أمريكا وإيران والخليج العربي... استعدادات لحرب وشيكة
المسلم / بعيداً عن التصريحات الإعلامية المتكررة، التي تبثها وسائل الإعلام بين الحين والآخر من نوع "وقال الرئيس الإيراني إن لبلاده الحق في امتلاك الطاقة النووية"، أو من نوع "قال السيناتور الأمريكي إن بلاده لن تستخدم الحل العسكري في الخليج".. بعيداً عن كل ذلك، نجد نوعاً آخر من المعلومات.. هي معلومات تتحدث عن (أفعال) لا (تصريحات) عن استعدادات حقيقية لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران.. هذه الاستعدادات قد لا تخرج بطبيعة الحال عن إحدى احتمالين.
أولاهما: أن الولايات المتحدة قد حسمت بالفعل أمرها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.. وهي تستعد لذلك بقرار يحاول قدر المستطاع الاستفادة من أخطاء العراق، ويشل قدرة إيران على اتخاذ ردة فعل قد تؤذي (إسرائيل).
وثانيهما: أن الولايات المتحدة تفتعل كل ذلك من أجل تمرير مخططات لها في المنطقة.
وقبل أن يطلق البعض أحاكماً بأننا نعاني من "فوبيا المؤامرة".. نحيل القراء إلى ما ذكرته صحيفة الصنداي تلغراف البريطانية الصادرة يوم الأحد 11 فبراير، والتي كشفت عن وجود صفقات أسلحة بالمليارات، تقوم دول الخليج بإبرامها بهدف شراء أسلحة أمريكية وأوروبية!
الولايات المتحدة قد حسمت بالفعل أمرها لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.. وهي تستعد لذلك بقرار يحاول قدر المستطاع الاستفادة من أخطاء العراق، ويشل قدرة إيران على اتخاذ ردة فعل قد تؤذي “إسرائيل".
لنعود من نقطة البداية.. من الاستعدادات التي تبدو حقيقية بالفعل هذه المرة.. ونقرأ ما كتبته بعض الصحف التركية بتاريخ 9 فبراير كاشفة عن قيام القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة (انجرليك) (الواقعة في مدينة أضنه جنوب تركيا) بمناورات عسكرية واسعة وشاملة، قد تشير إلى استعدادات حقيقية لتوجيه ضربة لإيران.
تقول الصحف التركية: "إن المناورات التي شارك فيها كل الجنود الأمريكيين في القاعدة، بدأت صباح الخميس 8 فبراير، وتضمنت التدرب على كيفية التصدي لأي هجمات نووية وكيماوية وصاروخية محتملة، إضافة إلى مراقبة الكاميرات لرصد أي أشخاص مشبوهين قد يدخلون القاعدة أثناء حرب محتملة".
وتضيف الصحف التركية بالقول: "إنه تم اختبار جرس الإنذار المبكر على كافة المستويات، حيث تم سماع دويه على مدى 15 كيلو متراً من القاعدة، ولفترة طويلة، الأمر الذي تسبب في إثارة حالة من الهلع والخوف لسكان المدينة".
التحركات حقيقية:
على الجانب الآخر، في بريطانيا التي تفتح نافذتها كل ساعة على أمريكا، فكراً وسياسة وإعلاماً.. تطالعنا صحيفة (الغارديان) المرموقة، صباح السبت 10 فبراير بخبر يقول: "إن الولايات المتحدة تستعد لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وإن هذه الاستعدادات هي في المراحل الأخيرة لها".
وبحسب الصحيفة التي تحتل مصداقية عالية في عالم الإعلام والسياسة، فإن مصادر موثوقة أكدت لها أن الاستعدادات لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية "بلغت مرحلة متقدمة جداً".
وتضيف نقلا عن مصادرها الأميركية "إن هذه الضربة العسكرية ستوجه على الأرجح في العام المقبل قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش". وأن "الرئيس بوش لم يتخذ بعد أي قرار بهذا الشأن، على الرغم من تعرضه إلى ضغط المحافظين الجدد من أعضاء معهد "إنتربرايز" الأمريكي ونائبه ديك تشيني الذين ينصحونه بفتح جبهة جديدة ضد إيران".
أمام محاولات النفي الرسمية داخل البيت الأبيض، يقول المحلل الاستخباراتي في واشنطن والعميل السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) ومجلس الأمن القومي فينسنت كانيسترارو: "إن التحضيرات لتوجيه ضربة عسكرية لإيران أصبحت في مرحلة متقدمة"، مضيفاً بالقول: "لقد حددت الأهداف. والعتاد العسكري الذي يتيح تنفيذ هذا العمل أصبح موجودا في مكانه".
إذا كانت كل تلك المعلومات غير كافية لتوجيه ضربة لإيران، فإنها ستكون "تمثيلية مفتعلة" يراد منها تهديد إيران لإجبارها على الامتثال لأوامر الغرب بوقف أنشطتها النووية.
