خدمات حركة فتح للمشروع الإيراني

بواسطة حازم غزاوي قراءة 5223
خدمات حركة فتح للمشروع الإيراني
خدمات حركة فتح للمشروع الإيراني

حازم غزاوي

ياسر عرفات" أبو عمار" أبرز قيادات الحراك الوطني الفلسطيني بعد هزيمة العرب عام 1956م، تخلى عن هويته الإسلامية في مقابل تحقيق اختراقات للمنظومة الدولية, و أجاد صناعة التحالفات الممولة له ولمشروعه بطريقة معقدة ,و أقرب إلى المافيوية..كانت إستراتيجية ياسر عرفات من البداية انطلاقة حركة فتح في يناير 1965م ، أن يقيم علاقات مع القوة الثورية العالمية بغض النظر عن أهدافها أو أيدلوجياتها سواء كانت في أمريكا اللاتينية أو حزب الشين فين في إيرلندا , أو حتى نمور التاميل السيرلانكية، لأنها الوحيدة التي باستطاعتها أن تمنحه مساحة للتحرك في العالم , و ليس لديها أي التزامات تجاه المعايير الدولية ولأنها تتحرك في فضاء مصالحها فقط، بالإضافة إلى قدرتها على توفير مساعدات عسكرية له. كانت أبرز تلك القوى من حيث القرب الإقليمي زعماء الثورة الإيرانية ,و أبرزهم الخميني الذي أرسل رسالة دعم وتأييد إلى ياسر عرفات قبيل إعلانه انطلاقة فتح بدأها بقوله (إلى سيد الأشراف وقائد المجاهدين في فتح السيد محمد القدوة الحسيني "ابوعمار" دام ظله.. )... بعد ذلك بارك الخميني انطلاقة فتح , وأصدر فتواه فيما بعد بإجازة صرف الخمس إلى ثورة "عرفات"..تجسيدا لقوة العلاقة بين الطرفين وعقب انتصار ثورة الخميني في طهران وإسقاط الشاه، كان ياسر عرفات من أول الواصلين لتهنئة الإمام الخميني، حيث ردد في حينها شعار"اليوم طهران وغدا القدس"..

يقول الدكتور عصام عدوان في إحدى مقالاته حول العلاقات بين فتح و إيران، العلاقات الوطيدة بين إيران البهلوي وإسرائيل، أورثت ردة فعل طبيعية بالتقارب بين الثورة الإيرانية والثورة الفلسطينية. وكانت عدة لقاءات جمعت قيادات من فتح بزعماء ثوريين إيرانيين قبيل إزاحة نظام الشاه، كان أبرزها لقاء الخميني بعرفات في 1968م في العراق وأقام بداية الاتصالات.

فتح ياسر عرفات ثكناته العسكرية في العراق ولبنان و الاردن بين عامي 1969 و 1970 أمام منظمة مجاهدي الشعب الإيرانية لتدريب عناصرها، و زودتهم بالسلاح الذي فيما بعد عادوا به إلى طهران. في عام 1969 اشتكى شاه إيران لعرفات من دعم منظمة التحرير لأعدائه من أتباع الخميني لكن عرفات لم يوله أي اهتمام. توسطت مصر عام 1974 لتنظيم لقاء بين مندوب منظمة التحرير ومدير المخابرات الإيارنية(السافاك)،الجنرال نعمة الله ناصري، حيث عرض الأخير على عرفات مبلغ 25 مليون دولار مقابل إغلاق معسكرات يتم تدريب ثوار إيرانيين فيها. جرى بالفعل إغلاق أحد هذه المعسكرات في جنوب لبنان، لكن تم نقل المتدربين الإيرانيين إلى معسكرات أخرى.

يقول عدوان المختص في التاريخ الفلسطيني، " استمر تدريب الثوار الإيرانيين في معسكر دوما قرب دمشق في عام 1975م ,ثم معسكر الزهراني قرب صيدا في عام 1976م، وكان محمد منتظري يرسل الأسماء إلى القيادي في منظمة التحرير خليل الوزير" أبو جهاد" ليوافق عليها.

ظهرت العلاقات بين الطرفين إلى العلن حينما حضر ياسر عرفات حفل تأبين الدكتور علي شريعتي عام 1977م في بيروت، و ألقى كلمة في الحضور، كما قام بعض الإيرانيين بتنفيذ عمليات تجسس داخل إسرائيل لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى المشاركة في تهريب الأسلحة لحساب منظمة التحرير.كما استفادت لاحقاً مجموعة محمد منتظري من إمكانات فتح لنشر وتوزيع أخبار التظاهرات داخل إيران وخطابات الخميني في الصحافة اللبنانية والعربية.

