نصر الله والصدر في السرداب.. ماذا يعني ذلك؟!

بواسطة عصام زيدان قراءة 577
نصر الله والصدر في السرداب.. ماذا يعني ذلك؟!
نصر الله والصدر في السرداب.. ماذا يعني ذلك؟!

نصر الله والصدر في السرداب.. ماذا يعني ذلك؟!

 

عصام زيدان

Essam_zedan30@hotmail.com

 

مفكرة الإسلام: الأجواء الملتهبة التي يعيش فيها العالم العربي كادت أن تنحصر في الحقبة الزمنية الماضية فيما فرضته القضية الفلسطينية من صراع بين العرب و"إسرائيل"، والذي ترجم في حلقات متعددة منه إلى حروب مشتعلة خسر فيه العرب فلسطين والجولان وغيرهما.

 ومع بقاء هذه الجبهة مشتعلة إلى الآن فإن صراعًا جديدًا قد نشب في المنطقة العربية بزيادة النفوذ الشيعي الذي مثل له سقوط نظم الرئيس العراقي صدام حسين طفرة جينية هائلة، من رحمها تمكن الشيعة من مفاصل الحكم في العراق وأزاحوا العرب السنة عن القيادة ومهدوا الطريق لزيادة النفوذ الإيراني الأب الروحي للمشروع الشيعي في المنطقة.

وفي لبنان أيضًا ورغم الهدوء النسبي الذي نعمت به البلاد حينًا بعد اتفاق الطائف إلا أن الطموح الإيراني رأى في ذلك الاستقرار حائطًا أمام تطلعاته وطموحه, فأخذ في العبث بمصير البلاد من خلال أداته المنفذة هناك والمتمثلة في حزب الله الذي يعد الوكيل الرسمي لنشاطات إيران في لبنان وراعي مصالحها إلى جانب النظام العلوي الشيعي في سوريا.

نقف إذن أمام ذراعين إيرانيين تحيطان بدولتين عربيتين وقعت إحداهما (العراق) في براثن الشرك الشيعي الإيراني, والأخرى (لبنان) من ورائها قوة دفع هائلة تزج بها إلى الخندق ذاته, أو قريبًا منه على أقل تقدير من خلال الرغبة في التحكم في مصير البلد ومسارها من خلال الوكيل الرسمي.

هذا الطموح الإيراني المتزايد, لابتلاع "الدول السانحة", استغل غياب العرب وعدم تبلور أيه طموح أو مشروع لديهم سوى البكاء على واقع المؤامرة التي تحيط بهم من كل جانب وتقطع أوصالهم فيما يقفون هم حيالها موقف العاجز حتى عن الألم, اصطدم بالمشروع الأمريكي المسمى بالشرق الأوسط الكبير الذي يرسم مسارًا ربما يكون مغايرًا لما تسعى إليه إيران, خاصة في لبنان.

هذا الصدام المشروعي الفارسي ـ الأمريكي على مستقبل العراق ولبنان أضيف إليه عامل جديد تمثل في الطموح النووي الإيراني والعناد الذي تمثله الرئاسة الإيرانية في ضرورة استكمال مشروعها النووي إلى نهايته مهما كانت العواقب رغم الاعتراض الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.

هذه "السلة المتعارضة" بين الجانبين أخذت فيما يبدو للنظر في التفكك رويدًا, من كلا الطرفين, فإيران أوقفت إلى حين آلات العبث في لبنان والعراق, والولايات المتحدة أوقف آلة التصعيد ضد إيران وسلمت لها بنفوذ ممتد في العراق, والسؤال المهم هل هذا التفكك والحلحة في موقف الطرفين حيال الآخر موقف مبدئي تكتيكي أم خطوة في إستراتيجية ثابتة فرضت نفسها على طرفي الصراع من واقع خبرة كلا منهما بالآخر ومعرفة سقف توقعاته وطموحاته؟!

