الفقيد محمد عارف ذكريات من الماضي
إن من أجل النعم على المسلم في دنيا الفتن والمحن ، الصحبة الصالحة والرفقة الحسنة ، كيف لا والصاحب ساحب والحب في الله من أوثق عرى الإيمان ويحشر المرء مع من أحب ، والصديق الناصح التقي الورع لا يقدر بثمن لاسيما إذا كان من الذين إذا رؤوا ذُكر الله .
بذلك تتبين مصيبة فقدان الأحبة وفراقهم ، خصوصا إذا كان من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وقد تحلى بالمعتقد الصافي وحسن العبادة وصالح الأخلاق والشجاعة والعلم والدعوة إلى الله ولين الجانب والتواضع مع الشدة في الصدع بالحق وعدم المحاباة .
أخ عزيز وصديق حميم وحبيب في الله ، فُجعنا بفقده وتأثّرنا على فراقه وأصابنا الحزن بعدم رؤيته مرة أخرى ، ترك فراغا كبيرا وخلّف أثرا بالغا في نفوسنا ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ونؤمن بهذا القدر والحمد لله على كل حال ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولد الفلسطيني محمد عارف محسن النصار في بغداد عام 1976 ، نشأ وسكن في مجمع البلديات وتخرج من كلية الإدارة والاقتصاد – الجامعة المستنصرية عام 1998 ، وحيدا لأهله من الذكور ولديه أربع شقيقات ، تزوج عام 2000 ولديه ولد وبنت ( عبد الرحمن وعزيزة ).
تعرفت على الأخ محمد عندما كنت أتواجد بشكل شبه يومي في جامع القدس بالبلديات بعيد الاحتلال عام 2003 ، فرأيته مواظبا على الصلوات محبا للطاعات مهتما بالعلم وطلبه مسارعا في جميع أبواب الخيرات ، كنت أراه من القلائل الذين يحبون العلم وأهله والدعوة إلى الله .
كان شديدا بصدعه بالحق ، لا يحابي أحدا ولا يجامل ولا يتملق ولا يداهن ، مستقيما واضحا صريحا يتغير وجهه إذا انتهكت حرمات الله ، ولا يتوانى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومع ذلك متواضعا رجاعاً للحق إذا تبين له من غير استكبار .
من الصفات الواضحة شجاعته وإقدامه وجلده وصبره ، حيث كان محبا للجهاد في سبيل الله ، متمنيا الشهادة - ولعله قد نالها بإذن الله – ولا زالت ترن في أذني مقولته " أنا وسيارتي في سبيل الله " وكان لديه سيارة متواضعة جدا نوع برازيلي - أجرة ، كان يكسب قوت يومه منها.
كنت في بعض الأحيان أحتاج الذهاب لبعض المناطق أو لمحل سكني قبل انتقالي إلى مجمع البلديات ، فيبادر محمد قائلا أنا أوصلك ولا يبالي إذا كان الوقت متأخرا ، وبعض الأحيان مجرد شعوره أنني بحاجة للذهاب إلى مكان ما مباشرة يقول : انتظرني أجلب السيارة وآتيك .
في إحدى المرات كانت لي حاجة في السفر إلى إحدى المحافظات واحتجت من يرافقني في هذه السفرة من الأصحاب ، مباشرة بادر وقال : أنا آتي معك ، قلت له : لعل والدتك تحتاج لك ونحن في ظروف صعبة ، وكان حقيقة بارا بوالدته محبا لها حبا شديدا ، والعكس كذلك حيث كانت والدته تحبه حبا جما لا يوصف نسأل الله أن يصبرها ويعينها على مصابها ، وفعلا أصر على مرافقتي بهذه الرحلة .
بتاريخ 13/7/2003 وبينما كان مارا بسيارته المتواضعة برفقة أحد الأصحاب في منطقة زيونة ، انفجرت به عبوة ناسفة على الرصيف فيما يبدو كانت تستهدف قوات الاحتلال الأمريكي ، وأردته صريعا شهيدا بإذن الله تعالى وتعرضت سيارته لأضرار بليغة ، ولعله نال ما كان يتمنى بأنه هو وسيارته في سبيل الله .
في الحقيقة أصابنا حزنا شديدا على فراقه ، لأننا في زمن يندر فيه أمثال هؤلاء الرجال الأبطال ، مع أنه في مقتبل عمره إلا أنه كرس وقته وبذل نفسه في سبيل الله ، وحزن الجميع على فراقه لكن هذه هي الدنيا تقرب وتبعد ، دنيا الأكدار والمنغصات وفراق الأحبة والخلان ، لكن ما يصبرنا إيماننا بقضاء الله وقدره ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطئنا لم يكن ليصيبنا .
فرحمك الله يا أبا عبد الرحمن وأسكنك العلى من الجنة وتقبلك مع الشهداء ، وصبر ذويك ومحبيك على فراقك وأثابهم الأجر الجزيل ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
4/5/2009
أيمن الشعبان
على يد القوات الأمريكية في منطقة زيونة سنة 2003/7/13