لقاء مع مع سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان
المصدر: مجلة آخر ساعة/ 30-8-1427هـ
أخطر ما في تفاصيل الحوار ما كشفه الرجل عن خفايا حزب الله وكيف يرفض الشيعة انضمام أي سني إلي صفوفهم؟! وماذا جري بينه وبين حسن نصر الله؟ وما جري بينه وبين الخميني في طهران؟ والدور السوري والإيراني في لبنان والمنطقة .. والذي لا يعمل إلا علي خدمة أهداف النظام السوري الشخصية والمد الشيعي في المنطقة..
ولأن السحر ينقلب أخيراً علي الساحر، فقد جاء اعتراف وندم أمين عام حزب الله السيد نصر الله بخطئه عندما أمر بأسر الجنديين، وترتب علي ذلك تدمير لبنان .. ولكنه اعتراف ما بعد الخراب .. وهو الذي كان يعتبر في الأيام الأولي للحرب أن الحكمة خيانة .. وإلي تفاصيل الحوار الخطير والمثير جداً والذي امتد ثلاث ساعات كاملة مع سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان.
* سماحة الشيخ محمد علي الجوزو: هل تعطينا رؤية عن الموقف في لبنان بعد قرار (1701)؟
المعركة في لبنان لم تكن معركة حزب الله فقط، هذه المعركة أصبح لها زمن طويل، عدة مرات هاجمت إسرائيل لبنان وانتصرت لبنان بإذن الله، دخلت إسرائيل عام 82 إلي قلب بيروت وحاصرتها 70 يوماً ثم انتصرت لبنان، ولم يكن حزب الله علي الساحة. لبنان بأكمله يستطيع أن يقول كل فرد إنه وقف إلي جانب القضية الفلسطينية وقدم الكثير من أجل هذه القضية وواجه إسرائيل بجبروتها وجرائمها واعتداءاتها ودفع الثمن غاليا في كل مرة
هنا، بعد أن خرج لبنان من حربه الطويلة حرب الـ (17) عاماً، والتي كانت من أصعب الحروب الأهلية علي لبنان؛ كان ذلك بفضل اتفاق الطائف الذي أعاد لبنان إلي أهله وبدأ السلام علي أرض لبنان وبدأ الإعمار وكانت الشقيقة سوريا هي التي تقوم بدور الوصاية علي الشعب اللبناني لفترة (30)، سنة لعبت فيها دوراً سيئاً جداً للأسف الشديد، كانت تستفيد من الخلافات المذهبية والطائفية، وتثير هذا الجانب علي ذاك لتضمن السيطرة علي أرض لبنان وشعب لبنان.
ولقد سألوني عدة مرات لماذا كان حزب الله الذي يحمل هوية شيعية وحده يقاتل على الساحة ولم يكن لأهل السنة دور إلا المساندة والاحتضان كما تعرف.
وكنت أجيب الكثير من الإخوة الذين لا يعرفون حقيقة ما يدور علي الساحة اللبنانية بأن الشقيقة سوريا تحالفت مع الجانب الشيعي وأسست له جيشاً أو أكثر من جيش ومكنتهم من التسلح بالاتفاق مع إيران، بينما حرمت البقية من أبناء الشعب اللبناني من هذا الشرف، يعني منعتنا من أن نتسلح، بل وألقت الكثير من أبنائنا في السجون واضطهدتهم وعاملتهم أسوأ معاملة.
ونحن نعرف كيف أن حافظ الأسد عندما دخل لبنان عام 1976 دخل من أجل ضرب الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية علي أرض لبنان، وكان هذا بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، وقد واجه مقاومة شديدة من قبل جميع الأطراف الموجودة علي الساحة اللبنانية، وكانت مقاومة شديدة لدخوله في هذا الوقت مما جعله أي حافظ الأسد خصماً للأطراف التي قاومته، وعلي رأسها أهل السنة والفلسطينيون، من هنا كان لابد له بعد ذلك أن يتحالف مع من؟ مع الشيعة، وهذا أخل بالتوازن علي الساحة اللبنانية وجعل المقاومة مقصورة علي إخواننا الشيعة.
