دفاعاً عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه
محمد أحمد العباد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن تاريخ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وما وقع فيه من أحداث هو جزء من ديننا، لا يصح بأي حال أن نسوي بينه وبين تاريخ آخر، أو أن نتساهل في أخذه وروايته؛ لأن أي إجحاف أو تمييع في حق هذا التاريخ وتوثيقه سيعود حتماً على الدين.
وخاصة إذا كانت تلك الأخبار تتناول المواقف الحاسمة، أو بعض الفتن، أو بعض ما يسيء إلى مقام ذلك الجيل الفاضل، أو كان فيها شيء من المخالفة لأصول الشريعة العامة، أو تخللها بعض الشوائب التي ترفضها الفطرة السليمة، فحينئذ لا بد من النظر في أسانيدها نظراً دقيقاً، ومحاكمتها محاكمة عادلة. (كيف نقرأ التاريخ).
وقد قرأت مقالة في إحدى الصحف الكويتية بتاريخ 11 فبراير 2008 تناول فيها كاتبها الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان مدار كلامه حول نقطتين أساسيتين وهما:
1 – إثبات وقوع اللعن من معاوية لعلي رضي الله عنهما.
2 - قيام معاوية بدس السم لحسن بن علي رضي الله عنهما وهي السبب الرئيس في كتابته للمقالة.
فكتبت عليها هذه التعليقات مستعيناً بالله تعالى، وسائلاً الله - جل وعلا - التوفيق والسداد، والهدى والرشاد:
1 - تمهيد:
لا ريب أنه لا يجوز سبّ أحد من الصحابة لا علي ولا عثمان ولا غيرهما وكذلك من سب أبا بكر وعمر وعثمان فقد اقترف إثما مبيناً، وذنباً عظيماً لا يقل عن إثم من سب علياً رضي الله عنهم أجمعين، وهذا أمر مفروغ منه لا أظنه يستدعي إطالة الكلام حوله؛ إذ لا نزاع لدى أهل السنة فيه ولا المقام يسمح بالإفاضة فيه.
2 – النقطة الثانية:
نقل الكاتب حديث: «من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله».
وفيه ثلاث تنبيهات:
أ - هذا حديث ضعيف الإسناد، فيه أبو إسحاق السبيعي مدلس وقد عنعن وكان قد اختلط، وحفيده الذي روى عنه هذا الحديث – واسمه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق - إنما سمع منه متأخرا. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رحمه الله (5/336)
وفي إسناد الحديث أيضاً محمد بن سعد العوفي ضعفه الخطيب والذهبي.
ب - وأما استشهاد الكاتب لتصحيح الحديث: بأن الحاكم قد صححه، فهو خطأ ( قد ) يُعذر الأستاذ فيه لعدم اطلاعه على أقوال علماء الحديث في شأن تصحيحات الحاكم النيسابوري، فأكتفي بنقلين فقط يبينان ذلك؛ عسى أن يستفيد منها الأستاذ حتى لا تتكرر مثل هذه الأخطاء مرة أخرى.
قال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/312) متحدثا عن الحاكم: وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به، ويقول الحافظ الزيلعي في نصب الراية (1 / 341): «ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبدالله؛ فإنه كثير الغلط ظاهر السقط».
ج – أننا لو أقررنا بمضمونه لقلنا: إن الحسن بن علي رضي الله عنهما قد خان علياً، ورسولَ الله، واللهَ عز وجل، عندما بايع من سب علياً والنبيَّ صلى الله عليه وسلم واللهَ تعالى.. فهل هناك خيانة أعظم من هذه ؟!
3 – يقول الكاتب: «وقد استن معاوية سنة لم يسبقه أحد إليها، وهي لعن علي بن أبي طالب وأهل بيته بعد كل صلاة على منابر المسلمين على مدى سبعين سنة، وقد أصدر مرسوماً إلى ولاته في مختلف الأمصار أن برئت الذمة ممن يروي فضيلة لأبي تراب يعني علي وأهل بيته»:
أقول: إنني أجزم جزماً يقينياً أن الكاتب الشعوبي لا يملك إثبات صحة هذا النقل المفترى، وأهل السنة يمهلونه أياماً، بل أشهراً وأعواماً إن شاء، فإن لم يأت بما يثبته فليعلم، أني لم أنطق إلا بالحق المبين، ولم أقل ما قلت إلا عن علم سابق واختبار، سبقني به أهل العلم ومشايخنا الفضلاء.
وأما إن قال لنا: هو موجود في الكتاب الفلاني، والكتاب الفلاني!
فنقول: ليس الشأن بوجوده في كتاب، ولكن الشأن – كل الشأن – بثبوت إسناد ما وُجد في الكتاب.
