نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء السابع

بواسطة قناة حركة التاريخ قراءة 916
نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء السابع
نظرات نقدية لبعض ما جاء في كتاب محمد بن المختار الشنقيطي : " أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية " من تحريفات وأخطاء فادحة وأبرزها تمجيد ماضي الرافضة الإمامية وافتعال بطولات كاذبة لهم في جهاد الصليبين. وتشويه رموز وقادة أهل السنة – الجزء السابع

وإذا كان الشنقيطي لا يتوقف عن التزوير المستمر في كل صفحات كتابه ، فلأنه اختار هذا المنهج الذي أشارت به أستاذته الماسونية " غريتشِن آدمز " في جامعة تكساس كما صرًح هو بذلك في مقدمة كتابه ص 14 . وأنها كانت توصيه دائما بقولها : ( من أجل بناء مستقبل جديد نحتاج إلى بناء ماض جديد ) ثم قال الشنقيطي بعد عبارة أستاذته أنه سيطبق هذا المنهج حرفيا فقال في ص 14 من مقدمته : ( وتلك رسالة هذا الكتاب على وجه التحديد ).ولذلك لا غرابة أن يرد التزوير والتحريف في كل صفحة وقد التزم بتنفيذ هذ المنهج في كتابه.
وتاريخ المسلمين عبر العصور مكتوب كما وقع في مصادره الصحيحة والموثوقة. والذين درسوه في العصر الحديث من عمالقة المؤرخين المسلمين ، وفتحوا لنا الباب للسير على طريقهم مثل : محمد مصطفى زيادة ، وعبدالعزيز الدوري ، وسعيد عاشور ، ومحمد عبدالله عنان ، وشاكر مصطفى ، وعماد الدين خليل ، وقاسم عبده قاسم ، وعبد الرحمن الحجي ، والسيد احمد دراج ، وغيرهم. درسوه طبقا لروح كل عصر ومقاييسه ومصطلحاته ، وفسروه واستخرجوا العبر والدروس المفيدة من حقائقه وفق هذا السياق ، ولم يحرفوا أو يبدلوا مثلما فعل الشنقيطي في كتابه هذا حتى يبني ماض جديد!!!
أما بناء تاريخ وماض جديد للمسلمين فلا يكون إلا بالتزوير والتحريف وتغيير حقائق التاريخ. وهذا يُحقق الهدف الماسوني الساعي للقضاء على الإسلام وتاريخه ورموزه.
من ص 174 حتى ص 179 يتحدث الشنقيطي عن وزير فاطمي كان يدين بالمذهب الشيعي الإمامي. ويقدّمهُ بوصفه نموذجاً للتقارب السني الإمامي أثناء الحروب الصليبية وأنه رجل دولة متمرس بذل جهداً جهيداً لحماية الساحل الشامي من الفرنجة، وإبقائه بيد الفاطميين. وذلك الوزير هو طلائع بن رزيك ، ذو الأصل الأرمني.
وقبل أن أعرض لكم بعض الاقتباسات مما كتبه الشنقيطي عن طلائع بن رزيك ، دعوني أعطيكم لمحة تاريخية صادقة عن طلائع بن رزيك. لأن الشنقيطي قدّمه بصورة وردية كاذبة تناقض الحقائق التاريخية الواردة عنه في المصادر الموثوقة.
كان الخلفاء الفاطميون منذ نشأة دولتهم في شمال أفريقية سنة 296 هجرية ، ثم احتلالهم مصر سنة 358 هجرية. قد روّجوا لعقيدة إسماعيلية باطلة ، مفادها أن الخلفاء الفاطميين معصومون. وهم بهذا يخالفون عقيدة الشيعة الإمامية الذين يحصرون العصمة في اثني عشر إمام. وقد حاولوا توطيد هذا الزيف ، في عقول الناس ، بالاحتفالات والموالد التي أقاموها والطقوس ومظاهر الأبهة التي ابتدعوها.
ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل هذه العقيدة الباطلة . في كتاب " دعائم الإسلام لابن حيون " الذي يسمونه القاضي أبو حنيفة النعمان المتوفى سنة 363 هجرية . وهو شخص آخر غير أبي حنيفة ، الميت سنة 150 هجرية ، صاحب المذهب السني المشهور.
وهذا الكتاب هو أساس عقيدة الإسماعيلية الباطلة ومذهبهم الفقهي. وهو موجود بالنت يمكنكم الاطلاع على زيفه وباطله..وهناك كتاب آخر اسمه سيرة المؤيد في الدين داعي الدعاة. وهو كبير دعاة الفاطميين في القرن الخامس الهجري والمتوفي سنة 470 هجرية. حيث كان يقود حركة الدعاة الإسماعيليين في العراق وفي بلاط البويهيين ، وزعم في كتابه هذا أنه اقنع الملك البويهي ابا كاليجار باعتناق العقيدة الإسماعيلية. وهو الذي خطط لحركة البساسيري ضد الخلافة العباسية في بغداد. وحاول أن يوقف الزحف السلجوقي بتجنيد القبائل العربية ضد السلاجقة ولكنه أخفق. وهذا الكتاب لم يعتمده الشنقيطي في حديثه عن ظهور السلاجقة ونهاية الدولة البويهية لذلك جاء حديثه عن هذا الموضوع مضطرباً. والكتاب موجود على النت ويمكنكم الاطلاع عليه.
وفي كتاب المؤيد هذا إشارات كثيرة على تصدع عقيدة عصمة الخلفاء الفاطميين . التي ما إن انتهى القرن الخامس الهجري حتى ذهبت تلك العقيدة أدراج الرياح بسيطرة الوزير الأرمني بدر الجمالي على الخلافة الفاطمية وورثه في منصب الوزارة ابنه الأفضل.
وأصبحت الخلافة الفاطمية ألعوبة في أيدي الوزراء وكان آخرهم - قبل طلائع بن رزيك - هو عباس الصنهاجي الذي قتل ، هو وابنه نصر ، الخليفة الفاطمي الظافر سنة 549 هجرية - ويعود سببها الى علاقة قذرة ربطت نصر بن عباس بالخليفة الظافر وافتُضِحت بين النخبة الفاطمية - ، ثم قتل عباس وابنه نصر اثنين من أخوة الخليفة الظافر ، هما يوسف وجبريل ، وأشاعا أن أخوي الخليفة هما اللذان قتلاه. وأحضر عباس ابن للخليفة في الرابعة من عمره اسمه عيسى ولقبه بالفائز ونصًبه خليفة. وقد حاول عباس وابنه الفتك بأسرة الخليفة كلها ، لكن أهل القاهرة ثاروا ضد عباس وابنه فهربا إلى الشام فقبض الصليبيون عليهما وقتلوا عباسا وأرسلوا ابنه نصر إلى نساء القصر الفاطمي في القاهرة ، مقابل ستين ألف دينار ، فأمرن بصلبه حيا على باب زويلة وتُرِك معلقا شهورا كثيرة ثم أُحرقت جثته بعد ذلك.
انظروا المصادر التالية : ابن الأثير ؛ الكامل ج 11 ص 191 - 192 ؛ أسامة بن منقذ ، الاعتبار ص 19 - 28 ؛ الأزدي أخبار الدول المنقطعة ، قسم الفاطما يحتلون مصر الضعيفة تحت حكمه ، ويطيحون باحلام ابن رزيك في الوزارة والخلافة.
ونور الدين لا يمكن أن يثق في ابن رزيك بعد سماعه بجرائمه ضد أولياء نعمته في القاهرة . كما أن نور الدين لم ينس أنه في سنة 543 هجرية وحّد علي بن وفا زعيم الإسماعيلية في الشام ، والتابع للفاطميين ، قواته مع قوات ريموند بواتييه أمير أنطاكية الصليبي وهاجموا حلب فتصدى لهما نور الدين وسحق قواتهما وقتلهما معاً في المعركة.
وهنا رأيتم كيف قدّم الشنقيطي طلائع بن رزيك . ولم يذكر شيئا البتة عن جرائمه وتصفياته للفاطميين ، بينما ظلم نور الدين - كما رأينا وشوه صورته - ، ونسبه زورا الى غير جده الحقيقي ، وزعم أنه قام بتصفية شاملة ضد كل الشيعة بدافع الثأر لجده المزعوم.
ولم يستطع الشنقيطي ان يقدم اسم مقتول شيعي واحد قتله نور الدين ، وألصق به تهمة التصفية الشاملة لأنه منع آذان الشيعة البدعي ومنع سبهم للصحابة علنا.

