القصة الكاملة للعرض الإيراني السري 3-3

بواسطة علي حسين باكير قراءة 2155

القصة الكاملة للعرض الإيراني السري 3-3

علي حسين باكير

 

العام 2006م، إيران تحيي آمالها بعقد الصفقة من جديد ..وتوصيات أمريكية بضرورة الاتصال المباشر معها : مع مرور الوقت, أخذت مكتسبات الولايات المتحدة وقوتها تتراجع شيئا فشيئا, وبدأت معالم الغرق في أفغانستان والعراق تظهر شيئا فشيئا, بالإضافة إلى مواجهتها العديد من الأزمات والقضايا الدولية، من النووي الكوري الشمالي، إلى قضية السلام في الشرق الأوسط، إلى التراجع في الحرب على الإرهاب، إلى الأزمات الداخلية التي أخذت تعصف بالولايات المتّحدة الأمريكية.

مضت عدّة سنوات على العرض الإيراني السرّي، إلى أن وصلنا إلى العام 2006م, حيث شرع الإيرانيون بالإعداد لحملة دبلوماسية، لإعطاء إشارة للأمريكيين، بأنّهم جاهزون لأية مباحثات مباشرة من دون شروط, ولم تستثن هذه الحملة حتى من يعتبرون أنفسهم أعداء "للشيطان الأكبر"، بمن فيهم الرئيس الإيراني المحافظ أحمدي نجاد.

وقد كانت عملية "تخصيب اليورانيوم" خلال كل تلك الفترة الماضية، إحدى أهم الأوراق في الضغط على الولايات المتحدة، لإجبارها على فتح مثل هذا الحوار. فأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "حميد رضا آصفي" في 3 آذار/مارس من العام 2006م، أنّ بلاه مستعدة للتفاوض إذا تخلت أمريكا عن التهديد والشروط المسبقة لمثل هذا الاجتماع. ثم تبعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي أبدى في مؤتمر صحفي في 24 نيسان/آبريل، رغبته بالحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية.

شكلت المطالب الإيرانية هذه، بفتح اتصال مباشر مع أمريكا، إحراجا للإدارة الأمريكية، خاصة وأن جهات داخلية لامت الرئيس بوش وأنصاره على تفويت فرصة العام 2003م، للتفاوض مع إيران من موقع القوة وليس من موقع الضعف، ولكن هؤلاء كانوا يبررون موقفهم بأن الولايات المتحدة قوية في جميع الظروف، ومن ثم فإن إيران ليست قطبا دوليا، كالاتحاد السوفيتي مثلا، كي تفرض نفسها ندا للولايات المتحدة، وهناك بعض الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها مباشرة، وهي كيف يمكن لإيران أن تثبت أنها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية, كما أن النخبة في الأمن القومي الأمريكية، تعتقد أن ما طالبت به إيران هو أكبر بكثير مما يتوافق مع موقعها و قدراتها.

إيران من جهتها رأت في العام 2006م، مؤشرات لحدوث تحول كبير لصالحها في عدد كبير من العناصر المؤثرة، وهو الأمر الذي يجعل مفاتيح اللعبة في يدها. ومن خلال متابعتنا للتصريحات والتحركات الرسمية الإيرانية, نستطيع أن نلحظ أن هناك عددا من المؤشرات التي توحي بأنّ إيران تحاول إعادة إحياء "الصفقة الكبرى"، عبر استغلال عدد من العناصر، ومنها:

1- غرق أمريكا كليا في العراق وأفغانستان.

2- سقوط الجمهوريين في الانتخابات النصفية ووصول الديمقراطيين.

3- استبدال وزير الدفاع الأمريكي رامسفلد بـ"جيتس"، وهو أحد المنظرين والمطالبين بفتح قنوات دبلوماسية مع إيران من أجل عقد صفقة معها, وقد ضمن تقريره المرفوع إلى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي هذا الأمر.

4- تقرير لجنة بيكر حول العراق، والذي يوصي بفتح قنوات اتصال مع إيران حول العراق.

5- امتلاك إيران أوراق ضغط وتخريب كبيرة في لبنان عبر حزب الله.

6- استغلال إيران لحماس وعدد من الفرقاء الفلسطينيين.

وبناء عليه, كانت إيران ترى أن الولايات المتحدة أصبحت في متناول يدها، وأن الوقت الأنسب لإعادة طرح "الصفقة الكبرى" على طاولة البحث هو الآن.

