الأبعاد الخفية في اغتيال عماد مغنية

بواسطة عصام زيدان قراءة 2622
الأبعاد الخفية في اغتيال عماد مغنية
الأبعاد الخفية في اغتيال عماد مغنية

الأبعاد الخفية في اغتيال عماد مغنية

  عصام زيدان

 

اكتنف الغموض حادثة اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية، حينما لزم قادة الحزب الصمت ولم يفصحوا عن مصرعه إلا بعد ساعات طويلة من حادثة انفجار سيارة في العاصمة دمشق.

ولم يشر الحزب من قريب أو بعيد إلى الكيفية التي لقي بها مصرعه، واكتفى فقط بإعلان اغتيال مسئوله العسكري في انفجار بحي تنظيم كفر سوسة بالعاصمة السورية دمشق، صباح الأربعاء 13/2، تاركًا حتى الآن تساؤلات حارة على هذا الصعيد تتناقض مع حالة البرود التي كشف فيها عن الحادثة، والغموض الذي يلف رد الفعل المتوقع، مكتفيًا بتوجيه اتهام صريح لإسرائيل بالقيام بعملية الاغتيال.

وسوريا من ناحيتها لاذت بالصمت حيال الحادثة التي وقعت على أرضها، وحيال تفسيرها، تاركة هي الأخرى مزيدًا من الدخان الكثيف والضباب القاتم حول الحادثة ودوافعها ومن يقف وراءها، ولم تتجاوز بعد حد الإدانة، التي باتت الرد الرسمي على كل حادثة انتهاك للسادة السورية وأراضيها.

ومن خلال هذا الغموض الذي يلف بالحادثة، يمكننا أن نمسك بخيوط من الضوء من خلال التعرض لتلك الجهات التي يمكن أن تقف وراء اغتيال مغنية، كونها مستفيدة من حادثة الاغتيال على المستوى العسكري أو الاستخباري أو حتى المعنوي.

* من وراء قتل عماد مغنية؟!

عماد مغنية هو ثالث قيادي من حزب الله يتم اغتياله، بعد راغب حرب الذي قتل في قريته جبشيت عام 1988م وأمينه العام عباس الموسوي، الذي اغتالته مروحية عسكرية إسرائيلية جنوب لبنان عام 1992.

ولاشك أن تلك العملية التي تعتبر ضربة كبيرة لحزب الله واختراقًا أمنيًا كبيرًا لصفوفه، يمكن لأكثر من جهة أن تكون وراءها، كون مغنية ملاحقا من قبل أكثر من جهاز أمني واستخباري، وفي مقدمته الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الغربية.

1ـ الولايات المتحدة الأمريكية:

فالولايات المتحدة وضعت مغنية على رأس قائمة أهم المطلوبين لديها ورصدت ما يزيد عن 25 مليون دولار ثمنًا لمعلومات تقود إليه، فكم تدفع في سبيل القضاء عليه؟!

ولعل البيان الذي عبر عن الارتياح بالتخلص من مغنية، والذي جاء بعد ساعات من حادثة الاغتيال على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض، توحي بأن الرجل لم يطوه النسيان من الذاكرة الأمريكية، التي تشبعت بلدغات وضربات، حمَلت مغنية مسئوليتها، ومن ضمنها التفجيرات التي استهدفت قوات المارينز والسفارة الأمريكية في بيروت عام 1983م، وخطف مسئول الاستخبارات الأمريكية في بيروت وليام باكلي.

2ـ إسرائيل

أما من ناحية إسرائيل، فهي تلاحق مغنية من سنوات طويلة، عانت فيها من الفشل الذريع في الوصول إليه، فهو المسئول من وجه نظرها عن عدة عمليات موجعة، على رأسها، استهداف مركز لها في العاصمة الأرجنتينية عام 1992.

ورغم غياب اسم مغنية في الفترة الأخيرة، فقد عادت حرب صيف 2006م، لتضع مغنية من جديد على رأس القائمة المطلوب تصفيتها، لعدة اعتبارات، لعل أهمها مسئوليته ـ المزعومة ـ عن إدارة الصراع العسكري خلال تلك المواجهات التي لم تستطع إسرائيل أن تفعل شيئًا كثيرًا حيالها، ومن ثم يهمها كثيرًا على مستوى الدولة أن تسترد جزءًا من هيبتها وقوتها الرادعة في مواجهة حزب الله، على الأقل في المستوى الاستخباري، بعد فشلها في الميدان العسكري.

وعلى المستوى القيادي في الداخل الإسرائيلي، فإن اليد المرتعشة التي يدير بها رئيس الوزراء إيهود أولمرت دفة الأمور، بعد مواجهات حزب الله، وإدانة تقرير فينوجراد لإدارة الصراع إبان فترة الحرب، تجعله في حاجة إلى نصر معنوي يرفع من أسهمه المتداعية ويحفظ ائتلافه الهش.

وصحيح أن إسرائيل بادرت بعد ساعات من إعلان حزب الله مصرع مسئوله العسكري إلى نفي مسئوليتها عن الحادثة، إلا أن هذا النفي لا يدحض من فرضية كونها وراء الفعل بصورة أو أخرى، فهي على ما يبدو تلجأ إلى سيناريو الغموض والتعتيم الزمني، كما كان الحال عقب اختراق المجال السوري وضرب أهداف محددة في العمق، وكما هو معلوم من قبل عن استراتجيها العسكرية المرتكزة على الغموض النووي، لا على مستوى الوجود، ولكن على مستوى التقدم والإمكانيات.