يين ص 105 - 106 ؛ أبو الفدا ، المختصر ج 3 ص 128 ؛ سعيد عاشور ، شخصية الدولة الفاطمية في الحركة الصليبية : في كتاب بحوث ودراسات في تاريخ العصور الوسطى ص 202 ؛ مسفر الغامدي ، الجهاد ضد الصليبيين ، ص 295 ؛ رنسيمان ج2 ص 590.
وقد أرسل نساء القصر الفاطمي إلى والي الأشمونين بالصعيد طلائع بن رزيك يستدعينه ليتولى الوزارة. فجاء طلائع ودخل القاهرة وتولىّ الوزارة سنة 549 هجرية/1154م. وتلقّب بلقب " الملك الصالح فارس المسلمين ". ولما تولىّ طلائع بن رزيك سار على نفس السيرة التي سار عليها اسلافة ، فقتل وأباد كبار القادة الفاطميين ، وذوي الرأي فيهم. وزاد على ذلك ، أنه لما مات الخليفة الفائز سنة 555 هجرية/1160م لم يلتزم بالتقاليد والرسوم المتبعة عند الفاطميين في اختيار الخليفة الجديد فأحضر صبيا عمره إحدى عشرة سنة وبايعه بالخلافة ولقّبهُ بلقب العاضد لدين الله. ولما سمع ضجة أهل القاهرة وفرحهم خارج أسوار القصر باختياره الخليفة العاضد ، سخر منهم باحتقار وقال : " كأني بهؤلاء الجهلة وهم يقولون ما مات الأول حتى أُستخلِف هذا ، وما علموا أني منذ ساعة استعرضهم استعراض الغنم " كما قال ابن الاثير. ج 11 ص 174 - 175. وانظروا أيضا: الازدي ، اخبار الدول المنقطعة ص 111 - 112 ؛ المقريزي ، الخطط ج1 ص 357 ؛ ابو المحاسن ، النجوم الزاهرة ج5 ص 338 - 339.
سعيد عاشور ؛ البحث السابق ص 203 ؛ مسفر الغامدي ، السابق ص 296.
ولم يلبث ابن رزيك حتى زوج الخليفة العاضد من ابنته حتى إذا انجبت ابنا من الخليفة العاضد يكون سبط طلائع هذا خليفة بعد أبيه فتجتمع لبني رزيك الخلافة والملك. ابو الفدا ، المختصر ج3 ص 37 ؛ جمال الدين سرور ، الدولة الفاطمية في مصر ص 126. وظل ابن رزيك يمارس سياسة الاستبداد والتسلط والقهر ضد الأمراء ورجال الدولة الفاطميين ، حتى شعر الخليفة العاضد بثقل وطأة كابوس حميه طلائع بن رزيك على نفسه ، فدبر مؤامرة مع بقية الأمراء للخلاص منه وتمكنوا من قتله سنة 556 هجرية/1160م.
هذه هي الصورة التاريخية الحقيقية للوزير طلائع بن رزيك كما جاءت في مصادر التاريخ الموثوقة.
أما الصورة الاخرى التي صنعها الشنقيطي لطلائع بن رزيك طبقاً لمنهج استاذته " غريتشن أدمز " الذي علمته له ( من أجل بناء مستقبل جديد نحتاج إلى بناء ماض جديد ). فهي قوله ص 174 ما نصه : ( فإذا انتقلنا من الشام إلى مصر ، فسنجد مظاهر للتقارب السني الإمامي أثناء الحروب الصليبية. ومن أمثلته ما ظهر على يد الوزير الإمامي طلائع بن رزيك الذي تولى الوزارة للفاطميين بمصر سنة 549 هجرية/1154م وهي السنة ذاتها التي استولى فيها نور الدين على دمشق ، فوحّد بلاد الشام تحت رأيته ).
وفي الصفحة التالية 175 يقول الشنقيطي ما نصه ( كان طلائع بن رزيك شاعرا مفلقا ورجل دولة متمرسا ، وهو آخر الوزراء الأقوياء في تاريخ الدولة الفاطمية وقد أثنى المؤرخون السنة على ذكائه وشجاعته...) وهنا تجدون التزوير والتدليس الفاضح حيث أن أولئك المؤرخون المسلمين وهم يتحدثون عن ابن رزيك يوردون اسمه كاملا مع الألقاب التي تلقب بها مثل " فارس المسلمين " ومرادفاتها كفارس الدين. فيحذف الشتقيطي من كلامهم اسمه واسم ابيه ويُبقي على اللقب الذي تلقب هو به " كفارس المسلمين ". وكأن الوصف من جانب المؤرخين السنة ، وليس اللقب الذي تلقب به . أي تدليس وتزوير مارسه هذا الشخص حتى يبني ماض جديد.
ثم يقول في ص 175 ما نصه : ( وقد بذل ابن رزيك جهدا جهيدا لحماية الساحل الشامي من الفرنجة ، وإبقائه بأيدي الفاطميين ).
وهذا كذب فاضح من يقرأه وهو لا يعرف التاريخ يظن أن ساحل الشام كله بأيدي الفاطميين ولم يفقدوا منه شبر واحد لحساب الصليبيين . بينما الحقيقة أن ساحل الشام كله - زمن وزارة ابن رزيك - كان بأيدي الصليبيين من فرنجة ونورمان وغيرهم من أمم الغرب ، من اسكندرونة شمالا وحتى غزة جنوبا. ولم يبق بيد الفاطميين من هذا الساحل الطويل ولا حبة رمل واحدة. فقد احتل الصليبيون آخر معقل للفاطميين على الساحل الشامي وهو عسقلان قبل عام واحد من وصول ابن رزيك لمنصب الوزارة. وكانوا قد احتلوا غزة قبل عسقلان.
ولم يقتلع الصليبيين من هذا الساحل إلا الأبطال الأربعة. صلاح الدين ، والظاهر بيبرس ، وقلاوون ، وابنه خليل بن قلاوون.
وفي الصفحات 175 - 179 يورد الشنقيطي أشعارا لابن رزيك يحث فيها نور الدين على غزو الصليبيين. وما ذلك الا بسبب ان الصليبيين بزعامة عموري ملك بيت المقدس أخذ يهددون بغزو مصر التي أصبحت في متناول أيديهم بعد احتلال عسقلان ، .وقد هددوا فعلا بغزو مصر واحتلالها ، وعندئذ أرسل طلائع بن رزيك الى الصليبيين يتعهد بدفع جزية سنوية لهم قدرها مئة وستين ألف دينار سنويا مقابل عدم غزوهم له. انظروا : سعيد عاشور ؛ الحركة الصليبية ج 2 ص 661 نقلا عن وليم الصوري ، وميخائيل السرياني. فأين البطولة في هذا الوزير حسب زعم الشنقيطي؟؟؟؟؟
أما هدف ابن رزيك من أشعاره تلك فهي أن يغري نور الدين بمواصلة الضغط على الصليبيين حتى لقناة حركة التاريخ.
وفي نهاية حديث الشنقيطي عن الوزير الفاطمي الإمامي طلائع بن رزيك وبعد أن رسم صورة بطولية كاذبة له ، وهو الذي تعهد للصليبيين بدفع جزية سنوية لهم مقدارها مئة وستين ألف دينار مقابل عدم غزوهم لمصر الفاطمية الخاضعة له كما ذكرنا آنفا. ختم حديثه عنه في صفحة 179 بقوله : ( فما يهمنا هنا هو ما حملته دعوات ابن رزيك - الشعرية - من دلالة على التقارب السُنّي الإمامي الذي نتج عن التحدي الصليبي )!!! وغاب عن هذا المزور العجيب للتاريخ أن مفهوم التقارب لايكون إلا من جهتين . وقد رأينا أن أشعار ابن رزيك ذهبت أدراج الرياح ، ولم تؤثر في نور الدين بن زنكي ولم يعرها اهتماما ، لأنه عاصر ابن رزيك وعرف وسمع بحقيقته وسيرته على أرض الواقع التاريخي كما أثبتناها آنفا.
