مجاهد بني عقبة
25-4-2012
ما نذكره من تصورات في هذه الرؤية المستقبلية للثورة السورية , احتمالات وتوقعات يمكن لها أن تقع نتيجة لمشهد الثورة السورية وفق المعطيات الحالية لحالة الصراع في سورية ويمكن لها أن لا تكون وكل ذلك بإرادة الله وأمره سبحانه.
نعم نحن مدعوون إلى التفاؤل , لكن المقام يستوجب منا أن نكون مجردين من الحماسة والعاطفة و مما نرغب به أن يكون , وإن كنّا سنحدد ما هو المرغوب فيه كنتيجة إيجابية , لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه , كما أن أمنياتنا ينبغي ان تكون واقعية إذا توفرت أسبابها ومسبباتها على أرض الواقع , وما سنعرضه من تصورات ونتائج لهذه الثورة هو قائم على غالب الظن المبني على الاحتمالات والأسباب والمقومات التي سيبنى عليها التصور .
ما توصلنا إليه إنما هو من تصوراتنا القاصرة حول مستقبل الثورة السورية وفرضناه على أساس الخلفية العقدية ، وليس على اساس التصريحات والأقوال ، والتي نعتقد في غالبها الكذب والخديعة التي قامت عليها السياسة المعاصرة !!
غير أن جميع المشاهد والسيناريوهات المتوقعة سيكون متزامنا معها المشروع الشيعي كحليف استراتيجي , متمثل في جمهورية إيران وحزب الله في لبنان, ومن هذه المشاهد :
- التحول إلى حالة الاقتتال الداخلي : شبيه بالوضع الأفغاني , غير أن تمركز النظام السوري لن يكون في العاصمة دمشق بل سيكون بين التجمعات العلوية على الساحل السوري بعد أن تتمايز الصفوف بين أغلبية سنية في جانب وأغلبية علوية في الجانب الآخر .
ومن مشاهد هذه الحالة تحالف النظام العلوي مع الكيان اليهودي, والإبقاء على الأجزاء السورية الأخرى لتعيش حالة من تجاذبات سياسية وعسكرية متعددة الولاءات في وضع إداري سوري غير مستقر ولا منسجم داخليا , وليبقى في حالة اللااستقرار لتكون هذه الحالة سببا في سعادة الغرب وتحقيق أمنياته اللتي لا حدود لها في حالة تستهلك وتستنزف البشر والحجر والشجر. ولتكون سببا في تحريك عجلة المنظومة المتكاملة من الاقتصاد الغربي المنهار فضلا عن تحقيق الكثير من المخططات التي يسعى لها الغرب من الاثخان في القتل وخاصة من أهل السنة .
- التحول إلى دولة الفئويات السياسية والطائفية المتناحرة سياسيا شبيها بالأنموذج اللبناني ,بحيث تنتمي كل فئة إلى ولاآت سياسية خارجية , ولتتحول الساحة السورية بعدها إلى مسرح للمعارك السياسية .
- الأنموذج النرجسي , وهو المرغوب فيه وهو سقوط النظام السوري العلوي , هو الاحتمال الأضعف مقابل باقي الاحتمالات وهو ذو شقين , أو مرحلتين :
• المرحلة الأولى و الموصوفة بالنرجسية , سقوط النظام أو فراره على غرار إحدى حالات الربيع العربي وفرحة عارمة تسود الاوساط الجماهيرية المحلية والعالمية المسلمة وهذه الحالة مع شدة الرغبة بها , غير أنها أبعد الاحتمالات لاعتبارات ستجعل منه مشهدا ظلاميا سيتداخل فيه كثير من المشاهد السياسية , أبرزها :
حزب الله , الذي سيتولى ادارة جزء من المعركة بجانب النظام السوري و ارعاب الساحة اللبنانية من أي خصوم فعليين ومؤثرين على تغيير المشهد السوري مما يدفع بالساحة اللبنانية إلى دخول معركة على أراضيه , وهذه الحالة قد يتجنبها حزب الله أو تكون بالنسبة له آخر الدواء الكي .
فلول النظام والطائفة العلوية : فالنظام السوري هو الرأس والطائفة هي الجسد , لذا يستحيل ان تنفك القيادة السورية عن طائفتها , فهي بالنسبة لهم حرب تكسير عظام ،هي معركة وجود "نكون أو لا نكون" ولن تسمح الطائفة للنظام بالفرار أو الدنية دون أن يكون لها حكم ولو على جزء من سورية , وهذا في ظني سيدفع إليه العالم الغربي ,لاعتبارات : أن وجود هذا الكيان سيكون بمثابة جدار وكيان سياسي لحماية دولة الكيان اليهودي الذي يرغب بحليف فعلي في المنطقة بعد نفاذ مخزونه من أبرز الحلفاء الاستراتيجيين وعلى رأسهم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وغيره من رؤساء الذين سقطوا وآخرون على قائمة الانتظار .