ميدانياً.. تبدو تلك المعلومات مقنعة نوعاً ما.. تعيد لأذهاننا التحركات الأولى التي سبقت توجيه ضربة عسكرية للعراق، كان آخرها عدة أمور، من بينها، وقف نصف نشاطات هيئة الطاقة الذرية في إيران، وإمكانية وقف نشاطات أخرى فيها، ما يعني سحب موظفي الأمم المتحدة من المناطق النووية الإيرانية. ومنها الطلب الذي قدمه الرئيس الأمريكي بتخزين كميات ضخمة إضافية من النفط الخام في الولايات المتحدة. فضلاً عن الاتهام الذي وجّهته واشنطن لإيران بأنها صاحبة أكثر المتفجرات قتلاً للأمريكيين في العراق، حيث كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني السبت 10 فبراير، أن السلاح الذي يحصد أكبر عدد من القتلى الأميركيين في العراق هو على شكل اسطوانة محشوة بالمتفجرات تعتبر أجهزة الاستخبارات الأميركية أنها تأتي من إيران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مدنيين وعسكريين قولهم: "إن هذا الاستنتاج مشترك لدى كل وكالات الاستخبارات الأميركية".
مثل هذه التصريحات، والتي تعتبراً نوعاً من الحشد الإعلامي ضد إيران، قد يعتبرها البعض "في سياق الضغوط الأمريكية على إيران"، إلا أنها في حقيقتها أكبر من ذلك بكثير، فخلال ساعات على نشر هذا الخبر، حاول جواد ظريفي (سفير إيران لدى الأمم المتحدة) التصدي له، بالقول: "إن الولايات المتحدة تحاول تلفيق تورط إيران في هجمات على القوات الأمريكية في العراق".
وقال ظريفي في برنامج في محطة الإذاعة الوطنية العامة: "إن إيران ليس لها مصلحة في توفير السلاح لأي جماعة مسلحة في العراق".
وذات الخبر الذي يتهم إيران بدعم المقاومة ضد الأمريكيين، جعل كتاباً مرموقين من أمثال ليونارد ويس (الكاتب البارز في مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد الأميركية) ولاري دايموند (الكاتب البارز في معهد هوفر بجامعة ستانفورد) يكتبان قائلين: "بالطبع ليست إيران بريئة بالنظر إلى ممارساتها الخطيرة والاستفزازية التي تقوم بها مثل دعم جماعات المتمردين في العراق وتزويدهم بمتفجرات متطورة تستخدم لقتل الجنود الأميركيين".
الضربة الجوية.. الخير الأمثل:
عسكرياً، تبدو الأمور أكثر وضوحاً، وأكثر احتمالاً لتنفيذ تلك الضربة بالفعل، فالتهديدات الأمريكية الموجهة مباشرة لإيران، والتي أطلقها بوش خلال خطابه الأخير، تعكس توجهات البيت الأبيض بشكل قد يبدو حقيقياً أكثر.
وهذه التهديدات رافقتها تحركات عسكرية، حيث تم تعيين الجنرال ديفيد بتريوس، على رأس قيادة القوات المتعددة الجنسيات في العراق، خلفاً للجنرال جورج كايسي. كما أرسلت الولايات المتحدة المزيد من بطاريات الصواريخ (باتريوت) وكاسحات الألغام، فضلاً عن إرسال حاملة طائرات ثانية (جون ستينيس) إلى المنطقة، أكدت معها مصادر أمريكية أنها قد تهدف إلى منع إيران من إغلاق مضيق باب الهرمز الاستراتيجي، الذي تمر عبره إمدادات النفط للولايات المتحدة، بحال اشتعلت حرب مع إيران.. كما أن دعم حاملة الطائرات الأولى (إيزنهاور) الموجودة في المنطقة، قد يشير إلى احتمالية توجيه ضربات عسكرية جوية لإيران.
ربما لذات السبب نجد أن الطائرات من نوع (إف – 16) الأمريكية، الموجودة في تركيا، والتي لم تجري طلعات جوية منذ 3 أعوام (منذ احتلال العراق) قد بدأت بإجراء طلعات تدريبية بالفعل. وهو الأمر الذي أكدته صحيفة "يني شفق" التركية في عددها بتاريخ 10 فبراير، والتي أكدت أن المقاتلات الأميركية ستواصل تدريباتها خلال ساعات النهار لمدة ثلاثة أسابيع ثم تعود إلى قواعدها في ألمانيا. مشيرة إلى أنه وبعد أن تنتهي الطائرات الأميركية من تنفيذ تدريباتها ستبدأ طائرات تركية تدريبات مماثلة.