وفي نهاية الفصل الثالث الذي جعله الشنقيطي بعنوان: اكتشاف وحدة المصائر : السنة والشيعة الإمامية في مواجهة الفرنجة. والذي زوّر فيه التزوير الذي فضحناه - فيما سبق - بالتفصيل فجعل من ابن عمار الذي خان المسلمين زمن الحملة الصليبية الأولى، وأنقذ بخيانته المشروع الصليبي برمته من الدمار في وقت مبكر. جعل منه بطلاً صلباً ورمزاً في نفوس عامة المسلمين. ووصف خياناته المفجعة بالشوائب!!!
ووصف ابن الخشاب ، في ص 17 بأنه ، هو الذي عبأ الجيش التركي السني الذي جاء به إيلغازي بن ارتق من ماردين. ولم يُقدّم سندا البتة من مصدر أصلي لهذه الفرية المخادعة. إذا أن المصادر الأصلية تنص على أن إيلغازي هو الذي حشد من منطقة عاصمته ماردين أكثر من عشرين ألف من التركمان ، انظروا : ابن الأثير ؛ الكامل ج 10 ص 553 - 555 ؛ تاريخ ابن القلانسي ص 200 ؛ ابن العديم ، زبدة الحلب ج 2 ص 187 - 190 طبعة سامي الدهان.
وأمكنه أن يحشد أعداد أخرى من العرب والأكراد بقيادة أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي ، والامير طغان أرسلان صاحب بدليس وأرزن في كردستان. انظروا : ابن ألأثير ، الكامل ج 10 ص 553 - 554 ؛ ابن العديم ، زبدة الحلب ج 2 ص 190 ؛ الذهبي ، دول الإسلام ج2 ص 40 ؛ ابن كثير ، البداية والنهاية ج 12 ص 184 .
فسلب الشنقيطي مجد النصر سنة 513 هجرية من إيلغازي بن ارتق - الذي خاض المعركة بنفسه وتركمانه وحلفائه من العرب والأكراد - ومنح مجد النصر لإبن الخشاب. علما أن ابن الخشاب مجرد واحد من سكان حلب ، بينما إيلغازي هو أميرها منذ أن استولى عليها قبل سنتين أي سنة 511 هجرية ومن الطبيعي أن يدافع عنها باعتبارها الجناح الغربي لإمارته. انظروا : عماد الدين خليل الإمارات الأرتقية في بلاد الشام والجزيرة ص 234 - 235 .
كما زعم لابن الخشاب الفضل في استدعاء آقسنقر البرسقي وإنقاذ حلب ، بينما ترجمة آقسنقر البرسقي في بغية الطلب لابن العديم " وهو مصدر أساسي لتاريخ حلب وزبدة الحلب مجرد تلخيص منه، وهذا المصدر لم يستخدمه الشنقيطي البتة " في ترجمة البرسقي المفصلة في بغية الطلب يذكر ابن العديم أن ابن الخشاب مجرد عضو في الوفد الذي أرسله أهل حلب للبرسقي!!!
ويعرض الشنقيطي في نهاية الفصل الثالث ما سمّاه استثناءين للتقارب السني الإمامي.
الاستثناء الأول هو دبيس بن صدقة. ويقدمه بمفرده كاستثناء ولا يذكر حقيقة أنه جاء من العراق ومعه آلاف مؤلفة من الشيعة الإمامية بهدف التحالف مع الصليبيين واحتلال حلب لتصبح إمارة شيعية إمامية تابعة للنفوذ الصليبي بعد أن اشتد ضغط الخلافة العباسية والسلطنة السجوقية على دبيس وشيعته الإمامية في العراق بعد أن أخافوا السبيل وقطعوا الطريق!!! وللمزيد من التفاصيل عن علاقة دبيس بن صدقة بالخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية ومحالفاته للصليبيين. انظروا .د. مسفر سالم الغامدي : الجهاد ضد الصليبيين ، ص 66 - 81 .
ثم يشرح الشنقيطي قصة صدقة مع حلفائه الصليبيين ومع اهل حلب لكنه لا يذكر الآلاف من اتباعه الإمامية الذين كانوا معه. فكيف يكون واحد أو اثنين من الإمامية قاعدة للتقارب السني الشيعي ضد الصليبيين ويكون الآلاف الذين حاربوا معهم ضد أهل السنة هم الاستثناء؟؟؟؟؟
لا عجب إنها مقاييس خمينية خالصة.
أما الاسثناء الثاني الذي قدمه الشنقيطي ، فهو خضوع شيعة جبل عامل في لبنان للصليبيين - وهم أجداد حسن نصرالله ونبيه بري وحزبيهما - حيث خضعوا للصليبيين منذ الحملة الأولى وحتى زوال الصليبيين على أيدي بيبرس وقلاوون وابنه خليل ، وكانوا في مستوى واحد مع الموارنة ، في النصح للصليبيين وخدمتهم وإنتاج الحبوب والفواكه والخضروات لهم ومد الصليبيين بالمؤن وكل الدعم لهم في حروبهم ضد المسلمين . وقد أورد الشنقيطي قصة تحالفهم مع الصليبيين سنة 552 هجرية وهجومهم على بانياس عاصمة الجولان وهزيمتهم الساحقة أمام جيش نور الدين - وحاول تبرير هذا الاستثناء الذي زعمه معتمدا على ما كتبه أحد الكُتّاب اللبنانيين الشيعة ، ولعله من الضاحية الجنوبية في بيروت ، واسمه جعفر المهاجر. وكتابه بعنوان " التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسورية " ومنهجه هو نفس منهج التزوير الذي اتبعه الشنقيطي في كتابه هذا بينما أغفل الشنقيطي عشرات المصادر الأصلية وعلى رأسها أكبر وأوسع تسجيل تاريخي للدولة الأيوبية وهو " مفرج الكروب في أخبار بني أيوب " لابن واصل ، والواقع في ستة أجزاء .
وقد ختم الشنقيطي فصله بالحديث - نقلا عن جعفر المهاجر ، الذي يتضح لكم من عنوان كتابه " التأسيس لتاريخ الشيعة في سورية ولبنان " أنه يبحث عن وجود تاريخي مؤثر لطائفته. فقد نقل عنه - ما زعمه - قائد من قادة صلاح الدين اسمه حسام الدين بشارة. وقال بأنه شيعي إمامي من جبل عامل. ولم نسمع -نحن المختصون في التاريخ الأيوبي - بهذا الاسم ، ولم يرد الاسم في اوسع مصدر عن تاريخ بني ايوب وهو " مفرج الكروب.." لابن واصل. ولا غيره من المصادر الأصلية التي أغفلها الشنقيطي.
كما لم يرد هذا الاسم المزعوم في الدراسات العلمية المتخصصة التي انصبت على جيش صلاح الدين - والتي لم يطلع عليها الشنقيطي - مثل:

