الخراساني محل التسخيري بـ"اتحاد العلماء".. لماذا؟

بواسطة أميـر سعيـد قراءة 674

الخراساني محل التسخيري بـ"اتحاد العلماء".. لماذا؟

 

 أميـر سعيـد

التاريخ: 23/7/1431 الموافق 05-07-2010

 

أن يحل تلميذ مكان أستاذ فذاك ليس غريباً، وتلك سنة الحياة، لكن أن يأتي من هو مقام الأستاذ مجازاً محل مقام التلميذ مجازاً أيضاً فهو الجديد والعجيب معاً، والواقع أن محمد واعظ زاده الخراساني ليس أستاذاً لعلي التسخيري، لكنه بالفعل يسبقه كثيراً في المقام العلمي الشيعي ويكبره بنحو عشرين عاماً منحته وفرة من الأساتذة في الطائفة الشيعية تتلمذ الخراساني على يديهم خلال سني عمره التي قاربت التسعين (هجرياً)، خلافاً للتسخيري الذي لم "يحظَ" بما ناله الخراساني من مناخ علمي شيعي واسع درسوا له علوم دينهم وأفنوا فيه أوقاتهم "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"..

الخراساني خلف التسخيري في منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، بعد استقالة الأخير من منصبه نتيجة لشعوره بأنه لم يعد موضع ترحيب من الاتحاد ذاته إثر إساءته البالغة لرئيس الاتحاد إبان أزمة الهجوم الشيعي المكثف على الشيخ القرضاوي قبل عامين، والتي فاجأ فيها التسخيري الجميع بهجومه الشديد على د.القرضاوي، حيث قال حينها: "القرضاوي بتصريحاته ومواقفه هذه لا يتجه في المسار الذي يمضي فيه الإسلام والمسلمون"، معتبراً أنه "خضع لضغوط من الفرق والمجموعات التكفيرية والمتطرفة."

انحنى بعد ذلك التسخيري ـ في صورة شهيرة ـ أمام د.القرضاوي وقدم له اعتذاراً عن إساءته، وصرح لوسائل الإعلام بعد ثلاثة أشهر فقط من الأزمة قائلاً: "لا أحبذ أبدا ولا أسمح بأن يتطاول أحد على الشيخ القرضاوي، فهو رجل خدم الأمة والوحدة والتقريب عقودا طويلة وكان ناجحا في تلك الخدمة، يجب أن نبتعد عن إثارة الضغائن والتجريح ونترك الأمور لمعالجات العلماء فيما بينهم".

لكن التسخيري على ما يبدو عاد من تناقضه هذا إلى تناقض معاكس تماماً إذ بدا مجدداً غير جاد في العمل على إنضاج موقف شيعي يرقى إلى هدف الاتحاد في إيجاد قواسم مشتركة تجمع مواقف السنة والشيعة أو حتى توفير ضمانة لعدم وصول الخلافات الجذرية بين سواد المسلمين الأعظم والطائفة الشيعية الإمامية إلى صراعات دموية، وقد رشح ذلك من تصريحات التسخيري عقب "استقالته" من منصبه، إذ سرعان ما أعاد الأمور إلى مربع الأزمة مجدداً حين قال في اتصال هاتفي مع وكالة "ابنا" الشيعية للأنباء عقب استقالته: "إن السبب الرئيسي وراء استقالتي من منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هي ضغوط الأعضاء السلفيين والتكفيريين في الاتحاد على "يوسف القرضاوي" رئيس هذا الاتحاد (...) لقد كان أبدى القرضاوي ومع الأسف الشديد ضعفا كبيرا تجاه هذه الضغوط، ولهذا فقد ارتأيت أن أستقيل من منصبي".

لكن التسخيري لم يردف بتبيان ما إذا كان خليفته الأعلم منه بأصول الفرقة الإمامية والذي يعد أحد أبرز أقطابها الباقين على قيد الحياة، هو ممن ترضى عنهم "الفرق المتطرفة" أو "السلفية" أو "التكفيرية" أم لا؟! فهل جاء الخراساني بموافقة ضمنية من هؤلاء بحسب ما يفهم من تصريح الخراساني؟! بالطبع لا، فالمعلوم أن التيار السلفي عموماً غير راضٍ عن التشكيلة الأساسية للاتحاد على خلفية عدم قناعتهم بوجود فروق جوهرية بين "متشدد" و"معتدل" في المؤسسات العلمية الإمامية الشيعية، ولذا فما يبدو هو أن التسخيري يعتبر أن تلك الضغوط التي يزعم أنها مورست على الشيخ القرضاوي قد أتت من داخل الاتحاد عينه، وهو المكون بالأساس من علماء وشيوخ ومفكرين هم أبعد ما يكونون عن وصف "التطرف" و"التكفير" بل ولديهم من التفكير ما يتيح لهم بقبول الخراساني وغيره في رأس الأمانة العامة للاتحاد، وبالتالي فإذا كان التسخيري "المعتدل" يعتبر أن هؤلاء أيضاً "تكفيريون" و"متطرفون" و"سلفيون" فماذا أبقى إذن من المسلمين لم يشملهم وصف التطرف والتكفير!