3ـ الاستخبارات الغربية:

الاستخبارات الغربية سايرت الولايات المتحدة في وضع عماد مغنية على رأس قائمة المطلوبين لديها،خاصة فرنسا التي حمّلت من قبل مغنية مسئولية قصف مقر قواتها في لبنان في العام 1983.

ومن المشهود والمعهود أن تلك الاستخبارات تمارس ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 عملياتها ضد الأهداف المطلوبة، أو التي هي محل اشتباه من قبلها على نطاق واسع وفي سرية تامة، بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية. ولعل حادثة خطف الملقب بـ"أبو عمر المصري" بتعاون وثيق بين عدة أجهزة استخبارية أوروبية، تشير إلى التعاون الوثيق بين هذه الأجهزة لمطاردة من تصفهم بالمطلوبين والخطرين.

وهذه الفرضية تفتح المجال واسعًا أمام تصور تعاون أو ائتلاف متعدد الجوانب يضم الثلاثي (أمريكا ـ إسرائيل ـ أوروبا) قد تلاقت إرادتهم جميعا على التخلص من هذه الشخصية المزعجة، وكان حصاد العملية نتيجة جهد ثلاثي متناغم من حيث التخطيط والاختراق والتنفيذ.

* هل تقف الصراعات الإقليمية وراء مصرع مغنية؟

في جانب الفرضيات المتعلقة بمصرع عماد مغنية، سنجد أن حزب الله قد بات نقطة تلاقي للعديد من الدول الإقليمية التي تتشابك علاقاتها في صورة تعاونية تارة وصراعية تارة أخرى، ونقصد بذلك سوريا وإيران ولبنان.

فحزب الله يعد الأداة والذراع الممتد إيرانيًا وسوريًا في الداخل اللبناني، معطلاً مجرى الحياة السياسية، ومتحديًا كل الأطروحات التي سعت لإيجاد مخرج للأزمة الخانقة في البلاد، وبقيت لبنان رهينة القرار السوري الإيراني. وكلتا الدولتين نجد لها حسابات أخرى إقليمية ودولية، ترتبط بصورة ما بالولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل.

ومن هنا يأتي السؤال الافتراضي: هل دارت الدائرة على حزب الله وقياداته، وبدأ العد التنازلي للتضحية به على مسلخ المصالح، التي لا تعرف صديقًا دائمًا ولا عدوًا يبقي كذلك أبد الدهر؟

وهل لتلك التسريبات حول رغبة إيران في قيادات جديدة لحزب الله أكثر قربًا وتفهمًا لمصالحها من القيادات الحالية السياسية، الممثلة في حسن نصر والعسكرية الممثلة ـ في جانب منها ـ في عماد مغنية، والتي ترى فيها ولاء للجانب السوري أكثر من الإيراني، دور خفي وراء الحادثة، وما قد يستتبعها من أحداث؟!

نعم قد تجد تلك الفرضية ما يدعمها في كون الوصول إلى مغنية، الملقب بـ"الثعلب" وتصفيته، لابد وأن يكون مصحوبًا بخروقات أمنية واسعة في صفوف حزب الله أو القوى الإقليمية القريبة منه، وتسهيلاً من بعض الأطراف المطلعة، وتطرح تساؤلاً ملغزًا عن كيفية الوصول لمغنية في غيبة من أجهزة الأمن والاستخبارات السورية، مع كونه الشخصية الأمنية الأهم في الحزب ـ أو على الأقل التي كانت الأهم ولا زالت تحظى بتأثير ـ، ولكنها مع ذلك تصطدم بعقبات قد تقف حائلاً دون الاسترسال فيها والوثوق بها، وتجعلها رهينة الانتظار ربما لسنوات طويلة، قبل أن تتكشف بعض الحقائق المتعلقة بالصراع في داخل حزب الله أو عليه.

* من يضع الفلفل الحار في أنف حزب الله؟!

أيضًا في جانب الفرضيات المتعلقة بحادثة الاغتيال، يأتي السؤال عمن يهدف إلى وضع الفلفل الحار في أنف حزب الله، ويجره مجددًا إلى مواجهة مع إسرائيل؟!

فهل ثمة أطراف إقليمية تسعى لإيقاد حرب وكالة جديدة بين حزب الله وإسرائيل من خلال الاستفزاز عالي النبرة، باستهداف قادة الحزب، ليأتي الرد متناسبًا مع الهدف، ثم تصب نتائج تلك المواجهات في مصلحتها بصورة أو أخرى؟! فالخدمات التي يقدمها حزب الله لبعض القوى الإقليمية، جعلت منه خادمًا لأسياد كثر، قد تتعارض مصالحهم أحيانًا وتتوافق أحيانًا أخرى، وعليه في كل مرة أن يدفع الثمن وعليهم في كل مرة كذلك أن يحصدوا الثمار.

فهل ثمة من يتعجل نمو الثمار ويرى في الشتاء القارص فرصة مواتية للبذر، حتى إذا ما أتى لهيب الصيف تكون الفرصة السانحة للحصاد؟!

يبقى القول في النهاية، إن اغتيال مغنية فتح الباب لاحتمالات لا تنتهي، وقد يكون من المبكر جدًا الاستقرار على فرضية واحدة أو الركون إليها باطمئنان. وبقدر تعدد تلك الفرضيات تتعدد كذلك السيناريوهات المتعلقة برد الفعل المتوقع من قبل الحزب، وبما يمكن أن تكون عليه تطورات الأحداث في المنطقة الحبلى بالأحداث المصيرية والخطيرة.

 



مقالات ذات صلة