1- بحث أ.د/سعيد عاشور : البنية البشرية لجيش صلاح الدين.

2- د. محسن محمد حسين : الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين : تركيبه ، تنظيمه ، اسلحته ، بحريته، وأبرز المعارك التي خاضها.

3- د. نظير حسان سعداوي ، وله كتابان في جيش صلاح الدين هما : التاريخ الحربي المصري في عهد صلاح الدين ؛ جيش مصر في أيام صلاح الدين.
فما من قائد من قادة صلاح الدين إلا وحفظت المصادر دوره وانجازاته في تاريخ الجهاد ضد الصليبيين. ولايمكن تزوير التاريخ واختراع قادة لا وجود لهم في الواقع التاريخي . وأي تزوير سرعان ما ينكشف مثلما كشفنا هنا تزوير الشنقيطي في كتابه هذا!!!

الفصل الرابع من كتاب الشنقيطي عنوانه : ( قبول ما ليس منه بد : السنة والشيعة الإسماعيليةفي مواجهة الفرنجة ). ويبدأ من ص 187 من كتابه.
وبيّن في الفقرة الأولى من تلك الصفحة ما الذي سيتناوله في فصله. وهو موضوع قُتِلَ بحثاً في بحوث ورسائل وكتب أُنجّزت في عالمنا العربي قبل أن يُقدّم الشنقيطي رسالته في جامعة تكساس.
وفي الفقرة الثانية ، ص 187 ، يُبدي الشنقيطي ، مرة أخرى ، شغفه وهيامه بأراء المستشرقين - كما رأينا في مقدمته ومدخله وصفحات سابقة من كتابه - فيقول ما نصه : ( لم يشخِّص مؤرخ دور الدولة الفاطمية وموقفها أثناء الحروب الصليبية بأبلغَ وأوجزَ مما شخَّصهما به المؤرخُ الفرنسي رينيه غروسيه حين وصف الفاطميين بأنهم " بيزنطيُّو الإسلام " Byzantines de l' Islam . وتتمثل دقة هذا الوصف في وجود أوجه شبه عميقة بين الفاطميين والبيزنطيين آنذاك. فقد كان الفاطميون الشيعة يرفضون الخضوع للخلافة العباسية السنّية ، ويرون أنفسهم الورثة الشرعيين لرسالة الإسلام ولسلطة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكان البيزنطيون الأرثوذوكس يرفضون الخضوع لسلطة بابا روما ، ويرون أنفسهم الورثة الشرعيين للإمبراطورية الرومانية وللعقيدة المسيحية ).
وهذا التوصيف من جانب غروسيه والتأييد المطلق ، والإعجاب البالغ من جانب الشنقيطي باطل من وجوه كثيرة وساقط في ضوء الحقائق والمعطيات التالية:

1-  الإسلام ليس فيه كهنوت حتى يتم تشبيهه بكهنوت الكنيسة الغربية والرومية. فهو عقيدة وشريعة ، دين ودولة ، إيمان وعمل ، حضارة وثقافة....الخ ولكن الشنقيطي انطلق من قبول هذا التوصيف والشغف به من اللوثة التي أصابت عقله وفكره من الكهنوت الصفوي الخميني ، الذي يشابه الكهنوت الذي كان سائدا في أوربا وبلاد الروم خلال عصورهم الوسطى.
فـ"البابا" يقابله "آية الله العظمى".
والكاردينال يقابله "آية الله" " بدون عظمى "
و"الأسقف" يقابله "حجة الإسلام".....الخ.
ومجلس الكرادلة الذي يختار البابا يقابله مجلس الخبراء الذي يختار المرشد.

2- الخلافات بين روما وبيزنطة كانت خلافات على مسائل فرعية وليست على اساس العقيدة الشركية التي صاغها مجمع نيقية الكنسي سنة 325م والتي تتفق عليها روما وبيزنطة.
في حين كان يدين عامة المسلمين زمن الخلافة العباسية بالعقيدة الإسلامية رغم الكثير من الشطحات الصوفية والاشعرية وغيرها.
اما عقائد الدولة الفاطمية فهي مستمدة بالأساس من العقائد والوثنيات السابقة وعلى رأسها المجوسية واليهودية. وقد حكم عليها أئمة الاسلام بالبطلان وعلى رأسهم الإمام النابلسي الذي سلخه الفاطميون حياً ، وابن حزم الظاهري ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ عبد العزيز بن باز . وغيرهم كثير.

3- رينيه غروسيه مغرض في كتابه عن تاريخ الحروب الصليبية فقد طعن - مثلما فعل الشنقيطي في كتابه هذا - في صدر الإسلام ، وفي الفتوحات الإسلامية. وفوق هذا وذاك فقد كتب كتابه هذا عن الحروب الصليبية إبان الإحتلال الفرنسي لبلدان المغرب العربي ، وتلوّن كتابه بالروح الإستعمارية ، لدرجة أنه صاغ تاريخ الحروب الصليبية وكأنها من منجزات فرنسا الحضارية في العصور الوسطى متناسيا التاريخ الدموي لتلك الحروب التي دامت على أرض بلاد الشام مدة قرنين من الزمان.

4- معظم المؤرخين الغربيين وعلى راسهم غروسيه يقيسون التاريخ الإسلامي بمقاييسهم الغربية ويحكمون على حوادثه واشخاصه ورموزه بمنظور عقائدهم وثقافتهم وتراثهم.

5- شخصية الدولة الفاطمية في الحروب الصليبية شخّصها وفسرها تفسيرا علميا رصيناّ أستاذنا الكبير سعيد عبدالفتاح عاشور - رحمه الله تعالى - في بحث أنجزهُ - ربما قبل أن يُولد الشنقيطي - بعنوان " شخصية الدولة الفاطمية في الحركة الصليبية ". ونشرته مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. في المجلد رقم 16 من ص 15 حتى ص 66 ، سنة 1969م. وأُعيد نشر هذا البحث في كتابه : بحوث ودراسات في تاريخ العصور الوسطى. من منشورات جامعة بيروت العربية ، سنة 1977م من ص 165 حتى ص 223 من الكتاب. وقد أوضح الأستاذ عاشور في آخر صفحة من بحثه هذا نتيجة مهمة من نتائج الحروب الصليبية.
فقال ما نصه : ( وإذا كنا نعتبر سقوط الدولة الفاطمية وقيام الدولة الأيوبية أهم النتائج السياسية الكبرى التي تمخضت عنها الحركة الصليبية...فإن هذه الحركة ذاتها دخلت دوراً نشطاً حافلاً بالحوادث بقيام دولة بني أيوب في حكم مصر والشام ).
وقد غابت هذه النتيجة الباهرة عن الشنقيطي لأنه لم يكن يبحث عما كتبه الرائد سعيد عاشور ، رائد دراسات الحروب الصليبية ، بل كان يسعى إلى ما كتبه شيعة جنوب لبنان وما كالوه لصلاح الذين من شتائم وعبارات نابية.

ومعظم ما كتبه الشنقيطي في فصله الرابع يسوده الخلط والاضطراب. ولا يتطابق تماما مع عنوانه " السنة والشيعة الإسماعيلية في مواجهة الفرنجة ". حيث تحدث فيه باسهاب عن موضوعات لا علاقة لها بعنوان فصله الرابع. فمثلا :
ما علاقة محاولات الباطنية الإسماعيلية اغتيال صلاح الدين بالفصل ؟؟؟؟؟؟؟
وما علاقة اغتيالات الباطنية الأخرى بالفصل؟؟؟؟
وما علاقات المراثي الشعرية الطويلة - التي أوردها الشنقيطي - للشاعر عمارة اليمني في رثاء الدولة الفاطمية بمواجهة الفرنجة؟؟؟؟؟؟. فالشاعر عمارة اليمني بكى الدولة الفاطمية ورثاها بألم وتوجع بسبب المكانة التي حازها زمن تلك الدولة ، والهبات والعطايا الباذخة التي كان يحصل عليها من خلفاء ووزراء ووجهاء الفاطميين. لذلك لاعجب أن يرثيهم ، ولا عجب أنه شارك في أول مؤامرة قام بها بقايا تلك الدولة ، وتحالفوا مع النورمان الصليبيين في صلقية لاسقاط صلاح الدين وإحياء الدولة البائدة.
إضافة أن الشنقيطي لم يستطع أن يبرز المواجهات التي جرت فعلا على أرض الواقع ، بين الفاطميين والصليبيين ، مثلما فعل الأستاذ الدكتور سعيد عاشور في بحثه عن شخصية الدولة الفاطمية في الحركة الصليبية ، لأن الشنقيطي أهمل مصادر أساسية وأصلية عن الموضوع.
وفي ص 201 من كتاب الشنقيطي ، وهو يُمهد للحديث عن تدخُّل نور الدين العملي في مصر وضمها للجبهة الإسلامية المتحدة، يبدأ بالتزوير ، والمخادعة ، والإساءة المقيتة مرة أخرى لنور الدين. فيقول في ص 201 ما نصه : (...ضاقت خيارات الفاطميين كثيرا. لقد مضت الأيام الخوالي التي كانوا فيها قادرين على المناورة والتحريش بين الفرنجة المسيحيين والأتراك السُنَّة ، كما فعلوا ، أثناء حصار أنطاكية. فلم يعد أمام الفاطميين بعد أن تمخَّضت المواجهة بين نور الدين والفرنجة سوى عن أحد خيارين أحلاهما مر من وجهة النظر الفاطمية : الخيار الأول هو التخلي عن دولتهم وعقيدتهم الإسماعيلية، والقبول بالانضواء تحت الراية السُنّية التي يحملها نور الدين، وهو رجل لا يخفي مقته للفاطميين، وولاءه لخصومهم العباسيين. والخيار الثاني هو التحالف المفتوح مع الفرنجة ، والمخاطرة بخسارة مصداقيتهم الدينية والسياسية لدى شعبهم ، بل وسقوط مصر في أيدي الصليبيين وداعميهم من البيزنطيين والأوربيين ).
ويحوي هذا النص مخادعتين خطيرتين - لن ينتبه لها القارئ العادي لانه غير متخصص في التاريخ ، ولا يستطيع قراءة ما وراء السطور -.

