الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة
الحلقة الثالثة
بقلم: أحمد الوكيل.
أشرنا في الحلقتين السابقتين إلى أن " خطة دولة الشيعة الكبرى " بزعامة إيران، تتقاطع مع الخطة الأمريكية لِتفتيت " الدول " العربية والإسلامية، حيث من مصلحة الخطتين " تفتيت " المنطقة، وأن كانت تختلفان استراتيجياً، حيث التفتيت من وجهة النظر الإيرانية والخطة الإيرانية بهدف بناء كيان شيعي كبير، وحيث التفتيت من وجهة النظر والخطة الأمريكية، هو تفتيت لمصلحة الكيان الصهيوني.
وإذا كنا أوضحنا أن ذلك هو ما يفسر الموقف الذي اتخذته إيران في العدوان الأمريكي على أفغانستان، حيث غلبت خطر طالبان والقاعدة على خطر العدوان الأمريكي، وبناء القواعد على حدودها، وأن ذلك ما يفسر الموقف الإيراني من العدوان الأمريكي على العراق، حيث شاركت الفصائل الشيعية المرتبطة بها في اجتماعات المعارضة العميلة، كما يفسر الموقف الإيراني من العدوان نفسه حيث رأت إيران أن العدوان الأمريكي أقل خطورة من بقاء نظام صدام حسين بسبب قمعه للشيعة.
وفي هذه الحلقة نشير إلى موقف الشيعة وجمهورها من الخطة الإيرانية، وأن نجيب على التساؤل الهام وهو كيف نتعامل مع هذه الظاهرة ذات التأثير الأخطر من كل ما مضى ومن كل ما يجري، بالنظر إلى دورها الداخلي المكمل لِدور التفتيت الخارجي.
مدارس الشيعة ومرجعياتهم والولاء لِمن؟ يمكن القول أن ثَمةَ تمايزات داخل الشيعة، الطبيعي أن اتساع ظاهرة التعاطي مع فكرة الدولة الشيعية الكبرى، ستزيد من تهديدها. الأزمة في العراق تظهر ذلك، حيث يدور صراع حول الولاء لِلمرجعيات الإيرانية، والولاء للمرجعيات الشيعية العراقية، خاصة وأن " النجف " تمثل مرجعية أعلى بالنسبة لِلشيعة، حتى أن أهم المرجعيات الشيعية الإيرانية، في الأصل تلقت تعليمها على يد المرجعيات الشيعية في النجف.
وكما سبق فقد أشرنا، فإن نفس القضية كانت مطروحة بقوة في لبنان، حزب الله تمكن من نقل مرجعية معظم الشيعة إلى المرجع الإيراني الشيعي على خامنئي، إلا أن بعض من الشيعة ورمزهم السياسي، حركة الأمل، لا تزال على غير ذلك. وتلك في مجموعها قضايا مفهومة، لكن القضية الأبرز، هي أن التقاطع الذي جرى - وما يزال - بين الخطة الاستراتيجية الأمريكية لتفتيت كيان ودول العالم الإسلامي انطلاقاً من البعد المذهبي، والخطة الإيرانية للتفتيت في دول الجوار، لكي يعاد تركيب الأوضاع لِبناء الدولة الشيعية الكبرى، هاتين الاستراتيجيتين ستأتي مرحلة عليهما، تتباعدان فيه، وتنقلب كل منهما ضد الأخرى، فالولايات المتحدة في خطتها الكونية، تحاول بكل الطرق إضعاف أية قوة إقليمية مهما كانت درجة التماس معها، ولا يستثنى من ذلك إلا الكيان الصهيوني، باعتباره دولة مرتبطة تكوينياً ووظيفياً وحضارياً وسياسياً وعلى كل الأصعدة بالدولة الأمريكية وليس بالاستراتيجية الأمريكية فقط.
وتلك هي المرحلة الأخطر، التي يتصور أن الوضع فيها سيكون بالغ الخطر، حيث تصبح كيانات وتجمعات الشيعة التي يتوقع أن تتمكن تلك الخطة من فصلها " وطنياً وقومياً وإسلامياً "، عن أوطانهم الأم.
ماذا نفعل استراتيجياً ؟! تبدو مواجهة هذه الحالة على المستوى المباشر أو البعيد، محاطة بعدة اعتبارات كل منها ذو تأثير يستدعى تقديره في الموازنة الكلية.
أول هذه الاعتبارات هي، أن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على أنظمة الحكم العربية، تحت دعاوى الديمقراطية، إنما جزء من أهدافها خلق بيئة ومناخ للتفكيك، فالخطة الأمريكية لا تستهدف بطبيعة الحال، نيل الشعوب لِحرياتها أو تداول السلطة بين قوى تسيطر على الشارع حالياً وهي القوى الإسلامية. وهذا يتطلب طرح بديل ديمقراطي شوري يقوم على تمكين الحركة الإسلامية من البناء انطلاقاً منها.
والعامل الثاني: في المواجهة لهذه الحالة، تتطلب أعلى درجة من الدقة، حتى لا تزيد الأمور اشتعالاً، ونقود أنفسنا بأنفسنا إلى " صراع مذهبي "، أو صراع قد يبدو مذهبياً، الأمر الذي يوسع من فكرة " العزلة والتمايز " التي تسعى إليها الخطة الأمريكية.
والعامل الثالث: هو أن العامل الحاسم في هذه المعركة هو تحديد العدو بدقة، في كل مرحلة، وحشد كل القوى في مواجهته، والحرص بكل الطرق على تحييد بعض الجبهات في لحظات الحسم، ومعنى ذلك بالدقة هو أننا مطالبون بخطة متحركة، على أوسع نطاق من قدرة التحكم في تفاعلاتها، في الداخل، مع أعلى قدر من الثبات في مواجهة العدو الخارجي.