لأول مرة: طائرات عربية تقصف مخيماً فلسطينياً

بواسطة مهند عبد الحميد قراءة 772
لأول مرة: طائرات عربية تقصف مخيماً فلسطينياً
لأول مرة: طائرات عربية تقصف مخيماً فلسطينياً

 

مهند عبد الحميد

طائرات (الميغ) التابعة للنظام السوري "تقصف قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري الذي مضى على احتلاله 45 عاماً"! لا،لا، لا، عفواً سيداتي سادتي أبناء (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وحدة حرية اشتراكية) شعار حزب البعث، طائرات النظام السوري من طراز (ميغ 23) روسية الصنع تقصف مخيم اليرموك الفلسطيني المكتظ باللاجئين الفلسطينيين وإخوانهم السوريين ممن فروا من قصف الطائرات والراجمات والمدافع... ووجدوا في المخيم ملاذاً آمناً. الطائرات أصابت أهدافها بدقة واقتدار فتقتل: الطفلة يارا صلاح أبو شعير، الطفل ياسر الأبطح، الطفلة لمى الأبطح، الشابة ميادة عبد الرحمن، الحاجة فاطمة سويد أم صالح، محمد أبو عزة، معمر صالح، وتدمّر مسجد عبد القادر الحسيني وتقتل إمامه. "الطائرات الإسرائيلية" .. عفواً الطائرات الأسدية تلطّخ المخيم بالدم وتخلّف وراءها الأشلاء والدمار والترويع، وتفرض اللجوء إلى المجهول على اللاجئين القدامى وعلى اللاجئين الجدد. أبرياء جدد انضموا إلى قائمة الضحايا الفلسطينيين الـ (500 ضحية) وإلى قائمة ضحايا أشقائهم السوريين التي تجاوزت 43 ألف ضحية

يتوحّد مخيم اليرموك في محنته مع مأساة مخيمات درعا واللاذقية وحمص والنيرب، تتوحّد المخيمات مع المدن والبلدات السورية، يتوحّد نصف مليون لاجئ فلسطيني مع 24 مليون سوري. يتوحدون في محنة عامة مفتوحة على مزيد من الموت والدمار والخراب، محنة يصنعها نظام من أجل أن يبقى في الحكم ولا شيء غير ذلك. هل كان باستطاعة أي مؤامرة قتل السوريين وتدمير بلدهم وبنية دولتهم بهذا المستوى من الدمار والقتل؟ لنفترض جدلا أن النظام فتح معركة وطنية منذ عامين هدفها تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. واستخدم كل دباباته وطائراته وراجمات صواريخه وجنوده مضافاً إلى كل ذلك عناده على مواصلة الحرب من غير توقف. ماذا ستكون النتيجة؟ سيتوحد الشعب السوري مع النظام، وستحظى سورية بتأييد ودعم كل الشعوب العربية، وبتعاطف وتأييد شعوب العالم، وباستقطاب إقليمي ودولي، ولن تكون الخسائر أضخم، ولن يكون وقت الحرب أطول ولا المعاناة أقسى، والأهم أن إسرائيل ستضطر للانسحاب من الجولان باتفاق دولي أو من دون اتفاق

افتراض ثان. ماذا لو استجاب النظام الأسدي لمطالب الشعب ولأهداف انتفاضته الشعبية السلمية التي طرحت مطالب مشروعة من نوع الحرية والكرامة ومكافحة الفساد وتغيير في بنية النظام الديكتاتورية التي لم يعد يحتملها الشعب. بمعنى لو وافق النظام على تغيير شكل الحكم من ديكتاتوري مهترئ إلى ديمقراطي قابل للتطور. لا شك سيخسر النظام بعضاً من الامتيازات والاحتكارات لمصلحة السواد الأعظم الذي يعيش في ضائقة اقتصادية ومعيشية خانقة. كان تنازل النظام (الافتراضي) سيحافظ على السلم الاجتماعي ويفتح المجال أمام إصلاح البنية المشوهة من ناحية، ويقطع الطريق ويغلق الأبواب أمام التدخلات الخارجية الرجعية والإمبريالية. كعادة الديكتاتوريات والديكتاتوريين لا يوجد في قواميسهم تنازلات وبخاصة عندما يكون الطرف الآخر في المعادلة هو الشعوب. هؤلاء يحلمون باستمرار السيطرة حتى الرمق الأخير، ولا يتخيلون البلد من دون سيطرتهم على كل شيء. وكنهاية كل الديكتاتوريات ستكون نهاية ديكتاتورية الأسد الابن والعائلة والطغمة العسكرية والمالية.