ويضيف مفتي جبل لبنان: نحن الآن بعد أن حدث ما حدث علي أرض لبنان نود أن نبين للناس جميعاً أن اللبنانيين جميعاً وقفوا في معركة حزب الله ضد إسرائيل دون استثناء؛ مسيحيين ومسلمين، وتغاضوا عن محاسبة من كان السبب في هذه الحرب، لأن إسرائيل في طبيعتها دولة إجرامية بربرية، دولة عصابات قامت علي العصابات، وبقيت تتصرف بعقلية عصابات فعملت علي تدمير لبنان تدميراً وحشياً قضي علي كثير من القرى اللبنانية، وأيضا لم يبق من البنية التحتية إلا شيء قليل .. يعني كل ما قام به السيد رفيق الحريري من إعمار وبناء في لبنان دمرته يد الإجرام الصهيونية.
وهذا طبعا نشأ بسبب خطف الأسيرين الصهيونيين! الآن نحن نعيش مرحلة جديدة في لبنان، كنا نسعى بعد خروج سوريا من لبنان لبناء دولة محتضنة الجميع وتكون المواطنة فيها هي الأساس، وقد استجابت أكثر الطوائف في لبنان لهذا المشروع.. وكان هناك خلاف حول من هو صاحب القرار في الحرب والسلام علي أرض لبنان .. الدولة أم حزب الله؟ وللأسف الشديد قام حزب الله بما قام به ليقول إنه صاحب القرار في هذه المسألة، فترتب علي هذا الموقف ما ترتب عليه من دمار شامل يحتاج لسنوات من أجل معالجته.
ويؤكد الشيخ الجوزو: نحن كلبنانيين نفتخر بما قام به حزب الله في مواجهته لإسرائيل، وفي صموده أمام الجبروت الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر، كما يقولون، وتأديب إسرائيل إلي حد ما، ولكننا نريد من الآن فصاعدا أن نتحرر نهائياً من التأثيرات الخارجية علي شعب لبنان وعلي حكومة لبنان، فالذي أوصلنا لما وصلنا إليه هو هذه التدخلات الخارجية .. سوريا لم تكن مرتاحة لخروجها بهذا الأسلوب، وهددت عدة مرات الشعب اللبناني. وكان آخر تهديد هو الخطاب الذي سمعناه ..
كذلك هناك الامتداد الإيراني الذي تبني حزب الله مادياً وعسكرياً، والذي كما قلنا أخل بالتوازن الطائفي والمذهبي علي أرض لبنان، كل هذه الأمور تجعلنا نقول إن انتصار لبنان الحقيقي ليس فيما حدث من تهديد لأمن إسرائيل في الداخل، ولكن الانتصار الحقيقي في أن يتحرر من التأثيرات المذهبية والعرقية التي تحاول أن تدمر الصيغة اللبنانية .. لا نريد تدخلاً سورياً أو تدخلاً إيرانياً .. نحن دولة عربية ولا نرغب أبدا في أن يتدخل أحد من العرب في شئوننا الداخلية ولا من العجم، وهذا شيء طبيعي .. لا توجد دولة تحترم نفسها تسمح بتدخل الآخرين في شئونها الداخلية. يعني لو أن العرب حاولوا أن ينشئوا حزبا لهم في داخل إيران، وهناك عربستان وهؤلاء عرب في قلب إيران ويمكن أن نستغل هذا.. لو أن الدول العربية حاولت إنشاء حزب تموله وتعطيه السلاح في إيران هل توافق إيران علي ذلك؟
* هل يعني ذلك أن هناك محاولة لتهميش السنة في المنطقة؟
هناك محاولة للإبادة وطمس الهوية السنية نهائيا في العراق وعدم إشراكهم داخل الجيش ولا في الشرطة، فلماذا تحاول إيران أن تتدخل في الشأن العراقي والشأن اللبناني والشأن السوري، تحاول أن تمد يدها لكثير من الدول العربية عن طريق التشيع حتي وصل الأمر للأسف الشديد إلي مصر وعندي كتب الآن تصدر في مصر لكتاب أو باحثين مصريين تشيعوا بالمال يقومون بإصدار كتب تهاجم أهل السنة وتهاجم الصحابة وتتطاول علي عقيدة أهل السنة في عاصمة الأزهر الشريف في مصر.
