التعاون الإيراني الأمريكي ضد من ؟

بواسطة شريف عبد العزيز قراءة 609

التعاون الإيراني الأمريكي ضد من ؟

الأربعاء 15 من ربيع الثاني1431هـ 31-3-2010م

 

شريف عبد العزيز  

بالأمس إيران الأولي  والبرتغال:

في أعقاب سقوط دولة الإسلام في الأندلس حصلت نقلة نوعية كبري في الصراع الأبدي بين أوروبا الصليبية والعالم الإسلامي، إذ ظهر خصم صليبي في غاية الشراسة وهو العدو البرتغالي الذي كان يحمل أجندة صليبية عتيدة في محاربة العالم الإسلامي، وله طموحات كبيرة وأمال جامحة تجاه الأمة المحمدية، أزكاها  التفوق البحري الكبير الذي عليه البرتغاليون، وكانت فاتحة القرن العاشر الهجري إيذاناً بانطلاق حركة الكشوف البحرية البرتغالية بغرض تطويق العالم الإسلامي، وذلك بالدوران حول القارة الإفريقية، والوصول لجنوب الخليج لمنازلة العالم الإسلامي من أسفله، وضرب اقتصاديات المسلمين في مقتل .

في تلك الفترة كان العالم الإسلامي يحكمه العشرات من الدول والممالك الإسلامية، ولكن أبرز تلك الدول  ثلاث قوي عالمية، تحكم معظم أرجاء العالم الإسلامي، الدولة العثمانية وتحكم آسيا الصغرى وأجزاء من أوروبا، ودولة المماليك وتحكم مصر و ليبيا والشام والحجاز واليمن، والدولة الصفوية وتحكم معظم الهضبة الإيرانية، وما عدا هؤلاء من الدول والممالك الإسلامية فمحدود الأثر، وليس له أهمية استراتيجية آنية عند أوروبا الصليبية، وإن كانت قد طالتهم  يد العداوة بعد ذلك .

البرتغال كانت لا تستر بمخططها الصليبي الخطير، وتعلنها صراحة أنها تريد اقتحام العالم الإسلامي من جنوب الجزيرة من أجل احتلال مكة والمدينة وهدم مقدسات المسلمين، ونبش القبر النبوي الشريف لسرقة الجثمان الطاهر للنبي صلي الله عليه وسلم، ومساواة المسلمين عليه من أجل تسليم بيت المقدس، وإعادة القسطنطينية مرة أخرى، وأطلقت من أجل ذلك الهدف الشرير حملة بحرية ضخمة بقيادة أشرس قادتها العسكريين الجنرال " ألفونسو البوكيرك "، ونجحت تلك الحملة في احتلال أجزاء عديدة من جنوب الخليج العربي .

المناطق المحتلة كانت تتبع الدولة المملوكية التي قد بلغ بها الضعف مبلغه، وعمها المفاسد والمنكرات وأصبحت لا تقوي علي رد عدو خطير وقوي مثل البرتغاليين، ولكنها أدت ما عليها ونازلت البرتغاليين عدة مرات في المحيط الهندي، وعند سواحل الكجرات غرب الهند، ولكن الهزيمة الشديدة التي نالها المماليك في معركة " ديو البحرية " قضت تماماً علي قوتهم، وأصبح لازماً تدخل الدولة العثمانية التي لم تستطع فعل شيء بادئ الأمر لتبعية الخليج للمماليك أولاً، وبعد المسافة ثانياً، ولكنها شرعت في الإعداد للأساطيل اللازمة لمواجهة الطغيان البرتغالي ووقف تهديداته .

في تلك الفترة العصيبة من حياة الأمة الإسلامية والتهديدات الخطيرة الموجهة لمقدساتها وأعز ما تملك، أين كانت الدولة الصفوية الشيعية ؟ وما كان دورها في مواجهة العدوان الصليبي ؟ وهي أقرب الدول جغرافياً من جنوب الخليج، وتمتلك قوة عسكرية كبيرة قادرة علي ردع البرتغاليين ؟

الجواب علي هذا السؤال يكشف لنا وبجلاء عن النفسية الشيعية تجاه العالم الإسلامي ومقدساته .