يقول "جارثر بورتر"، المؤرخ والمهتم بهذا الشأن: "يطرح البعض أن العرض الإيراني هو انعكاس للثقة الزائدة التي تتمتع بها إيران، نتيجة للكارثة الأمريكية في العراق, وبالتالي عدم الخوف من أي هجوم أمريكي محتمل, بينما يفسّر البعض الآخر سعي إيران إلى عرض تسوية شاملة مع الولايات المتحدة، على أنه خوف من وقوع هجوم أمريكي مفاجئ عليها.

منذ العام 23م، أقنعت التغييرات الدراماتيكية السياسية التي حصلت في المنطقة، ومن بينها (وصول نظام شيعي موالي لإيران في العراق ونظام صديق لها أيضا في أفغانستان, ازدياد نفوذ و قوّة حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى حماس والجهاد في فلسطين), أقنعت إيران بأن الوقت مناسب للمساومة مع الولايات المتحدة, وقد أكد علي ولايتي، المستشار الشخصي للخامنئي في العلاقات والشؤون الخارجية في محاضرة له ألقاها في شهر نوفمبر/تشرين أول، قائلا: "نحن نملك القوّة الكافية الآن للمساومة, لماذا لا نساوم؟".

ويضيف "بورتر": "الحافز الأساسي الذي يدفع القيادة الإيرانية الآن لمساومة الولايات المتحدة الأمريكية، ليس الخوف من الولايات المتحدة، بقدر حاجتها إليها، لتحقيق هدفين رئيسين هما:

أولا: دمج إيران كليا في النظام الاقتصادي العالمي.

ثانيا: الاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية شرعية في الشرق الأوسط".

وأيا يكن الأمر, فقد كان أمام بوش خياران, إما أن يقبل بتوصيات لجنة بيكر-هاملتون، ويأخذ حقائق هزيمته في العراق وأفغانستان بعين الاعتبار، ويفتح حوارا مباشرا مع إيران، ويوافق على كل ما تطلبه، وهو الأمر الذي كان معظم المراقبين يظن أنه سيحصل، بمن فيهم إيران, وإما أن يعمل بعكس ذلك، وهو الأمر الذي اتّبعه بوش.

إيران تفجّر المنطقة لجر أمريكا للتفاوض، والولايات المتحدة تحاول تعطيل أوراق إيران الإقليمية قبل الانقضاض عليها.

لقد قرّر الرئيس بوش زيادة عدد قواته في العراق لتوجيه رسالة واضحة إلى إيران وإلى الجميع، بأن أمريكا ليست ضعيفة، وستنتهي كليّا من مشكلة العراق.

لا شك أن غرق أمريكا في العراق يسرَ إيران, ولكنّها تفاجأت من عرض المقاومين وبعض الجهات المرتبطة بهم، التفاوض مع الأمريكيين في شهر نوفمبر/تشرين ثاني 26م، مقابل انسحابهم من العراق، إذ إن هذا التطور (في المنظور الإيراني)، إن تمّ فعلا، يعني خسارة حلفائها في العراق لموقعهم السياسي، وخروج إيران من المسألة بخفي حنين, فهي كانت تنوي الاستفادة من مقاومة العراقيين بشكل غير مباشر، ليتم تجيير نتائجها لصالحها في أي مفاوضات مع الأمريكيين.

هذا التطور سرّع من التحرك الإيراني في المنطقة, لأن تخلص الولايات المتحدة من مشكلتها في العراق، سواء عبر التفاوض مع المقاومين لتمهيد الانسحاب، أو من خلال إشراك قدر أكبر من السنة العرب في العملية السياسية على حساب الشيعة, يعني أن إيران خسرت ورقة كان من الممكن أن تفاوض الأمريكيين عليها مقابل مكتسبات.

نفس الأمر ينطبق على الوضع اللبناني, حيث تراجع موقع حزب الله عمليا, وتدمّرت بيئته وبنيته التحتية، وهو كما ذكر "حسن نصرالله"، لن يخوض حربا أخرى, وهذا يعني أن إيران لم يعد بإمكانها الاستفادة من خدماته على صعيد الحروب، ولم يعد ينفع استخدامه كورقة سورية أو إيرانية في أي تفاوض مع الجهات الدولية, إذ أصبح ملفه بعد إغلاق الحدود، قضية داخلية, والباقي هو سلاحه فقط، وهذا ما يمكنها التفاوض عليه. لذلك يقوم الحزب الآن بحركة انقلابية في الداخل اللبناني، ليستعيد المبادرة، ويشكل رافعة للدور الإيراني في المنطقة.