ويضيف مفتي الجبل في لبنان: هذه طبعاً سياسة تخيفنا جميعاً لأنها تنذر بأخطار لا حدود لها .. صفق لنا الجميع وطربنا لهذا التصفيق وأثني علينا الناس جميعاً عندما حقق حزب الله ما حققه، ولكننا في نفس الوقت نقول إن هذا النصر يجب أن يكون نصراً لبنانياً محضا لا يتبناه بشار الأسد ولا يتبناه أحمدي نجاد. ثم تنصب الاتهامات علي الدول العربية الأخرى وتكون النتيجة أن نتحول إلي مطبلين ومزمرين لإيران، ونعطي شهادة النصر لها بينما تتهم الدول العربية بأبشع الاتهامات. لم يقل أحد بأن معركة حزب الله مع إسرائيل تعني أن تعلن الدول العربية الحرب وتجهز الجيوش لتقوم بدور عسكري إلي جانب حزب الله، هذا شيء غير معقول، حزب الله لم يشاور الحكومة اللبنانية ولم يشاور شركاءه في الوطن عندما بدأ هذه الحرب، وبالتالي لم يشاور أحداً من الحكام العرب حتى نلزم حكام العرب بالوقوف إلي جانب حزب الله عسكرياً. ولست مع الذين يحاولون التشهير بالعرب وبالحكام العرب في ظل هذه الحرب التي لم يكن أحد يحسب لها حساباً من قبل، حتى أن حزب الله نفسه فوجىء بردة الفعل الإسرائيلية كما اعترف قادته، أي أنه أيضاً لم يكن يتوقع أن يحدث ما حدث .. من هنا فإن الأمور تسير في طريق غير صحيح.
* ما هو الموقف في رأي سماحتك الآن؟
أنا الآن أتوجه إلي حزب الله والسيد حسن نصر الله بأن يعيد النظر في كل ما حدث، فإنه رغم نشوة الانتصار لا شك أنه يتألم كثيراً للدمار والخراب الذي عم لبنان وأصاب قري بكاملها أكثرها من الشيعة وكثير من السنة.
أعتقد أن من واجبات حزب الله الآن أن يصحح المعادلة، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة العربية ككل، لأن كل العرب صفقوا له. وعندما أقول العرب أعني السنة بشكل خاص صفقوا لحزب الله، ورفعوا صورة حسن نصر الله، هذا دليل حسن النية وعدم التعصب أو التملق عند أهل السنة، من هنا فإننا نطالب السيد حسن نصر الله أن يصحح المعادلة في لبنان، وأن يكون جزءاً من الدولة وليس دولة في داخل الدولة.
* وماذا بالنسبة للموقف الإيراني؟
أما إيران فهي دولة إسلامية وكنا نتمنى أن تكون قوة للمسلمين لا سبباً في تفريق صفوفهم وفي تمزيق ديارهم، يعني العمل علي تشيع المسلمين السنة في سوريا، في لبنان، في مصر، هذا تدخل في العقيدة واعتداء مباشر علي أهل السنة، نحن لا نحاول أبدا أن نؤثر علي أحد من الشيعة لكي يغير مذهبه، لذلك ليس من مصلحة إيران أن تقوم بهذا الدور حتي تظل علي صلة طيبة مع جيرانها العرب.
* والمشكلة الإيرانية مع الغرب وأمريكا؟
الكل يريد الوقوف إلي جانب إيران في محنتها الآن في مواجهتها للغرب وأمريكا وهي تضغط عليها من أجل أن تتخلي عن مشروعها الذي تقوم به، وكان بإمكان إيران أن تجد من العرب تأييدا كبيرا لولا أنها تشعر بأنها بقنبلتها الذرية ممكن أن تهدد العرب أنفسهم.
وهناك هدف من أهداف إسرائيل، أن تفرق بين السنة والشيعة، وهو هدف من أهداف أمريكا، وللأسف الشديد أريد أن أقول إن أمريكا تلعب دوراً خطيراً جداً في إذكاء هذه الصراعات خدمة لإسرائيل وخدمة لأهدافها بعيدة المدى .. من هنا نطالب حكامنا وقادتنا في الدول العربية أن يكون لهم موقف حاسم وحازم بالنسبة لأمريكا وبالنسبة لإيران، لأن الخطر يتهددنا جميعا دون استثناء.
