عقيدة الرافضة في المسجد الأقصى (عرض ونقد)

بواسطة عبد العزيز الغريب قراءة 4396

عقيدة الرافضة في المسجد الأقصى (عرض ونقد)

 

    ترى بعض كتب وتفاسير الشيعة أن ليس للمسجد الأقصى فضل على غيره من المساجد ، واستندوا بذلك على الآتي :

 

·        جاء في كتاب تفسير الصافي للعياشي الجزء 3 صفحه 166

 

      " قال العياشي عن أبي عبد الله قال : سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال : المسجد الجرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، قلت : والمسجد الأقصى جعلت فداك ؟ قال : ذاك في السماء ، إليه أسرى برسول الله عليه وسلم ، فقلت : إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفصل منه"  !!

 

ومدار الحديث عند هؤلاء من الروافض حول مكانة المسجد الأقصى " أن من أشاع قداسته هم الأمويين الذين أعادوا تفسير القران ، لإيجاد متسع للقدس عندما بنوا مسجداً وأسموه المسجد الأقصى وأعطوه دوراً بارزاً في حياة الرسول محمد - e - بأثر رجعي، وأن الأمويين هم الذين كانوا وراء السعي لتحويل الحج من مكة إلى القدس . وأن المسجد الذي أسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو مسجد في السماء أسمه المسجد الأقصى والذي يتشابه أسمه مع المسجد في القدس !! وإن معاوية بويع بالخلافة في القدس، وإنه هو الذي أسمى القدس وبلاد الشام الأرض المقدسة !!

 

ولهذا لا تكاد تجد دراسة ليهودي أو مستشرق حول القدس والمسجد الأقصى إلا ويشكك في مكانة القدس عند المسلمين معتمداً على أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء كما ادعى " إسحاق حسون  Ishaq Hasson  " – العضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العربية – في المقدمة التي وضعها لكتاب فضائل البيت المقدس لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي والذي قامت بطباعته الجامعة العبرية باللغة العربية – حيث قال : " بأن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعا على أن المسجد الأقصى وهو مسجد القدس ، إذ رأى بعضهم انه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة". وهو يستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو "ديمومين" .

ولكن من أين " إسحاق حسون  " وللكاتب الفرنسي "ديمومين" وغيرهم هذه الأقوال . وبعد التدقيق وجدت أن كل اعتماد المستشرقون وإشكالهم تركز على نقولات وأحاديث وكتب التأريخ المعتمدة لدى الرافضة ، والتي تنص على أنه مسجد في السماء !!

ولهذا أطلق العديد من المستشرقين من أمثال " جولد تسيهر " ،  وكذلك البرفسور "أمنون كوهين" في كتابه " القدس ، دراسات في تاريخ المدينة " والذي يرأس مؤسسة للأبحاث والدراسات ، تقدم دراسات متخصصة للقراء العرب والباحثين -  لتاريخ القدس !! ،

وكذلك " لاتسروس يافة " الباحث في نظرة الإسلام للقدس ، وكتابات" كستر  kister M.j " ، وهو من العاملين في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة ، والوثائق التي يعدها ويوزعها بشكل واسع مؤسس " جامعة الدفاع اليهودي " ويدعي "دانيال ياسين" ، وبوهل F.Buhl الذي أسند إليه كتابة تاريخ القدس في الموسوعة الإسلامية وهو يهودي صهيوني ، وكذلك جميع الموسوعات الغربية من غير استثناء - التي تشكك في مكانة القدس في الشرع الإسلامي بطرق ملتوية ونصوص لا تحمل على ذلك بهدف التزييف والتشويه وتوهين حقائق الإسلام ومقدساته في نفوس المسلمين : وخلاصة مزاعمهم :

·        أن مكانة القدس في الإسلام ،كانت موضع خلاف بين المسلمين الأوائل .

·        وأن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة .

·        وإن ما روي من أحاديث عن قداسة القدس كانت موضع شك عند كثير من المسلمين"

·    وإن عوامل سياسية ، داخلية وخارجية ، هي التي حفزت على إضفاء صفة القداسة على المدينة ، ومن هذه العوامل مثلاً حرص بني أمية على أن يجنبوا الناس الحج إلى مكة خلال ثورة عبد الله بن الزبير .

 

"جولد تسيهر" المستشرق اليهودي المجري وأكاذيبه حول المسجد الأقصى والصخرة وحديث لا تشد الرحال :

يعد "جولد تسيهر" المستشرق اليهودي المجري المرجع الأساس للكثير ممن كتب من الباحثين اليهود حول القدس والمسجد الأقصى ، وهو من أوائل من شكك في الأحاديث التي جاءت بفضل المسجد الأقصى وبركته . بل تعدى ذلك بقوله أن القسم الأكبر من الحديث النبوي ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنيين الأول والثاني !!