وبعد عودة الخميني إلى إيران في 1 فبراير 1979، حضر ياسر عرفات في 17/2/1979 إلى طهران بترتيب مع محمد منتظري وجلال الدين الفارسي، وكان أول زائر لإيران، ورفع العلم الفلسطيني على مقر البعثة الإسرائيلية حيث أصبحت مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعين هاني الحسن، عضو المجلس الثوري لفتح، أول سفير لفلسطين في إيران. وتفاخر أثناء زيارته الأولى: "لقد دربت منظمة التحرير الفلسطينية في معسكراتها عشرة آلاف إيراني".

عقب توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد في عام 1979، عقدت منظمة التحرير اتفاقا مع طهران بهدف تنظيم حملة إعلامية لمواجهتها. كما ساعدت منظمة التحرير إيران من خلال إرسال مدربين لتدريب الحرس الثوري الإيراني على الأسلحة السوفيتية ,و كذلك إرسال خبراء في مجال النفط لتدريب مشرفين و عاملين في قطاع الطاقة الإيراني.

كما أقدمت حركة فتح على افتتاح مكتب صغير لها في الأهواز، دون رضا الحكومة الإيرانية وإنما بطلب من أهالي المنطقة.كما طالب هاني الحسن من السلطات الإيرانية بصفته ممثل المنظمة في طهران بالسماح بوضع قوات فلسطينية في جزر "طنب" و "ابو موسى" و نصب قواعد صواريخ في هذا الموقع المشرف على مضيق هرمز الذي يعد أهم الطرق لتسيير حاملات النفط.

وفي عام 1979 وصل وفد كبير من منظمة التحرير إلى طهران بقيادة خليل الوزير، و حملته إيران رسالة مهمة إلى دول الخليج أكدت فيها على أنها أسقطت سياسة الشاة ,ولن تكون بعد الآن شرطي الخليج.

وفي نوفمبر عام 1979 اندلعت أزمة بين كبيرة على خلفية اختطاف أمريكيين في طهران، أفرجت عنهم طهران ,وطلبت من المنظمة استغلال الأمر. عام 1980 دعت فتح في بيان لها في مؤتمرها الرابع "إلى تعزيز العلاقات النضالية مع الثورة الإسلامية في إيران، التي أطاحت بأعتى قلاع الإمبريالية الأمريكية في المنطقة، والتي تقف معنا في نضالنا على طريق تحرير فلسطين". خلال الغزو الإسرائيلي للبنان أرسلت إيران 10 آلاف جندي لدمشق لم يصل منهم إلى لبنان سوى 400 جندي. رغبة إيران في التعامل بمنطلقات آيدلوجية في المنطقة و مساعيها في تصدير ثورتها جعلها تبحث عن حلفاء يتبنون المشروع الإسلامي في طرحهم، هذا الأمر جعل تحالفها مع حركة فتح وياسر عرفات يضعف شيئا فشيئا.. بالإضافة إلى محاولات إيران لتبني فتح و السيطرة على قرارها الأمر الذي دفع عرفات لاختيار البقاء أمام حلفاء أقوى مثل صدام حسين، كما ساهمت العنصرية الطائفية تجاه السنة رفض بعض قيادات فتح الاندفاع نحو العلاقات مع إيران و معارضة تدخلها في الشأن الفتحاوي. حاول ياسر عرفات تجنيب العراق وإيران الحرب التي اندلعت بينهما لكن لم يستمع إليه أحد حتى قاد وساطة بين الطرفين، لكن وقوفه إلى جانب صدام حسين في الحرب تسبب في قطع العلاقات بين الطرفين.. بعد انشقاق فصائل اليسار الفلسطيني مثل الجبهة الشعبية "القيادة العامة" عام 1983, و حلفائها إلى جانب سوريا و إيران، اتهم تعميم داخلي لفتح إيران بالتخطيط المسبق للحرب لاحتلال أرض العرب في العراق، ومناصرتهم للنظام العلوي في سوريا بتنسيق مع أمريكا في اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982م. كان ذلك نهاية لعلاقات فتح بإيران.

وبعض قيادات منظمة التحرير أكدت أن المنظمة ساهمت في إنهاء الحرب الإيرانية العراقية ولعبت دورا وسيطا طيبا لردم الهوة بين المتقاتلين إلا أن الأمر ظل في إطار الادعاء.

وحين وقع ابو عمار اتفاقية اوسلو عام 1993 انتهت العلاقات رسميا بين إيران والمنظمة ووصلت حد التجريح، وجمّدت إيران كل دعم لها لمنظمة التحرير وهاجمتها واتهمتها بالخيانة والتفريط ,وحاولت صناعة حلفاء جدد مثل الجهاد الإسلامي وحماس.في شهر اغسطس عام 2012 زار محمود عباس طهران للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز، لكن اللقاء الذي كان من المفترض أن يصبح بداية تقارب جديد بين السلطة الفلسطينية بزعامة فتح و طهران لم يحقق أي نتيجة على هذا الصعيد، و لم يكن سوى زيارة روتينية بلا تبعات سياسية، لم تعرها طهران أي اهتمام.

المصدر : موقع المثقف الجديد



مقالات ذات صلة