فالمخادعة الاولى أن الوفد الفاطمي الذي أرسله الفاطميون إلى الصليبيين وهم يحاصرون أنطاكية لم يرسلوه للتحريش بين الصليبيين والأتراك السنّة - كما زعم الشنقيطي - . وإنما أرسلوه للتحالف مع الصليبيين ضد السلاجقة السنة. انظروا بحث .د. سعيد عاشور ؛ شخصية الدولة الفاطمية في الحركة الصليبية ؛ في كتاب بحوث ودراسات في تاريخ العصور الوسطى. ص 170 - 171 .
وأيضا ذكر الشنقيطي في كتابه هذا أنه ذهب الى دمشق وقابل الدكتور سهيل زكار وأفاد منه. كما أن الموسوعة الشامية في تاريخ الحروب الصليبية التي نشرها زكار ضمن مراجع الشنقيطي كما هو واضح في ص 280 .
فلماذا لم يقرأ رواية المؤرخ الألماني ، التي ترجمها زكار - وهذا المؤرخ معاصر للحروب الصليبية - وهو ، أوتّو أوف فرايزنجين الذي نص في تاريخه على أن رئيس الوفد الفاطمي : (تحدث مع ريموند الصنجيلي عن السلاجقة بشكل خياني)؟؟؟؟؟؟؟
أما المخادعة الثانية - وهي الأخطر - فهي زعمه أن تحالف الفاطميين مع الفرنجة فيه مخاطرة بخسارة مصداقيتهم الدينية والسياسية لدى شعبهم.
فمتى كان - أصلاً - للفاطميين مصداقية دينية وسياسية في تاريخهم كله؟؟؟؟؟؟؟. ففي قمة قوتهم وسطوتهم وجبروتهم حين جاء المعز الى مصر سنة 358 هجرية. أعلن المعز أنه ما جاء إلا لصد عدوان الروم المتمادي على بلاد المسلمين - وكأنه بذلك يضع السابقة التاريخية للهالك خميني الذي منذ جاء وهو يعلن أن نظامه سوف يحرر القدس وفلسطين. وابتدع يوم القدس في آخر جمعة من رمضان. ولكن لم ير المسلمون الا احتلال بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء ومذابح لا تُحصى في هذه البلاد وتشريد شعوبها.
فقد اعلن المعز أنه جاء للجهاد ضد الروم وصدهم عن بلاد المسلمين واسترداد ما احتلوه من مناطق شاسعة من ديار الاسلام. وكان الروم حينذاك قد احتلوا من المسلمين جزيرتي كريت وقبرص وكل الثغور الإسلامية الواقعة جنوب جبال طوروس وكل الثغور الإسلامية في شرق آسيا الصغرى والجزيرة الفراتية والثغور الإسلامية الأرمنية ، وفيها مئات المدن والقلاع والحصون ، وقد تم ذلك الاحتلال خلال حكم البويهيين الشيعة الإمامية في العراق وسبب سقوط هذه المناطق المناطق والثغور ، أن البويهيين الشيعة الإمامية أهملوا تموين الثغور وقطعوا المدد عنها ، واكتنزوا الاموال والخيول المطهمة لانفسهم وكدسوا الثروات الطائلة تحت حوزتهم واستولوا على الأوقاف المرصودة للثغور . وأقراوا تفاصيل كل هذا في الجزء الأول من بغية الطلب لابن العديم - الذي لم يعتمده الشنقيطي - وقد خصص ابن العديم هذا الجزء كله لتاريخ الثغور الشامية فقط وسقوطها بيد الروم واكتناز البويهيين للاموال والخيول!!!!
كما احتل الروم انطاكية سنة 358 هجرية وهي في نفس السنة التي احتل فيها الفاطميون مصر وأخضعوا حلب لحمايتهم في السنة التالية 359 هجرية وتوغلوا في الشام واحتلوا منه مناطق كثيرة ، حتى أجبروا دمشق على دفع الجزية.
وكان في مقدور الخليفة الفاطمي المعز استرداد كل ما احتله الروم من بلاد المسلمين ، لأنه جاء من شمال أفريقية بجيوش لا حصر لها. فقد وصف المقريزي جيش المعز بقوله : " إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الأسكندر المكدوني أكثر من جيش المعز " . انظروا نص المقريزي في كتابه ؛ الخطط ؛ ج2 ، قسم 1 ؛ ص 44 طبعة المعهد الفرنسي، القاهرة 1913 - 1922م. كما قدّر ناصر خسرو عدد افراد هذا الجيش بمائتين وخمسة عشر ألفا ، منهم مائة وخمسة عشر من الفرسان ومائة ألف من المشاة. انظروا ناصر خسرو ؛ سفرنامة ؛ ص 94 - 95 . ترجمه من الفارسية يحيى الخشاب ؛ طبعة بيروت 1970م. ولم نقرأ عن المعز وجيشه وقادته ومن جاء بعده من خلفاء وقادة الا المذابح والتنكيل بأهل الشام طوال قرن من الزمان - وهو ما وضحناه سابقا - مما أضعف تلك البلاد فوقعت بسهولة في أيدي الصليبيين!!!
فإذا كان المعز - اقوى الخلفاء الفاطميين وأشهرهم - ليس له مصداقية لا دينية ولا سياسية فلم يرم بسهم في وجه الروم كما وعد وأشاع . فهل تنتظرون من شاور وضرغام تلك المصداقية؟؟؟؟؟
أما إساءة الشنقيطي لنور الدين محمود بن زنكي . فلم يكتف بما كتبه في ص 165 - 169 . من نسبة نور الدين - زورا وبهتانا - لغير نسبه حين جعل جده آقسنقر البرسقي . وهو لا يمت له بصله لأن جده الحقيقي هو آقسنقر الحاجب الذي مات قبل البرسقي ب 33 سنة واتهامه له بتصفية الشيعة تصفية شاملة بدافع الثأر والانتقام . دون ان يستطيع الشنقيطي ان يثبت من تلك التصفية الشاملة المزعومة إلا منع الشيعة من آذانهم البدعي ومنعهم من سب ولعن الصحابة علنا.
لقد عاد الشنقيطي لتكرار الإساءة الى نور الدين في ص 201 حتى تبقى راسخة في ذاكرة من لا يعرف بدقة تاريخ هذه الحقبة فقال ص 201 ما نصه : ( أما نور الدين فقد عرضنا في الفصل الثاني بعض أوجه الاضطهاد التي مارسها ضد الشيعة الإمامية في حلب ، ويبقى أن نقول هنا إنه كان أشد مقتأ للشيعة الإسماعيليه ، وأحرص على هدَّ أركان دولتهم الفاطمية في مصر. ففي هذا الأمر تلاقت الإرادة السياسية لنور الدين الساعي إلى طاعة الخليفة العباسي مع رغبته الشخصية في الانتقام من الإسماعيلية. ولا ننسى أن الإسماعيليين الحشاشين هم الذين اغتالوا جده آق سنقر أمير الموصل وهو يحاول أن يفتح أبواب الشام للسنّة الأتراك القادمين من الموصل ) حقد أسود على نور الدين لا يشبهه إلا ذلك الحقد الذي أبداه أفراد الحرس الثوري الإيراني الإرهابي وهم يهدمون جامع نورالدين " الجامع النوري " في الموصل.
ويكفي ان نشير هنا الى ان آقستقر الحاجب جد نور الدين ووالد والده زنكي ، تجدون ترجمته في بغية الطلب لابن العديم؛ ج 4 ص 516 - 526 وبعده في الصفحة التالية من 528 - 537 ترجمة آقسنقر البرسقي الذي قتله الباطنية سنة 520 هجرية والذي جعله الشنقيطي والد عماد الدين زنكي وجد نور الدين حيث فسّر سياسته إزاء الشيعة من إمامية وإسماعيلية بالثأر والحقد والانتقام لمقتل جده المزعوم . علما أن عماد الدين زنكي أكبر سناً من آقسنقر البرسقي وخدم طويلا في جيش الموصل طوال أكثر من 30 سنة قبل ولاية البرسقي عليها.
وقد يقول صاحب هوى ممن يدافعون عن الشنقيطي أنه أخطأ او أهمل في عدم الاطلاع على بغية الطلب ، والتاريخ الباهر لابن الأثير، ومفرج الكروب لابن واصل.
فنقول له لقد استخدم الشنقيطي الكامل لابن الاثير ، وزبدة الحلب لابن العديم . وفيهما التوضيح الكامل ان عماد الدين بن آقسنقر الحاجب المتوفى سنة 487 هجرية.
ليس هذا فحسب بل إن الشنقيطي استخدم كتاب رنسيمان كما هو واضح في مراجعه في ص 287
وفي نهاية كل جزء وضع رنسيمان كشافا للاعلام مرتبا ترتيبا ابجديا
ففي ج 2 جاء أسم آقسنقر الحاجب. فوضع رنسيمان للتوضيح بين قوسين عبارة ( والد زنكي )
ثم ذكر أنه مر معه في صفحتين فقط. لانه مات قبل قيام الحروب الصليبية.
ثم اورد بعده مباشرة اسم آقسنقر البرسقي الذي اغتاله الباطنية. ومر مع رنسيمان في صفحات كثيرة من الجزء الثاني.
وهنا أقول أن مناقب نور الدين لا يمكن أن تُغطّى بإساءات الشنقيطي له.
وهناك منقبة واحدة لنور الدين تفوق كل المناقب التي يمكن أن يتصورها الشنقيطي للدول الشيعية بدءاً من دولة القرامطة وحتى دولة الهالك خميني . وتلك المنقبة هي ان نور الدين أمر نائبه على مصر صلاح الدين بإبطال المكوس والضرائب المجحفة التي كان يفرضها الفاطميون على الناس من تجار وحرفيين ومزارعين وأيضا على الحجاج وكان مقدارها 45% .
وانظروا التفاصيل في بحث الدكتور أيمن فؤاد سيد وعنوانه " النظام الضرائبي للفاطميين في مصر " . منشور في كتاب : سعيد عاشور ، إليه في "عيد ميلاده" السبعين. بحوث ودراسات في تاريخ العصور الوسطى ، بأقلام نخبة من تلاميذه ومريديه. مركز النشر لجامعة القاهرة 1992م. من ص 279 - 311 .

