سنة لبنان والمرجعيات الغائبة
الثلاثاء4 من ذو القعدة1428هـ 13-11-2007م
الخبر:
مفكرة الإسلام: أكد وزير خارجية فرنسا "برنار كوشنير" أن بلاده تدعم مبادرة البطريرك نصر الله صفير ومساعيه من أجل تقديم لائحة بأسماء مرشحين توافقيين للرئاسة في لبنان.
التعليق:
كتبه/ علي صلاح
يبدو المشهد اللبناني مع التأجيل الثاني لجلسة البرلمان التي من المفترض أن تختار رئيسًا جديدًا للبلاد كالقارب الصغير في البحر المتلاطم تتقاذفه الأمواج هنا وهناك... والعجيب أننا نرى مرجعيات شيعية تدلي بدلوها وتقترح اقتراحات تتعلق بالشأن السياسي كما نرى مرجعيات "مسيحية" تقوم بدور سياسي فعال وتظهر في الفضائيات وترسل تحذيرات واقتراحات، لكننا لا نرى على الجانب الآخر مرجعيات سنية تقوم بنفس الدور..وكأن المقولة العرجاء التي صدرها لنا الغرب من عصوره الوسطى "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" لا تنطبق إلا على المسلمين السنة وعلى علمائهم الذين إذا برز أحدهم على الساحة وأراد أن ينطق برأيه في أي قضية سياسية فوجئ بسيل من اتهامات العلمانيين ـ وأغلبيتهم من بقايا الشيوعية البائدة- يطلب منه عدم تحويل الإسلام إلى كهنوت على الرغم من تعاطف الكثيرين منهم مع صفير وأمثاله في لبنان وخارج لبنان.
من الطبيعي أن تتدخل هذه المرجعيات لمصلحة الطائفة التي تمثلها، ولكن ليس من الطبيعي على الإطلاق تغييب مرجعيات أهل السنة في لبنان بهذا الشكل, فقلما نسمع كلامًا لمفتي لبنان عن السياسة، وإذا حدث فهي مجرد تصريحات للإدانة أو التأييد لكن لا يوجد دور فعال كما هو الحال بالنسبة لصفير ونصر الله ..إن الممثل الفعال للسنة في لبنان هو المرجعيات العلمانية كالحريري والسنيورة، بينما المرجعيات الدينية غائبة تمامًا ..فنحن نستمع للبطريرك صفير يقول مؤخرًا: إنه لن يعترف برئيس غير توافقي، معتبرًا أنه في حال انتخاب رئيسين، فإنهما لن يكونا شرعيين وستكون العواقب وخيمة. بل ويقترح أحد السياسيين العلمانيين "المسيحيين" المرشحين للرئاسة وهو ميشيل عون, ترأس صفير للجنة حوار بشأن الوصول لحل توافقي, في الجهة الأخرى لا تسمع من الطائفة الشيعية في لبنان تصريحات إلا من المرجعيات الدينية التي هي في نفس الوقت مرجعيات سياسية وها هو نصر الله يخرج علينا مؤخرًا بتصريحات يطالب فيها الرئيس اللبناني إميل لحود بالقيام بما أسماه "خطوة إنقاذية لصون البلاد من الانزلاق إلى فراغ سياسي إذا عجز الفرقاء المتناحرون عن التوصل إلى تسوية على رئيس توافقي في جلسة الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل"؛ مما أثار تكهنات بأن لحود قد يشكل حكومة ثانية برئاسة قائد الجيش حال عدم التوصل إلى اتفاق على الانتخابات الرئاسية في مواجهة حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة...وقد أثارت هذه التصريحات قوى الأغلبية إلا أننا لم نستمع لكلام عالم من علماء السنة في لبنان أو خارجها ولم نر الأغلبية تطلب رأي أحد من المراجع السنية، ولا أن تضمه للجان سياسية، ولا تستأنس برأيه فيما يحدث من تنازع, ولم نر أحدًا ينتقد الموارنة على دور صفير ولا الشيعة على دور نصر الله.. فهل كتب على السنة فقط نبذ مرجعياتهم الشرعية خلف ظهورهم وعدم استشارتها ؟!
لقد رأينا الرهبان البوذيين في ميانمار يقودون التظاهرات ضد الدكتاتورية السياسية ووقف الغرب مشيدًا بموقفهم وضغطوا على الحكومة العسكرية للإفراج عن المعتقلين والتفاوض مع المعارضة, وفي مصر يقوم شنودة بدور سياسي فعال أثار حفيظة عدد قليل من المسيحيين العلمانيين, إلا أننا لم نر انتقادًا قويًا من جانب العلمانيين المسلمين ولا من الأكثرية "المسيحية" التي ترى أن ما يقوم به شنودة هو في إطار دوره كراعي للكنيسة.
إن ما يحدث في لبنان يفجر قضية خطيرة في واقع أهل السنة الذين يشكلون أغلبية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, ويطرح عشرات الأسئلة حول الدور المشبوه الذي قام به عدد من غلاة العلمانيين ومن ورائهم بعض الأنظمة الشيوعية والاشتراكية على مر سنوات طويلة في تغييب العلماء عن قضايا الأمة والاستئناس برأيهم وعلمهم في إنارة الطريق وسط غياهب الظلمات؛ الأمر الذي أدى إلى تشتيت شملهم وزيادة قوة أعدائهم.. ولعل ما يحدث في لبنان خير دليل على ما نقول.