وتبدو الضربة الجوية ممكنة أكثر من غيرها، وهو ما يشير إليه المسؤول السابق في القوات الجوية الأميركية الكولونيل سام غاردينير، والذي أعد سيناريوهات للحرب مع إيران. حيث يقول: "إن جميع التحركات التي تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية تتسق مع ما ستفعله الولايات المتحدة إذا كنت تعتزم توجيه ضربة جوية.. يتعين علينا نبذ فكرة أن الولايات المتحدة لن تتمكن من فعل ذلك بسبب التزاماتها الجسيمة في العراق.. هي عملية جوية".
وإن كانت تلك التحركات غير كافية لضرب إيران، فهي كافية لإشعال حرب ولو "بالصدفة" حسبما تراه (الغارديان) التي قالت: "إن هذه الاستعدادات العسكرية في المنطقة قد تؤدي إلى نشوب حرب بطريق المصادفة".
حرب.. أم خدعة حرب؟!
ومرة أخرى.. إذا كانت كل تلك المعلومات غير كافية لتوجيه ضربة لإيران، فإنها ستكون "تمثيلية مفتعلة" يراد منها تهديد إيران لإجبارها على الامتثال لأوامر الغرب بوقف أنشطتها النووية، الأمر الذي يبدو غير ذي جدوى، خاصة مع التعهدات الإيرانية المتواصلة، والإجراءات الفعلية التي تقوم بها من تركيب أجهزة طرد مركزية، واستكمال بناء المفاعلات الجديدة، وتعهد القيادة الدينية والسياسية فيها بمواصلة وأحقية إيران بامتلاك التكنولوجيا النووية (السلمية) حسب وصفها. خاصة ونحن نتابع التقارب الأمني الأمريكي الإيراني، والمتمثل بالعرض الذي قدمته إيران مؤخراً لواشنطن، بتسليمها معتقلين من أتباع وقادة "القاعدة" مقابل تسلّمها قادة "مجاهدي خلق" المعارضين في أمريكا والعراق.
وعليه، ربما جاءت هذه التمثيلية بهدف خلق حالة من البلبلة السياسية في المنطقة، وتمرير مخططات أمريكية لم تستطع واشنطن تنفيذها خلال سنوات احتلال العراق الماضية.
وإذا نظرنا للأمر من زاوية التهديد الإيراني لمنطقة الخليج العربي، فسنجد أمريكا مرة أخرى في الطرف الخليجي.. على شكل قواعد عسكرية، وعقود أسلحة، وانتشار حول مصادر النفط والطاقة. خاصة وأن مثل هذه التهديدات الأمريكية، ستتيح للقوات الأمريكية المزيد من الوقت في العراق، ومعها لن يكون الكلام عن "خروج القوات الأميركية من العراق" ممكناً بأي شكل من الأشكال.
وربما _إن صحّت تلك التوقعات_ تكون المليارات الخليجية التي قد تدفع لصالح شراء أسلحة أمريكية، أحد نماذج الثمار التي بدأت أمريكا بجنيها في المنطقة.. فصحيفة الصنداي تلغراف البريطانية، كتبت في خبر لها نشرته صباح الأحد 11 فبراير، تقول: "إن دول الخليج تخزّن الأسلحة استعداداً للحرب" وهذا الخبر الذي احتل صدر صفحتها الأولى، نشر مع صورة لرجلين خليجيين بالزي التقليدي يتحدثان بالهاتف المحمول أمام دبابة في أحد معارض الأسلحة.
وتقول الصحيفة في خبرها: "إن زعماء الدول (الخليجية) التي تسميها الصحيفة "دولا سنية!!" يتحضرون لأية مواجهة بين إيران والولايات المتحدة وذلك بإبرام صفقات ضخمة للتسلح لم تشهده المنطقة من قبل".
وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية في طليعة الدول الخليجية في هذا المجال، حيث رصدت حوالي 31 مليار دولار لصرفها خلال معرض التسلح في أبو ظبي الذي يعقد الأسبوع المقبل. تليها الإمارات بحوالي 8 ملايين دولار، ثم الكويت بحوالي أربعة مليارات دولار وقطر بما يقرب من نصف مليار دولار وأخيرا البحرين بربع مليار دولار.
أما تل أبيب.. فإن المثير للاستغراب توقف تصريحاتها المتكررة حول إمكانية توجيه ضربات استباقية لإيران، تهدف لتدمير القدرات النووية الناشئة، وبدلاً من ذلك بتنا نسمع تصريحات إسرائيلية تقول: "إن لتل أبيب الحق في الرد على أي ضربات إيرانية".. الأمر الذي قد يشير إلى أمرين، أولهما: أن تل أبيب قررت أن تنأى عن مشاركة الولايات المتحدة في توجيه ضربة لإيران، بهدف حمايتها من أي ردة فعل عسكرية إيرانية قد لا تستطيع التصدي لها.
وثانيهما: أن تل أبيب تعلم مسبقاً أن تلك التحركات عبارة عن "خدعة حرب" قد تزيد من قوة أمريكا وإيران في آن واحد في المنطقة، على حساب الدول الخليجية، أو "السنية" كما يحلو للصندي تلغراف بتسميتها!