الحقيقة التي لامراء فيها : أنه لو جاء طالب علم لا يعرف شيئا في تاريخ الحروب الصليبية وأراد ان يعرف شيئاً عنها وقرأ بحسن نية كتاب الشنقيطي هذا ، فإنه سيخرج بحصيلة من المعلومات المغلوطة ، والتحليلات الخاطئة ، والاستنتاجات الزائفة.
وقد رأينا أمثلة كثيرة على ذلك. وسنعرض المزيد منها فيما يلي :
كان الشنقيطي قد زعم في فصله السابق قبل حديثه عن طلائع بن رزيك أن النزاريين الباطنية أصبحوا حلفاء لصلاح الدين فقال في ص 174 ما نصه : ( وكما سنرى في الفصل الرابع من هذا الكتاب ، فحتى النزاريون - وهم أشد طوائف الشيعة رفضا وعنفا تجاه الهيمنة السنية - تحولوا حلفاء لصلاح الدين في نهاية حياته ، بعد أن حاولوا اغتياله أكثر من مرة ، واستمروا حلفاء دائميين لأبنائه من بعده، وللأيوبيين عموما طيلة عمر الدولة الأيوبية).
وفي ص 223 من الفصل الرابع شرع الشنقيطي في البرهنة على هذه الكذبة المفتراة بالتزوير والمعلومات الخاطئة والاستنتاجات الزائفة. فقال في هذه الصفحة 223 ما نصه : ( توصل صلاح الدين إلى اتفاقية الرملة مع ريتشارد قلب الأسد في شعبان 588 هجرية/ سبتمبر 1192م. " واشترط ، صلاح الدين ، دخول بلاد الإسماعيلية ، النزاريين ، ضمن المناطق التي تبقى تحت سلطته. ثم استمر هذا الحلف الضمني الذي بدأه صلاح الدين وسنان طيلة عمر الدولة الايوبية " 569 - 742 هجرية / 1174 - 1341 م ).
ويقصد الشنقيطي بسنان في نصه هذا ، رشيد الدين سنان ، زعيم الباطنية في حصونهم بالشام مثل الخوابي ومصياف في جبال النصيرية.
ضعوا هذا النص أمام أعينكم حتى يتبين لكم التزوير والتزييف والدس والكذب.
ودعونا نبدأ بالتاريخ الذي وضعه في نهاية النص لعمر الدولة الأيوبية.
وهذا الغلط والتزييف لايمكن أن يكون نتيجة خطأ مطبعي البتة. لأنه وضعه بالتاريخ الهجري ، والميلادي. وهذا وحده يكشف جهل الشنقيطي المطبق بالدولة الأيوبية.
فتاريخ بداية الدولة الأيوبية بدأ فعلاً بعد معركة قرون حماة في رمضان سنة 570 هجرية/ابريل 1175م التي انتصر فيها صلاح الدين على الأمراء المتسلطين على السلطان القاصر الصالح إسماعيل ومن حالفهم من الأمراء الزنكيين . فقد كان صلاح الدين قبل تلك المعركة يُعلن ولاءه للصالح اسماعيل بوصفه ابن سيده نور الدين. وبعد تلك المعركة أعلن صلاح الدين خلع الصالح اسماعيل وأرسل رسالة - صاغها له القاضي الفاضل - إلى الخليفة العباسي في بغداد يخبره بما جرى من أولئك المتسلطين ، فجاء رد الخليفة بتقليد صلاح الدين السلطنة على مصر والشام ، وهذا التاريخ هو بداية عمر الدولة الأيوبية.
انظروا : مفرج الكروب ، لابن واصل ، ج 2 ص 32 -33 . وهذا المصدر الأساس للدولة الأيوبية حتى سقوطها. والذي لم يستخدمه الشنقيطي!!!
وهنا قد يقول قائل " سنة واحدة بين قول الشنقيطي وقولك ما تفرق. فأقول أني أقبل بهذه النظرية. لكن تعالوا انظروا تاريخ نهاية الدولة الأيوبية الذي قدّمه الشنقيطي وكتبه بالتاريخين الهجري والميلادي. فنجده أعطى الدولة الأيوبية عمرا يزيد بكثير عن ضعفي عمرها التاريخي الوقعي.
وتشمل هذه الزيادة عهود تسعة عشر سلطانا من سلاطين دولة المماليك البحرية ، أولهم السلطانة شجر الدر ، وآخرهم السلطان الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون. ولم يبق من سلاطين المماليك البحرية بعد هذا التاريخ الذي زعم الشنقيطي أنه نهاية الدولة الأيوبية ، إلا تسعة سلاطين مدة حكمهم أربعين عاما فقط.
انظروا الجداول بأسماء الحكام. د. سعيد عاشور ؛ الحركة الصليبية ؛ ج 2 ص 1237 - 1238. والرقم عند عاشور هو ( 5 ) بعنوان - سلاطين المماليك في مصر. ( أ ) دولة المماليك البحرية.
وانظروا ايضا تاريخ الحروب الصليبية لرنسيمان ، ج 3 ص 874 - 875 . وهذان المرجعان أسهل في التعرف على مدة حكم كل واحد من أولئك السلاطين البحرية التسعة عشر. ومن أراد أن يقرأ تفاصيل عهد كل سلطان فليرجع لمصادر العصر المملوكي الموسوعية مثل : السلوك للمقريزي ؛ والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ؛ وعقد الجمان للعيني ، ونهاية الأرب للنويري .حيث سيجد تفاصيل عهود جميع السلاطين البحرية في عدة مجلدات.
والمعروف أن الدولة الأيوبية في مصر سقطت سنة 648 هجرية/ 1250 م حين قتل المماليك البحرية آخر سلاطين الايوبيين في مصر توران شاة بن الصالح أيوب. أما الدولة الأيوبية في الشام فظلت قائمة عشر سنوات أخرى حتى اجتاحها المغول سنة 658 هجرية / 1260م. فهل يمكن لمتخصص أو مثقف يقرأ كتاب هذا الشنقيطي - الذي لا يعرف حتى تاريخ سقوط الدولة الأيوبية - أن يقبل أراءه وتحليلاته واستنتاجاته عن هذه الدولة؟؟؟؟؟؟؟
والنص الذي أوردناه من كتاب الشنقيطي هو عن صلح الرملة حيث قدّم الشنقيطي هذا الصلح بهذا الشكل الأخدج ، والمبتسر ، والمشحون بالتزوير.
وقبل أن نواصل نقد نص الشنقيطي، إليكم بنود صلح الرملة كما وردت في مفرج الكروب وغيره من المصادر الموثوقة.
-
ينعقد الصلح لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وذلك ابتداء من يوم الأربعاء الموافق 2 سبتمبر 1192م الموافق لعام 588 هجرية
- يحصل ريتشارد على الرملة أو اللد أو على نصف كل منهما
- أن تبقى عسقلان خرابا.
-
اشترط ريتشارد أن تدخل أنطاكية وطرابلس في الصلح . لأن إمارتي انطاكية وطرابلس في الشمال وإدخالهما في الصلح حتى لا يستغل المسلمون عودة ريتشارد وجيوشه إلى أوربا ويهاجمونها.
-
اشترط صلاح الدين دخول بلاد الإسماعيلية في الصلح. وهدف صلاح الدين من هذا الشرط حتى لا يستغل الصليبيون - خصوصا فرسان الاسبتارية والداوية - فترة الهدنة ويستولون على قلاع وحصون الاسماعيلية في شمال الشام والقريبة من حمص وحماة وحلب ويهددون من تلك الحصون والقلاع البلاد والمدن الإسلامية القريبة منها بعد نهاية الهدنة. انظروا : مفرج الكروب لابن واصل ج 2 ص 492 - 404 ؛ ابن شداد ؛ النوادر السلطانية ص 232 - 234 ؛ ابو شامة ، الروضتين 2 ص 203 ؛ المقريزي ، السلوك ج1 ص 110 ؛ القلقشندي ، صبح الأعشى ج 4 ص 177.
وهكذا لا يوجد تحالف البتة بين صلاح الدين والإسماعيلية. وقد أدخل صلاح الدين بلادهم في الصلح لأنهم كانوا ضعفاء في ذلك الحين بعد أن اسقط صلاح الدين دولتهم الكبرى في مصر" الفاطمية" ولن يستطيعوا وحدهم الصمود أمام فرسان الاسبتارية والداوية الأشداء وقد تسقط بلادهم وحصونهم بسهولة في يد هاتين الطائفتين وبالتالي يهددون مدن شمال الشام بعد الهدنة سيما لو قدمت حملة صليبية جديدة. وكذلك لم يكن الاسماعيلية في حصون الشام تحت سلطة صلاح الدين مثلما زعم الشنقيطي في تزويره.
أما تفسير الشنقيطي - الجاهل بتاريخ سقوط الدولة الأيوبية - بالتحالف الضمني بين صلاح الدين والإسماعيلية الباطنية ، فهو تفسير اللاهث وراء إيجاد شرعية تاريخية لقوى الرفض في عصر الحروب الصليبية.
وقد حاول الشنقيطي تدعيم استنتاجه الأخرق بحوادث توضح جهله المركب بتاريخ الدولة الأيوبية كما سنرى فيما يلي .