 

نصر الله والصدر في السرداب

المتأمل في الواقع العراقي والمشهد اللبناني سيجد أن الواقع السياسي قد اعتراه في الآونة الأخيرة تغيرًا من جانب إيران تمثل في الآتي:

أولاً: تجميد موقف الصدر وميليشيا جيش المهدي

وهذا التجميد أخذ اتجاهين:

1ـ تجميد أنشطة ميلشيا جيش المهدي, التي دخلت في معارك طاحنة مع القوات الأمريكية عام 2004, حيث فاجأ الزعيم الشيعي مقتدى الصدر القوات العراقية والأمريكية في أغسطس الماضي عندما أمر بتجميد نشاط ميليشياته لمدة ستة أشهر, ويبحث مجددًا تمديد تجميد تلك الأنشطة لأنه وبحسب مقربين منه, سعيد بنتائج وقف إطلاق النار، وربما يسعى إلى جعله دائمًا, (رويترز19/12/2007) وهو الأمر الذي قوبل باستحسان مع قبل الولايات المتحدة التي رأت في التجميد أحد العوامل التي أدت إلى تراجع العمليات المسلحة في أنحاء العراق.

 2ـ جمد مقتدى الصدر أيضًا كافة نشاطاته في الآونة الأخيرة فامتنع عن مزاولة أي نشاط سياسي عام، كاستقبال الوفود، أو متابعة الأمور اليومية، أو الإدلاء بتصريحات سياسية بدعوى استكمال دراسته في الحوزة العلمية في النجف وتلقيه دروسًا في "بحث الخارج"، أي أعلى مرحلة في الدراسة الدينية تؤهله في نهايتها التي تستغرق ما يقرب من ثلاث سنوات للحصول على مرتبة المرجعية الدينية، ونيل لقب "آية الله".

وكلا الأمرين ساهم إلى حد كبير في تهدئة الأجواء في العراق سواء في الشق العسكري أو السياسي في منحى يصب في مصلحة الاحتلال الأمريكي.

ثانيًا: تواري حسن نصر الله عن المشهد اللبناني

ففي الوقت الذي ظلت فيه أزمة الاستحقاق الرئاسي تراوح مكانها بعد إصرار الفرقاء السياسيين على مواقفهم غاب زعيم حزب الله نصر الله عن الواجهة الإعلامية وأيضًا عن عقد أية لقاءات سياسية بعد الخطاب الأخير له منذ أكثر من شهرين والذي ألقاه في احتفال "مؤسسة الشهيد" التابعة للحزب, مما أثار علامات استفهام كثيرة, عن سبب غيابه في ظل الأجواء الملتهبة, لا سيما بعد الحديث عن نقل صلاحياته إلى نائبه نعيم قاسم الذي ظهر خلال الفترة السابقة كمتحدث باسم الحزب.

وفي الوقت ذاته تعددت زيارات وفود من الحزب إلى إيران في الآونة الأخيرة, وهو ما يشير إلى أن ثمة ترتيبات تتخذها إيران لإعادة هيكلة الحزب وتكييفه مع المزاج الإيراني الذي تحول في اتجاهين:

  محاولة إخراج الشيعة في لبنان من المواجهة المباشرة مع السنة حرصًا على العلاقات الآخذة في النمو مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية.

2ـ عدم إعطاء انطباع سياسي بأن الشيعة وراء التعطيل, والفراغ الرئاسي تجنبًا للصدام مع الولايات المتحدة, وترك المهمة لآخرين.

فالمشاهد أن ما أعلنه نصر الله في خطابه الأخير عن "سلة المطالب" قد تبناها بكل أبعادها العماد ميشل عون وتصدر هو واجهة التعطيل بعدما توارى نجم حسن نصر الله ونبيه بري.