لا غرابة في أن يكونوا في حس "المعتدل" التسخيري كذلك، وهو الذي وصف الشيخ القرضاوي يوماً بأنه "لا يتجه في المسار الذي يمضي فيه الإسلام والمسلمون"، وهو ما يحمل تكفيراً ضمنياً أو مبطناً لشخص رئيس الاتحاد! وإنما كان الغريب هو استمرار هذا "المتناقض" أو "المشرب تقية حتى النخاع" في منصبه، وقد أحسن إذ استقال أو فهم رسالة رغبة علماء الاتحاد في ألا يكون بينهم فغادر بشكل صاخب كالذي فعله.

وعلى ما يبدو؛ فإن حرص الاتحاد على وجود شخصيات علمية شيعية إمامية فيه، هو لمحاولة تخفيف حدة الاحتقان بين الطائفة وعموم المسلمين، ولذا يبدو الاتحاد ورئيسه مصرين على هذا التمثيل، وهو هذه المرة يحاول أن يبتعد عن مهاترات الماضي القريب عبر وضع رجل مسن (88 عاماً هجرياً أو 85 ميلادياً) ليكون في صدارة التمثيل الشيعي في الاتحاد، وهو مع ذلك لا يختار رجلاً هيناً في المذهب أو من أطرافه، بل شخصية لها وزنها العلمي الشيعي و"تحظى" باحترام من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي بصفة خاصة.. لكن هل تنجح هذه الشخصية في مهمتها؟

من يريد أن "يتفاءل" بهذا عليه ألا يفرِط في ذلك كثيراً، لأن الرجل في حقيقته هو أحد إفرازات المدرسة ذاتها التي أنتجت الخميني وخامنئي والسيستاني، وبالأحرى، هو أحد زملاء هؤلاء عند شيخهم البروجردي، وهو ممن يثنون عليه كثيراً، ومن ذلك قوله عنه في حوار مع مجلة "علوم الحديث" الشيعية: فنحن قلما شاهدنا في أكابرناـ إلى الحد الذي اطلعنا عليه ـ ممن يحمل هذا القدر من العمق في هذه الأمور وليس لديه أي تعصب"، مع كل ما خلفه البروجردي من قناعات أنتجت أفكار الخميني وخامئني والسيستاني بما تحمله من تمايز واضح عن خط أهل السنة.

والخراساني من تلك الطينة التي تجيد استخدام "فريضة" التقية الشيعية الإمامية على نحو لا يطيقه التلاميذ، الذين سرعان ما تنزلق من فلتات ألسنتهم ما يكشف شيئاً من مكنونات عقيدتهم، وهو حريص كل الحرص على الظهور بشكل الشخصية التوحيدية بين السنة والشيعة، ولذلك يتبنى آراءً لها سحرها في تغطية المستور من التباين السافر بين عقيدة السنة وعقيدة الشيعة، إذ يقول في موضع آخر من ذلك الحوار السابق: "بالنسبة إليهم عدالة الصحابة أصل لا يمكنهم التخلي عنه، لأنه إذا تخلو عنه فسوف لن يكون لهم فقه. وبالنسبة إلينا عصمة الأئمة أصل إذا لم يكن لم يعد قولهم حجة ولا يبقى لدينا شيء. ولذلك، من الأفضل عدم طرح هذين الأصلين، بل نحل المشكلة بجمع أحاديث الفريقين"؛ فالحل بنظره، هو وضع الحجاب على "الأصول"، وإيجاد القواسم المشتركة عبر "الفروع"، أي نفي العقيدة وتنحيتها جانباً بكل ما تحمله من "أصول" و"أركان" وقواعد أساسية لا قيام لدين إلا بوجودها، والالتحاف بوجود تشابهات في بعض أفرع الفقه.