ثم بادرني سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان بسؤال: قد تسألني الآن هل أنت مع المقاومة أم ضد المقاومة؟
أقول لك: أنا مع المقاومة ومع تسليح المقاومة وليس مع سحب السلاح من المقاومة، بشرط أن أشعر بأن هذا السلاح عربي المنطلق، وعربي الهدف، وعربي الهوية، ولا ينتمي إلي أية جهة أخري .. وأنا أدعو الدول العربية أن تتبني المقاومة علي أرض فلسطين بالذات لأن إسرائيل لا تحترم اتفاقية السلام ولا تؤمن بالسلام، وتعمل علي ذبح الشعب العربي كل يوم، وما نراه علي أرض فلسطين كل يوم خير دليل علي ذلك.
نحن مع المقاومة، مع تقوية المقاومة، بشرط أن تظل هذه المقاومة محافظة علي هويتنا، وألا تكون أداة في يد أي جانب يريد أو يحلم أو يطمح إلي تحصيل مكاسب كبيرة علي ساحتنا العربية من منطلق مذهبي أو غير مذهبي .. أنا أحمل العرب مسئولية تخليهم عن المقاومة الفلسطينية، لأننا بذلك أتحنا الفرصة للتيارات الدينية التي تدين بالولاء لإيران لتسيطر علي الساحة العربية والفلسطينية، بينما أصبحت الدول العربية لا تأثير لها في ساحة المقاومة .. وأنا لست مضطرا لأن أخضع للتوجهات الأمريكية التي تمنعني من أن أقدم المال لهذه المقاومة حتي تخرج من يدي وتقع في يد الآخرين.
ما الذي يجعل بعض الفلسطينيين يرتمون في أحضان إيران؟ سمعنا كلام أمريكا بأن المادة (المال) سيذهب إلي الإرهاب، ووقفنا نحن وبدأنا نحارب جماعات المقاومة لصالح إسرائيل وإيران في نفس الوقت، لماذا لا توجد في لبنان مقاومة سنية، لأن الدول العربية السنية تخلت عن السنة في لبنان بينما ظلت إيران متمسكة بالمقاومة الشيعية ومولتها ودربتها وسلحتها، فكان ما كان.
ومع ذلك فإننا نشد علي يد السيد حسن نصر الله ونقول له: مبروك النصر، شرط أن تحول هذا النصر إلي نصر للشعب اللبناني ووحدة الشعب اللبناني وكرامة الشعب اللبناني والحفاظ علي الهوية العربية واللبنانية بعد هذا النصر. نحن لسنا ضد المقاومة ومع حسن نصر الله، لكن أعمل لي كعرب .. لا تكن إيرانيا وفارسيا.
دور الأزهر:
* في رأي سماحتك: ألا بد أن يكون هناك قيادة دينية في مصر ترد علي التشكيك في العقيدة وتحميها من التدخل؟
لدينا آلاف يتخرجون من الأزهر سنوياً ماذا يفعل هؤلاء؟! فقط يكتفون بالصعود علي المنابر والحديث، لابد أن يكون لديهم هدف، الفاتيكان يملك كل الساحة المسيحية ويعطي أوامر، ولكن أين هذا الدور بالنسبة للأزهر؟ حين كنت طالباً صغيرا سافرت إلي باكستان، كنت سكرتير اتحاد الطلبة المسلمين هناك أيام عبد الناصر، ذهبت للمشاركة هناك في مؤتمر وكنت لا أزال طالباً في الثانوية وعندما خطبت في الناس أخذوا يصفقون ويهتفون، هذا فقط لأنني أنتسب للأزهر. مكانة كبيرة نضيعها ..
هناك كثير من المؤسسات الدينية في العالم العربي، لكن هناك أزهر واحد يجب أن يقوم بدوره ويجب أن نختار له قيادة، ومع كل الاحترام لأستاذنا شيخ الأزهر، نريد قيادة تشبه قيادة رجال الأزهر الكبار الذين كان لهم دور في الماضي، الشيخ شلتوت والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ محمد صبري حسين التونسي .. أين هؤلاء؟
* هل غياب دور الأزهر أدي لعدم فهم الدور المصري ؟
لمت الأخوة الذين هاجموا النظام والحكومة في مصر بعد عملية حسن نصر الله وقلت : هل ستضيعون أنفسكم، هل تريدون القول أنه لا يوجد نصر سوي ما حققه حسن نصر الله، لا .. غير صحيح.