هذا المشهد المتزامن على الساحتين العراقية واللبنانية وفتح السرداب لدخول المشاغبين للاحتلال الأمريكي في العراق ولمشروعه في لبنان هي رسالة إيران للولايات المتحدة حتى الآن, فماذا عن الموقف الأمريكي؟

 

تبدل الأسلوب الأمريكي في التعاطي مع إيران

الولايات المتحدة من جانبها سعت إلى تغيير موقفها من إيران، وهو ما يتأكد من خلال رؤية التبدل في معالم السياسة الأمريكية حيال طهران، والتي ظهرت مؤشراتها في عدة مواقف منها:

1ـ تقرير المخابرات الأمريكي الذي اكتمل إعداده قبل الإعلان عنه بعام على الأقل، والذي شدد على أن إيران أوقفت برنامجها للتسلح النووي عام 2003 , وهو ما يعني أنه لم يعد يوجد ما يستدعي التخوّف من إيران نووية على الأقل في المدى المنظور.

2ـ تقبل نفوذها في العراق، من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة بين السفيرين الأمريكي والعراقي في بغداد تركزت بالأساس على الوضع الأمني الذي استوجب مديحًا أمريكيًا لإيران بعد أن أوقفت بضغطة الزر نشاطات الميلشيا المعادية للاحتلال وعلى رأسها ميليشيا جيش المهدي.

3ـ إعطاء الضوء الأخضر للتقارب ما بين دول الخليج وخاصة السعودية وإيران, وهو ما وجد سبيله عمليًا في حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لقمة مجلس التعاون الخليجي للمرة الأولى, فالعلاقات الأمريكية الخليجية تحكم إلى حد كبير المسارات السياسية لغالب هذه الدول.

4ـ فتح المجال لعلاقات أفضل مع إيران, وهو ما أعلنته مؤخرًا وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس, مؤكدة أن الولايات المتحدة تبقى "مفتوحة لعلاقات أفضل مع إيران, حيث لا عداوة دائمة, ولا صداقة دائمة ولكن المصالح هي التي تحكم".

 

تكتيكات لا استراتيجيات

حقيقة لا يمكن  الادعاء بأن الولايات المتحدة قد حسمت أمرها بشأن إيران, أو أن إيران اعتمدت بصورة قاطعة إستراتيجية ثابتة إزاء الولايات المتحدة على الأقل في الوقت الراهن, فالصراع  بين الجانبين ما زال  مشتعلاً، والأمر برمته يدور حول هدنة مفترضة واختبار للنوايا وفقًا لقواعد التفاوض المعروفة, بينما يقبض كلا منهما بيده على الزناد مستعدًا لإطلاق النار مجددًا.

 فإيران اتخذت فقط مواقف تكتيكية توحي لواشنطن بمقدار نفوذها في العراق وقدرتها على تصعيد الموقف الأمني وتهدئته, مع احتفاظها بالنفوذ على الميليشيات وبقية اللاعبين, والأمر ذاته على الساحة اللبنانية، راغبة في التوصل إلى اتفاقية تعترف لها بدور إقليمي نافذ تحقق من خلاله القدر المتاح من مشروعها التوسعي.

والولايات المتحدة تدرك أبعاد ذلك الموقف الإيراني وأنه لا يعدو أن يكون تكتيكًا لاختبار النوايا ومعرفة ما في السلة الأمريكية وسقف العطاء المتوقع, وجاء التصريح الضابط لهذا الفهم من قبل مسئول أمريكي معني بالتقارير الاستخبارية حول العراق، قائلاً: إن إيران قد قررت فقط "تحولا ًخلاقًا في التكتيكات" بشأن العنف في العراق.

وعن تقدير الإدارة الأمريكية لهذا الموقف أكد أنه ما زال "في المنطقة الخلافية" للتقديرات الأمريكية, فالولايات المتحدة إذن ورغم زئبقية تصريحات رايس التي اتجهت نحو الإيجابية مع إيران إلا أنها بعيدة عن إعلان عن تغييرات إستراتيجية في هذا المجال ، وما زال الحكم بأن التوجه الجديد هو دائم يقع تحت مظلة التخمينات.

 



مقالات ذات صلة