حسيب عبد الرزاق
25-11-2013
يتحدّى حسن نصر الله (أمين عام حزب الله اللبناني) السوريين وثورتهم التي دخلت شهرها الحادي والثلاثين ضد حكم بشار الأسد، ولم يعد يلجأ إلى مراوغاته المعهودة في خطبه الأولى حول حقيقة تواجده في سوريا لمؤازة طاغية الشام، حيث كشف في خطابه الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت بذكرى "عاشوراء" وسط عشرات الآلاف من مؤيديه أن مقاتلي حزبه "باقون" في سوريا وقال من خلف زجاج مقاوم للرصاص: "ما دامت الأسباب قائمة، فوجودنا قائم هناك".
حسن نصر الله عبد الكريم نصر الله (مواليد بلدة البازورية جنوب لبنان 31 آب / أغسطس عام 1960)، فاجأ جمهوره العربي الذي دعمه في "مقاومته" للكيان الصهيوني بعد أن زجّ بجنوده في معركة الأسد للبقاء في الحكم رغماً عن إرادة السوريين، ضارباً عرض الحائط بشعبيته الكبيرة في محيطه الإقليمي والتي اكتسبها خلال حروبه ومناوشات جنوده مع الاحتلال الصهيوني والتي أدت إلى انسحاب الكيان من الجنوب اللبناني منذ 13 سنة، وقد أثار غضب السوريين بمشاركته بشكل معلن و"وقح" في احتلال بلدة القصير السورية الحدودية مع لبنان واستفز الشعوب العربية بعد أن قبل برفع أعلام الثأر الشيعي المذهبي على إحدى مآذن القصير.
ولم تكن التحفظات غير المعلنة للمعارضة السورية على أداء "نصر الله" السياسي المتمثل في ولائه لآل الأسد والطاعة العمياء لإيران أي قيمة على الأرض، قبل حلول فصل الربيع العربي الذي بزغ في ثورة البوعزيزي التونسية عام 2010، فاختار زعيم حزب الله سياسة القرار المنفرد في لبنان معلناً وقوفه مع نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في حوران وأسواق دمشق في مارس عام 2011، وهو الذي عرّض الدولة اللبنانية للتدمير في حروبه المنفردة مع الكيان الصهيوني، والتي بلغت أوجها في حرب يوليو عام 2000 ودفع اللبنانيون آنذاك ثمناً باهظاً لسياسات زعيم الجنوب.
يصدم نصر السوريين مع كل خطاب يظهر فيه على شاشات البلازما بإصراره "الأعمى" على تحدي السوريين وإنكار ثورتهم التي نادت بالحرية والكرامة، وأدت مواقفه "المبدئية" من الثورة السورية إلى شعور السوريين بالخذلان من "زعيم مقاومة" ضد الاحتلال، فبات بنظر السوريين قائد حزب ميليشيوي عسكري سياسي عاق ، خارج عن القانون، بعد أن تكشفت عورة شعار "الممانعة" وتخندق بمحور (الأسد- الخميني) الطائفي.
عرف نصر الله طعم الفقر والحرمان، فهو الذي نزح إلى بيروت مع عائلته هرباً من الفقر المدقع في قريته حينما كان طفلاً ، ليساعد والده في بيع الخضار، وذاق مرارة الحروب "الطائفية" التي يدعم نشوبها الآن في سوريا تحت أجندة إيران، فقد عاد إلى قريته البازورية الفقيرة بعد اندلاع الحرب الأهلية بلبنان وتابع دراسته الثانوية ليلتحق بصفوف حركة أمل "الشيعية" التي أسسها الإمام موسى الصدر، بعيداً عن التوجهات السياسية في بلدته التي كانت ذات طابع حزبي يساري.
لزعيم حزب الله "أبو هادي" توجهات مذهبية دينية لا يشق لها غبار، فقد أكمل انغماسه "الشيعي" في حوزات محمد باقر الصدر بالعراق وأتم علومه الدينية في فترة سريعة بعد أن التقى عباس الموسوي الذي يتحدر من أصول لبنانية في مدينة النجف العراقية إحدى أهم مدن الشيعة، ونشأت بينهما صداقة قوية أدت إلى تأسيس "حزب الله اللبناني" عام 1982 منشقاً بذلك عن حركة أفواج المقاومة اللبنانيه (أمل) التي شغل فيها منصب مندوب الحركة في البقاع.
عند ولادة حزب الله بزعامة عباس الموسوي لم يكن نصر الله عضوًا في القيادة فهو لم يكن حينها قد تجاوز الـ 22 من العمر، فاقتصرت مسؤولياته بتعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية، ثم تدرج في الصعود على سلم المناصب في الحزب ليتولى منطقة بيروت ثم "المسؤول التنفيذي العام بمجلس الشورى"، ليغادر بيروت متجهاً إلى عاصمته الروحية، مدينة "قم" بإيران، ويتابع دروسه الدينية هناك حيث شكلت شخصيته الدينية، الأمر الذي يفسر سلوكه السياسي الإنعزالي عن الدولة اللبنانية، ويتبلور ذلك توليه زعامة الحزب بعد اغتيال الموسوي.
يرفض نصر الله بعد توليه منصب الأمين العام للحزب أية فكرة تقضي بمشاركة الدولة اللبنانية بحمل سلاح حزبه في الجنوب، فاحتكر سلاح المقاومة حتى الآن، بعد أن أقحم حزبه "المتطرف" في المعترك السياسي اللبناني ليشارك في الانتخابات النيابية أعوام 1996 و2000 و2005 تحت اسم " كتلة الوفاء للمقاومة ".
وكما الديكتاتور الراحل حافظ الأسد، ذاق نصر الله مرارة فقدان الابن، ففي عام 1997 قتل ابنه البكر "هادي" في مواجهات دارت بين مقاتلي الحزب وجيش الاحتلال الصهيوني في الجنوب، لكن ذلك لم يثنه كما حافظ الأسد عن الإمعان في قهر السوريين وقتل أبناء البلد، ليوجه جنوده رصاص ثأر "طائفي" نحو صدور السوريين الذين وقفوا إلى جانب حزبه وأهله في حرب يونيو، وفتحوا بيوتهم "السنية" لمئات الألوف من الأسر الشيعية الهاربة من وحشية الكيان الصهيوني.
يمتلك زعيم ميليشيا حزب الله الشيعي المتطرف في لبنان "كاريزما" مؤثرة رسخت في قلوب العرب لأكثر من عقد من الزمن، إلا أن ثورة الحرية والكرامة في سوريا قد حطمتها إلى غير رجعة كما حطمت تماثيل الأسد، فبعد خروج مظاهرات حاشدة في سوريا تندد بتواطؤ حزب الله مع الأسد، أحرق الثوار أعلام حزبه الصفراء وهشّموا بأحذيتهم الغاضبة صوره، فلم تعد خطبه الحماسية والواثقة في زمن حروبه (المشكوك بمصداقيتها وأهدافها) مع الكيان الصهيوني مقنعة للسوريين، وبات إصراره على دعم الأسد ووجود مؤامرة كونية على "محور الممانعة" انفعالياً وعدائياً بلا جدوى، بينما يمارس جنوده المتواجدون في مدن وقرى سورية هوايتهم في حمل السكاكين والذبح الطائفي باسم "الحسين".
المصدر : أورينت.نت + الدرر الشامية