إيران بين مسلسلين!!
المسلسل الأول:
بالرغم من إنكار الرئيس الإيراني نجاد، اليهودي الأصل، للهلوكوست؛ وتهديده بمسح اليهود من الخارطة، إلا أن الآيات في إيران قامت بعرض مسلسل يتعاطف مع اليهود ويؤكد حقيقة مزاعمهم من أن النازيين عمدوا إلى حرقهم وقتلهم وتشريدهم أثناء الحرب العالمية الثانية ، فيما يسمونه بالهلوكوست، وقام التلفزيون الإيراني وعلى مدار ثلاثة أشهر بعرضه مساء كل اثنين، وذلك بدءاً من الشهر السادس وانتهاءً بالشهر الثامن من عام 2007م، واسم المسلسل " نقطة تحول" وتدور أحدائه حول قصة حب تجمع بين شاب إيراني وفتاة يهودية فرنسية، ويسلط الضوء على مساعدة السفارة الإيرانية في فرنسا، للعديد من يهود فرنسا ونقلهم إلى إيران، هرباً من النظام النازي الذي كان قد احتل فرنسا في الحرب العالمية الثانية، وللمرة الأولى تظهر الممثلات من دون حجاب.
والغريب في الأمر كذلك، أنه سبق هذا المسلسل ظهور الرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه وسلم – وردت عليه الآيات في طهران بإعلانها عن إقامة أكبر مسابقة عالمية لرسم الكاركتير لتكذيب محرقة الهلوكوست المزعومة من قبل الصهاينة، ومهاجمة دولة الدنمارك، وتم تفاعل كبير من الرسامين مع هذه المسابقة، ونشرت رسومهم في الصحف الإيرانية، ولم تكد تمضي أشهر على هذا الأمر، إلا والآيات يعرضون مسلسل "نقطة تحول" والمتعاطف مع الهلوكوست، وسط سمع من إعلام ومرأى وقتها، ولكن مرت تلك الأحداث بدون أي لفت نظر لهذه المتناقضات، وكأني بهؤلاء الآيات أشخاصاً ووجوه متعددون في جسد واحد، يصرح كل وجه منه تصريحا، ثم يتلوه وجه آخر ينسفه ويهدمه من أساسه. كما حدث من تكذيب "علي لارجاني" الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لأقوال نجاد والخميني والآيات كلها بشأن مزاعمهم بأنهم سيمسحون اليهود عن وجه الأرض، وذلك في قمة المنتدى العالمي التي انعقدت في الأردن عام، حيث قال:"دعوني أقول لكم شيئاً بشان إزالة إسرائيل عن الخارطة: إن بلادي لا تريد تدمير إسرائيل، وهذه القصة من إنتاج وسائل الإعلام الغربية ورئيسنا لم يتحدث أبدا عن هذه المسالة؟!" إنها مسالة محيرة فعلاً، تخيلوا معي جسد به آلاف الرؤوس؟!
والأغرب من كل هذا، يهود إيران ينتخبون نجاد في الانتخابات الأخيرة العام الماضي، ومن أيام وبعد أن فرضت ما يسمى بأكذوبة العقوبات على إيران خرج يهود أمريكا ينددون بهذه العقوبات في مظاهرة كبيرة أمام الأمم المتحدة في نيويورك، تحت قيادة الحاخام ديفيد وايس، ورفعوا شعارات تدعم الرئيس الإيراني نجاد، وقال وايس في تصريح لمراسل "ارنا": "أننا أردنا من خلال هذه المظاهرة أن نرحب بمواقف الرئيس الإيراني الذي يقيم علاقات ودية مع اليهود في العالم"، ويضيف: " إن إيران كانت منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا من الداعمين لليهود، وإن استضافة الإيرانيين لليهود حقيقة لا يمكن إنكارها ولا يمكن لأي إعلام أن يمحو هذه الحقيقة عن تاريخ اليهود والإيرانيين" ولقد صدقنا هذا الحاخام وهو كذوب، وإن كان قد أخفى نصف الحقيقة وهي أن الآيات في إيران ما انقطعوا عن إقامة علاقات ولقاءات بينهم وبين اليهود، كما كشف هذا الفضيحة الشهيرة المعروفة بفضيحة إيران كيت، وكما حدث على هامش جنازة بولس الثاني من اجتماع الرئيس الصهيوني كستاف مع الرئيس الإيراني السابق خاتمي، واجتماعهم سوية في القاهرة والأردن ومدريد، ومشاركتهم للمخابرات الأمريكية واليهودية في إدارة العراق وأفغانستان. وكما تكشف عنه تصريحات الطرفين حيث صرح شارون بأن الشيعة ليسوا أعداء للصهيونية، وصرح وزير الخارجية في حكومة نتنياهو السابقة"ديفت ليفي":" إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو" وصرح وزير خارجية التشكيك "كارل شوارزينجر"الرئيس الدوري لمجلس الوزراء في الاتحاد الأوربي، لصحيفة هارتس العبرية بداية عام 2009م بأن هناك علاقات سرية وطيدة بين إيران والصهاينة، وليس بالضرورة الكشف عنها رسمياً.
