إيران .. الكيان.. علاقات مشبوهة

بواسطة محمد أمين قراءة 2775
إيران .. الكيان.. علاقات مشبوهة
إيران .. الكيان.. علاقات مشبوهة

إيران .. الكيان.. علاقات مشبوهة

 

محمد أمين

 

تتعالي التصريحات والحرب الإعلامية بين  إيران من طرف والكيان الصهيوني والولايات المتحدة من طرف آخر، والمتطلع لتلك التصريحات يعتقد أن هناك عداء غير محدود بين الأطراف الثلاثة، وأن كل طرف ينتظر الوقت المناسب للانقضاض على الآخر لتدميره، وملخصا لذلك فإننا نجد تصريحات إيرانية على غرار "ينبغي إزالة إسرائيل من على الخريطة"، "ينبغي عودة اليهود إلى مواطنهم الأصلية"، وعلى الصعيد الآخر نجد الكيان الصهيوني يصدر تصريحات مشابهة يطالب فيها القيام بعملية عسكرية ضد طهران، باعتبار أن العقوبات الدولية غير كافية لإيقاف البرنامج النووي لإيران.

كل تلك التصريحات السابقة أثبتت مجريات الأحداث أنها كلمات للاستهلاك المحلي والعالمي ومحاولة اكتساب شعبية في أوساط العرب والمسلمين، خاصة من ناحية النظام الإيراني، حيث أظهرت وكالات الأنباء مؤخرا عن اعتزام الكيان الصهيوني شراء صفقات غاز طبيعي من إيران، فأين العداء .. وأين الحرص على تدمير "إسرائيل" وإزالتها من الوجود .؟؟

غير أن تلك الأخبار الحالية ليست جديدة في حد ذاتها ، بل هي قديمة متجددة تطفو على السطح بين وقت وآخر، والمتابع لشأن العلاقات الإيرانية –الإسرائيلية يجدها قديمة ومتجذرة بين الطرفين، منذ نظام الشاه وحتى انقلاب الخميني، ودلائل وحجج التاريخ لا تغفل ذلك أبدا، وأن أمر كشف تلك العلاقة لا يحتاج إلا إلى بحث بسيط في التاريخ حتى نسبر أغوار تلك العلاقة الخفية الظاهرة، فالتاريخ القديم والحديث يزخر بدلائل تعمق تلك العلاقة بين الفرس والصهاينة.

 

دلائل ... وشواهد

مصداقا لما سبق، فهناك أدلة وبراهين كثيرة على عمق العلاقات الإيرانية الصهيونية والتي لا يستطيع حتى من يمتلك منهم وجهة نظر حيادية تجاه عدوانية إيران وإسرائيل وأطماعهما في المنطقة العربية والإسلامية أن ينكرها، ومنها ما كشف عنه من التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، حيث أظهرت الوثائق التاريخية أن جسرا من الأسلحة كانت تأتي إلى إيران من أمريكا عبر الكيان الصهيوني، وأنه كان هناك تعاونا بين الأطراف الثلاثة منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية، حتى أن تبين أن أحد الإيرانيين واسمه "صادق طبطبائي"، أحد أقرباء "آية الله الخميني"، والذي كان يلعب دور الوسيط بين الطرفين، وذلك من خلال علاقته المميزة مع الصهيوني "جوزيف عازر"، الذي كان  بدوره له علاقة بأجهزة المخابرات الصهيونية والجيش الإسرائيلي، وتم اكتشاف حقيقة تلك العلاقة بعد إلقاء القبض على طبطبائي في يناير 1983 في مطار برلين وبحوزته كميات من الهيروين وعلى جواز سفره تأشيرات دخول وخروج صهيونية.