ودلل على ذلك بزعمه : أن عبد الملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير ، وأنه بنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلا من الكعبة ، وزعم أيضا أن عبد الملك أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية ، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدا لأن يضع له أحاديث كحديث : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " وزعم أن الأحاديث التي وردت في فضائل بيت المقدس  مروية من طريق الزهري !!

مع أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم ينقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ ، بما أنزل الله في كتابه ، وبما سنه عليه الصلاة والسلام من سنن وشرائع شاملة وافية ، حتى قال صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ، وقال " تركتكم على الحنيفية السمحة ليلها كنهارها " . ومن أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " وذلك يعني كمال الإسلام وتمامه .

فما توفي رسول الله إلا وكان الإسلام ناضجا تاما لا طفلا يافعا كما يدعي هذا المستشرق. ومع كثرة الفتوحات والأمم التي دخلت الإسلام إلا أنهم كانوا متحدين في العبادات والمعاملات ، ولو كان الحديث أو القسم الأكبر منه نتيجة للتطور الديني في القرنيين الأولين للزم حتما ألا تتحد عبادة المسلم في شمال أفريقيا مع عبادة المسلم في جنوب الصين .

 

ونلخص الرد على مزاعم "جولد تسيهر" المستشرق اليهودي بالآتي:

 

1.  لا نعلم في الدنيا أحدا اتهم الزهري بأمانته وصدقه في الحديث قبل هذا المستشرق اليهودي المتعصب جولد تسيهر. الذي قال عنه الأمام أحمد: " الزهري أحسن الناس حديثاً وأجودهم إسناداً " وقال عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب : "هو الفقيه أبو بكر الحافظ المدني أحد الأئمة الأعلام ، وعالم الحجاز والشام " .

2.    لا شك أن بناءها ـ كما يزعم جولد تسيهر ـ لتكون بمثابة الكعبة يحج الناس إليها بدلا من الكعبة ، حادث من أكبر الحوادث وأهمها في تاريخ الإسلام والمسلمين ، فلا يعقل أن يمر عليه هؤلاء المؤرخين مر الكرام ، وقد جرت عاداتهم أن يدونوا ما هو اقل من ذلك خطرا أو أهمية .

3.   إن نص الحادثة كما ساقها جولد تسيهر بيّن البطلان ، لأن بناء شيء ليحج الناس إليه كفر صريح ، فكيف يقدم عبد الملك عليه ، وهو الذي كان يلقب بـ " حمامة المسجد " لكثرة عبادته ؟ على أن خصومه طعنوا فيه بأشياء كثيرة ولم نجدهم اتهموه بالكفر ، ولا شنعوا عليه ببناء القبة ، ولو كان الأمر ثابتاً لجعلوها في أول ما يشهرونه به .

4.   ولد الزهري سنة إحدى وخمسين أو ثمان ، ومقتل عبد الله بن الزبير كان سنة ثلاث وسبعين ، فيكون عمر الزهري حينذاك على الرواية الأولى اثنين وعشرين عاما ، وعلى الثانية خمسة وعشرين ، فهل من المعقول أن يكون الزهري في تلك السن ذائع الصيت عند الأمة الإسلامية بحيث تتلقى منه بالقبول حديثاً موضوعاً يدعوها فيه للحج إلى القبة بدلاً عن الكعبة ؟

5.   إن نصوص التاريخ قاطعة بأن الزهري في عهد ابن الزبير لم يكن يعرف عبد الملك ولا رآه بعد ، فالذهبي يذكر لنا أن الزهري وفد لأول مرة على عبد الملك في حدود سنة ثمانين ، وابن عساكر روى أن ذلك كان سنة اثنتين وثمانين ، فمعرفة الزهري لعبد الملك لأول مرة إنما كانت بعد قتل ابن الزبير ببضع سنوات ، وقد كان يومئذ شابا بحيث امتحنه عبد الملك ، ثم نصحه أن يطلب العلم من دور الأنصار ، فكيف يصح الزعم بأن الزهري أجاب رغبة صديقه عبد الملك فوضع له حديث بيت المقدس ليحج الناس إلى القبة في عهد ابن الزبير ؟.