الشيعة ممثلون في الدولة الصفوية قرروا إزاء تلك النازلة وضع أيديهم في يد أعداء الأمة ـ البرتغاليين ــ  ودارت مراسلات ومكاتبات بين القائد البرتغالي " البوكيرك " و زعيم الدولة الصفوية ومؤسسها الشاه" إسماعيل بن حيدر الصفوي"  هذه عينة منها تكشف حقيقة الدولة الإيرانية الأولي، فقد أرسل البوكيرك مبعوثه الخاص " روي جوميز " سنة 915 هجرية  إلي الشاه إسماعيل الصفوي برسالة يقول له فيها : [ إني أقدر احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض علي بلاد العرب أو أن تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه علي امتداد الساحل الفارسي ]

كانت تلك المراسلات بين الشيعة والبرتغاليين قبل هزيمتهم القاسية  أمام العثمانيين في معركة جالديران سنة 920 هجرية، بعدها كان الشيعة أكثر تعاوناً مع البرتغاليين والذي وصل لذروته أيام الشاه عباس الكبير،و إذا كانت إيران الأولي أو الدولة الصفوية قد اختارت أن  تتحالف مع أشد وأخطر أعداء الأمة الإسلامية قديماً وهم  البرتغاليين، فإن إيران الثانية أو ما يعرف بالجمهورية الخومينية قد اختارت أن تتحالف مع رأس أعداء الأمة وزعيمة التحالف العالمي ضد المسلمين وهي أمريكا  .

مدخل لفهم العلاقة بين أمريكا وإيران

كثير من المسلمين ينخدع بشعارات الدعايات العدائية والهجومية المتبادلة بين إيران وأمريكا، ويظن أن إيران هي عدو أمريكا الأول في العالم،  بل إن هذا الخداع قد انطلي  علي كثير من المحللين والمراقبين، مما أوجد قاعدة شعبية لا بأس بها لإيران  داخل الدول العربية، كما يجب علينا ألا ننسي دور بعض الأقلام المأجورة ممن أغرتهم خزائن طهران ودولارات الحرس الثوري الذي ينفق ببذخ شديد علي كل  من يروج للمشروع الإيراني في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذه الأقلام المأجورة والمفتونة أسهمت كثيراً في تضليل الرأي العام، والتعمية علي خطورة المشروع الإيراني علي العالم الإسلامي .

وحتى نفهم طبيعة العلاقة بين أمريكا وإيران وأوجه الاتفاق والاختلاف بين الطرفين، لابد أن نعرف أن العلاقة بينهما قائمة علي المصلحة المحضة والأهداف المشتركة، وما الذي تريده أمريكا من إيران، وما الذي تريده إيران من أمريكا، وأين تتلقي العلاقة بينهما، وأين تقف .

ماذا تريد أمريكا من إيران ؟

أمريكا تريد من إيران عدة أمور، وإيران توافقها وتسايرها فيها لأنها توافق عندها رغبات وأحقاد دفينة،  علي رأسها وأهم أولوياتها إضعاف العالم الإسلامي السني، وإفشال أسباب وحدة أبنائه وشعوبه وحتى حكوماته، فأمريكا أفسحت المجال لإيران حتى تنشر الطائفية الدموية التي تنخر في كل بلد أفسحت أمريكا فيه المجال لإيران حتى تعبث فيه، مثل العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان واليمن، فإيران لم تتدخل بنشر الطائفية التي تفرق الصف وتزكي الصراعات وتحرك الأحقاد إلا بمساعدة أمريكا التي تولت تحييد كل القوي القادرة علي التصدي للطائفية الإيرانية أما حرباً كما هي الحالة في العراق وأفغانستان، وأما ضغطاً كما هي الحالة في باقي الأمثلة المذكورة .

أمريكا أيضا تريد من إيران تفتيت العالم الإسلامي بتزكية الصراعات الدينية والمذهبية فيه، وتحريك الأقلية الشيعية في كل مكان بالثورة والاضطرابات و المناداة بالانفصال، كما حدث مع الحوثيين في اليمن وشيعة الجنوب العراقي، وشيعة القطيف والإحساء، وشيعة الهزارا الأفغانية، وشيعة لبنان،  وهكذا نري أن أصابع إيران تعبث باستقرار ووحدة البلاد الإسلامية، وتساهم بأقصى جهد في تمرير مشروع أمريكا الخاص بتفتيت العالم الإسلامي خاصة الكيانات الكبرى فيه مثل السعودية ومصر والسودان واليمن والبقية تأتي .