لماذا وجه النظام طائراته صوب مخيم اليرموك؟ النظام الذي قصف حلب وحمص وحماة والتضامن وكل المدن والبلدات السورية لا يتورع عن قصف مخيم اليرموك والمخيمات الفلسطينية الأخرى. يضاف إلى ذلك أن المخيمات الفلسطينية قدمت مثالاً للتآخي والتضامن والتعاون مع الشعب السوري الشقيق، وكأنها أرادت أن ترد الجميل للشعب الذي استضافهم أثناء التشرّد وتعامل معهم على قدم المساواة. فقد حول اللاجئون المخيمات إلى ملاذ آمن للمنكوبين السوريين الذين هدمت طائرات ودبابات النظام بيوتهم. ولم يرق للنظام توطد العلاقة بين الشعبين الشقيقين. بل لقد أغاظه تعاطف الأكثرية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين مع مطالب الشعب السوري العادلة والمشروعة في الحرية والكرامة والديمقراطية. فحاول النظام زج المخيمات في الصراع المباشر، من خلال تدخّل تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل إلى جانب النظام في مقاتلة الثورة السورية. دخل أحمد جبريل المعركة محولاً المخيم إلى ساحة صراع وإلى هدف لمدافع وقذائف وقناصة النظام. أرادوا فك اللحمة بين الشعبين، أرادوا وضع حد لدور المخيم كملاذ آمن وبؤرة للتعايش والتعاون. أحمد جبريل تولى هذه المهمة القذرة التي كان قصف الطائرات فصلاً من فصولها الوحشية. أحمد جبريل وأمثاله عناوين لكذبة دعم المقاومة الفلسطينية، عناوين لاستخدام المقاومة وتحويلها إلى ورقة ضغط داخلية وخارجية. ورقة يتم ضبطها ضمن هذه الوظيفة التي لم تعد تخفى إلا على المفتتنين بسحر شعارات النظام من صنف المقاومة والممانعة. أحمد جبريل التزم بأجندة النظام السوري طوال الوقت وله تاريخ أسود وبخاصة أثناء تدخل النظام السوري في لبنان لنصرة النظام الطائفي واحتياطه القوات اللبنانية في مواجهة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. في العام 76 كان الشعب الفلسطيني عصياً على الاستخدام والتحول إلى ورقة بيد النظام السوري. فكان من أوائل من اكتشف وقاوم ورفض ألاعيب النظام، وكان على الدوام منحازاً للشعب السوري. في العام 76 طرد الشعب الفلسطيني أحمد جبريل من المناطق الوطنية بعد انتفاض قيادات وكوادر وقواعد الجبهة الشعبية القيادة العامة على زمرة جبريل. "سمعت وقتها كلمة أحمد جبريل من إذاعة الكتائب وهو يتوعد الثورة ويشيد بالنظام السوري وقواته الغازية". وأذكر أيضاً أن مكاتبه التي كانت تفتتح نهاراً تفجر ليلاً في مخيم برج البراجنة بعد اتفاق شتورة الذي أبرم بين الثورة والحركة الوطنية والنظام. بالأمس تكرر المشهد بانشقاق 100 مقاتل من تنظيم القيادة العامة وبدؤوا يطرحون محاسبة جبريل. وبقي أن تطرح عضوية جبريل في هيئات المنظمة للحسم بعد أن انتهك شروط العضوية شر انتهاك، وإلى أن يحين ذلك نظامياً ينبغي رفع الغطاء الفلسطيني عنه وعن أركان منظمته.

كان جبريل وأمثاله العنصر الأضعف في المعادلة الفلسطينية، فقد أخفقوا في تزوير الموقف الفلسطيني، وأخفقوا في فك الروابط العميقة أو ضعضعة الثقة المتبادلة بين الشعبين الشقيقين. بقي القول إن اللاجئين الفلسطينيين على الأرض السورية أصبحوا في عهدة ثورة الشعب السوري. وكما ستدافع الثورة عن شعبها ستدافع عن ضيوفها الأشقاء. ولا ريب، في أن عهداً جديداً من العلاقات السورية الفلسطينية سيشرق قريباً.

تاريخ نشر المقال 18 كانون الأول 2012

صحيفة  الأيام 



مقالات ذات صلة