فضلا على ان النظام العلوي لن يجد في المنطقة أقوى ارادة وعزيمة وجرأة وتقاطع مصالح من الكيان اليهودي , الذي سيرحب به كحليف استراتيجي وسيقدم له كل الدعم العسكري والسياسي , واللوجستي وما يسهم في بناء دولة تعتمد اعتمادا كليا على هذا الكيان, وستكون دولة سورية العلوية الجديدة خنجرا جديدا مسموما في خاصرة المنطقة السنية , وبمثابة حالة تأزيمية جديدة في المنطقة , وسيكون ذلك من خلال اعتراف دولي بحدود هذه الدولة الجديدة على غرار ما تم بشأن الاعتراف بدولة الكيان اليهودي على أرض فلسطين عام 48م , والتي سيسبقها ارسال قوات دولية تزعم الفصل بين المتحاربين السوريين , ليستتب الأمن للطرف السوري العلوي ، وانقاذ ما يمكن انقاذه من هذا الكيان ومساهمة مشبوهة من الأمم المتحدة في توطيد دعائم هذه الدولة الجديدة ،والتي ستكون بمثابة حاجز وبثوب جديد لحماية الكيان اليهودي من العمق العربي الاسلامي السني , وليكون بذلك قد اسهم النظام الدولي في انقاذ وتأسيس الدولة العلوية قبل القضاء عليها على الساحل السوري ، ومناطق أخرى قد يكون فيها وعليها مصدرا هاما للطاقة والدخل على الارض السورية لتضاف في حساب الدولة العلوية الجديدة التي نهبت الخيرات السورية لدولة لا يقل فيها معدل تصدير البترول عن 600 ألف برميل يوميا فضلا عن اكتفائها بالغاز والزراعة والصناعة والكهرباء التي تصدرها للأردن ولبنان مجانا , مع الأخذ بعين الاعتبار انها ستستولي على هذه المقدرات وبمعاونة الغرب , ولتكون هي بمثابة فاتورة سيدفعها النظام العلوي لقوى تنقذه من الفناء , وكل ذلك عندما يصل النظام العلوي إلى مرحلة ما قبل الفناء وستنتظر أمريكا ودولة الكيان اليهودي مرحلة الاحتضار التي سيصل إليها النظام السوري ليقوموا بانتزاعه من هذه المرحلة , نظير خدمات سالفة الذكر وكل ذلك نظير إملاءآت تحقق لليهود والامريكيين والروس والصين مآربهم في المنطقة بطريقة تناغمية .
أما الطرف أو الشق السوري الآخر , وهو الكيان السني , فستكون له عدة حالات :
دولة على غرار الحالة العربية الجديدة بسيطرة اسلامية اخوانية , في حالة غير مرحب بها كثيرا على المستوى الخليجي , وستكون الحكومات الإخوانية السورية تمارس السياسة الناعمة مع ما تبقى من الكيان السوري العلوي وحزب الله اللبناني وايران والتي تمثل لجماعة الاخوان المسلمين بعدا وعمقا استراتيجيا كدولة ممانعة اسلامية كما يعتبر ذلك الإخوان المسلمون , وستطل من شرفاتها ملوحة للإدارة الأمريكية بحسن نواياها كدولة اسلامية لا تمانع من الانخراط في المجتمع الدولي وتوابع ذلك ولوازمه , وهذا احتمال أخير .
الكيان اليهودي : متفاجئ مما يحدث على الساحة السورية , غير أنه يراقبها عن كثب , وما يقوم به النظام من قتل وتعذيب وتشريد وغير ذلك من ألوان البطش والتي لا يحسن الكثير منها جيش الكيان اليهودي , هو أمر مرحب به جدا لإضعاف الحالة السنية في بلاد الشام وما صاحبها من صحوة موسومة بالسلفية , وهذا هو من الاسباب الرئيسة التي لأجلها لم يستعجل الغرب الكافر برمته تعجيل أي إجراءات عملية ضد النظام السوري ليكون هناك مزيدا من الاثخان في الجسد السني وإضعاف بنيته ومقوماته , ليعيش ردحا من الزمن مشغولا في تضميد جراحاته ولملمة شعثه ، والمطالبة بأدنى حقوقه كما هو حال ما آلت إليه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني تماما .
