وقفات حول إعدام صدام حسين

بواسطة ممدوح إسماعيل قراءة 3458
وقفات حول إعدام صدام حسين
وقفات حول إعدام صدام حسين

وقفات حول إعدام صدام حسين

 

ممدوح إسماعيل

كان إعدام الرئيس العراقي صدام حسين في فجر عيد الأضحى المبارك  ذا دلالات عديدة  سواء  في توقيته أوفي طريقة  عرضه على الإعلام  وهو حدث أعتقد أن التاريخ لن يهمله مطلقًا  وبين دلالات وعِبر وأهمية هذا الحدث نقف تلك الوقفات.

أولاً لا يمر هذا الحدث على أي نفس مسلمة ألا ويقف بداية مع الخاتمة  وكما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم  الأعمال بالخواتيم  نعم فقد أراد الله أن يشهد العالم كله كيف يقف "صدام حسين"، ذلك العبد الذي حكي عن قوته الأساطير وروي عن شدته وقسوته الحكايات، ولكن الله أراد أن تكون نهاية كل هذا بحقيقة خالدة، وهي إذعان وتسليم بألوهية الله ووحدانيته وافتقار العبد المخلوق إلى الله؛ فشهد صدام حسين أن "لا إله إلا الله"، وأن "محمدًا رسول الله"، وقد ردد الشهادة بثبات وهدوء المؤمن  رغم كل التاريخ الذي مضى في أفكار بعثية كفرية وصراعات دموية، وحكم بغير ما أنزل الله. إلا أن كل ذلك يبقى الحَكم فيه هو الله، سبحانه وتعالى، ولا يبقى للمسلمين إلا أن يشهدوا بوفاة عبد مسلم، كيف تم ذلك؟ إنها بلا شك أيام المحنة التي جعلت صدام يراجع حياته ويقف على الحقيقة أنه عبد وله رب واحد؛ فكانت المراجعة  كيف كانت، الله أعلم بها، ولكن الناس  علمت وشاهدت  جميعًا حدثًا هامًا  ألا وهو إسلام صدام واستسلامه لله الواحد القهار، وهنا عِبرة هامة ألا يستبعد أي مسلم توبة طاغية مهما فعل، والله أعلم بعباده.

الوقفة الثانية: تنفيذ الإعدام شمل توجيه رسالة حاقدة من الرافضة للمسلمين السنة للآتي:

1-  توقيت تنفيذ الإعدام، وهو صبيحة يوم عيد الأضحى عند المسلمين أهل السنة.

2- وجود جمع من الطائفيين الشيعة الحاقدين في مكان الإعدام.

3- تعالي صيحاتهم المبتدعة لحظة الإعدام.

4- الهتاف باسم كبيرهم الضال مقتدى والصدر.

فكانت رسالة تخلت عن كل المعاني الإنسانية، بل تخلت عن قيم  وأخلاق الإسلام، التي يدعون أنهم ينتسبون إليه؛ فأحدثت رد فعل مدوي عند المسلمين، بل وعند العالم أجمع؛ فقد فضحت دمويتهم وهمجيتهم   وسبحان الله فقد ارتد سحر الساحر، كما يقال، إلى نحره  فقد أراد المبتدعة الضالون توصيل رسالة قوة وشماتة  لكن سبحان الله حدث العكس كالآتي:

1- نسجوا خيوط بطولة لصدام حسين من ثوب كفنه، الذي أرادوا منه أن يجعلوه نهاية أليمة.

2- فضحوا أنفسهم بحقدهم وطائفيتهم.

3- استفاق الكثير من الجهال والمغفلين من المنتسبين للسنة لحقيقة الحقد الطائفي عند الشيعة.

4- انتبه الكثير من مثقفي العرب والمنتسبين للفكر القومي إلى حقيقة الدور الطائفي البغيض للشيعة، ودور إيران القوي في اختلال  وتخريب العراق.