أمريكا أيضا تريد من إيران أن تقوم بدور بعبع الدول العربية والإسلامية خاصة في منطقة الخليج، لتبقي دول المنطقة  أسيرة لدي الوجود الأمريكي في المنطقة، ويكون لدي حكومات هذه الدول المبرر اللائق لتواجد القوات الأمريكية بأحدث واقوي الأسلحة التي ترهق ميزانيات دول المنطقة، التي تدفع فاتورة الضيافة الأمريكية بأبهظ ما يكون من ثمن، وبالتالي يكون البعبع الإيراني وتهديداته المتواصلة للبحرين والإمارات وغيرها من دول المنطقة سبباً لنكبتين، الوجود الأمريكي بكل ما فيه من مفاسد ومنكرات، وإضعاف ماليات واقتصاديات الدول الإسلامية .

ولنضرب مثالاً

نهديه إلي من يقولون أن أمريكا وإيران أعداء عداوة الدم، وإلي المطبلين للبطولات الإيرانية في التصدي للشيطان الأكبر، وإلي جوقة التطبيع الإيراني من مثقفينا من ذوي الأصوات المسموعة والأقلام المقروءة،  فقد استضافت واشنطن هذا الأسبوع مؤتمراً ترعاه منظمة شيعية مشبوهة مدعومة مباشرة من إيران،  تسمي مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية تحت رياسة مطرود شيعي اسمه "علي اليامي "وحضره العديد الشخصيات المشبوهة مثل" أحمد صبحي  منصور"  زعيم فرقة القرآنيين المنحرفة  والفار إلي أمريكا منذ سنوات، والصحفي" لي سميث " صاحب كتاب الحصان القوي : السلطة والسياسة صراع الحضارات العربية، و"جاك بيرس" المسئول السابق في وزارة العدل، "فرزانة حسن" مديرة الاتصالات في منظمة الكونجرس الكندي الإسلامي، وهي منظمة مشبوهة لا تضم في عضويتها سوي 300 مسلم من أصل ثلاثة أرباع مليون مسلم بكندا، وتنادي بحظر الحجاب بين المسلمين بكندا .

هذه الزمرة المشبوهة اجتمعت هذا الأسبوع لمناقشة موضوع خطر الفكر الوهابي الذي تتبناه المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية علي العالم الحديث، قد عقدت فيه عدة حلقات بحث كان محورها الخطط العملية لإضعاف التطرف الديني السعودي، وفي بيان أصدره المؤتمر ندد فيه بالمملكة السعودية  في  تصدير إيديولوجيتها الوهابية المفزعة والقاتلة إلي كل ركن من أركان هذا الكوكب علي حد زعم واضعي البيان، مع توصيات خاصة لصانع القرار الأمريكي بخصوص التصدي للتطرف الديني السعودي، وكيفية التعامل مع المملكة السعودية بهذا الشأن .

وبعد هذا المثال نقول

هل يحق لأحد أن يزعم أن إيران وأمريكا عدوان، وكلاهما يتحالف ويتعاون ويستضيف وينسق من أجل محاربة الإسلام ممثلاً في الفكر السلفي الذي يمثل أقصى تحديات الصمود للمشاريع الأمريكية والإيرانية في المنطقة، وهل أمريكا تنعي علي السعودية ما يسمي بتصدير الفكر المتطرف، تغض الطرف تماماً أمام الممارسات الإيرانية التي لا تنقطع نحو تصدير مبادئ الثورة الخومينية، بل تدعمها وتؤيدها وتفسح لها الطريق، لما فيها من خراب عاجل للأمة الإسلامية، بل تغض الطرف نحو العربدة الإيرانية والتدخل السافر في شئون البلاد العربية بل أدني اعتراض أو حتى شجب من الطراز العربي .

أن هذه المؤتمرات وغيرها كثير ما هي إلا صورة من صور التعاون الوثيق بين أمريكا وإيران ضد العالم الإسلامي عامة والسعودية خاصة، خصم إيران التاريخي والديني والسياسي والعقبة الكؤود أمام إقامة دولة إيران الكبرى في المنطقة .

 



مقالات ذات صلة