الشنقيطي يقترف السرقة العلمية.
من المتعارف عليه في الأوساط الأكاديمية ، أن الأمانة العلمية أهم قاعدة في البحث العلمي. وأنه يجب على الباحث إرجاع كل معلومة إلى مصدرها ، وكل رأي أو تحليل إلى قائله ، وعدم التهاون في هذا الأمر البتة. وما أكثر الرسائل التي رُفِضت في الجامعات بسبب إقتراف أصحابها للسرقة العلمية.
وكتاب الشنقيطي في الأصل رسالة دكتوراه من جامعة تكساس ، كما نص هو في تقديم كتابه ص 7 .
وفي أثناء فحصي لكتاب الشنقيطي - بعد كتابة كل النقد السابق - وجدت الشنقيطي لم يكتف بالتزوير والكذب ، بل مارس السرقة العلمية دون خجل أو وجل.
فقد سرق بعض الأراء والاستنتاجات حول الحلف المزعوم بين الإسماعيلية والدولة الأيوبية من كتاب : د. منذر الحايك ، وعنوانه " العلاقات الدولية في عصر الحروب الصليبية.
ولكن قبل عرض هذه السرقة العلمية ، نعطيكم نبذة موجزة عن المسروق منه .د. منذر الحايك ، لتعرفوا خطورة وخيبة السارق والمسروق منه.
منذر الحايك بعثي سوري صميم ، وتلميذ مخلص لأستاذه البعثي الهالك مصطفى طلاس ، الذي عيّنه في دار النشر التي يملكها في دمشق. وقد أخذ الدكتوراه من الجامعة اللبنانية بعنوان " العلاقات الدولية في عصر الحروب الصليبية " ثم أستاذاً متعاونا في جامعة البعث في سوريا . وعند بداية الكارثة السورية الكبرى التي أنزلها حزب البعث وآل الأسد بسوريا وشعبها ، آثر منذر الحايك السلامة. فغادر سوريا ، ثم ذهب إلى الهند وأطّلع على عقائد الهندوس والبوذيين وغيرهم. ثم استقر به المقام في قبرص ، وشرع في تأليف عدة كتب في تاريخ الأديان ، أصبحت تلقى رواجاً لدى الأوساط والقوى المعادية للإسلام. وأعلن في مقابلة معه منشورة في النت ، أنه يحمل مشروعاً فكرياً ، حيث قال : إنه يقوم بإعادة ترتيب عقائد وتاريخ الأديان ليُثبت أنها جميعا من أصل واحد ، وانها تطورت من خلال هذا الأصل.
وإذا تأملتم هذا الطرح تجدونه يساوي تماما نظرية دارون ، المتعلقة بالكائنات الحية ، التي تنص على الزعم - الزائف - بأصل الأنواع وأنها ترجع الى أصل واحد ومنه تطورت. ولكن الحايك يريد تطبيق نظرية دارون في ميدان الفكر الديني. وفي هذا المشروع إنكار تام لرسالات الأنبياء جميعا وعلى رأسها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وجعلها مع الوثنيات المنحطة تعود إلى أصل واحد. وكتبه في هذا الباب موجودة في النت ويمكن قراءتها وطبعها.
والآن نبدأ بعرض السرقة العلمية عن التحالف المزعوم بين الأيوبيين والإسماعيلية.