6.   إن حديث لا تشد الرحال .... الخ . روته كتب السنة كلها ، وهو مروي من طرق مختلفة غير طريق الزهري ، فقد أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري من غير طريق الزهري . ورواه مسلم من ثلاث طرق إحداها من طريق الزهري وثانيتهما من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعة عن أبي سعيد ، وثالثتهما من طريق ابن وهب عن عبد الحميد عن عمران بن أبي أنس عن سلمان الأغر عن أبي هريرة . فالزهري لم ينفرد برواية هذا الحديث ، كما يزعم جولد تسيهر ، بل شاركه فيه غيره ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله عن حكم زيارة بيت المقدس والصلاة فيه فقال : ثبت في الصحيحين عن النبي r أنه قال لا تشد الرحال .... الخ وهو في الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وقد روي من طرق أخرى ، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول ، أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق ، واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه ، وكان ابن عمر يأتي إليه فيصلي )) .

7.   إن هذا الحديث رواه الزهري عن شيخه سعيد بن المسيب ، ومن المعلوم أن سعيداً ما كان ليسكت عن الزهري لو أنه وضع هذا الحديث على لسانه إرضاء لأهواء الأمويين ، وهو الذي أوذي من قبلهم وضرب ، وقد توفي سعيد (سنة 93) من الهجرة أي بعد مقتل ابن الزبير بعشرين سنة ، فكيف سكت سعيد عن هذا كل هذه المدة ، وقد كان جبلا شامخا من جبال القوة في الحق لا يبالي في الله لومة لائم ؟ .

8.   لو فرضنا أن الزهري وضع هذا الحديث إرضاء لعبد الملك ، فلم لم يصرح فيه بفضيلة قبة الصخرة وقد أراد عبد الملك أن يحج الناس إليها ؟ كل ما في هذا الحديث وما صححوه من أحاديث بيت المقدس فضل الصلاة فيه وفضل زيارته غير مقيدة بوقت معين ، وهذا شيء أثبته القرآن جملة ، فأين هذا مما يريده عبد الملك من الحج إلى القبة بدلا من الكعبة في أيام الحج .

9.   إن حديث لا تشد الرحال الذي صححه العلماء لا يربط بما ورد في فضائل بيت المقدس والصخرة أو غيرها من أحاديث مكذوبة ليس للزهري رواية فيها ، وقد نقدها العلماء جميعا حتى قالوا : كل حديث في الصخرة فهو كذب .

 

حقائقنا حول المسجد الأقصى

 

·   لتحويل القبلة بعد الهجرة قصة مع اليهود ، حيث فرحوا بدايةً باستقبال النبي e لقبلتهم ورأوا في ذلك مدخلا للحديث عنه e ، حيث يزعمون انه قلدهم في القبلة وسار على نهجهم مع انه e ينفذ ما أمره به ربه عز وجل ، وحيث أوحي إليه باستقبال القبلة نفذ ذلك بفرح وسرور ، ولكن اليهود ظنوا أن ذلك لهوى في نفسه فحاولوا خداعه فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه .

·   ولنا عبرة في كتاب الله تعالى حيث أخبر انه سيعترض السفهاء من الناس على تغيير القبلة وتحويلها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال المسجد الحرام ، وأخبر بذلك قبل أن يأمر نبيه محمد e باستقبال المسجد الحرام في قوله سبحانه وتعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) فوصف ممن وقع منهم هذا القول بالسفه لأنهم اعترضوا على حكم الله وشرعه ، وكان في قوله السفهاء ما يغني عن رد قولهم وعدم المبالاة به ولكنه سبحانه مع هذا لم يترك هذه الشبهة حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض فقال تعالى : ( قل لله المشرق والمغرب ) أي قال يا محمد لهم مجيبا لله المشرق والمغرب وكل الجهات ملك لله .

·   فاخبرنا الله تبارك وتعالى لذلك لكي تبقى رؤوسنا مرفوعة وعرفنا بمن يشككون في معتقداتنا حتى لا نهون في مجالس الصراع وحتى لا نذل في حربنا معهم ، وقد اخبرنا ابن عباس بهذه الحادثة ، ليظهر لنا اليهود على حقيقتهم بعد أن مر على هجرة المصطفى e ستة عشرا شهراً أو سبعة عشر شهراً .

·   وما أشبه اليوم بالبارحة فهذه الشبه التي يطلقها اليهود وأعوانهم أرادوا منها التشكيك والتوهين والتسخيف ولكن أنى لهم هذا وهم يعلمون الحق ويكتمونه وهم يعلمون أن سيعزلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية ، لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب ، فانتقلت القيادة الروحية من أمة ملأت تاريخها الغدر والخيانة والإثم والعدوان إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات.