عندما تمّت إثارة موضوع ضرورة فتح اتصالات مع سوريا وإيران للمساعدة على استقرار العراق ولبنان بعد فوز الديمقراطيين في المجلس, قام الرئيس الإيراني احمدي نجاد في 18-11-26م، بتوجيه رسالة عبر وزير الخارجية الإيرانية "سيد جليلي"، إلى رئيس الوزراء الإيطالي "رومانو برودي"، يعرض فيها "استعداد إيران للمشاركة في حل مشاكل الشرق الأوسط، إذا اعترف لها بوضع قوة إقليمية". وإذا دققنا في هذه الجملة، سنجد أنها مطابقة تقريبا للبند رقم 5، الوارد في العرض الإيراني السري للعام 23م!!

أهملت الولايات المتحدة رسالة نجاد، ورد بوش بطلب المساعدة من العرب في حل المعضلتين العراقية واللبنانية، بدلا من أن يفتح قناة اتصال مع سوريا وإيران.

أصبح على إيران إيجاد بدائل تستطيع من خلالها جر الأمريكيين للتفاوض معها، وتكون قادرة على تلبية المطالب التي ستطلب منها حال الاتفاق على ذلك. لذلك وجدت إيران أن الجبهتين العراقية واللبنانية من أكثر الجبهات، التي تحظى بنفوذ كبير فيها، وتستطيع استغلالها لدفع الأمريكيين إلى مفاوضات، ولذلك قامت بخطوتين:

ـ الأولى: دفع حزب الله إلى تصرف غير مفهوم، وللمرة الأولى في تاريخه، إلى صراع سياسي داخلي، وانتقل الحديث من الحرب والأسرى والدمار إلى الحديث عن ضرورة إسقاط الحكومة، التي تسعى لإخلاء لبنان من النفوذ السياسي الإيراني والسوري. وقد قام السيد حسن نصرالله بتاريخ 23-11-2006م، بإلقاء خطاب من أجل تحديد ساعة الصفر للإطاحة بالحكومة اللبنانية.

ـ الثانية: دعم الميليشيات الشيعية في العراق وفرق الموت للاصطدام بالسنّة، وإثارة فتن كبيرة، بحيث تظهر الإدارة الأمريكية عاجزة على ضبط الوضع، وبالتالي عندما يريد الأمريكيون معالجة الأمر، فإنه لا بد وأن يرجعوا إلى إيران لا إلى العرب، لأن العرب لا يملكون نفوذا على المقاومة العراقية أو على الميليشيات الشيعية وجيش المهدي.

ولذلك قامت إيران بخطوة غير مسبوقة بهذا الحجم المفضوح، بتزويد جيش المهدي وفيلق بدر بأموال طائلة وأسلحة، تمّ ضبط بعضها، وتبين أنها صناعة إيرانية إنتاج العام 2006م. وهذا يعني أن الأسلحة لم تصل إلى الميليشيات الشيعية عبر وسيط أو السوق السوداء، لأنها لو كانت كذلك لكان تاريخ الإنتاج أقل بسنتين على الأقل, وهذا يعني تورط الحكومة الإيرانية مباشرة أو الحرس الثوري. وقد حصلت تفجيرات مدينة الصدر بتاريخ 23-11-2006م أيضا، وهو نفس تاريخ إعلان السيد حسن نصرالله.

تبع النشر الإيراني للفوضى في المنطقة وتفجيرها في وجه الأمريكيين، عرضا آخر بالمساعدة، ففي 27-11-2006م، صرح رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام حشد من "الحرس الثوري"، قائلا: "الأمة الإيرانية مستعدة لانتشالكم (أمريكا وبريطانيا) من ذلك المستنقع (العراق)". يتابع أحمدي نجاد: "بشرط واحد, عليكم أن تتعهدوا بتصحيح نهجكم، عودوا وخذوا قواتكم إلى ما وراء الحدود، وستكون أمم المنطقة بقيادة الأمة الإيرانية، مستعدة لإظهار طريق الخلاص لكم".

* الفصل الأخير: إيران تخسر أوراقها وتخصيب اليورانيوم الورقة الوحيدة... الولايات المتّحدة تحشد عسكريا لضرب إيران أم للتفاوض معها؟

لم تنجح الألغام الإقليمية التي وضعتها إيران في فلسطين والعراق ولبنان، بعد أن تمّ تحليل عناصرها وتفكيكها, فهي قد فشلت عبر تفجيرها للمنطقة في جر الولايات المتحدة للتفاوض, وانعكس ذلك سلبا عليها، خاصة بعدما بذلت المملكة العربية السعودية جهدا دبلوماسيا كبيرا في تنفيس الألغام السياسية والاجتماعية، التي زرعتها إيران في العراق, لبنان, وفلسطين.