وفي واقعة أخرى مماثلة، وبالتحديد في 18 يوليو عام 1981، انكشف التعاون الإيراني الإسرائيلي الحثيث في المجال العسكري، وذلك عندما أسقط قوات الدفاع الجوي السوفيتية من إسقاط طائرة أرجنتينية، تابعة لشركة "أروريو بلنتس"، ضلت طريقها ودخلت الأجواء السوفيتية، وكانت هذه  الطائرة تنتقل بين طهران والكيان الصهيوني، محملة بالسلاح، وكشفت صحيفة "التايمز" البريطانية  وقتها تفاصيل دقيقة عن هذا التعاون العسكري الصهيوني الإيراني، حيث أكدت أن إيران استلمت ثلاث شحنات أسلحة في أيام 10و12و17 من يوليو عام 1981.

وفيما يعد دليلا دامغا على سعي النظام الإيراني على التعاون الكامل مع الكيان الصهيوني، فقد اعترف الرئيس الإيراني السابق "أبو الحسن بني صدر"، في مقابلة صحفية له مع صحيفة (الهيرالد تريبيون) الأمريكية نشرت في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1981 "أنه أحيط علماً بوجود هذه العلاقة بين إيران و إسرائيل و أنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني هناك والذي كان متورطاً في التنسيق و التعاون الإيراني الإسرائيلي"، وفي 3 يونيو 1982 اعترف مناحيم بيجن بأن الكيان الصهيوني كان يمد إيران بالسلاح، وعلل شارون وزير الحرب الصهيوني آنذاك أسباب ذلك إلى "أن تقوية إيران من شأنه أن يضعف العراق"، وهو ما يؤكد حجم الأطماع الإيرانية – الإسرائيلية التوسعية في المنطقة – والليلة أشبه بالبارحة.

 وفي هذا السياق أفادت أيضا مجلة (ميدل إيست) البريطانية في عددها الصادر في نوفمبر عام 1982 أن مباحثات كانت تجري بين إيران والكيان الصهيوني بشأن عقد صفقة يحصل الكيان بموجبها على النفط الإيراني في مقابل حصول إيران على السلاح الإسرائيلي، الذي كان الاحتلال الصهيوني قد صادره من رجال المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأكد البعض وقتها أن قيمة تلك الصفقة وصلت 100 مليون دولار.

وفي العام الماضي كشفت صحيفة (الحياة) اللندنية في عددها الصادر في الرابع والعشرين من أبريل عام 2006، نقلا عن صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية أن ثلاثة مهندسين يهود عادوا من إلى الكيان الصهيوني قبل نحو أسبوع من نشر الخبر، قادمين من طهران تلبية لدعوة رسمية، للمساهمة في إعادة تأهيل بنى تحتية دمرها زلزال قبل سنوات، وذكرت الصحيفة أن المهندسين الثلاثة أبدوا سعادتهم وارتياحهم  للاستقبال الحميمي الذي لاقوه من المسئولين والشعب الإيراني، بل وأكدت الصحيفة أن استعانة إيران بالخبراء الصهاينة ممتدة  منذ نحو عقد ونصف.

وعطفا على ما سبق، فقد كشفت (هيئة الإذاعة البريطانية)، منذ يومين فقط عن رسالة إيرانية إلى الإدارة الأمريكية محتواها توقف إيران عن مساندة "حزب الله" الشيعي في لبنان، ووقف دعمها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، ووقف دعم العصابات الشيعية في العراق، في مقابل حصولها على مكاسب سياسية فيما يتعلق بملفها النووي.

وقبل ذلك بنحو شهور قليلة وبالتحديد في يونيو الماضي ورطت إيران لبنان في حرب غير مستعد لها مع الكيان الصهيوني، وذلك بفضل نفوذها على حزب الله الشيعي، وذلك لإلهاء المجتمع الدولي عن ملفها النووي وتوجيه الأنظار بعيدا عن مخططاتها النووية، خاصة وأن مجلس الأمن الدولي كان وقتها على وشك إصدار قرار إدانة للبرنامج النووي الإيراني، أي أن إيران استخدمت حزب الله كورقة مساومة، وهذا الموقف تحديدا يظهر أن إيران وإسرائيل والولايات المتحدة متساوون في مخاطرهم على العرب والمسلمين، فهم جميعا لديهم طموحاتهم الإمبريالية الاستعمارية ضد دول المنطقة.

