بربك ماذا يصنع منهج التمييع الذي تتبعونه مع الرافضة في تربية شباب حركة الجهاد، وخصوصاً أن المال حاكم، ويفرض أجندته!! ولو على المدى البعيد.
ثم إذا كان درس الثورة الخمينية هو الملهم والقائد لكم!! فما أبقيتم من تاريخ أمتنا وانتصاراتها، هل كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وهل الغزل السياسي يدفع المرء للانحدار إلى هذا الحد!! وإذا كان نهج الخميني الكافر الهالك هو نهجكم وطريقكم فنعوذ بالله من الخسران، ولنتذكر أن المرء يحشر مع من يحب!! ألا فلتتق الله في جموع الشباب الذين تضلونهم بمثل هذه الأقاويل، وإذا كان كل من فجر ثورة ، وغلفها بغلاف الإسلام زاعماً نصرة الحق ، هو على السبيل الرشيد! لأصاب الخوارج الفردوس الأعلى!! وقد قال عنهم نبينا صلوات الله وسلامه عليه "هم كلاب أهل النار" "شرار الخلق تحت أديم السماء" "لإن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وغير ذلك من النصوص، وهم من أكثر الناس عبادة وقراءة للقرآن!!
المشكلة أنه كلما انطلقت أصوات المخلصين الغيورين على الأمة في التحذير من هذا النهج، فإن سهام التخوين والعمالة جاهزة ضدهم!! وفي أحسن الأحوال هم "الطيبين الذين لم يخبروا جيداً ألاعيب السياسة" على حد قول الدكتور!! فهم إما سذج مغفلون أو خونة عملاء؟ والدكتور وأضرابه أصحاب الحنكة والدراية، وما زالت الأمة تصاب بالنكبات تلو النكبات على أيدي أمثالهم، وهم لا يتعلمون ولا يستطيعون قراءة التاريخ... إنه العمى أو الهوى، وبأيها أخذت كانت الطامة....
وأخيراً يقول الدكتور "لا أبالغ إن قلت إنها أشد وقعاً على نفوس مجاهدينا من وقع الحرب الصهيونية التي تلاحقهم بالاغتيال والاعتقال وكل أشكال العدوان؟!" ويقصد بذلك الحرب الدعائية التي يشنها البعض ضد الحركة لتشويه صورتها!! فنقول: لا شك أن الحق مر وهو ثقيل على من لا يقبله، ولأن يُثقل علينا إخواننا من أهل السنة وأصحاب العقيدة والتوحيد أحب إلينا من أن يأتي اليوم الذي نرى فيه نار المجوس قد أضاءت في أرض فلسطين بعد أن أطفأها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قبل أن يقاتل الصليبيين ويحرر الأقصى...
وهذه الصدمات والحقائق لتجعل كل من يريد الحق ولم يصيبه أن يفيق ويعود أدراجه، وينتبه كيف أنه يخدم في نهاية الأمر مخطط أعداء الله من الداخل والخارج من حيث لا يحتسب، فوالله لأن نقطع جزءاً جزءاً خير من أن نكون بوابة العبور للصفويين على ثرى فلسطين الطاهرة، وأكرر أن من لا يستطيع قراءة التاريخ سيسجله التاريخ في نفس صفحات الغدر والخيانة التي سُجل بها تاريخ الرافضة على مر تاريخ أمتنا...
وإذا كانت كل الأدلة التي نسوقها بصورة دورية لا تستطيع أن تفتح القلوب والأعين للحق فلا نملك شيئاً إن كان قد ختم عليها!!
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.. والحمد لله رب العالمين.
أبو الحسن منذر النابلسي