بانتظار "الإمام الغائب"
فواز العلمي
في يوم الاثنين 4 أغسطس 2008م خاطب الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" طلاب الفقه أمام التلفزيون الإيراني مؤكداً: "أن "المهدي" يدير العالم ونحن نرى يده المدبّرة في شؤون البلاد كافة". وأضاف "نجاد" قائلاً: "إن عودة "الإمام الغائب" وشيكة وإن على الحكومة تسوية مشاكل إيران الداخلية في أسرع وقت لأن الوقت يداهمنا، لأنه من المؤكد أن "المهدي" لا يقرّ التضخم الذي بلغ 20% وغلاء المعيشة والكثير من الأخطاء التي ترتكبها الحكومة".
لدى انتخابه في عام 2005، تعهد "أحمدي نجاد" بالتوزيع العادل للثروة النفطية الإيرانية، حيث كان معدل التضخم في إيران حينذاك لا يزيد عن 10%، وبدأ في استخدام إيرادات النفط والغاز للإنفاق السخي على المشاريع التنموية غير المدروسة. على الرغم من وصول النفط إلى أسعار خيالية، إلا أن الوضع الاقتصادي في إيران استمر في التراجع، وصاحب ذلك تفاقم الفجوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة وزيادة معاناة العمال والفلاحين وموظفي الدولة من المشاكل الاقتصادية والمعيشية.
بعد مضي 4 سنوات على فترة رئاسته، بدأت إيران في تقنين شراء البنزين لتخفيض كميته المستوردة إلى النصف، علماً بأن إيران تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاج النفط والمرتبة الثانية في إنتاج الغاز. وبدأ الرئيس الإيراني يتعرض شخصياً لانتقادات المحافظين المعتدلين بشأن سياساته الاقتصادية الفاشلة.
وسط خيبة أعضاء البرلمان الإيراني، أظهرت كافة الدراسات الرسمية الإيرانية أن نسبة التضخم في عهد "أحمدي نجاد" فاقت 30% بسبب ارتفاع أسعار السلع بنسبة 90% والسكن بنسبة 83%، وصاحب ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 26% وانخفاض الدخل بنسبة 72%.
ولم يسلم العقار من مآثر السياسات الاقتصادية الإيرانية غير المدروسة، حيث ارتفعت أسعار البيوت والشقق 12 ضعفاً خلال 6 سنوات، لتصل أسعار الأراضي في أحياء طهران الراقية إلى 16 ألف دولار أمريكي للمتر المربع، وهي ثروة كبيرة مقارنة بمتوسط الراتب الشهري للفرد في العاصمة الذي لا يتجاوز 500 دولار. وأوضحت التقارير الاقتصادية أن سوق العقار أصبح الاستثمار الوحيد المربح في إيران حيث ارتفعت الأسعار بأكثر من 100% خلال العام الماضي.
ولدى تجديد فترة انتخابه في عام 2009م، أصّر "أحمدي نجاد" على رأيه المعارض لرأي رئيس المصرف المركزي الإيراني "طهمسب مزهري" الذي نصح رئيسه المنتخب بضرورة تحديد نسبة الفائدة المصرفية لتتماشى مع مستوى التضخم.
وقبل عامين أصدرت الحكومة الإيرانية قراراً بفرض ضريبة جديدة للقيمة المضافة تبلغ 3%، مما دفع التجار ذوي النفوذ الواسع في النظام السياسي الإيراني إلى إغلاق محالهم التجارية وتنفيذ أول إضراب لهم منذ قيام الثورة الإسلامية، وانتهى الأمر بتعليق الحكومة الإيرانية تطبيق هذه الضريبة حتى إشعار آخر.
وقد انعكست الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران في عدة مظاهر، من أهمها التغييرات المتكررة التي أجراها الرئيس الإيراني على حكومته، ففي الفترة من يوليو 2005 حتى مايو 2008، استبدل "أحمدي نجاد" تسعة من أعضاء حكومته، سبعة منهم في مناصب اقتصادية قيادية.
وفي عهد "أحمدي نجاد" تراجعت حرية التعبير والإعلام وبلغت الرقابة والضغوط المباشرة أعلى مستوياتها مما أدى إلى إغلاق 17 صحيفة أسبوعية و8 مجلات شهرية وصدور حكم بالسجن والجلد ودفع الغرامات الباهظة على 32 صحفياً وكاتباّ.
وزادت حدة الأزمة المالية العالمية من تفاقم الأحوال الاقتصادية الإيرانية، حيث أدى انخفاض أسعار النفط إلى الثلث في ثلاثة أشهر إلى لجوء الحكومة الإيرانية لسحب مبالغ طائلة من صناديقها الاحتياطية، لمواجهة العجز المزمن في ميزانيتها.
وكشفت هذه التطورات الخطيرة مدى هشاشة الاقتصاد الإيراني الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، نتيجة تهالك البنية التحتية وجراء تسرب مبالغ طائلة من المال لتنفيذ المشروع النووي الإيراني.
في اجتماع داخلي للبرلمان الإيراني قبل عدة أشهر انتخب النواب المحافظون "علي لاريجاني" رئيساً للبرلمان، ليصبح أحد المنافسين السياسيين المحتملين للرئيس "أحمدي نجاد"، ويغدو قاب قوسين أو أدنى من تسلم رئاسة الحكومة الإيرانية.
حتى الذين انتخبوا "أحمدي نجاد" لقناعتهم بنظرية عودة "الإمام الغائب"، باتوا اليوم يعضون أصابعهم ندماً على انتخابهم للرئيس "الغائب" عن إدارة شؤون بلاده.
المصدر: صحيفة الوطن السعودية