ثم أن هناك موقف تاريخي لا ينبغي أن نسقط الحديث عنه، انطلاقا من أنه يجسد حميمية العلاقات الإيرانية الصهيونية، فينبغي أن نعرف أن إيران كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني كدولة، حيث سارعت إيران بالاعتراف بذلك الكيان بعد عامين من قيامه، وكان ذلك في 1950، وهو ما ترتب عليه تكون تحالف استراتيجي بين الطرفين في المجال الأمني، وتمكن الكيان الصهيوني من خلال ذلك التعاون الاستراتيجي من كسر عزلته الإقليمية والدولية، بل إن العلاقات بينهما اتخذت منحى الصداقة في ظل عدوانيتهم المشتركة تجاه العرب والمسلمين، وهو ما قد يفسر لنا تعمق تلك العلاقات إبان حقبة الستينيات في ظل العداء المطلق من الرئيس المصري جمال عبدالناصر لكل من إيران والكيان الصهيوني على حد سواء.

وكانت تلك العلاقات الإيرانية الإسرائيلية العميقة خلال فترة الستينيات بلغت ذروتها من خلال قيام الكيان الصهيوني بتسليح شاه إيران، وعقد اتفاقيات أمنية موسعة بين الموساد الإسرائيلي والسافاك الإيراني. واقتصادياً، كانت إيران هي المصدر الرئيسي لواردات النفط الإسرائيلية، ولا سيما أثناء حربي 1967 و1973.

وهناك جانب آخر لا ينبغي إغفال الحديث عنه عند دراستنا لواقع العلاقات الإيرانية الخارجية وانعكاساتها الخطيرة على واقع قضايا العرب والمسلمين، فالمتطلع إلى السياسة الخارجية الإيرانية يجدها متهاونة مع أعداء الأمة، وإلا بماذا نفسر حسن علاقتها بالدول الشيوعية الملحدة المجاورة لها وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي (سابقا)، روسيا حاليا، أليست تلك العلاقة تثير القلق في نفوس المراقبين، خاصة مع موقف الاتحاد السوفيتي السابق تجاه غزو أفغانستان، ثم أين كان الموقف الإيراني من ذلك الغزو، أليست أفغانستان دولة مسلمة، وإيران تدعي مراعاتها لمصالح المسلمين ؟.

وفي التاريخ المعاصر، أثبتت مجريات الأحداث أن إيران كان لها دور مشبوه في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان وتقديم دعما بطريق غير مباشر للقوات الأمريكية الغازية التي تمكنت من إسقاط حكومة طالبان عام 2001، حتى أن بعض المحللين السياسيين أكدوا أن أمريكا ما كان لها أن تحتل أفغانستان لو لا مساعدة طهران.

انطلاقا من التاريخ المخزي لإيران في التعاطي والتعامل الحميمي مع أعداء الأمة العربية والإسلامية، يتضح لنا أن إيران لديها مشروع توسعي استعماري في المنطقة، لا يقل في الخطورة عن المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، وهو ما يدفع هذه الأطراف إلى السعي نحو التعاون الجدي بينهم لتحقيق تلك الأهداف، والتي وإن اختلفت إيديولوجيا وسياسيا عن بعضها البعض إلا أنهم في النهاية متساوون في الأطماع في المنطقة العربية، وليس أدل على ذلك من التقاء تلك الأطماع مجتمعة في العراق المحتل، فإيران تدعم الشيعة للسيطرة على العراق وجعله نقطة انطلاق نحو نشر التشيع في باقي دول المنطقة، وهو ما رصده مؤتمر التقريب بين المذاهب والذي استضافته قطر يوم السبت الموافق الـ20 من يناير لعام 2006، وعلى الصعيد الإسرائيلي نجد مخابراتها متغللة في الشمال العراقي وتحديدا في منطقة الأكراد التي أكدت بعض المصادر أن هناك تواجد للموساد الإسرائيلي لتدريب الضباط الأكراد، بل أن هناك أخبار تؤكد توطين اليهود في شمال العراق في كردستان لجعله نقطة لتحقيق حلم الكيان الصهيوني الكبير – من الفرات إلى النيل.