لقد أدت التهدئة إلى سحب هذه الأوراق من يد إيران, واستغلت الولايات المتحدة ذلك في الترويج غير المباشر في التحضير لحملة عسكرية ضد إيران، لتزجيه رسالة قوية بأن تحركاتها جدية, وقد عززت ذلك بعدد من التحركات، منها:

1- إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (USSC)، حمل على متنها جناح الطيران التاسع، المكون من خمسة آلاف ضابط وبحار وعنصر من مشاة البحرية, والتي ستنضم مع أربع سفن حربية وثلاث مدمرات، إلى القوات العاملة في منطقة الخليج قريبًا.

2- منح قواته في العراق رخصة لاعتقال أو قتل عملاء إيران النشطين في العراق، وقد أعلنت حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لائحة بأسماء أكثر من 31 ألفا منهم.

3 - مداهمة القوات الأمريكية لمبنى القنصلية الإيرانية في مدينة أربيل، شمال العاصمة بغداد، حيث اعتقلت عدداً من العاملين بالمبنى، وصادرت مجموعة من الوثائق السرية الخطيرة.

4- اعتقال عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين في العراق، من بينهم اثنان، قيل إنهما من ضباط في الحرس الثوري من أجل التحقيق معهم.

كل هذه التحركات التي تمت خلال الشهر الأول من سنة عام 2007م، كان الهدف منها إيصال رسالة واضحة إلى إيران، بأن الولايات المتحدة قررت شن حملة تصعيد كبير ضدها، وأن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ضعيفة، هو خطأ إستراتيجي، سيوقع إيران في خطأ حسابات قاتل.

وفجأة، عاد الحديث عن موضوع العرض الإيراني السري العام 2003م, حيث عرضت القناة الثانية في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في 17-1-2007م، ما قاله "لورنس ويلكرسون"، مساعد وزير الخارجية السابق كولن باول لبرنامج نيوزنايت (أخبار الليلة)، من أن إيران كانت قد عرضت العام 2003م على الولايات المتحدة حزمة من التنازلات, مضيفا: "اعتقدنا أنها كانت فرصة سانحة [لقبول العرض] ... لكن وبمجرد أن رُفع العرض الإيراني إلى البيت الأبيض، وما إن بلغ مكتب نائب الرئيس، عادت إلى الظهور تعويذة: نحن لا نتعامل مع الشيطان"، وتمّ رفضه.

وترافق ذلك مع ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية "رايس" في جلسة استماع أمام الكونجرس الأمريكي، من أنها لم تُبلغ بهذا العرض في تلك الفترة عندما كانت مستشارة الأمن القومي للرئيس جورج بوش. وقالت: "لم أكن في وزارة الخارجية في تلك الفترة"، مضيفة: "انطلاقا مما فهمته، وصل فاكس إى الخارجية", لكن "إذا ما قرأتم تعليقات ريتشارد ارميتاج حول طبيعة هذا الفاكس، تدركون ربما لماذا لا يشكل هذا الفاكس وثيقة جذبت انتباها كبيرا لدى الإدارة...إن مصادره (الفاكس) كانت تدعو إلى الشك"، مبدية موافقة ضمنية على قرار ارميتاج، بالامتناع عن إبلاغها شخصيا بهذا العرض. ورفضت رايس التوضيح العلني لمضمون هذا الفاكس، لكنها وعدت بإجابة الكونجرس خطيا.

من المؤكد أن هذه الضجة التي أُثيرت في هذه الفترة بالذات حول موضع "العرض الإيراني"، لم تكن عفوية ولا عشوائية, فالهدف على ما يبدو إعادة فتح الموضوع، ولكن عبر وسائل الإعلام وليس بالطرق الدبلوماسية, وكأن الإدارة الأمريكية تقول للإيرانيين: "نحن مستعدون الآن لمناقشة هذا العرض ...اتصلوا بنا", بالطبع الفترة هذه مناسبة لفتح نقاش، خاصة في ظل السخط الإقليمي العربي والدولي تجاه إيران ومشروعها التخريبي في المنطقة، والذي لا يقل ضررا عن المشروع الأمريكي نفسه, لأن إيران ستكون تحت ضغوطات كبيرة خلال أي مفاوضات تجري.

