فلسطينيو العراق والعيد .. آلام وآمال

بواسطة أيمن الشعبان قراءة 1556
فلسطينيو العراق والعيد .. آلام وآمال
فلسطينيو العراق والعيد .. آلام وآمال

فلسطينيو العراق والعيد .. آلام وآمال

 

الحمد لله رب العالمين ناصر المستضعفين ومعز المؤمنين ومذل الكافرين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين : وبعد :

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وأعاده الله علينا بالأمن والإيمان واليمن والمسرات ولم الشمل وجمعنا مع الأحباب في كل مكان بعد تفرقنا وتشرذمنا في شتى بقاع الأرض .

يا ترى كيف يكون عيدنا نحن الفلسطينيون في ظل تلك المصاعب والمتاعب والمآسي ؟! وكيف يهنأ لنا بال وقد أصبحنا شذر مذر مشتتين متفرقين بعيدين عن أهلنا وأحبابنا وأصحابنا ومن كنا نعودهم ويعودوننا ؟!! وكيف حال أهلنا وإخواننا وأبنائنا في المخيمات الصحراوية وما هو عيدهم ؟!! وما الذي سيفعله أحبتنا في قبرص بهذا العيد ؟!! وهل سيلبس الجديد في السويد وأمريكا اللاتينية وماليزيا واليونان وأستراليا وكندا ؟!!! ومتى .. وكيف .. وهل .. وأسئلة كثيرة تراودنا في مثل هذه الأيام ، ونحن نتذكر أحبة لنا قد فارقونا إما تحت الأرض أو فوقها ، كل قد أفضى إلى ما قدم ، والحال هذه لابد من وقفات تذكرة وعظة في يوم العيد ونحن في حال لا نحسد عليه .

الوقفة الأولى : المخيمات الصحراوية :

هل بقي أحد على وجه الأرض لم يسمع بتلك المأساة ؟!! هل لازال متسع من الوقت للبكاء والعويل عليهم وقد فاقت محنتهم كل التصورات ؟!! لنا أهل وأقرباء وأحباب وأصحاب في ثلاث مخيمات ( الهول ، التنف ، الوليد ) تجاوزا 3000 فرد منهم كبار السن والمرضى والنساء والأطفال وذوي الاحتياجات فهل الأمة الإسلامية الآن والعربية بخير في ظل تزايد معاناة هؤلاء وعدم إيجاد الحلول لهم ؟!!! وأين الأمة من قول النبي عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) وأين المسؤولين والقادة والساسة من قول عمر ( لو عثرت بغلة في العراق لقال لي الله لماذا لم تعبد لها الطريق يا عمر ) فهل أصبح الفلسطيني أهون من البغلة ؟!! أم أن القلوب ماتت وهانت :

ومن يهن يسهل الهوان عليه           ما لجرح بميت إيلام

هل عجزت الدول العربية والإسلامية عن نجدة هؤلاء المنقطعين الذين تقطعت بهم السبل أم وصلنا لحالة من الخور والذل والهوان بسبب ابتعادنا الحقيقي عن دين الله !!! وأين المليارات والثروات التي تذهب هدرا ومن غير حسيب ولا رقيب ؟!! وأين نحن من قول نبينا عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ( من بات شبعان وجاره جائع ) فهل شبع أهلنا في الصحراء الطعام ؟! ولو شبعوه فهل شبعوا الأمان والاستقرار ؟!! وهل شبعوا الكرامة والاستقلالية والعيش الرغيد ؟!! في الوقت الذي تنعم الشعوب المجاورة بشيء من هذا .

تبسمت من سؤال بخصوص مخيم التنف : وهو مع من سيصومون مع العراق أم سوريا ؟!! وعلى من سيحسبون أم هم في العراء دائمون .. أفلا تعقلون !!.

ما هو لون وشكل وطبيعة العيد عند الأحبة في تلك المخيمات ؟!! أم أن عيدهم وأمنيتهم أصبحت في دائرة ضيقة وهي إنقاذهم مما هم فيه وخلاصهم من تلك المهانة والمذلة ؟!.

فنقول وكلنا ألم وحسرة صبرا يا أهلنا فإن الله اصطفاكم لذلك الابتلاء وألحق الخزي والعار في كل من عاصر تلك المرحلة ووقف متفرجا ، فهنيئا لكم إن صبرتم واعلموا بأن من كان قبلكم مروا بمحن وشدائد أكبر من تلك فصبروا فكانت العاقبة لهم ، لذلك يقول ربنا جل في علاه ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) أي لا تضعفوا وتتخلوا عن مبادئكم وثوابتكم وعقيدتكم ولا تحزنوا بما أصابكم من اللئواء والبأساء لأنكم الأعلون والعاقبة لكم خيرا في الدنيا والآخرة ، وهذه في الحقيقة تسلية من الله عز وجل للمؤمنين لما نالهم يوم أحد وقد صدقهم الله وعده ، ونحن ننقل لكم هذا الموقف لنفرحكم ونواسيكم بما تمرون به من محنة ومرحلة صعبة ونبشركم ببشارة الله فالفرج قريب ، وإن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرا .

