فرست مرعي
أ.د.
تلامذة الباب
إن تلاميذ الباب الثمانية عشر بإضافة الباب عليهم يكونون تسعة عشر عرفوا بـ (حروف الحي)، وهم الذين أرسلهم الباب الى جهات مختلفة في إيران ومناطق آسيا الوسطى، لنشر أخبار مجيئه وظهوره، ومن هذه الأسماء المشهورة:
1- الملا حسين البشرويَئي، أول من آمن بالباب، الملقب (باب الأبواب).
2- محمد علي البار فروشي، الملقب (القدوس).
3- فاطمة زارين تاج (قرة العين) الملقبة بـ (الطاهرة).
4- الملا علي البسطامي.
5- الميرزا يحي (صبح الأزل).
6- الميرزا حسين علي نوري (البهاء).
7- محمد باقر بشروئي.
8- الملا خدابخش قجاني.
9- الملا حسن الباجستاني.
10- "السيد" حسين اليزدي، كاتب الباب.
11- الملا محمد روضة خان اليزدي.
12- سعيد الهندي.
13- الملا محمود الخوئي.
14- الملا جليل الأورومي.
15- الملا أحمد ابدال الماراقيي.
16- الملا باقر التبريزي.
17- الملا يوسف الأردبيلي.
18- الملا هادي القزويني.
19- الملا محمد علي القزويني(17).
وكان (ملا حسين البشروئي) أول من آمن بـالباب، فقد رأى الباب أن يرتحل داعيته الأول عن شيراز، ويضرب في الأرض مبشرًا بالدعوة الجديدة، وسافر زملاءه الى بقية المدن الإيرانية، وكان الباب أثناء توديع دعاته يأمرهم بتسجيل أسماء كل من يدخل في دعوته.
وقد انتشرت الدعوة (البابية) في صفوف الشيخيين(= أتباع الشيخ أحمد الاحسائي) في إيران انتشارًا كبيرًا، لأنهم كانوا يترقبون ظهور (صاحب الزمان) بمناسبة قرب انتهاء ألف سنة على غيبته.
وعندما حلت سنة 1260هـ/ 1844م صاروا متلهفين لسماع النبأ العظيم الذي كان قد بشر بها زعيماهم الشيخ أحمد الأحسائي و"السيد" كاظم الرشتي. فلما وصلهم نبأ ظهور (الباب علي محمد الشيرازي) إليهم، تهافت الكثير منهم عليه؛ وكان لنظرية الأحسائي في (الجسم الهورقليائي) دورًا كبيرًا في تقبل الشيخيين لفكرة حلول الإمام المهدي في (الباب).
مقتل الباب
وقد رفض علماء الشيعة الإثني عشرية في العراق وإيران دعوى (الباب) في المهدوية، ورأوا في فكرة نسخ الدين الإسلامي التي جاء بها، نوعًا من الهرطقة والكفر بالإسلام، وأصدرالشيخ (محمد تقي البرغاني) فتوى بتكفير البابيين.
اعتقل الباب من قبل حاكم شيراز، نظام الدولة (حسين خان)، وبقي في السجن مدة ستة أشهر، ثم خطفه أتباعه من السجن بعد استفحال مرض الهيضة (= الكوليرا) في منطقة شيراز، ومن ثَم اعتقله منوجهر خان (معتمد الدولة) في قلعة قرب أصفهان تدعى (عمارة الشمس)، وأخفاه فيما بعد في إحدى غرف قصره، واستغرقت إقامته ستة أشهر أخرى، حيث كان الأخير متواطئًا معه، لأنه كان أرمنيًا وأسلم متأخرًا. وبعد وفاة منوجهر، عين بدلاً منه ابن أخيه (جرجين خان) حاكمًا لأصفهان، فأرسل الباب الى طهران، وأدخله (الحاج ميرزا آغاسي) الوزير الأول الى منطقة أذربيجان، وأدخل سجن قلعة (ماه كو) الواقعة شمال غرب ايران بسبب أن المنطقة يسكنها الكُرد وهم أهل السنة، لا يستطيع الباب أن يؤثر في عقائدهم. بعدها تم نقله الى قلعة جهريق المنيعة، لما خيف من قيام أنصاره بخطفه، ومن هذه القلعة تم نقله الى مدينة تبريز، حيث نفذ به حكم الإعدام بأمر الشاه (ناصر الدين القاجاري) في إحدى ثكناتها العسكرية في 8 تموز/ يوليو، من عام 1850م(18)، ولكن حركته استمرت بصورة سرية، وتطورت فيما بعد الى (الحركة البهائية) التي أعلنت خروجها من الدين الإسلامي(19).