فالله تبارك وتعالى قد جعل لنا قاعدة ذهبية قَلَّما يتنبه لها الكثيرون – ويبدو أن الكاتب كان واحداً منهم - ألا وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} فهذا إن وجب في حق آحاد المسلمين، فكيف برؤوس الأمة الذين هم نقلة هذا الدين، هم الذين نقلوا لنا القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
4 – ثم نقل ذلك الكاتب عن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وتاريخ ابن جرير وابن الأثير ما نصه: أن عبدالرحمن بن حسان العنزي لما أبى أن يلعن علياً في مجلس معاوية أرسله إلى زياد ابن أبيه وأمره أن يقتله قتلة ما قتلها أحد في الإسلام، فدفنه حياً.
والكلام حوله من وجوه:
أ - أما كتاب الأغاني فأقول: إنه لا يليق بك أن تنزل إلى هذا المستوى، إنَّني والله أحزن على مثل هذا الاتجاه؛ إذ أن المرجو ألا يصل طرحك إلى حد الاحتجاج بما يروى في كتب الأدب الماجن والطرائف الخليعة مثل الأغاني للأصفهاني، المليء بالمجون والسخف والتصريح بشرب الخمور واللهو مما يقدح في عدالته، أفلهذه الدرجة هانت عقيدة المسلمين؟!
ب- هذه الرواية مدارها على أبي مخنف واسمه لوط بن يحيى قال فيه الإمام الذهبي: لوط بن يحيى أبو مخنف إخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بثقة وقال مرة: ليس بشيء وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم.
وقال الكناني: كذاب تالف، وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا حاتم عنه فنفض يده وقال: أحد يسأل عن هذا وذكره العقيلي في الضعفاء.
5 - استشهاد الكاتب بقول معاوية لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: (( ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ )) على وقوع معاوية في سب علي رضي الله عنهما:
والكلام حوله من وجوه:
أ - أن هذا الحديث لا يُسعف الكاتب في دعواه أن معاوية رضي الله عنه كان يسب علياً رضي الله عنه، بل هو على خلاف ذلك فها هو سعد قد أجاب معاوية وفي نفس الحديث بذكر ثلاثة فضائل لعلي - رضي الله عنهم - وعلى ملأ من معاوية وحزبه، ولم ينله أذى ولا عقاب. يقول القرطبي في المفهم: قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا التراب ؟ وهذا ليس بتصريح بالشيء؛ وإنَّما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك. وانظر كلام النووي في شرح صحيح مسلم ( 15 / 175 ).
ب – أن هذا يُؤكد أنَّ ذكر فضائل علي - رضي الله عنه - كانت تُعلن في العصر الأموي على خلاف ما يزعم المخالفون.
ج – أنه لو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب علي - كما يدَّعي ذلك الكاتب وغيره من أبناء طائفته - لما سكت عن سعد ولأجبره على سبه، ولكن لم يحدث من ذلك شيء، فعُلم أنه لم يأمر بسبه ولا رضي بذلك، بل سكوت معاوية فيه تصويب لرأي سعد رضي الله عنهما.
6 - دعواه أن معاوية دس إلى الحسن بن علي رضي الله عنهم السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، ونقله عن بعض المصادر:
وهي قضية الكاتب الأساسية في المقالة والكلام عليها من وجهين رئيسين:
أ - هذه الحادثة لم تثبت ببينة شرعية، ولا ثبتت بإقرار معتبر، ولا ثبتت بنقلٍ صحيحِ الإسناد يُجزم به، والكاتب عليه هنا أيضاً:
إما أن يثبت صحة أسانيدها بأن تكون متصلة برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهى الإسناد، وإما أن يعترف ويقر بأنه لا يوجد لها إسناد صحيح تنطبق عليه شروط الصحة البتة.
ب - أن مضمون مثل هذه الحكايات يثير عند كل قارئ لها - والقارئ الشيعي على وجه الخصوص – عدة استشكالات منها:
1 – أن اختيار امرأة هي على استعداد لخيانة زوجها وقتله مسموماً، ولأجل رجل آخر، يُعدُّ اختياراً خاطئاً؛ لأنها ليست صالحة، وليست أهلاً أن يتزوجها الصالحون.
وهذا يستلزم عدم التثبت والخطأ في تصور صلاحها وهو يتناقض مع العصمة المطلقة.
أو نضطر إلى القول بأن الحسن تزوجها لغايات دنيوية فقط وهو ما لا يليق بصغار الصالحين فكيف بكبار الصالحين المصلحين؟!
2 - أن جعدة بنت الأشعث بعد موت الحسن تزوجت ابن عمه العباس بن عبدالله بن عباس، ثم تزوجت من يعقوب بن طلحة. أفيغيب عن أبناء عم الحسن أنها سمته، ويعلم ذلك غيرهم ؟! أم أنهم أمنوا على أنفسهم من امرأة تسم زوجها ؟! أم ماذا تحديداً?!
وختاماً أقول: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.