وقد قلت في رد لأحد أصدقائي الذي كتب مقالاً يؤكد أنه سيقف مع إيران بعد فرض العقوبات عليها، ويدعوها أن تعيد علاقتها تجاه دول الجوار العربية المسلمة التي لم تخذلها عند تنكر الصديق والعدو لها: "هل تعتقد أن أمريكا تستطيع أن تتخلص بسهولة من إيران، أو أن إيران تستطيع أن تتخلص منهم بسهولة، هكذا بأكذوبة عقوبات، وهم يشاركون الآن الاحتلال الأمريكي في أفغانستان أولاً، وهم من اختار لهم قرضاي وحكومته الخائنة، وليس أدل على هذه الحقيقة سوى موقف حكمتيار الشجاع والذي أعلن أن هذه حكومة عميلة، ورفض الاعتراف بها فتم طرده من إيران، وثانياً مشاركتهم الاحتلال الأمريكي في العراق، حيث هم ماضون في تقتيل أهل السنة فيها هم وأذنابهم من حكومة العمالة والخيانة، والتي تعبوا في تجيزها سنوات طويلة، وما السجون السرية عنك ببعيد، ولعملك لو أرادت إيران التعجيل في سقوط الأمريكان لعمدوا وفي لحظة واحدة إلى الحكومتين العميلتين في كابول وبغداد، وسحبهم إليها كما كانوا يحتوهم سابقاً أيام الشهيد صدام – رحمه الله – وتركوا الأمريكان لقدرهم مع المقاومتين هناك، ولكن إيران تعلم أنها لو فعلت هذا فإن نهايتها كذلك اقتربت، وستنالها سيوف المجاهدين، في كل من الدولتين، ولذا فإن الارتباط بين الغرب والآيات في طهران بات أمراً قدرياً، لأنه في نهاية أحد الفريقين نهاية للفريق الآخر، فإيران غارقة حتى أذنيها في العمالة لليهود والغرب، ولن يتخلى الغرب عنها أبداً".
كل هذا إن دلل على شيء، فإنما يدلل على أن الآيات في إيران متسامحون حد الثمالة مع اليهود، ويكفي إيران أن فيها 76 كنيساً يهوديا، وما يريد أن يرسخه اليهود والآيات في أذهاننا أن هناك فرق بين يهودي ويهودي، إنما هي لعبة جديدة المقصود منها تمويه الحقائق، وإخفاء حقيقتهم وتغطية للأخوة القائمة بينهم وبين اليهود الصهاينة.
المسلسل الثاني:
مؤخراً عرضت الآيات مسلسل عن علي بن طالب وبثته على القنوات الإيرانية والمنتشرة بشكل كبير على النايل والعرب سات، وكعادتهم انتقصوا فيه من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وذلك كما بينه الهيثم زعفان في مقاله "المسلسل الشيعي الإمام علي وشب الصحابة الكرام"، وكما رأيناه من نجاد أثناء الانتخابات الإيرانية العام الماضي وتكفيره لطلحة والزبير – رضي الله عنهما – ومن بعدها قيام بهاء الأعرجي بالطعن في أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ودعوة نائب خامنئي "احمد علم الهدى" في مشهد، بتحويل القبلة من مكة المكرمة إلى مشهد، لينكر بهذا ركنين من أركان الإسلام، وهي الصلاة الحج، إذ لا تصح صلاة بدون التوجه إلى الكعبة، ولا يقبل حج بدون الكعبة، وانتهاء بتصريحات "محمد تقي مصباح" الأب الروحي لنجاد والموالي بشدة لخامنئي والتي كفر بها أهل السنة قاطبة، بقوله: " إن من ينكر ولاية الفقيه فهو مرتد".
وهذا أن دلل على شيء، فإنما يدلل على أن الآيات في طهران لا تعرف أي تسامح مع من ترضى الله عليهم في كتابه، ومع من شهد لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، أبداً، ولا تتسامح مع أبنائهم، ولا أبناء البقية الباقية من آل بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا أبناء آل بيت رسول الله من أبناء الحسين من أهل السنة، وتعمل دوماً على تكفيرهم والإساءة لهم، ومحاربة أحفاد الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – العربي في الأحواز والعراق ولبنان، بالإضافة إلى عدم تسامحهم مطلقا مع أهل السنة في إيران، ومنعهم من بناء ولو مسجد واحد في طهران، وتدمير مدارسهم، ومنعهم من التسمي بأسماء عربية!! وتقديس قاتل الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أبا لؤلؤة المجوسي ، وذلك كما ذكر أبو علي الأصفهاني في كتابه "فرحة الزهراء": "ونحن بعد كل هذه السنين الطوال نقول قولاً صادقاً: رحمك الله تعالى يا أبا لؤلؤة فقد أدخلت البهجة على قلوب أولاد الزهراء المحزونة وهكذا يدافع عن الحريم المقدس لولاية أمير المؤمنين عليه السلام. وكذا قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر: سيقتلك – أبو لؤلؤة – توفيقاً يدخل به والله الجنان على الرغم منك. (1) والمأمول من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام أن يزوروا صاحب ذلك المرقد المملوء بالصفاء في كاشان رحمة الله عليه(2)"، واترك للقارئ مساحة كبيرة للتأمل والمقارنة، وإكمال بقية حل هذه الكلمات المتقاطعة!!
(1) إرشاد القلوب 2/285.
(2) فرحة الزهراء 125.
احمد النعيمي