·   أما بالنسبة إلى منزلة القداسة التي أُنزلتها مدينة القدس عند المسلمين في أبكر عهود الإسلام ، فإن اتخاذ هذه المدينة قبلة للمسلمين مدة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً بعد هجرة المسلمين إلى المدينة يقوم دليلاً لا ينقض على مكانتها لدى المسلمين منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .

·   ومما يتصل بهذه الحقبة المبكرة جداً من تاريخ الإسلام بالنسبة إلى مكانة القدس عند المسلمين ، حادث الإسراء برسول الإسلام صلوات الله عليه من مكة إلى القدس ، ثم معراجه من القدس إلى السماء ، وقد وثقت هذه الرحلة العجيبة توثيقاً خالداً في الآية الأولى من سورة الإسراء :)سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الاسراء:1)

فالمسجد الأقصى في القدس ، قد أسري بالنبي إليه ، والأرض التي ضمت الأقصى وامتدت حولها ، هي أرض مباركة في الإسلام بحكم نص القرآن الكريم ، منذ أن تنـزلت آية الإسراء .

أما ما ورد من أقوال سابقة ، من أن المسجد الأقصى لم يكن في القدس ، وإنما هو مكان تصوره الرسول في السماء ، فقول لم يأخذ به أو يتقبله أو يقله أحد من المسلمين ، منذ أن تنزلت آية الإسراء وإلى يومنا هذا ، وما فسرت به الآية القرآنية .

على أن عدداً من مفسري القرآن الكريم ، لم يقتصروا على آية الإسراء الأولى فيما يتعلق بقداسة القدس ، بل شموا إلى هذه الآية التي لا خلاف على دلالتها آية قرآنية أخرى ، مثل الآية 13 من سورة الحديد :)فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)(الحديد: من الآية13) فقالوا إن السور المقصود ، وهو سور بيت المقدس الشرقي ، ومثل الآية 14 من سورة النازعات : ( فإذا هم بالساهرة ) ، فقالوا إن المقصود " بالساهرة " البقيع الموجود جانب الطور ، شمالي  سور القدس اليوم ، ومثل الآية 36 من سورة النور : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) ، فقالوا إن المقصود هو بيت المقدس ، وغير هذه من الآيات .

·    وأما بالنسبة إلى الأحاديث التي تؤكد مكانة القدس في الإسلام ، فهي كثيرة جداً ، وقد ورد منها في كتب الفضائل ، موضوع هذه الدراسة ، عشرات الأحاديث ، وإذا كان ثمة اختلاف في الآراء حول مدى صحة هذه الأحاديث ، فلا خلاف على الإطلاق على حديث مجمع على صحته ، وقد ورد في كتب الصحاح ، وفي كل كتب فضائل القدس ، وجرت روايته بطريق مختلفة ، منها رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ومسجدي هذا : مسجد المدينة " . وقد وصف ابن تيمية هذا الحديث بأنه ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه حديث مستفيض ، متلقى بالقبول ، أجمع أهل العلم على صحته وتقليه بالقبول وتصديقه " .

·    ولم يغب عن مؤلفي كتب الفضائل أن الأحاديث التي تنسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل القدس ، ليست كلها على مستوى واحد من الصحة والقبول . فها هو شهاب الدين أبو محمود أحمد بن محمد المقدسي ، صاحب كتاب " مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام " يقول في خاتمة كتابه ، مبيناً ما يمتاز به الكتاب عن كتب الفضائل الأخرى : " وصنف آخرون أيضاً في فضائل الشام وفضائل القدس ، وهذا المصنف بحمد الله تعالى مشتمل على الفصلين معاً ( فضائل الشام وفضائل القدس ) قد احتوى على الآيات الواردة في القرآن العظيم في فضلهما ، والأحاديث الواردة في ذلك : الصحيح ، والحسن ، والغريب ، والضعيف المحتمل ، والواهي التأليف والموضوع ، والآثار القوية والواهية .

·   والقدس كانت تعني لجيوش عمر بن الخطاب التي أرسلت لفتح الشام أكثر مما كانت تعنيه بلدان الشام الأخرى ، حتى قبل أن تفتح المدينة المقدسة بالفعل.

·    أما القول بأن الخليفة الأموي ،عبد الملك بن مروان ، قد أراد أن يضفي على القدس طابع قداسة خاصة ببنائه قبة الصخرة ، أو مسجد الصخرة ، من أجل أن يتحول الناس في حجهم من مكة إلى القدس ، فقول مرفوض في إطار العقيدة الإسلامية ، وفي إطار النصوص الصحيحة المنقولة .