لجأت إيران إلى الاتصال بالمملكة العربية السعودية، بحثا عن الجسر الذي يوصلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت قد توسطت سابقا بعبدالعزيز الحكيم، فحملته رسالة إلى الأمريكيين بهذا الخصوص.

وما لبث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن أعلن في الذكرى الثامنة والعشرين لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران في 12/2/2007م، عن استعداده للتفاوض والحوار، ولكن دون شرط وقف تخصيب اليورانيوم, وهو الشرط الذي تطلب واشنطن من طهران تنفيذه قبل أي مباحثات. فقد قال نجادي: "إذا كنتم مستعدين للتفاوض، لماذا تصرون على وقف (تخصيب اليورانيوم)؟ إذا علقنا أنشطتنا، فعن ماذا ستتحدثون؟.... نحن مستعدون للتفاوض تحت شروط نزيهة وعادلة.. إننا نرفض الشروط التعجيزية، ولن نقبل تعليق التخصيب كشرط مسبق للحوار".

هذا وقد أعادت "رايس" طرح عرض المفاوضات المباشرة، بشرط إيقاف التخصيب، وذلك في برنامج أمريكي استضافها على الهواء مباشرة, فأشاد وزير الخارجية الإيرانية بالجزء الأول من كلامها، وردّ "لاريجاني": "إن إيران مستعدة أيضا، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تعرض ذلك من خلال طلب رسمي، وليس عبر وسائل الإعلام", ولم يعلق على مسألة التخصيب.

* هل يكون رافسنجاني رجل المرحلة؟...الخطأ في الحسابات الإيرانية قد يؤدي إلى حرب مدمرة:

في هذه المرحلة بالذات، وبدلا من أن يتم فتح خط اتصال بين الطرفين, كان هناك إصرار إيراني بعدم إيقاف التخصيب، لأنه كما يبدو الورقة الأخيرة التي يمتلكها النظام الإيراني في التفاوض على مطالب مهمة من الغرب, ومن أجل ذلك، فقد بدا التعنت الإيراني كبيرا، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية، مممثلة في ديك تشيني إلى التصريح بأن كل الاحتمالات مفتوحة, دون أن تهمل طبعا ترك الباب الخلفي مفتوحا للمفاوضات، التي يسعى الطرفان إلى عقدها، كلّ بشروطه, وأرسلت الإدارة الأمريكية عددا من الإشارات في هذا المجال، خاصة بعد أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها في 22 شباط/فبراير 2007م، والذي ذكرت فيه

أن إيران لم تلتزم بالمهلة المعطاة لها، بناء على قرار مجلس الأمن الصادر في كانون أول/ديسمبر 2006م، للاستجابة لمهلة الستين يوما، التي منحها إياها لوقف تخصيب اليورانيوم.

وعندما سئلت "رايس" بعد هذا التقرير، عن إمكانية القيام بتدخل عسكري ضد إيران، أجابت: "كنا في غاية الوضوح، بأننا ملتزمون بالطرق الدبلوماسية، والتي يمكن أن تتكلل بالنجاح، إن بقيت الأسرة الدولية موحدة", فيما أشار تشيني إلى إن "كل الخيارات مطروحة لثني إيران عن امتلاك السلاح النووي".

وتم تسريب سيناريوهات عن تحضيرات امريكية وإسرائيلية عسكرية للقيام بهجوم كاسح على إيران, مما استدعى مساعد وزير الخارجية الإيرانية "منوشهر محمدي"، إلى الرد قائلا: "مستعدون لمواجهة كل الأوضاع, بما فيها نشوب حرب... ليس لدينا أي مشكلة في التعامل مع الولايات المتحدة ....عقدنا لقاءات غير رسمية مع الولايات المتحدة بشأن أفغانستان والعراق، لكنهم يقولون إنه يجب علينا أن نقبل بشروطهم قبل التفاوض.. لكننا إذا قبلنا شروطهم فلا مبرر للتفاوض. ولذلك كنا دائما نقول إننا مستعدون للتفاوض مع الولايات المتحدة دون شروط، لكنهم لم يقبلوا ذلك حتى الآن".

ويبدو أن الرد الإيراني الواثق من أنها مستعدة حتى للحرب، هو رد وهمي، ينطلق من رؤية مفادها أن الولايات المتحدة ضعيفة وتتخبط في مأزق داخلي وخارجي، وأن كل المعطيات، من ارتفاع أسعار البترول إلى سيطرة إيران على مضيق هرمز وإمكانية تهديدها لخطوط نقل النفط العالمية، تشير إلى عدم إمكانية شن الإدارة الأمريكية أي حرب على إيران.