الوقفة الثالثة: أكد تنفيذ الإعدام في صدام حسين التعاون الوثيق بين الشيعة الرافضة والاحتلال الأمريكي ضد أهل السنة وفضح تمثيلية توزيع الأدوار بينهم حيث كان الإعدام وتنفيذه وتوقيته تحت سمع وبصر وعلم المحتل الأمريكي ومباركته، فتسليم صدام حسين من الأمريكان للطائفيين الحاقدين تم بترتيب بينهم، حسبما نشرت كل وسائل الإعلام في العالم حتى حضر التنفيذ  أفراد من المخابرات الأمريكية، ولم يتم تسليم جثة صدام حسين إلا بعد قرار من الرئيس الأمريكي، الذي كان في بيته منتظرًا تنفيذ الإعدام؛ ليقدمه هدية للمسلمين في عيدهم.

الوقفة الرابعة: وهي متعلقة بالشكل القانوني فكثيرًا ما يتشدق الأمريكان بالحرص على القانون، وأنهم جاءوا إلى العراق لتحقيق القانون والديمقراطية، ولكن إعدام صدام حسين كان تأكيدًَا على تهاوي تلك الشعارات الزائفة، وفضيحة لحقيقة حقدهم. فصدام حسين من الناحية القانونية أولا رئيس دولة وإسقاطه عن طريق الاحتلال باطل من ناحية القانون، والحديث عن الانتخابات التي جرت في العراق حديث باطل؛ لأنها جرت تحت ظل الاحتلال وبمعرفته وكانت النتيجة أنها  كشفت حقيقة الاتفاق السري بين المحتل الصليبي والشيعة، حول تسليم مناصب الدولة لهم مقابل تمتع الصليبين بالاحتلال  غير ذلك صدام حسين أسير حرب، وله رقم مدوّن في الصليب الأحمر  فأسرى الحرب لا تطبق عليهم أحكام الإعدام  ولا يفوتني الإشارة إلى أن المحاكمة كانت هزلية وغير قانونية تمامًا؛ فقد كان الخصم هو الحكم، ولم تتوفر للدفاع كافة حقوقه بل تعرّض الدفاع للطرد بل والقتل  والحكم كان معدًا ومسبقًا  وكانت  المحكمة ما يشبه المسرحيات لإقناع العالم بديمقراطية الاحتلال وأعوانه، و أخيرًا لا يعرف في أي عُرف قانوني السماح بتنفيذ أحكام الإعدام في الأعياد والمناسبات القومية؛ بخلاف أن صدام يحاكم في قضايا أخرى، وقد جرى العرف القضائي على وقف تنفيذ حكم الإعدام خاصة حتى الانتهاء من جميع المحاكمات  الحقيقة أن الأخطاء القانونية لا تحصى   وقد أردت من هذه الوقفة كشف زيفهم فقط.

الوقفة الخامسة: تتعلق بما يصطلح على تسميته الحرب الأهلية أو العنف الطائفي فبعد أن كان الجميع في العراق يتوارى من هذا الاصطلاح، فقد أعلنها رافضة العراق الطائفيين علانية بإعدام صدام، ودشنوا لحرب تحرق الأخضر واليابس وتقطع الأمل في أية وحدة للعراق، أو مستقبل لعراق موحد، وكأنهم قصدوا ذلك أي إعلان خفي لتقسيم العراق واقعيًا، ويبدو من خلال الأفق أنه اتفاق بين المحتل وأعوانه الخونة في العراق. فقبل الإعدام كان رئيس الوزراء المعين من قِبل الاحتلال في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعه الحكيم وكان هناك صوت عالٍ يتردد عن حتمية حل الموقف في العراق عن طريق إيران  فهل تم الاتفاق على إهداء إيران إعدام صدام مقابل دور في العراق  خاصة أن إيران هللت فرحًا وطربًا بإعدام صدام  وشاركها العدو الإسرائيلي وبالطبع  الإدارة الأمريكية، ومن الملفت أنها وهي التي تتعالى حنجرتها بالإسلام  وعداء إسرائيل وأمريكا اتحدت معهم في الفرح بإعدام صدام في ليلة عيد الأضحى المبارك عند المسلمين السنة  ومع تغاضي المحتل في العراق عن الدور الإيراني في المليشيات الشيعية المسلحة التي تقتل أهل السنة على الهوية  ليتضح أن صب الزيت على النار، بإعدام صدام حسين بهذه الطريقة، تكريس مقصود ومتعمد للطائفية والحرب الأهلية والتقسيم  الذي سيكون لإيران دور فيه مقابل اتفاقيات سرية مع الأمريكان  حول حدود البرنامج النووي.

