مهند الحاج علي
حملت مقابلة صحيفة "همشهري" الإيرانية مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف يوم الخميس، رسائل بارزة. بداية، وبصريح العبارة على لسان هذا الدبلوماسي المخضرم، أطلعت سلطنة عُمان إيران مسبقاً على زيارة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. هذا الكلام المفيد. كانت إيران تعلم بالزيارة، ولا بد أنها مررت رسائل من هذه البوابة.
طبعاً، تحدث ظريف عن موقف طهران من أن الزيارة تتنافى مع المصالح العُمانية، وأن للبلدين آراء متباينة أحياناً تجاه بعض القضايا. هذا تصريح واجب ومحطة الزامية لأي مسؤول إيراني أو سوري يتناول الموضوع "الإسرائيلي". هو كلام مُكرر، "من حواضر البيت"، ولا أهمية له، ولا يمت للواقع بصلة.
الرسالة الثانية في كلام ظريف هي التأكيد على أن "إيران لا تسعى إلى تدمير "إسرائيل"". وهذا تصريح سبق أن أدلى به في حوار مع صحيفة "لو بوينت" الفرنسية في 22 كانون الثاني (ديسمبر) الماضي. لماذا يحتاج وزير الخارجية الإيرانية الى تكرار التصريح ذاته خلال 10 أيام؟ التصريح رسالة "حُسن نية"، بأن إيران تخلت عن شعارها القديم بتدمير الدولة العبرية.
ومثل هذا الكلام لا يأتي من فراغ، بل ينبع على الأرجح من مفاعيل الزيارة "الإسرائيلية" عينها إلى سلطة عُمان. ذلك أن صحيفة "نيويورك تايمز"، ونقلاً عن مصادر "إسرائيلية"، سبق أن كشفت عن احتمالات هذه "القناة الخلفية" بين "إسرائيل" وإيران. مسؤول "إسرائيلي" رفيع المستوى كان على إطلاع على تفاصيل الزيارة، قال للصحيفة إن العلاقة العلنية بين البلدين، قد تفتح أبواباً لـ"إسرائيل"، نظراً إلى صورة عُمان كوسيط يحظى بصدقية لدى كل الأطراف المعنية. المسؤول عينه لم يستبعد حينها احتمال أن تفتح عُمّان قناة سرية لـ"إسرائيل" ليس فقط مع إيران، ولكن أيضاً مع سوريا و"حزب الله" و"حماس".
ويُعيد هذا الدور المفترض لعُمان التذكير بدورها في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. بعيداً عن الرواية الرسمية المثقوبة، فتح العُمانيون قناة محادثات سرية بين واشنطن وطهران بُعيد انتخاب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وفقاً لكتاب "ألتر إيغوز" لمراسل "نيويورك تايمز" في البيت الأبيض مارك لاندرز. لاندرز كتب عن وسيط عُماني يُدعى سالم بن ناصر الإسماعيلي لعب دوراً في فتح القناة الأولى بين البلدين. فاجأ الإسماعيلي (51 عاماً) دينيس روس، مستشار وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، بعدما أبلغه في اجتماع في وزارة الخارجية الأميركية، بأن هناك عرضاً ايرانياً للتفاوض مع واشنطن في شأن البرنامج النووي الإيراني. الوسيط العُماني أبلغ الأميركيين بنقطتين: أولاً، هو قادر على جلب الإيرانيين الى طاولة المفاوضات. وثانياً، عُمان مقر ملائم جداً لمثل هذه المحادثات بين الجانبين. السيناتور الأميركي السابق جون كيري، وقبل تسلمه وزارة الخارجية، بعث رسائل مهمة الى الجانب الإيراني عبر عُمان.
ماذا يمنع تكرار هذه التجربة مع "إسرائيل"؟ ألم تكن واشنطن هي "الشيطان الأكبر" وفقاً للشعارات الإيرانية، قبل أن تستحيل شريكاً على طاولة المفاوضات؟ في ظل تخبط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحولت "إسرائيل" الى وسيط يضمن استقرار العلاقة مع الولايات المتحدة. لذا تستثمر دول عربية في اللوبي "الإسرائيلي" في واشنطن لضمان تأييد في البيت الأبيض وفي الكونغرس أيضاً. من الصعب تخيل تبدل جذري في الموقف "الإسرائيلي" أو حتى الأميركي حيال إيران خلال الشهور المقبلة. بل الأرجح أن إيران تحتاج الى مثل هذه القناة لاحتواء نطاق الصراع وتطوره.
السؤال هنا أين وصل الإيرانيون و"الإسرائيليون" في محادثاتهم، وهل سنرى تصريحاً "إسرائيلياً" مماثلاً تجاهها؟.
المصدر : المدن
28/4/1440
4/1/2019