لقد عشت في مصر منذ عام 1948 ورأيت كيف أن الشباب يتوجه لقناة السويس ويحارب، يطلعون من الأزهر وهم يحملون المصاحف ويذهبون لمحاربة المستعمر البريطاني، ورأيت كيف أنهم ذهبوا إلي فلسطين وحاربوا هناك، والبطل أحمد عبد العزيز ومجموعته.
كما أن مصر حاربت سنة 1948 وفي 1956 انضممت مع المتطوعين اللبنانيين للمقاومة واعتبرت أن مصر هي بلدي، ولا أنسي أن مصر انتصرت أكبر انتصار سنة 1973، جيش لجيش وعبرت أهم حاجز مائي في قناة السويس ودمرت خط بارليف، ولو تركت مصر لوصلت إلي قلب إسرائيل، لولا التدخل الأمريكي أقصد.
* ماذا ترى الموقف على الجانب الإسرائيلي بعد توقف الحرب؟
ما أريد قوله إن الهزال الذي ظهر به الجيش الإسرائيلي في النهاية (نهاية حربه مع حزب الله) وأنه لا يستطيع مواجهة حزب، ونرى الآن الشعب الصهيوني يهاجم حكومته لأنها فشلت في الحرب، هذا دليل علي أننا قادرون علي القضاء علي إسرائيل لو أردنا ذلك، ولكننا نريد مزيدا من الصدق مع الله وإخلاصاً.
إن مصر بلد زعيمة لا يجب أن نضيعها، لقد حاربت مصر الصليبيين مع صلاح الدين وحررت القدس، وصلاح الدين حرر مصر وحرر الأزهر، وهذا أكبر عملية فكرية وعقدية في تاريخ المسلمين، ولو لم تكن مصر محررة من قبل صلاح الدين كيف كان سيصبح مصيرنا.
كذلك حررت مصر البلاد العربية من التتار بقيادة قطز وبيبرس، الأزهر واجه نابليون، مصر شعب أصيل لا يجب أن نضيع دوره، إنني أشعر بالألم. حين يتحدث الناس بأن هذا أول انتصار حدث في الأمة العربية، هذا غير صحيح، الشعب الفلسطيني يقدم كل يوم ضحايا، الشيخ أحمد ياسين الذي استشهد علي الكرسي، والرنتيسي، أليس هؤلاء أبطالاً، لذلك لمت بعض الإسلاميين لأنهم لم يحملوا صور أحمد ياسين إلي جانب صور حسن نصر الله، أم لأنه مات ونحن ننسي الأبطال بعد رحيلهم.
* ما تأثير الهجوم المستمر علي مصر والسعودية؟
هذا يحرك العصبية المذهبية، الكثيرون ممن هاجموا السعودية ومصر أخطأوا، وهي محاولة لإظهار السنة وكأنهم خونة وهذا هو هدف الهجوم، وهذا غير صحيح لأن السنة علموا الناس حمل السلاح حتى في لبنان.
لولا الثورة الفلسطينية في لبنان لما حمل أحد من اللبنانيين السلاح وما عرف أحد المقاومة، وأول حزب شيعي أنشئ في لبنان وهو حركة أمل أنشأه للأسف الشديد أبو عمار (ياسر عرفات)، أبو عمار هو من منحها السلاح ودربها ثم تمت محاربته بنفس السلاح.
هل سنتخلى عن كل أمجادنا من أجل حسن نصر الله، هذا أمر غريب، إن الناس تجلد ذاتها، ليس ملك أحد من الحكام بل هو ملك الشعوب، وشعب مصر من أعظم الشعوب التي حاربت وقاتلت دفاعا عن الإسلام والمسلمين وعن الأمة العربية ..
ويؤكد سماحة مفتي جبل لبنان بغضب شديد علي أن إسرائيل تعاملنا الآن في لبنان وكأننا في غزة، أليس كذلك، إنها لا تمكنا من فتح المطار ولا الميناء، هل هذا انتصار إذا أصبحنا مثل غزة، لقد تحولت دولة لبنان إلي غزة جديدة.. إننا لا نود قول هذا لأن الناس سيتهموننا بأننا ضد النصر والمقاومة، الناس تفسر الأمور تفسيراً خاطئاً، فالحقيقة أنني أري لبنان الآن وقد تحولت لغزة وبعد ذلك نطالب الأمم المتحدة بفك الحصار عنا.