الوقفة الثانية : تشرذم وفراق :

إن العيد فيه من المعاني العظيمة لتلك الأمة التي كرمها وفضلها الله على سائر الأمم ، فمن معانيه التآلف والتواد والتعاطف والمحبة وصلة الرحم والتزاور وذكر الله عز وجل ، فكيف لنا بعد تشرذمنا وتفرقنا أن نطبق كل تلك المعاني العظيمة ونحن بعيدون عن بعضنا البعض كل منا في بلد أو قارة ، ونحس بزيادة في الفرقة والشتات يوما بعد يوم وكأنه يراد لنا ذلك ، لكن رغم هذا فعلينا أن لا نيأس ونعلم علم اليقين بأن الله أراد لنا ذلك واختبرنا وامتحننا ليرفع درجاتنا إن صبرنا واحتسبنا ذلك ، فما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن مرض حتى الشوكة نشاكها إلا كتب لنا بها أجرا فكيف بتلك المصائب والمآسي ؟!! فعيدنا الحقيقي في الدنيا هو ثباتنا على معتقداتنا وسلوكنا ومبادئنا ويم نلقى الله احتسابنا الأجر عند الله لصبرنا على ما مر بنا من محن .

فعلينا أن نتراحم ويزداد حبنا وتعاطفنا في ظل تلك الظروف ، ووالله لم يكن هذا العيد وإظهار البهجة فيه من شرع الله وديننا الحنيف لما هدأ لنا بال ولما ضحكنا وفرحنا إلا بجمعنا ولم شملنا مع كل من فارقناهم أو فارقوننا لكن هي هذه الدنيا تجمع وتفرق تباعد وتقرب تفرح وتحزن نسأل الله الأجر والعافية .

الوقفة الثالثة : عيد وعيد :

إن من معاني العيد تذكر نعم الله علينا وآلائه كي نشكرها ونعظمها ونتدارك ما فاتنا منها ، فهل شكر المسلمون ربهم وقاموا بتذكر أهلنا في الشتات الذي يمرون به لأكثر من ثلاثين دولة ؟! وكيف يهنأ لهم عيدهم ولهم أخوة من أبناء جلدتهم ويتكلمون بألسنتهم ويدينون بعقيدتهم لازالوا يأكلون الطعام مخلوطا بالتراب في تلك الصحراء ، ولازال الكثير يعاني من ضيق الحال والابتعاد عن الأهل والأصحاب ، وهنالك الكثير الذي ينتظر حظه ورزقه في الاستقرار ولم الشمل ، ويوجد آخرون في ماليزيا والهند ينتظرون مصيرهم وغيرهم معتقل في تركيا ، وشباب محاصر ضائع في اليونان وآخرون لا يعلمون مآلهم في السويد وأوربا ، أما السواد الأعظم الذين لازالوا صابرين صامدين في العراق فهم قلقون ينتظرون القادم المجهول ، فبالله عليكم هل عيدنا كسائر الأعياد أم أننا تركنا لنواجه مصيرنا لوحدنا ، والله معنا ولن يترنا أعمالنا ، ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فأملنا بالله كبير وكبير جدا ووعد الله لعباده قريب فعلينا أن نستبشر مع الصبر ونستيقن بالفرج ونتكيف مع كل الصعاب فلسنا أول المبتلين أو المقهورين ، فمهما طال الليل لابد من طلوع الفجر ومهما تأخر النصر فلابد من التمكين ، وكلما اشتدت المحنة اقترب الفرج .

وأخيرا نواسي أنفسنا وعموم المسلمين المضطهدين خصوصا أهلنا من الفلسطينيين في كل مكان بذلك الحديث الرائع عن خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر الله لنا ألا تدعو الله لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فينشر باثنين فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون .

نسأل الله أن يفرج همنا وينفس كربنا ويعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ونسأله أن يعصمنا من الزلل وأن يعيننا على تلك المحن وأن ييسر لنا فرجا قريبا وأن يجمعنا بإخواننا عن قريب إنه ولي ذلك والقادر عليه .

1-شوال -1429 هـ

30-9-2008 م

أيمن الشعبان

باحث مختص بشأن الفلسطينيين في العراق

 



مقالات ذات صلة