الدور الإيراني في الحقبتين(البوشية والأوبامية)
زكريا النوايسة
من السذاجـة السياسيـة أن يعتقد البعض أن إيران تنطلق من أهدافها المعلنـة، أو شعاراتهـا الكبيرة الـتي كانت وما تـزال تشكل ذلك القناع الخادع للوجه الحقيقي للسيـاسة الإيرانية، وهذا يفسر لنا ما نسمعه بين الفينة والأخرى عن بعض اللقاءات والمباحثات السرية مع الأمريكيين والأوربيين وربما جهـات أخـرى،هي في العلن من المحرمات السياسية .
وقد درج الساسة الإيرانيون وضمن خطة ممنهجة على تلمس الحاجات الملحة للغرب في المنطقة ، وتوظيف هذا الهوس الغربـي بدخول المنطقة تحت ضغط الحاجة للطاقة،أو لتنشيط اقتصاده من خلال فتح أسواق جديدة ، لتصب هذه الرغبة في صالح المشروع الإيراني ،ولم ينقطع هذا التعاون بين الطرفين على تقاسم هذه الكعكة الإقليمية، بالرغم مما يُثـار من شعارات وتثويـرات سياسية يُهدف من ورائها دفع الضحية إلى حالة من السكون ،ريثما تنتهي المهمة لصالح الغرب الطامـع والطرف الإيراني الطامح إلى دور إقليمي يتجاوز ما كان يحلم به الشاه قبل ثورة الملالي.
ويبقى السؤال الكبير عن العلاقـة الحقيقـة بين أمريكا وإيران خلال العقود الثلاثة المنصرمة هو أبرز ما يبحث له السياسيون عن إجابة، فاعتمادا على ما تطرحه إيران من شعارات مغرقـة في العـداء ينظـر لها على أنهـا على رأس قائمـة أعـداء أمريكا المفترضين ، ولكن الواقـع الذي يكشف عنه الغطاء بقصـد أو بغير قصد ، يظهر لنا إيران دولة متعاونة ضالعة بقـوة في ضرب استقرار هذه المنطقة لصالح الغرب صاحب القوة العسكرية والاقتصادية الضاغطة،ولصالحه أيضا كطرف إقليمي يسعى إلى تأسيس إمبراطورية مذهبيـة بغض النظر عن النتائج الكارثيـة التي ستعصف في المنطقة عموما والعربية منها بالذات.
ولعل إيـران وجـدت ضالتها في القزميـة الـتي تناهـى إليهـا المشروع العربي الوحـدوي ، فعملت بكل أدواتها إلى تعزيـز فرص التباعد والشحناء بين الأطـراف العربيـة مرة تحت أكثـر حاجات الإنسان العربي إلحاحـا،والتي تتمثل برغبته العارمة بالتحرر، وهنا كان الذكاء والدهاء الإيـراني بالدخـول من بوابة القضية الفلسطينية المقدسة عربيا وإسلاميـا، ومرة أخرى تحت الغطاء الديني الذي خدعت به عـددا لا بأس به من العامة من الذين كانوا يتشوقون إلى تأسيس دولة دينية كيفما شاء، ودون تدقيق بحقيقة الطـرح والفوارق المذهبية المتناقضـة التي تصـر عليها إيران،والشاهد علـى ذلك الدستور الإيـراني الذي اشترط ( المذهب الجعفري) وجها دينيا لا يمكن التنازل عنه.
فإذا كانت السياسة الأمريكية في الحقبـة البوشية ترى أن مبدأ العصا مع إيران هو الأكثر نجاعة لجعلها تسير في الطابور الأمريكـي، هذا إذا صح مايشاع عن عداء بين أمريكا وإيـران أصلا ،فإن السياسة الأمريكية في حلتها الجديـدة ، أو كما يحب أن يصفها البعض بالحقبـة (الأوباميـة) تجـد أن سياسة الجزرة ستكون نتائجها أكثـر فائـدة ،إذا ما أخذنـا بعين الاعتبار الرغبة الإيرانية التي أصبحت شبه معلنة لإقامـة علاقات سياسيـة واقتصاديـة مع الجانب الأمريكي وفقا لتفاهمات تحدد مصالح كل طرف في الكعكتين العربية والإقليمية.
ويستشف من الإشارات الـتي يحملها الخطاب الرئاسي الأمريكي ،أن أوباما لم يبتعد كثيرا عن سلفه السابق (جورج بوش) بتوظيف الدور الإيراني وشهية مشروعها للتمدد في المنطقة العربيـة لصالح الهدف الأمريكـي وإن اختلفت التكتيكات والوسائـل في المرحلتـين، ويقابل هذه الإشارات الواردة من واشنطن إشارات لا تقل قـوة يحملها خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد،والذي حدد فيه حزمة تفاوضية ستكون كما يراها الرئيس الإيـراني أساس أي لقـاء أو تفاوض مع الغـرب حـول برنامـج إيـران النووي ،وليكون العالم أكثر سلامـا كما جاء في الخطـاب، وهنا يكمن السؤال ماذا تقصد إيران بعالم أكثر سلاما؟!ولعل من يقرأ السياسة الإيرانية جيدا سيقف عند بعض ملامح هذا الوعـد،فإيران معنية بترسيخ دورها كقوة إقليمية وحيدة أو شريكـة في هذا الدور مع إسرائيل القوة الأخرى المدعومة أمريكيا وأروبياً، وأمريكا كذلك معنية بأن تبقى إيران في فلك البحث عن دور فاعل ومؤثـر،وقد تُرجمت الرغبة الأمريكية هذه بردع إسرائيل في فترة الرئيس بوش من توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية،وربما يرى آخرون أن ذلك من باب سداد الدين للخدمات الكبيرة والخيالية التي تحققت للجانب الأمريكي من (العدو) الإيراني ،وباعتراف نائب الرئيس الإيراني حين صرح بأنه لولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق وأفغانستان.
ويبدو أن إيـران أعادت طرح خطتها القديمة الجديـدة، والتي قد تكون هي أساس الحزمة التفاوضيـة التي أعلن عنها الرئيس الإيرانـي،والتي تقوم على إطلاق يدها في المنطقة مقابل التعهد برفع الغطاء والدعم عن الحركات والتنظيمات التي ترتبط سياسيا أو عقديا أو ماليـا لتنفيذ وتحقيـق مشاريعها السياسيـة والتحررية،ونسخ الشعارات التثويرية من واجهة السياسة الإيرانية، والاندماج بعلاقات طبيعية مع كافة الدول ومن بينها وأهمها (إسرائيل) ،وستكشف لنا الأيام المقبلة عن وقائع وحقائق عن شكل وواقع العلاقة الإيرانية الأمريكية التي لم تنقطع سابقا ، وأظنها ستأخذ أبعادا أكثر قوة وحميمية مستقبلا.