·    والرجل الذي اعتمد عليه عبد الملك اعتماداً أساسياً في بناء مسجد الصخرة ، وهو رجاء بن حيوة ، كان من علماء المسلمين وكان صديقاً لعمر بن عبد العزيز ، الرجل الصالح ، ولم يكن هذا ليشارك أبداً في بناء يقصد به خديعة المسلمين وغشهم ، بأن يتحولوا إلى لحج إليه بدلاً من مكة .

·   ومن البديهيات كذلك أن عبد الملك ما كان ليفكر مجرد التفكير في إحلال صخرة القدس محل مكة وهو ركن من أركان الإسلام المفروضة والمبينة في القرآن الكريم، ولو أنه فعل ذلك لوصم بالكفر ولحل قتاله ، بل لأصبحت مجاهدته فرضاً واجباً على المسلمين وقد تنبه لهذه الأمور كلها كاتب غير مسلم هو جويتين كما هو واضح من المادة التي كتبها عن الخلفية التاريخية لبناء قبة الصخرة .

·    وأما رواية منع عبد الملك الناس من الحج إلى مكة إبان ثورة ابن الزبير فهي رواية متهافته منقوضة ، حتى في كتابة المؤرخ الذي كان أول من أوردها وهو اليعقوبي فرواية اليعقوبي تقول إنه منع الناس من الحج إلى مكة خشية أن يأخذهم ابن الزبير بالبيعة ،وأنه أقامة بذلك أيام بني أمية .

·    ولكن اليعقوبي نفسه يقول بعد صفحتين فقط من إيراده هذه الرواية ، إنه في سنة 68 هـ وقفت أربعة ألوية بعرفات : محمد بن الحنفية في أصحابه ، وابن الزبير في أصحابه ، ونجدة بن عامر الحروري ، ولواء بني أمية . ثم ينقل عن المساور بن هند قيس قوله : وتشعبوا شعباً ، فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومعروف أن حكم الزبير في مكة امتد من عام 66 إلى عام 73 هـ وهو عام مقتله .

·    بل إن اليعقوبي يورد بعد ذلك أن عبد الملك نفسه قد حج سنة 75 هـ مما يخالف روايته الأولى عن منع حكام الأمويين الناس من الحج أيام بني أمية . ويقول اليعقوبي وهو يتحدث عن حج عبد الملك في السنة المذكورة ، إنه بدأ بالمدينة ، ولما أراد الانصراف بعد الحج وقف على الكعبة وقال : " والله إني وددت أني لم أكن أحدثت فيها شيئاً ، وتركت ابن الزبير وما تقلد " فهو هنا إذن يشعر بالندم لأنه أباح لقائدة الحجاج أن يضرب الكعبة بالمجانيق خلال اعتصام عبد الله بن الزبير بها .

·    ويعدد لنا اليعقوبي نفسه بعد ذلك الذين أقاموا الحج للناس من رجال الأمويين خلال السنوات من 72 حتى 85 هـ ، ومنهم عبد الملك نفسه وابنه سليمان وأبان بن عثمان بن عفان والحجاج بن يوسف .

ولا نشك في كره اليعقوبي الصريح لبني أميه ، هو الذي دفعه إلى محاولة تشويه سمعة الأمويين ، ولكنه لم يكن متحرزاً فيما أورده ، ولا منسجماً مع نفسه في رواياته المتناقضة .

فاليعقوبي يقدم لنا في تاريخ قائمة برجال بني أمية الذين أقاموا الحج زمن الوليد ويحدثنا عن اهتمام خاص للوليد بن عبد الملك بمقدسات الحجاز في مكة والمدينة ، ومما يتناقض مع القول بأنه أراد أن يصرف الناس عن مدينتي الحجاز المقدستين إلى مدينة القدس في فلسطين . فقد ذكر اليعقوبي أن الوليد كتب إلى عمر بن عبد العزيز الذي كان عامله على المدينة بأن يوسع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يدخل فيها المنازل التي حولها ويدخل فيه حجرات أزواج النبي ، كما بعث إلى خالد بن عبد الله القسري واليه إذ ذاك على مكة ، بثلاثين ألف دينار ، فضربت صفائح وجعلت على باب الكعبة ، وعلى الأساطين التي داخلها ،وعلى الأركان والميزاب ، فكان أول من ذهّب البيت في الإسلام .

ورواية اليعقوبي هذه ، تؤكدها رواية مؤرخ يعتبر من أقدم من أرخوا لمكة : ذلك هو أبو الوليد محمد بن عبد الله – أو ابن عبد الكريم – بن أحمد الأزرقي . فقد ذكر الأزرقي في كتابه " أخبار مكة " أن الوليد بن عبد الملك عمر المسجد الحرام وعمل عملاً محكماً .

 



مقالات ذات صلة