وكان لليهود في إيران دور كبير في دعم البابية، حيث انضم العديد من النقطوية إليها، وهم يهود أسلموا في الظاهر، وأوعز المجلس الموسوي (= أنجومان كليميان) الى كافة يهود إيران أن ينضموا تحت لواء حركة الباب؛ لذلك دخل 150 يهوديًا من أهل طهران، و100 يهودي من أهل همدان، و85 يهوديًا من أهل كلباكيان، و50 يهوديًا من أهل كاشان، أظهروا إسلامهم، وكانت دعوتهم العمل لوحدة الأديان تحت لواء الملك الألفي (= المسيح المنتظر)، لأن المسيحية والإسلام سبب فقر وتخلف البشر!، ويعتقد بأن وراء تلك الحركة (الجمعية الماسونية بطهران) (20).
ومن جانب أخر يرى أحد الباحثين البابيين أن حركة الباب دعوة سياسية، وراءها روسيا القيصرية، حيث يقول: “إن الحكومة الروسية رأت لتنفيذ أغراضها في إيران تقوية البابية، فأخذت تساعدهم في بلادها، وأعطتهم الحرية الكاملة في إظهار ديانتهم، فبنوا لأنفسهم معبدين، أحدهما في باكو (عاصمة جمهورية أذربيجان)، والثاني في عشق آباد (عاصمة جمهورية تركمنستان)”(21).
وكان هناك بالطبع جناح من (الشيخية) أنفسهم رفض الدعوة البابية وفكرة نسخ الدين الإسلامي، وحاربوا (البابيين) بشدة، وكان هذا الجناح بقيادة الميرزا محمد حسن جوهر، المتوفى (سنة 1261هـ/ 1845م) الذي كان يتخذ من مدينة كربلاء مقرًا له، وكذلك الجد الأعلى للشيخ (الميرزا حسن الإحقاقي) الذي توفي مؤخرًا، وهو (الميرزا محمد باقر) المتوفى (سنة 1301هـ / 1883م)، وقد قام هذا الجناح المعتدل بالانفتاح على المدرسة الأصولية (الإجتهادية) الشيعية الإثني عشرية، ورفض الطريقة (الكشفية)؛ ومع هذا ظل محافظًا على ولائه للشيخ أحمد الأحسائي واسم (الشيخية)، وانغلق على نفسه داخل الشيعة الإمامية، ولم ينخرط في الحركة العامة، حيث ظل يحتفظ بمرجع ديني خاص، وامتاز بنظام توريث المنصب القيادي الديني شخصيًا وبصورة عمودية، بدءًا من الشيخ (محمد باقر الاسكوئي الإحقاقي)، الذي ورث المنصب لابنه (الشيخ موسى الاسكوئي)، الذي ورثه الى ابنه (الشيخ علي)، الذي كان يقيم في الكويت (توفي سنة 1964م)، والذي أوصى بها الى ابنه العَلماني الدكتور (جعفر رائد)، ولكنه رفض المنصب، لأنه كان قد خلع الزي الديني، وكفر بالنظريات الشيخية؛ وانخرط في السلك الدبلوماسي الإيراني، وأصبح سفيرًا للشاه الايراني محمد رضا بهلوي في المملكة العربية السعودية، ثم توفي في لندن سنة 1993م، فانتقلت المرجعية الدينية للشيخية الى أخ الشيخ علي، (الشيخ الميرزا حسن)، الذي توفي، وورثها بدوره الى ابنه (الميرزا عبدالرسول الاسكوئي الإحقاقي)، الذي أصبح الآن زعيم الشيخية، ويتخذ من دولة الكويت مقرًا دائمًا له منذ عدة سنوات(22).
لقد وجدت آراء علي بن محمد الشيرازي (الباب) تربة خصبة لها في إيران القاجارية، في منتصف القرن التاسع عشر، لأسباب عديدة منها:
1- كان نظام الحكم في إيران في القرن التاسع عشر نظامًا كسرويًا استبداديًا طاغيًا، فالشاه هو الحاكم المطلق الذي لا يرد قوله، الأمر الذي أوقع الشعب الإيراني في مهلكة عظيمة.
2- إن غالبية سكان إيران الشيعة يعيشون منذ صغرهم تحت ركام من الإيحاءات المستمرة بشأن ظهور المهدي، صاحب الزمان الذي يملأ الأرض عدلاً، ينقذهم مما هم فيه من فساد السياسة والإدارة والعيش، وهذه الفكرة من صلب عقيدتهم، أخذت عليهم مشاعرهم، فهم على ذلك كانوا يترقبون المهدي المزعوم في لهف وشوق.
3- لقد استقرت في عقول كثير من الإيرانيين، الذين كانت الروح المجوسية الزرادشتية تجري في عروقهم؛ فكرة مجيء نبي من العجم في آخر الزمان، ينسخ شريعة الإسلام.
4- كان الجهل بأحكام الدين وحقائق الإسلام سائدًا، ليس في إيران وحدها، بل في العالم الإسلامي كله، ومن الطبيعي أن يدفع هذا الجهل صاحبه الى اتباع أي فكرة دون مناقشة عقلية أو رجوع الى نص صحيح. إن هذا الجهل نفسه هو الذي أدى الى وضع (اثني عشر ألف حديث) في المهدي، والتي ينص كثير منها على أن المهدي ينسخ شريعة الإسلام. إن مثل هذه الأحاديث الشيعية المختلقة (الموضوعة) هي التي أفسدت عقول الإيرانيين وجعلتهم يتبعون الملاحدة والمفسدين من دعاة المهدي.