* هل تري سماحتك أن عودة القوات الدولية بهذا العدد الضخم وخاصة القوات الفرنسية التابعة لها هو نوع من أنواع عودة الانتداب علي لبنان ؟
الحقيقة لا أريد أن أشعر الناس بأننا هزمنا ولم ننتصر، دخول القوات الدولية بهذا الحجم كان نتيجة، وكان المفروض أن يكون الجيش اللبناني بمفرده علي الحدود ولكن الغرب الاستعماري وعلي رأسه أمريكا ينحاز إلي إسرائيل دائما ويريد أن يحمي إسرائيل، وهذا الحشد الكبير من القوي الدولية هو لحماية إسرائيل للأسف الشديد، ربما كنا لسنا في حاجة لمثل هذه الحشود الدولية علي حدود لبنان لو أن حزب الله التزم بالقاعدة الإسلامية وهي الشورى، لأننا جميعاً نركب سفينة واحدة، وأي طرف يحاول خرق السفينة يغرق جميع من فيها، فالشورى أو الديمقراطية بالمفهوم الحديث هي الأساس لحماية لبنان من جميع الأخطار التي تهدده.
* سماحتك أخبرتني أن المقاومة في الجنوب اللبناني كانت تضم جزءاً من أهل السنة.. ماذا عن ذلك ؟
كان هناك قرى سنية فقط، لأن المقاومة لم تكن لتسمح بذلك، لقد ذهبت يوماً لحسن نصر الله وكان هناك خلاف حول مسجد في جبل لبنان حاول الشيعة السيطرة عليه، وكنت قد كتبت عن هذا مقالاً نشرته في مجلتي "فتح الإسلام"، فأرسل إليٌ حسن نصر الله وذهبت إليه، وقد قلت له: لماذا تنغلقون علي التشيع، السنة يصفقون لكم في كل أنحاء العالم العربي، لماذا لا يكون ضمن عناصر حزب الله سنة .. طبعاً لم يقبل لأنه يريد الحزب شيعياً وبعد ذلك نجدهم يتساءلون : لماذا لم يقاتل معنا السنة؟..
فسوريا علوية وإيران شيعية والتحالف سائر وما أطلق عليه الملك عبد الله الهلال الشيعي كنت قد حذرت منه من قبل .. ماذا سنفعل لو سقط الخليج والعراق وتمت محاصرته من إيران وسوريا ولبنان، فأين سيكون الخليج ساعتها، هل سيقاوم الخليج ويحارب عن نفسه وهل ستذهب مصر للدفاع عن الخليج. إذا سقط الخليج سقطت الثورة البترولية كلها في يد إيران والشيعة.
اليوم يطالبون بتقسيم العراق فسيكون البترول كله في الجنوب وفي يد الشيعة وكركوك تطالب اليوم أن تكون عاصمة للأكراد والأكراد لا شيعة ولا سنة رغم أنهم سنة في الأساس لكنهم باعوا الاثنين وقالوا إننا أكراد. ثروة العراق كلها ستكون في يد الأكراد والشيعة .. والسنة يشربون من البحر.
ما أود قوله: إن هناك خطراً، وقد ذكرت هذا من قبل حيث قلت: ماذا لو تحالفوا: إيران وشيعة العراق وعلويو سوريا وحزب الله، وقد حدث.
* هل وجهت اتهامات للسنة في لبنان لإختفاءهم من ساحة المقاومة؟
إنهم يتهموننا بالخيانة، عدد كبير من الشيعة بعد انتهاء الحرب يرددون أن السنة خونة، لماذا، لأنهم يرون أن إسرائيل ضربت الجنوب ولم تضرب بيروت مثلا، ولكن الكل يعلم أن الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تعرضت للقصف الإسرائيلي هي خليط بين السنة والشيعة رغم وجود المركز الاستراتيجي لحزب الله في بيروت بها. ويقولون أيضاً: إن هناك اتفاقا بين السنة وإسرائيل وأمريكا حتى لا يتعرضوا للضرب.
أنت من حملت الراية وأعلنت الحرب وأخذت قرارك بنفسك، لذا فإن إسرائيل قررت ضرب القاعدة الشيعية التي يعتمد عليها، حتى يكرهوا أنفسهم ويكرهوا اليوم الذي ظهر فيه حسن نصر الله وهو ما يحدث الآن، طوابير التعويضات التي تقف في الجنوب للحصول علي المال ويتساءلون: لماذا فعل بنا هذا؟.