بل ليس الفقه فقط، فمجمل المشترك الذي يريد الخراساني العبور عليه إلى حيز "المشترك"، هو باب الأخلاق، والذي قد يجد المرء فيها مشتركاً حتى مع البوذيين أنفسهم!؛ فيقول: " من الأعمال التي أعتقد بضرورتها هو متابعة الأحاديث المشتركة بين الشيعة والسنة. فهم يتصورون أن رواياتنا صادرة عن أهل البيت (ع) وهي غير ما لديهم هم عن النبي الأكرم (ص)، وهذا في حين أن ثمانين بالمئة (وربما أكثر) من الروايات هي روايات مشتركة ولا سيما في الأخلاق. وأساساً كان الأئمة يذكرون روايات النبي هذه نفسها من دون إسناد".

مع ذلك؛ فإن الخراساني يثبت في وثيقة يقول إنه محتفظ بها لديه أن البروجردي قد اكتفى من بعض مشتركات الفقه بما لا يجعل الشيعة يجتمعون مع السنة فيما حاولوا التمايز به عن السنة (وكأن الشذوذ عن جموع المسلمين منقبة يرفض التخلي عنها). وقد بلغ من ذكاء الرجل وشيخه البروجردي أن يتجنبا ذكر حديث "الغدير" (الذي يزعم الشيعة أنه يتحدث عن الوصاية لعلي رضي الله عنه)، ويكتفيا بحديث "الثقلين" (الذي يتصور الشيعة أنه يعني "الوصاية العلمية لعترة النبي صلى الله عليه وسلم)، وذلك حتى لا يستفزا السنة!!؛ فيقول: "كان آية الله البروجردي يهتم كثيراً بهذا الحديث. فنحن لم نسمع حتى مرة واحدة أنه طرح حديث الغدير مع العلماء المسلمين. ذلك أن حديث الغدير يدور حول مسألة الخلافة، في حين أن حديث الثقلين هو حول المرجعية العلمية للأئمة. كان يؤكد أنْ نستند فعلاً إلى المرجعية العلمية لأهل البيت (ع). فإذا لم نأت باسم الخلافة لا تُثار حساسية وسنستطيع إقناع أهل السنة بالمرجعية العلمية للأئمة الأطهار (ع) على الأقل. كان يهتم بهذا الموضوع ويكرر طرحه في حلقة الدرس وكان له دور حسن على طريق التقريب بين المذاهب الإسلامية"، أي أن الطريق قبل تمكن القوم بثورتهم الخمينية (توفي البروجردي 1960 م) كان التقريب عبر العلم، وليس السياسة التي ستغلق الطريق عليهم حينها (لاسيما أثناء المد القومي)، وما زال الرجل على قناعة بذلك، وعبر حجب بعض من أصول الفِرقة لكيلا تحصل الفُرقة!

أفمثل هذا الرجل هو من يأتي نتيجة لضغوط لا يتحملها الشيخ القرضاوي من "المتطرفين" بدلاً من "الأديب" التسخيري؟! أولم يكن أولى بالشيخ القرضاوي أن يأتي بالأضعف في المذهب بديلاً عن الأقوى (وليس العكس) إن كان يريد تهميش تمثيلهم، وحتى يكون بحق قد خضع لضغوط التكفيريين!!

ثم على ذكر "التكفيريين" الذين يمارسون ضغوطهم على رئيس الاتحاد، الآن يتردد التسخيري بين طريقين: أن يكون هؤلاء ممثلين في الاتحاد؛ فكيف تسنى له قبول تكفيريين في هيئة هو يشغل نائب رئيسها؟! أو ألا يكونوا ممثلين؛ فكيف يخضع د.القرضاوي لضغوط من أناس هو نفسه لم يتح لهم المجال ليشاركوه القرار في الاتحاد، وقدم عليهم مخالفيه في العقيدة؟! أي كيف يقول التسخيري أن العلامة القرضاوي واقع تحت ضغط أناس لم يحظوا بما حظي به التسخيري شخصياً من عضوية بل صدارة الاتحاد، أما إذا كان يعتبر أولئك المعتدلين في الاتحاد متطرفين وتكفيريين فالتسخيري نفسه كان منخرطاً في هيئة ترأس أولئك "التكفيريين"، فما للتسخيري كيف يحكم؟! أما إذا كان الرجل منزعجاً لوجود تكفيريين في الاتحاد، فنحن نشاطره الرأي، إذ لا نرتاح كذلك لوجود من يكفرون السواد الأعظم من المسلمين هم جموع أهل السنة بين ظهراني علماء الأمة الإسلامية..

 

المصدر :المسلم .

 



مقالات ذات صلة