5- سوء سلوك رجال الدين الشيعة في إيران في ذلك الوقت، فأكثرهم كانوا جاهلين بحقائق الإسلام، يعيشون بين كتب خرافية لا ترد باطلاً ولا تقهر فسادًا، ولا تفتح عيون صاحبه على جوهر الإسلام، وكانوا أشبه ما يكونون برجال الكنيسة الاوروبية في العصور الوسطى في الحرص على مطامع الدنيا، واستغلال الدين للحصول على مباهج الحياة، فالشيخ أحمد الأحسائي كان قد باع أحد ابواب الجنة لولي العهد القاجاري (الشاهزادة محمد علي ميرزا بن الشاه فتح علي القاجاري) لقاء مبلغ ألف تومان إيراني على حساب فقراء إيران؛ فضلاً عن ذلك أن نظام الدولة (سليمان خان الافشاري)، القائد العام للقوات الإيرانية القاجارية كان ينثر الأموال نثرًا على أقدام ("السيد" كاظم الرشتي) لقاء أن يعطيه "السيد" بابًا من أبواب الجنة نظير ما فعله سلفه الأحسائي.
6- إن الميرزا علي محمد لُقن جيدًا كيف يمشي في ادعاءاته بخطوات ماكرة، علم أن منطقة (خراسان) الواقعة شرق إيران هي الموطن الصالح لحركته، فـ (خراسان) منذ أقدم الأزمنة كانت بيئة صالحة للفرق الباطنية والملحدة والإباحية، وكانت مصدر غالبية الحركات والانتفاضات ضد الخلافة الإسلامية الأموية والعباسية على حد سواء.
7- دعم روسيا وبريطانيا لهذه الحركة، فروسيا كانت لها أطماع في العديد من الأقاليم الإيرانية: كالقوقاز، وأذربيجان، وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية (تركمنستان وأوزبكستان وطاجيكستان، وقرغيزستان) وغيرها، لذلك أرادت زعزعة الوضع السياسي والديني في إيران عن طريق دعم الحركات الباطنية.
أما بشأن بريطانيا فهي كانت مصدر كل الدسائس والمؤامرات طيلة تاريخها ضد الإسلام والمسلمين، فهي الخبيرة بإدارة المؤامرات، وتنفيذ الخطط، بإيقاد نار الفتنة بين المسلمين، وبمساعدة الحركات الهدامة حقدًا على القرآن الكريم الذي كان الجدار الوحيد أمام بقاء مصالحها الحيوية في البلاد الإسلامية، كما لا يمكن نسيان استعمارها لشبه القارة الهندية، التي كانت تضم قبل الاستقلال كلاً من: الهند والباكستان، وبلاد البنغال (بنغلاديش)، التي تضم حوالي ثلث مسلمي العالم، لذا كانت تحاول بشتى السبل دق أسفين بين المذاهب الإسلامية (23).
المصادر والمراجع والهوامش
[17] الحسني، البابيون والبهائيون، المرجع السابق، ص29؛ ظهير، البابية عرض ونقد، المرجع السابق، ص57- 58.
[18] لقد شابت عملية قتل الباب الكثير من الأساطير والخرافات التي بثها أتباعه، عندما لم يقتل الباب في المحاولة الأولى لإطلاق النار عليه، بسبب تواطؤ الجنود النصارى الذين كانوا مكلفين بقتله، حيث قتل رفيقه في الحال (محمد علي الزنوري)، بينما تسلل الباب واختبأ في إحدى الحجرات المجاورة ، ولكن الوجبة الثانية من الجنود جاؤوا بالباب مرة ثانية، وأطلقوا النار عليه، حيث قتل. ينظر: الحسني، البابيون والبهائيون، المرجع السابق، ص60 -61؛ ظهير، المرجع السابق، ص94-95.
[19] محب الدين الخطيب، البهائية، المرجع السابق، ص24-26؛ الحسني، المرجع السابق، ص69 وما بعدها؛ ظهير،البابية عرض ونقد، المرجع السابق، ص133 وما بعدها.
[20] محمد عبد الحميد الحمد، البهائية ولادة دين جديد (سوريا- دمشق: دار الطليعة الجديدة، 2006م)، ص231، نقلاً عن كتاب (مطالع الأنوار) لمحمد زرندي.
[21] محمد مهدي خان، البهائية تاريخها وعقيدتها ( القاهرة، 1231هـ)، ص125؛ الحمد، البهائية، المرجع السابق، ص231-232.
[22] فرست مرعي، الجذور التاريخية للباطنية الحديثة في إيران ، مجلة الحوار، أربيل ، العدد 150-149، آب– أيلول2015م ، ص101-102.
[23] محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية، ص69- 75.
المصدر : كتابات
15/10/2018