الوقفة السادسة: تتعلق بالموقف في الشارع العربي والإسلامي  ومما لاشك فيه أن لصدام حسين سيئات كثيرة، لكنه أفضى بها الآن إلى ربه، وأمست في عداد التاريخ. وقد كسب صدام شعبية كبيرة من خلال محاكمته التي توجت بلحظات إعدامه التي صوّرت  وأذيعت عبر القنوات الفضائية؛ مما أكسبه تعاطفًا كبيرًا، ولكن رد الفعل الرسمي لبعض الأنظمة العربية  كان محبطًا، ولم يكن متجاوبًا مع انفعال الشعوب، ولا حقيقة المخاطر التي توّجت في العراق وفي المنطقة العربية  بإعدام صدام  وهو يؤدي إلى تكريس الانفصام بين الشعوب والكثير من الأنظمة العربية.

الوقفة السابعة: تتعلق بنهاية القومية العربية فقد كان سقوط بغداد إسدالاً للستار عن آخر موقع لنظام عربي يرفع راية القومية العربية  وإن كان النظام العراقي قد غيّر من كثير من أفكار القومية العربية العنصرية، إلا أنه ظل متمسكًا بالقومية كخيار إستراتيجي للدولة العراقية  وقد سبقه في السقوط النظام المصري الناصري والنظام الليبي، وكان السقوط معلنًا فشل القومية كمعين  عقدي وفكري للنهضة والمقاومة. وقد أكد ذلك المقاومة العراقية، التي نبذت كل راية عصبية ورفعت راية الإسلام؛ فحققت إنجازات مذهلة على الصعيد العسكري الاستراتيجي، وأجبرت المحتل أن يعترف بفشله  وقد أحدثت المقاومة شرخًا داخل  النظام السياسي للمحتل، سواء في أمريكا أو في بريطانيا  وكان تغيّر سلوك وفكر صدام حسين وتوجهه نحو التحصن بالإسلام علامة بارزة لأهم قائد قومي يتخلى عن القومية العربية بعنصريتها، وهو بلا شك مما سيحدث أثرًا هامًا عند بقايا القوميين العرب  مما سوف يدفع البعض منهم إلى التوجّه للإسلام؛ بعدما رأى رأي العين قوة التحصن بالإسلام في المقاومة والجهاد والثبات وكمنهج حياة.

وأخيرًا إن صدام حسين رجل من المسلمين مضى إلى ربه ولقد قدّم الكثير من شباب الإسلام دماؤهم رخيصة في سبيل الله في المقاومة وجهاد المحتل؛ فسجلوا أروع صور للتضحيات تفوق صدام حسين آلاف المرات، ولكن كان نصيب صدام حسين في الإعلام   بسبب ما شغله في الدنيا، وقد مضى هو ودنياه، أما هؤلاء الذين نحسبهم شهداء ولا نزكي على الله منهم أحدًا، فهُم تاج على رأس الأمة  فأسأل الله أن يكونوا في عليين، وأن يخلفهم في أهلهم ومالهم وولدهم.

 



مقالات ذات صلة