إيران.. الصراع بين أهل الحكم هل يهد سدًا لمأربِ ؟!!

بواسطة صباح الموسوي قراءة 575

إيران.. الصراع بين أهل الحكم هل يهد سدًا لمأربِ ؟!!

صباح الموسوي

مركز دراسات النهضة الأحوازية للثقافة والإعلام

 

مفكرة الإسلام: تقول الرواية الشيعية: إن الإمام موسى بن جعفر الصادق الملقب بالكاظم دخل يومًا على الخليفة هارون الرشيد في المدينة المنورة, فاستقبله الرشيد ثم ودعه بحفاوة بالغة لم يسبق للرشيد أن تعامل بها مع أي من رعاياه من قبل. الأمر الذي أثار استغراب ولده المأمون الذي تساءل عن سبب هذه المبالغة في الترحيب والتوديع؟! فرد الرشيد أن الكاظم هو صاحب الحكم الشرعي. فقال المأمون: إذن لماذا لا ترد إليه الحكم؟! فأجاب الرشيد بأن الحكم عقيم, ولو نازعتني عليه لأخذت الذي فيه عيناك!

قصة قد تكون من نسج الخيال الشيعي ولكنها تحمل مدلولاً سياسيًا بالغ الأهمية ينطبق اليوم على الوضع في إيران التي يدور فيها الصراع بين أبناء الفئة الواحدة, وهم رجال الدين وأبناء بيت الحكم منهم على وجه الخصوص, حيث يسعى كل منهم للانفراد بكرسي السلطة دون منازع وإن اضطر إلى أخذ رأس هذا المنازع دون النظر إلى هويته.

هذا الصراع أفرز في بدايته جناحين في بيت الحكم 'إصلاحيين ومحافظين' متفقين على مبدأ واحد وهو النظام 'الإسلامي', ولكنهما مختلفان على نظرية في الحكم اسمها 'ولاية الفقية'. وقد تمحور الخلاف في بادئ الأمر حول مدى صلاحية منصب الولي الفقيه دون الدعوة إلى إلغاء هذا المنصب, ولكن مع تقدم الإصلاحيين في السلطة أخذوا يعملون على إلغاء منصب الولي الفقيه الذي يعلم منصب رئيس الجمهورية ويجعله منصبًا أقرب للشرفي أكثر من كونه ذا سلطة تنفيذية حقيقية. ومن أجل أن يجعلوا هذا الهدف وكأنه طلب شعبي فقد عمدوا الى تأليب القوى المؤثرة في الشارع والتي ليس لها صبغة سياسية كالحركة الطلابية والعمالية. وقد استطاع الإصلاحيون أن يستغلوا هذه الحركات للتعبير عن نواياهم المبيتة لخصومهم في الجناح الآخر. غير أن الخصوم الذين يمسكون بالعصب الرئيس للسلطة والنظام وهي الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية فقد استطاعوا أن يحولوا الإصلاحيين إلى مطاردين بتهم سياسية وفضائح مالية وأخلاقية؛ الأمر الذي أساء سمعة الإصلاحيين في الشارع وأفقدهم ثقة الناخب الإيراني, ما جعلهم يفقدون منصب رئاسة الجمهورية والأغلبية المطلقة التي كانت لهم في البرلمان والمجالس البلدية ويتحولوا إلى أقلية برلمانية ضعيفة لا تقوى على تمرير أو معارضة أي مشروع يطرح من قبل خصومهم في البرلمان.

إن ذلك لم يمنع الإصلاحيين الآن, المنقسمين إلى تيارين أحدهما براجماتي بقيادة رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الحالي الشيخ هاشمي رفسنجاني, وآخر 'ليبرو إسلامي' بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي, من مواصلة عملهما لتحقيق غايتهما اعتمادًا على أدوات جديدة قديمة سبق لهم محاربتها إلا أنهم عادوا إليها لكونها تستطيع أن تدخل في مواجهة مع المحافظين بغطاء ديني بحت. وهذه الأدوات هي الحركة الصوفية والحركة المهدوية؛ فالاثنتان متشبثتان بالنزعة الدينية, ولكنهما في الوقت نفسه معارضتان لسلطة الولي الفقيه بشدة, ولكل منهما من المصادر والوثائق العقائدية الشيعية التي تؤيد وجهة نظرهما وتفحم المحافظين وتجعلهم محصورين بين خيارين إما القبول أو الطعن بهذه المصادر, وكلا الخيارين فيه خدمة لخصومهم.

ومع بدء التحضيرات لإجراء الدورة الرابعة لانتخابات مجلس خبراء القيادة، وهو المجلس المخول له مراقبة أداء المرشد الأعلى للجمهورية وتعيين خلف له في حالة وفاته, التي سوف تجري نهاية العام الجاري, والتي يحاول كل جناح من بيت الحكم كسب نتائجها لمصلحته, فقد تصاعدت حدة الصراع وقد أخذ كل طرف فيها يشحذ أدواته بوجه الطرف الآخر وقد استخدمت للمرة الأولى وثائق سرية كان محرمًا استخدامها من قبل في مثل هذه المواجهات, الأمر الذي زاد من سخونة مجمل ملفات الصراع وليس ملف الانتخابات وحسب. ومن أبرز الوثائق السرية التي تم تسريبها في هذا الصراع حتى الآن رسالة سرية كان زعيم الثورة الإيرانية الراحل الخميني قد وجهها لأركان نظامه في تموز عام 1988 قبل أيام من قبوله قرار مجلس الأمن 598 الداعي لوقف الحرب مع العراق, يشرح فيها أسباب قبوله بهذا القرار الذي أسماه بقرار 'تجرع كأس السم'.