كذلك توقيت قرار الحرب كان في بداية الصيف، فضاع موسم الاصطياف كله.
وقناة الجزيرة لعبت دوراً سيئاً، وكان هدفها مهاجمة الدول العربية والإشادة بحزب الله، تهاجم السعودية لأن السياسة القطرية تكره السعوديين ويخرج وزير الخارجية القطري ويدعي أن الدول العربية تتآمر علي لبنان. كيف هذا وأنت لديك قاعدة أمريكية علي أراضيك.
أصبحنا نحن السنة أمام الناس خونة والشيعة هم الوطنيون الذين حاربوا، فهل طلبنا نحن منه أن يحارب عنا، أو كلفناه بمهاجمة بهذا الشكل، ما فعلته تشكر عليه، ولكن لابد أن تأخذ رأيي، لأنني لست في حاجة لنصر جديد، لقد حررت بلدي واليهود خرجوا، لكنك عدت بهم ثانية وعدت كمان بقوات الأمم المتحدة.
أنا أفهم النصر وهو تحرير الأرض من عدو، ولكننا بدلاً من التحرير عدنا بالعدو وإما تأخذ أرضا من عدوك هذا هو النصر ونحن لم نحرر أرضنا ولم نأخذ أرضا من العدو، ولم نحافظ على انتصار الماضي.. العملية الآن عائمة بين رئيس الجمهورية وحزب الله وسوريا.
لو أنني أدافع عن حكومة مصر أو حكومة السعودية يتهمونني بأنني أمريكاني وإسرائيلي، أنت تصادر رأيي لمجرد أنني أخالفك في الرأي وهذا إرهاب فكري. لصالح من هذا، لصالح الدفاع عن حسن نصر الله، فهل حسن نصر الله يدافع عنك مثلما تدافع عنه! هل هو يدافع عن السنة مثلما تدافع عنه! مرة واحدة فقط ذكر أنه يدافع عن الأمة العربية والصحابة وآل البيت وللأسف فالعاطفة الجياشة لدي المسلمين الذين يتعطشون لانتصار علي إسرائيل تحولت لمبايعة لحسن نصر الله وأطلقوا عليه صلاح الدين وهو لا صلاح الدين.
صلاح الدين الأيوبي قامة كبري، لأن الحملات الصليبية كانت تضم كل جيوش الغرب دون استثناء، تجيش الجيوش لتحتل الدول العربية وبقوا (250) عاماً في بلاد الشام، واحتلوا القدس (87) عاماً حتى حررها صلاح الدين وحرر معها المنطقة العربية. أما أنت فماذا حررت؟ شريط حدودي .. ذات يوم كنت أحضر مؤتمرا إسلامياً في ساحل العاج تنظمه رابطة العالم الإسلامي وكان بصحبتي في الطائرة رجلان، أحدهما شيعي ينتمي لحزب الله وآخر شيخ سني لكنه متشيع، وقد عرفت أن الشيعة في لبنان حين علموا أنني متجه للمؤتمر قرروا حضوره خشية التأثير علي نحو (75) ألف شيعي لبناني يعملون ويقيمون في ساحل العاج، وهناك الجالية الشيعية أقامت حفلاً للاحتفاء بالوفد اللبناني ودعوني لأنني الشخصية اللبنانية الرسمية المدعوة للمؤتمر، فإذا بالشيخ الشيعي يخطب في الحضور بأن الشيعة حرروا الشريط الحدودي. وطردوا اليهود وأن شباب الشيعة أبطال، فقمت وأوضحت لهم أن هذا الشيخ يزيف الحقائق نسي الصحابة الذين فتحوا العالم كله ونشروا الإسلام وتهتفون وتمجدون من حرر شريطاً حدودياً وتسبون الصحابة الذين فتحو العالم، فإذا بالحضور يهتف إسلامية .. إسلامية، لا شيعية.. لا سنية.