لا أظن أن الكيان اليهودي ينتظر نتائج الثورة ليبني تصوره فيما بعد على نتائج لم يتدخل في صناعة أو صياغة جزءا منها بما يتناسب مع أحلامه وطموحاته بل ومستقبله الأمني على الحدود السورية الأكثر أمانا من غيرها على مدار أكثر من أربعة عقود , بل يعمل الكيان اليهودي على أن تبقى الحدود السورية ردحا جديدا من الزمن كسابق عهدها من الفترة الذهبية , اسهمت في انشغال الكيان بتحقيق نتائج ايجابية للمشروع اليهودي في الداخل من تهويد وبناء جدار والرصاص المصبوب ، فضلا عن التوفير في النفقات لحدود لم تشكل للكيان اليهودي أي استنزاف مادي أو تهديد عسكري ، بل وفر هذا الهدوء التفرغ للكيان اليهودي لأعماله الداخلية فضلا على أن جبهة الجولان الداخلية مع عظم مساحتها لم تكن يوما ما محل أزمة للحكومة الاسرائيلية لما تحمله هذه المنطقة من موادعة أهلها من دروز وعلويين لم يسبق لها مثيل من منطقة محتلة ينعم فيها المحتل بالامان دون اي أزمات , وإن لم يتدارك اليهود أنفسهم خاصة بعد بزوغ الثورة السورية قد تتحول هذه المنطقة إلى عبء على دولة اليهود خاصة إذا علمنا أنها منطقة جبلية مترامية غير مرغوبة السكنى عند كثير من عامة أفراد الشعب اليهودي لذا تجد كثير من مغتصباتها التي يزيد عددها عن ثلاثين تجمعا أغلبها لم يكتمل نصاب سكانها الذين لم يزد عددهم قبل عشرة أعوام عن ثلاثة ألاف وخمسمائة مغتصب يقيم في منطقة الجولان المحتل .
أمريكا والإتحاد الأروبي : أعجز عن وصف خداعهم و خاصة أمريكا التي جمعت بين الكفر والنفاق في آن واحد , حيث تضاربت تصريحات ساساتها لتبدوا وكأنها مسيطرة عالمة بما كان ويكون وسيكون ثم يطالعوننا بتصريح سمج غبي بقولهم : " كل الخيارات مطروحة في سورية "!! , غير أنها تقود صراعا خفيا لثني روسيا والصين عن أطماعهم في سورية ومحاولة استفرادها في المنطقة العربية وما تملكه من خيرات ومنافذ هامة على مستوى العالم دون شريك مشاغب يتقاسم معهم المكتسبات .
حتما ودون شك يسعدهم ما يقدمه النظام السوري من انجازات على صعيد الإبادة النوعية التي يمارسها بشار وبتميز يستحق معها أن يشكر من خلال إعطائه المزيد من الوقت ليحقق أكبر قدر ممكن من إحصاءات الإبادة .
لأن ذلك فيه جزء من علاج كان ينادي به الغرب لحل مشكلة البطالة و الفقر في العالم من خلال إبادات جماعية لتقليل عدد سكان الأرض !
ويرى هؤلاء المجرمون بمثل هذه المواطن والساحات الاسلامية الملتهبة بمثابة مكب نفايات , لكل من رغب بالجهاد وسعى إلى ساحاتها التي هي أصلا موطن جهاد, غير أن الغرب يحسن استغلال و ادارة الازمات وتكييفها حسب رؤاهم ومصالحهم , ليجعلوا من هذه الساحات محرقة يتم فيها تفريغ الشحنات الجهادية الموجودة في أبناء الامة المسلمة في العالم بل ويسهموا في صناعة واستحداث مكبات للنفيات بين الحين والحين لتفريغ هذه الطاقات الشبابية المشتعلة التي يخشون أن تحرقهم بالسماح لها وتيسير طرق الوصول ودون عناء الى هذه الساحات الملتهبة ليتم التخلص منهم فيها , ومن بقي منهم بعد انتهاء المعارك يكون له طريقة تعامل أخرى أنظر ماذا حدث للمجاهدين العرب في العراق و افغانستان والبوسنة والشيشان وغير ذلك من جبهات قتالية , أين هم الآن؟ وكيف تم التخلص منهم وبمشاركات حكومات عربية مشكورة...!!
لذلك تفاجأ العالم بالروح والحماسة الإسلامية والجهادية العالية التي يتمتع بها الشعب السوري , لذلك كان الاجماع السكوتي لإعطاء بشار مزيدا من الوقت عله يسهم في القضاء على هذه الروح الجهادية .