وتكشف رسالة الخميني عن مضمون رسالة من قائد الحرس آنذاك الجنرال محسن رضائي كان قد بعث بها إليه باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة يعلمه فيها أن القوات المسلحة الإيرانية باتت عاجزة عن تحقيق أي تقدم في الحرب، وأن إيران بحاجة إلى 350 لواءً مدرعًا ومشاة و2500 دبابة و3000 مدفع، إضافة إلى 300 طائرة مقاتلة و300 طائرة هليكوبتر ـ لمواصلة الحرب ـ كما أنه يجب أن تصبح قادرة على إنتاج الأسلحة الليزرية والنووية خلال السنوات العشر المقبلة.

وقد جاء تسريب الرسالة لوسائل الإعلام من قبل مكتب رفسنجاني لإحراج قادة الحرس الثوري الداعمين لجناح المحافظين, والذين يشنون اليوم حملة دعائية ضد رفسنجاني محملين إياه مسئولية الإخفاقات التي حصلت والتي حملت الخميني على قبول وقف الحرب مع العراق. هذا من جهة, ومن جهة ثانية وبحسب رأي المراقبين فإن هدف رئيس مجلس تشخص مصلحة النظام من نشر رسالة الخميني السرية هو توجيه ضربة للرئيس الإيراني احمدي نجاد وتيار المحافظين الذين يعملون على وضع البلاد في مواجهة العالم من أجل مصالحهم السياسية.

ويعتقد المراقبون أن هذه الرسالة ربما تكون واحدة من عدة رسائل سرية سوف يتم الكشف عنها لاحقًا يتعلق بعضها بقضية إعدام مهدي الهاشمي المتهم الرئيس بالمسئولية عن تفجيرات مكة المكرمة وقضية عزل خليفة الخميني آنذاك الشيخ حسين علي منتظري وعملية تبييض السجون الشهيرة التي حدثت في عام 1988م, والتي أعدم فيها أكثر من 35 ألف سجين سياسي وغيرها من أمور أخرى غاية في الأهمية.

هذه الورقة المحرجة التي سربها رفسنجاني شجعت شركاءه من تيار 'اليبرو إسلامي' بقيادة خاتمي على اللعب بورقة ثمينة أخرى وهي زج مرجع ديني معارض هو آية الله السيد محمد حسين كاظميني بروجردي, الداعي إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة وعدم تسييس الدين, في أتون المعركة لتشكيل ورقة ضغط جديدة على المحافظين. فالبروجردي الذي كان صامدًا طوال الفترة الماضية ويعمل بعيدًا عن الأضواء في طهران تحول فجأة إلى مرجع شيعي صاحب شهرة واسعة في العالم بعد انتقاده العلني للنظام الإيراني والتعبير عن معارضته الشديدة لنظرية ولاية الفقيه.

وكان آية الله البروجردي قبل اعتقاله بأيام قلائل قد بعث برسالة إلى مفوض الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبي 'خافير سولانا' يشكو فيها من الضغوط التي تمارس ضده من قبل السلطات الإيرانية, ويحذر من قيام الأجهزة الأمنية باغتياله. وقد تسببت هذه الرسالة التي كان لها صدى واسع داخليًا وخارجيًا, بدفع وزارة الاستخبارات الإيرانية إلى مهاجمة منزل البروجردي واعتقاله, إضافة إلى أكثر من 300 من أنصاره ومساعديه, الأمر الذي يعد خرقًا جديدًا لحرمة وحصانة المرجعية الشيعية, وهو ما سوف يزيد من غضب المرجعيات الشيعية التقليدية على المحافظين ومرشد الجمهورية علي خامنئي.

المحافظون بدورهم وجدوا في زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وما تخللتها من لقاءات سرية دارت بينه ومسئولين أمريكيين فرصة لرد الكرة إلى مرمى الإصلاحيين. ولذلك فقد نشرت بعض وسائل الإعلام الموالية لقادة الحرس الثوري معلومات أكدت أن خاتمي التقى خلال زيارته لواشنطن الشهر الماضي بثلاثة من مستشاري نائب وزيرة الخارجية الأمريكية الحالي 'نيكولاس برينز'. كما كشفت مصادر المحافظين عن زيارة سرية لمسئول أمريكي سابق إلى إيران خلال الأيام الماضية, مؤكدة أن المسئول الأمريكي هو 'جيمز فيليب روبين' الناطق باسم الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس الأمريكي السابق 'بيل كلينتون' والمتزوج من الصحافية إيرانية الأصل 'كريستين آمانپور' التي تعمل في قناة «سي.ان.ان» والمقيمة حاليًا في العاصمة البريطانية لندن. وكشفت تلك المصادر أن جيمز روبين زار - خلال الأيام الخمس التي قضاها في إيران - مدن طهران وقم وأصفهان, ملمحة إلى لقائه بمسئولين في الجناح الإصلاحي دون أن تسميهم, غير أن وزارة الخارجية الإيرانية التي أكدت زيارة المسئول الأمريكي وصفتها بالعائلية!!

هذه الاتهامات المتبادلة بين أجنحة النظام الإيراني والتي يتوقع لها أن تشهد تصاعدًا في المرحلة القادمة يرى المراقبون أنها تركت شرخًا بالغًا في العلاقات بين الأطراف المتخاصمة محولة إياها من علاقة تنافس إلى حالة صراع حاد يحمل في باطنه مخاطر على النظام لا تقل أهمية عن تلك المخاطر الخارجية التي تتعرض لها إيران برمتها, الأمر الذي يبعث على التساؤل إذا ما كانت هذه الصراعات - التي بلغت المساس بالعقائد والمقدسات - سيتمكن أحد الأجنحة من سحق الآخر ليحوز السلطة دون منازع أم سوف تهد بيت الحكم على الجميع؟!



مقالات ذات صلة