كما أن الخبراء والمحللين السياسيين والاستراتيجيين يؤكدون أن التواجد الصهيوني في شمال العراق، يؤهل تلك المنطقة أن تصبح مرتعا لصراعات شرسة في المستقبل القريب، خاصة مع غنى منطقة كردستان بالنفط وخاصة مدينة كركوك، إضافة إلى اقتراب موعد الاستفتاء على وضع المدينة في نهاية العام الجاري، بشأن انضمامها لإقليم كردستان العراقي، الذي يتمتع بحكم ذاتي، وهو ما يؤهل تلك المدينة لأن تصبح مركزا لصراعات إقليمية ودولية بين الكيان الصهيوني الرامي إلى إعادة إحياء خط نفط كركوك – حيفا، الذي أنشأ عام 1931 لضمان إيصال النفط إلى الكيان الصهيوني، وبين إيران وتركيا المتخوفتين من نشأة دولة كردية في شمال العراق، بشكل يهدد وحدة واستقلال أراضيهم، وهو ما قد يدفع تلك الأطراف الثلاثة لالتقاء للتعاون بينهم كل حسب هدفه، مما يقد يعطي دليلا آخرا على احتمالات التآمر الإيراني بين طهران والكيان الصهيوني، ضد العراق.

 وفي هذا الإطار يذكر أن النظام العراقي السابق بقيادة الرئيس الراحل (صدام حسين) قد سجل موقفا تاريخيا إسلاميا شريفا ضد الأطماع الصهيونية في المنطقة، حيث رفض الرئيس الراحل تصدير نفط كركوك إلى الكيان الصهيوني، الذي تقدم بطلب استيراده مقابل دعمه في حربه ضد إيران، في الوقت الذي لم تتورع إيران عن استيراد السلاح الصهيوني للحرب ضد العراق.

كل ما سبق ليس بغريب على إيران والكيان الصهيوني فقد يكون لهما مشروعهما السياسي الذي يسعون لتحقيقه، إلا أن الأغرب هو الموقف العربي والإسلامي السلبي تجاه هذين المشروعين الاستعماريين في المنطقة، وأن العرب والمسلمين لن تكون لهما القدرة على التصدي لهذين الخطرين إلا باستحداث مشروع عربي إسلامي نهضوي يجمع شمل الأمة العربية والإسلامية، ويكون قادر على وقع الأمور في نصابها الحقيقي، ويحمي الأمة من مخاطر الانخداع بلغة الشعارات التي يتبناها النظام الإيراني، الذي يلعب على وتر القضية الفلسطينية، لكسب تأييد الشعب العربي المسلم، دون تحرك جدي نحو مناهضة الكيان الصهيوني.

كما أنه يكفي أن نعرف أن المنطقة العربية والإسلامية محتلة من إيران والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، فإيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وتثير بين فترة وأخرى قضية تبعية مملكة البحرين لها، وإسرائيل تحتل هضبة الجولان وأجزاء من الجنوب اللبناني وفلسطين، والولايات المتحدة تحتل العراق وأفغانستان، أليست تلك دلائل على المخاطر المحدقة بالعرب والمسلمين من جانب هذه الدول الثلاث، التي تعتبر "محور شر" حقيقي ضد دول المنطقة.

 



مقالات ذات صلة