وعندما ذهبت إلي إيران في أوائل أيام الثورة الإسلامية وقابلت الخميني كنت أشعر أنهم يريدونني صوتاً سنياً يمتدح إيران ويؤيد ثورتها لكني كنت أفطن لذلك، وفي جميع اللقاءات التي شاركت فيها كنت أسألهم وسألت الخميني لماذا تزايدون علينا نحن السنة في حب آل البيت، أنا اسمي محمد علي، والدي اسمه علي وابني الأكبر اسمه علي، إذا فأنا أبو علي وأردد اللهم صلي علي سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وهم يرددون خلفي. ثم قلت: لهم لابد أن نترك أية خلافات بيننا ولابد أن نبدأ بداية جديدة، ونواجه التحدي ونعمل علي وحدة الصف.
وفي النهاية وبعد الحرب الأخيرة هم من يحكمون علي الحكام العرب والطبالين والزمارين الذين يقبضون من هنا أو من هناك يكتبون في الصحف كلاماً غريباً أنهم يستغلون الحرب من أجل الحسابات الداخلية وخلط الأوراق بشكل غير منطقي، حين ننتقد الرئيس مبارك ومصر فإننا ننتقدهم لصالح مصر لا لحساب حسن نصر الله، وهنا يبدو المنتقدون تخلوا عن كرامتهم ووطنهم لصالح تمجيد حسن نصر الله.
لذا نجد من يزايد علي شاشات التليفزيون فيقول مثلا: كنت في حفلة خيرية وجمعنا تبرعات علي صورة حسن نصر الله، هذه وثنية، هل أنت أفلست سنياً حتى تحضر صورة حسن نصر الله وتجمع عليها أموال. أنا لست عدواً لهؤلاء الناس إنهم أعداء أنفسهم. إننا في عالم كله من السنة. مرة جمعنا بشار الأسد دعا المسلمين كلهم في لبنان لزيارته، وأخذ يمدح أهل السنة ويقول إن تاريخ العرب والمسلمين كله للسنة، قلت له إنني شهدت الاحتلال الفرنسي للشام ولم يكن هناك حدود بين سوريا ولبنان، ولكن هؤلاء السنة الذين تتحدث عنهم حولهم ألغام كثيرة وأخبرته لو أردت التعاون معنا عليك أن تنزع تلك الألغام، وكان رفيق الحريري لا يزال علي قيد الحياة، فأخبرت الرئيس بشار أنهم يعاملون الحريري معاملة سيئة وتعاملون رئيس الجمهورية معاملة حسنة، وهذا مسيحي وهذا مسلم سني فعلى الأقل أن تمتدح السنة، أن تعاملوا رئيس الوزراء السني بشكل طيب ولكنهم قتلوه، قتلوا رئيس الوزراء وقتلوا مفتي الجمهورية حسن خالد، والدكتور صبحي الصالح أهم علماء لبنان قتلوهم.
* هل انتهي دور حسن نصر الله؟
هم الآن يستغلون هذا الانتصار ويقولون إننا نحن الذين انتصرنا وذهب بعضهم أنه يحق للمنتصر أن يفرض علي الدولة شروطه لكن ما حدث هو تقليم أظافر لحزب الله، ولن تكون له حرية حمل السلاح مثلما كان في الماضي، فالجيش بسط سلطته في الجنوب والقوات الدولية صنعت حاجزاً، واعتقد أن حسن نصر الله عليه أن يشتغل سياسة فقط وسيقل ظهوره حتماً في الساحة اللبنانية. إننا نريد وحدة الصف الإسلامي وننسي خلافات الماضي وننظر إلي المستقبل نريد بناء المستقبل .. وإيران في حاجة إلينا أكثر من حاجة العرب إليها.. فعلي إيران أن تصحح أسلوبها في التعامل معنا لا نحن نريد تسنن الشيعة ولا نسمح بتشيع السنة، هذا مرفوض لأنه يعد تدخلاً في شئون الدول العربية وتهديداً لمصالح الأمة العربية .. وعلي حزب الله تصحيح المسيرة، مبروك انتصارك ولكن عليك أن تنتصر ثانية بتصحيح المسيرة، السنة صفقوا لك كثيراً وقالوا لا يوجد أحسن منك.. أنت القائد وأنت الإمام.. لكن أظهر لنا بقيادتك وإمامتك تصحيح الوضع في العراق وفي إيران وعدم التدخل بأي شكل من الأشكال وعدم تشيع السنة لها في القرى اللبنانية ولا في مصر أو أي دولة أخرى.