1- قول الشنقيطي في ص 222 - وهو يستنتج - " لأن صلاح الدين لم يُرد أن يوثق صلحا مع تلك الطائفة التي يمقتها أكثر رعيته ، وهو لا يأمن غدرها في أي لحظة ، بيد أن التفاهم بين الطرفين كان من أطول التفاهمات السياسية عمرا. ". هذا الإستنتاج سرقه الشنقيطي من كتاب الحايك ص 342 - 343 ولم يشر إليه.

2- قول الشنقيطي - تعليقا على اشتراط صلاح الدين - في صلح الرملة - دخول بلاد الإسماعيلية في الصلح ووصفه له بالحلف الضمني ص 223 ( واشترط صلاح الدين ، دخول بلاد الإسماعيلية النزاريين ، ضمن المناطق التي تبقى تحت سلطته. ثم استمر هذا الحلف الضمني الذي بدأه صلاح الدين وسنان طيلة عمر الدولة الأيوبية). هذا الاستنتاج سرقه الشنقيطي من ص 343 من كتاب الحايك من السطرين الرابع والخامس ، ومن السطر الثامن عشر من الصفحة نفسها.

3- قول الشنقيطي ص 223 عن الإسماعيلية ( فهم حاجز صلب بين الأيوبيين والمناطق التي يسيطر عليها الصليبيون ). سرقها الشنقيطي - بعد أن حورها وضخّمها - من كتاب الحايك ص 341 حيث قال الحايك في سطري 11 - 12 " وربما كانوا - يقصد الأيوبيين - يعدُّونهم سدّاً بوجه الفرنج ". وبعد أن ضخّم الشنقيطي عبارة الحايك إلى اقصى حد ، وقع في خطأ شنيع فحصون الإسماعيلية ، لا تُشكل حاجزا إلا بين مملكتي حماة وحمص الأيوبيتين وبين إمارة طرابلس الصليبية. أما مملكة حلب الأيوبية فكانت تواجه من الغرب إمارة أنطاكية الصليبية. ولا توجد بينهما حصون للإسماعيلية ، بل حصون خطيرة للداوية ومملكة أرمينية الصغرى. فضلا عن أن الحملات الصليبية التي جاءت بعد صلاح الدين ، جاءت بحراً إلى فلسطين وإلى مصر ، ولا يوجد إسماعيلي واحد بين الأيوبيين الذين يملكون مدن شرق فلسطين وبين مملكة عكا الصليبية ، فالطرق بينهما مفتوحة. كما أن الطرق بين مصر الأيوبية ومملكة عكا الصليبية مفتوحة براً وبحراً. وكذلك الطرق البحرية مفتوحة بين مصر الأيوبية ومملكة قبرص الصليبية. فأين الحاجز الصلب؟؟؟ وهكذا يُضخّم الشنقيطي الأكاذيب مثلما اخترع وضخّم دوراً جهادياً كاذباً للشيعة الإمامية ، التي لا يوجد لها ذكر البتة حتى في كتاب الحايك الذي سرق منه الشنقيطي والذي يقع في جزئين!!!

4- الإشارة الوحيدة لكتاب منذر الحايك - وهي التي كشفت لي سرقة الشنقيطي لاستنتاجات الحايك - جاءت في آخر سطرين من ص 223 حيث قال الشنقيطي تعليقا على قتل الإسماعيلية بكتمر الأرتقي حاكم بلدة خلاط حيث قال : ( وقد أنقذ هذا الأغتيال الحكم الأيوبي من أكبر تحدِّ وجودي وهو لايزال متضعضعا بعد غياب صلاح الدين عن المشهد.). وقد ذكر الشنقيطي في حاشية هذه العبارة كتاب الحايك. ولكن دعونا نقدّم لكم نص عبارة الحايك حتى تعرفوا التضخيم الفاضح لدور الشيعة الإسماعيلية الذي قام به الشنقيطي في كتابه هذا.
قال الحايك ما نصه : ( ولما تحركت جيوش هذا التحالف - يقصد تحالف بكتمر مع الزنكيين وبقية الأراتقة - تدخلت الخناجر الإسماعيلية لتنهي حياة بكتمر وتنهي أخطر تحالف واجه الأسرة الأيوبية في الجزيرة بعد موت صلاح الدين ).
فالحايك نص هنا على التهديد لممتلكات الأيوبيين في منطقة الجزيرة
- اي ما بين فروع نهري دجلة والفرات وليس تهديدا وجوديا للدولة الأيوبية طبقاً لنص الشنقيطي.
وكل ما كان يقع في الجزيرة كان من ممتلكات العادل شقيق صلاح الدين حيث جعل له أخوه صلاح الدين كل مايقع شرق الفرات. بينما بأيدي أبناء صلاح الدين بلاد الشام ومصر. انظروا ؛ الفتح القِسِّي للعماد الأصفهاني ؛ منشور في الموسوعة الشاملة ج13 ص 435
وقد استطاع العادل مواجهة ذلك التمرد وقضى عليه كما شرح العماد في بقية الصفحة و ص 436 - 438 .
وانظروا هنا تضخيم الشنقيطي حين حوّر عبارة الحايك من تهديد للنفوذ الأيوبي في الحزيرة ، إلى تحدّ وجودي للدولة الأيوبية التي كانت تمتد إلى الشام ومصر وليبيا والنوبة والحجاز واليمن.
وبكتمر الذي أعلن فرحه بموت صلاح الدين كان مجرد حاكم تركي صغير تابع للأيوبيين ويحكم بلدة معظم سكانها أكراد قلوبهم وولاءهم للدولة الأيوبية ذات الأصل الكردي. والدليل على هذا أن خلاط التي كان أميرها بكتمر لم تلبث أن أصبحت من ممتلكات الأشرف موسى ابن العادل وأصبحت عاصمته ، وتجدون كل تفاصيل هذا الموضوع في الفصل الثاني من كتابي " بلاد الشام قبيل الغزو المغولي  ".
ويجب أن أقف هنا قليلا لأخبركم أن أكبر تحدّ وجودي فعلي تعرضت له الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين هو - مثلما أسميته في كتابي : بلاد الشام قبيل الغزو المغولي - حرب الوراثة الأيوبية التي وقعت بين أبناء صلاح الدين ، والتي كادت تزيل الدولة الأيوبية من الوجود لولا حنكة ودهاء الملك العادل - شقيق صلاح الدين -الذي انغمس في تلك الحرب ووجهها لتخدم مصلحته في نهاية المطاف ، واستطاع بعد عشر سنوات من النزاع والحروب إعادة توحيد الدولة تحت رايته. انظروا عن تلك الحرب ، أسبابها ، وحوادثها ونتائجها: كتابي الآنف الذكر. ص 35 - 63.

5- في ص 224 قال الشنقيطي ما نصه : ( ومن ضمن تجليات هذا الحلف الضمني الذي استمر مدة مديدة بين الأيوبيين والنزارين أمران : أن النزاريين لم يهاجموا قط قائداً أيوبياً بعد محاولتهم قتل صلاح الدين للمرة الثانية عام 571 هجرية/ 1176م ، وأن لا أحد من القادة الأيوبيين قصد النزاريين بحملة عسكرية أو غيرها منذ حصار صلاح الدين قلعة مصياف في العام ذاته. بل ظهر من الأيوبيين الجدُّ في الدفاع عن النزاريين ضد الصليبيين ). هذه الاستنتاجات سرقها الشنقيطي بشحمها ولحمها من كتاب الحايك الجزء الأول ص 343 .

 

قناة حركة التاريخ

للأستاذ : الدكتور / علي محمد عودة الغامدي

 



مقالات ذات صلة