ستكون إيران في غاية الغباء إذا راهنت على أن وضع أمريكا الحالي الغارق في العراق وأفغانستان، ووضع الإدارة الأمريكية الضعيف شعبيا في الداخل، وارتفاع أسعار النفط وغيرها من العوامل، قد تحول دون تمكين أمريكا من شن هجوم على إيران.

لا يمكن المراهنة على هذا التصور، وذلك لأن القيادة الأمريكية الحالية والإدارة المساندة لها، لا تتسم بالعقلانية, بمعنى أنها إذا أرادت القيام بالعمل، فإنها لن تقيم وزنا لهذه القيود, فالقيادة غير العقلانية تكون خطيرة جدا، والأخطر أن يقوم خصمها ببناء خطواته على أساس أن قيادة الطرف الآخر سترد بشكل عادي، أو تتخذ خطوات مدروسة كما جرت العادة, وهنا يكون الخطر مضاعفا والنتائج أكثر كارثية (وقع حزب الله اللبناني في هذا الخطأ في المعركة الأخيرة).

وعلى الرغم من ذلك، فأمريكا لا تزال في الإطار العقلاني، طالما أن باب المفاوضات مفتوح. لكن التصعيد يعني أن المعركة قد تبدأ قريبا, إذ تفيد بعض التقارير أن مكتب نائب الرئيس ديك تشيني وأنصار الخيار العسكري من خارج الإدارة، يعتقدون أن الوقت قد حان من أجل اتخاذ قرار حاسم في هذه المسألة.

ولذلك وبما أن أمام الإدارة الأمريكية سنتين قبل انتهاء ولايتها، وبما أن السنة الأخيرة تكون القيادة الأمريكية فيها في حالة "البطة العرجاء"، تقوم بتصريف الأعمال ولا تتخذ عادة أي قرارات حاسمة سياسية وعسكرية, فهذا يعني أن العام 2007م، قد يكون عام الحسم عسكريا.

فهل ستقع إيران في خطأ آخر للحسابات؟

انطلاقا من هذه الاعتبارات, يبدو أن هناك تحركات إيرانية سرية لتفادي وقوع هذه الحرب، وإن أوحت السجالات الإعلامية بعكس ذلك, فالمتتبع لأوضاع إيران، يرى أن رئيس تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رافسنجاني أصبح يتمتع بقدرة أكبر على لعب دور سياسي، بعدما كان الرئيس الإيراني يحتكر كل أوراق اللعبة, ويبدو أن هذا التغيير تم بتوجيهات عليا من مرشد الجمهورية الإيرانية الخامنئي، ليمكن رافسنجاني من لعب دور مشابه للدور الذي لعبه بتكليف من الخميني في فضيحة إيران-جيت.

وقد بدأت ملامح هذا الدور تظهر شيئا فشيئا، في إشارة ربما لانتهاء دور الرئيس نجاد، الذي استنفذ غرضه من التصعيد. حيث باشر رافسنجاني في شهر شباط/فبراير 2007م حملة تصريحات دبلوماسية في مختلف الاتجاهات، سواء للداخل الإيراني أو للولايات المتحدة, بعدما تسربت أخبار عن تشكيل خلية "أزمة"، تضمّه إلى جانب الرئيس السابق "خاتمي"، وذلك لإيجاد مخرج للمأزق في العلاقة مع أمريكا والوضع الاقتصادي الداخلي الحرج.

وقال "رفسنجاني" في تصريح له في أواخر شباط/فبراير 2007م، ردّا على سياسات احمدي نجاد المتشددة: "على المتطرفين في إيران صون ألسنتهم لئلا تتعرض الجمهورية الإسلامية للخطر". وغمز من قناة نجاد قائلاً: "لن يحققوا نتائج بهذه الطريقة، بل سيخلقون مشاكل لهم وللعالم، خصوصاً منطقتنا", "علينا أن نكون أكثر حذرا, فإنهم (الأميركيون) مثل نمر جريح، ويجب عدم الاستهانة بهم".

فهل سنشهد عقد صفقة إيرانية-أمريكية جديدة، بغض النظر عن شموليتها، أم أن إيران ستقع في خطأ فادح للحسابات، يقودنا إلى جحيم الحرب مباشرة؟! انتهى.



مقالات ذات صلة