وهنا لفتة لإخواننا الذين يندفعون دون تأمل مع حرقتهم وتألمهم لحال الأمة , عليهم أن يدركوا حقيقة هذه اللعبة التي يكون دائما فيها الشباب المجاهد ضحية , فهلاّ أدرك هؤلاء المخلصون كيف ينبغي لهم أن يتدبروا ويدبروا الأمر حتى لا يكونوا حطب نار تحرق الأخضر واليابس وتقضي على زهرة و ثلة من خير شباب الأمة .
روسيا والصين : سورية بالنسبة لهم آخر موطىء قدم لهم في المنطقة العربية , والتنازل عنها أو تركها فريسة سهلة للقطب الامريكي يعني أن أمريكا استحوذت على المنطقة العربية كليا وما تملكه هذه المنطقة من خيرات وموقع هام وبمجموعهما يلعبان الدور الهام في اقتصاديات العالم , فسورية بالنسبة لهما سوق ومنفذ أساس ووحيد في المنطقة العربية ليس على الصعيد التجاري فقط بل اصبحت الصين تنظر بعين إلى السوق وعين أخرى إلى الهيمنة العسكرية , ولا يخفى على عاقل أن كثيرا من الحروب قديما وحديثا كانت سببا في فتح سوق تجاري جديد .
دول الخليج : لن يقفوا مكتوفي الأيدي , لكن لن يكون لهم تأثير سياسي أو عسكري فاعل , ستحوط أمنياتهم تجاه الأجداث في سورية عزلة دولية من أهم أسبابها هو ما وصلت إليه من عدم الثقة بالغرب المخادع خاصة سيدة الكذب والمخادعة أمريكا , وستضطر البحث عن تحالفات جديدة متنوعة- ونقصد بها تحالفات سياسية واقتصادية وغيرها , تحالفات مناسبة متناغمة مع طموحات ورؤى هذه الدول , غير أن كل ما ستصل إليه لن يرتقي إلى مستوى الحدث وحاجاته في تغيير مساره إلى ما يرغب به الإتحاد الخليجي .
وفي الختام أخشى أن تتحول القضية السورية كالأخ الشقيق للقضية الفلسطينية , وليعلم الشعب السوري المسلم يقينا أن العالم تآمر عليهم كما تآمر من قبل على الشعب الفلسطيني وقضيته , وستتحول القضية السورية إلى حالة سياسية عقيمة تضيع بين مؤتمرات خرقاء ومن فندق إلى فندق تكتنف فيها جل القائمين عليها الشبهات و الاقتيات على دماء الشعب السوري وجراحاته.
بحيث يتقلب عليها جل القائمين عليها من أعضاء لا يكتنفهم ورع ولا تقوى , الذين يتكسبون سياسيا على حسابهم ويجعلون من جماجم الشعب سلّماً يرتقون عليه ويحققون بها مآربهم , وسيجدون من يتلقفهم ويجعل منهم رموزا سياسية لكيان أو قضية سورية هزيلة , بعد أن يجنبوا المخلصين قيادة هذا الشعب , حينها ستذبح الضحية السورية ولا بواكية عليها , واسمحوا لي أن أقولها والقلب يعتصره الألم والأسى والحسرة أن الشعب السوري سيقدم المزيد من الأشلاء وقد لا يقل عددها عما سبقها من إحصاءات لا أشك أنها أضعاف ما يذكر , أما هذه المعركة فليست في نهاياتها بل أقول أن المعركة الآن قد بدأت .
ما ذكرناه هي حسابات وفق حدود علم البشر ,وإرادة الله فوق كل ذلك , لكن مع ظلامية هذه الرؤية , يجب أن نتذكر أن حديثنا عن الشام التي لها مكانتها الخاصة التي خصها الله بها وأهلها , فهم من تكفل الله بهم , وجعل عمود الإسلام عندهم , وبسط ملائكته تغطي سماءهم تحفظهم وترعاهم ,ولكن عليهم أن يدركوا أن لذلك مقابل الحفظ والرعاية وهو يسير على من يسره الله ,عليه قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد:(7) .فمن شروط نصر الله لكم أن تنصروه , وتكونوا على حق الله, قائمين وعليه عاملين , وأعلموا أن النصر مع الصبر , ولا يغركم مكر الماكرين فالله خير الماكرين . قال تعالى " وإن كان لمكرهم لتزول منه الجبال " ابراهيم :(46)
وفي الختام نسأل المولى أن يلطف بإخواننا في الشام ويختار لهم خيري الدنيا والآخرة ,إنه ولي ذلك والقادر عليه .