إن إطلاق لفظ التبشير على أعمال المنصرين فيه مجانبة للصواب، وخداع للمسلمين، وأن اللفظ الصحيح هو التنصير، وليس التبشير، فالتبشير يحمل معنى الخير والبشر والخبر السار، والمنصرون لا يدعون لخير البشرية، بل يدعون لما فيه شر البشرية وفسادها بدعوتهم إلى الشرك بالله، لذلك لابد أن يطلق لفظ التنصير على أعمال المنصرين.
الجامعة الإسلامية- غزة
عمادة الدراسات العليا
كلية أصول الدين
قسم العقيدة الإسلامية
ـــــــــ
التنصير في فلسطين في العصر الحديث
إعداد الطالبة: أمل عاطف محمد الخضيري
إشراف الدكتور: سعد عبد الله عاشور
بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في العقيدة الإسلامية بكلية أصول الدين
١٤٢٥ هـ- ٢٠٠٤م
ـــــــــــ
غادرت الجيوش الصليبية الأراضي الإسلامية، تجر أذيال الخيبة بعد أن حلم قادتها بإحكام السيطرة على العالم الإسلامي، وفرض الحكم الصليبي على أهله، وبفشل الغزو الحربي نشط الغزو الفكري، حيث تركز التأثير على العقول لأسرها وإيقاعها في شباك الاستعمار، وقد بدأت الحملة التنصيرية فعلاً بتوصية من قادة الصليبية، لتشكل جزءاً من مخطط الغزو الفكري، لتحقيق أهداف خفية لصالح الصليبية العالمية، التي برهنت الأحداث الجارية على استمرار وجودها وعظم خطرها، فها هي ترسل سلاحها الحربي جنباً إلى جنب مع سلاحها الفكري، لتضرب الوجود الإسلامي في كل مكان بشتى الوسائل والطرق.
فها هم المنصرون يتواجدون في مختلف أنحاء العالم الإسلامي بأنفسهم، ويتواجدون على مواقع لا بأس بها عبر شبكة المعلومات الدولية بفكرهم، يتهجمون على الإسلام والمسلمين، يدعون إلى دينهم طاعنين بالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وبما أُنزل عليه من ربه.
وخلال هذه الدراسة تعمل الباحثة على كشف المخطط التنصيرى الذي يعمل على أشده في فلسطين عن طريق الإرساليات التنصيرية التي وفدت إلى فلسطين، والمؤسسات والمراكز المعدة لهذا الغرض، وجاء ذلك في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة.
المقدمة: تضمنت المقدمة سبب اختيار الموضوع وأهميته، واستعراض الدراسات التي تناولت موضوع التنصير، كما تضمنت منهج البحث وضوابطه، واستعراضاً لخطة البحث.
التمهيد: بينت الباحثة إن إطلاق لفظ التبشير على أعمال المنصرين فيه مجانبة للصواب، وخداع للمسلمين، وأن اللفظ الصحيح هو التنصير، وليس التبشير، فالتبشير يحمل معنى الخير والبشر والخبر السار، والمنصرون لا يدعون لخير البشرية، بل يدعون لما فيه شر البشرية وفسادها بدعوتهم إلى الشرك بالله، لذلك لابد أن يطلق لفظ التنصير على أعمال المنصرين.
كما أوضحت أن المنصرون يركزون نشاطهم على القارة الأفريقية، لأن الدين الإسلامي هو الأكثر انتشاراً فيها، لذا فإنه يتعرض لحملة عنيفة، وهجمة شرسة من قِبل المنصرين، لتحويل القارة الأفريقية المسلمة إلى قارة نصرانية.
الفصل الأول: نشأة النصرانية في فلسطين.
تحدثت فيه الباحثة عن الخطوط العريضة للدين النصراني، ومراحل تحريفه، وأهم الفرق التي انبثقت عن هذا التحريف، فبينت أن النصرانية كانت قائمة على التوحيد الخالص، ثم استقرت بعد ذلك على التثليث، وأن أول من دعا إلى تأليه المسيح هو "بولس" عدو النصرانية، ثم المجامع المدمرة التي عرفت بأنها مصانع لإنتاج الآلهة فابتدعت عقيدة التثليث وخاصة المجمع الأول الذي ألهوا فيه عيسى -عليه السلام- والمجمع الثاني الذي ألهوا فيه روح القدس، والمجمع الثالث الذي ألهوا فيه مريم والدة المسيح -عليه السلام-.
الفصل الثاني: نشأة التنصير في فلسطين.
تناولت الباحثة فيه بداية الإرساليات التنصيرية في فلسطين، وآثارها، ودور كل من الصليبية، والاستشراق، والاستعمار، واليهود في نشأة ودعم التنصير، ثم أهمية المؤتمرات التنصيرية، ودور قراراتها في تفعيل العمل التنصيري، وذلك من خلال الحديث عن الإرساليات في فلسطين، وعلاقة التنصير بالحملات الصليبية والاستشراق والاستعمار واليهود، ثم الحديث أهم المؤتمرات التنصيرية وأبرز قراراتها.
الفصل الثالث: مراحل التنصير وأهدافه وعوامل انتشاره.
ولما كان لكل مؤامرة أهداف ومخاطر تترتب على تحقيق تلك الأهداف، وعوامل تساعد على نجاحها، فقد لزم الكتابة عن أهداف التنصير ومخاطره، وهو ما قامت به الباحثة في هذا الفصل فعرضت للمراحل التي مر بها العمل التنصيري في فلسطين، ثم أهداف التنصير ومخاطره، وختم الباحثة هذا الفصل بالحديث عن العوامل التي ساعدت على انتشار العمل التنصيري.
الفصل الرابع: وسائل التنصير.
عرضت الباحثة في هذا الفصل لأهم الوسائل التي اعتمدها المنصرون في حملتهم التنصيرية في فلسطين، وجاء ذلك من خلال الحديث عن خمسة محاور:
- المحور الأول: التعليم. - المحور الثاني: التطبيب.
- المحور الثالث: الخدمات الاجتماعية. - المحور الرابع: الإعلام.
- المحور الخامس: وسائل خاصة.
الفصل الخامس: طرق مواجهة التنصير.
في هذا الفصل تحدثت الباحثة عن جهود العلماء والمؤسسات الإسلامية في فلسطين في مواجهة التنصير في العصر الحديث خاصة بعد الاحتلال البريطاني لها، ثم أردفت ذلك بعرض منهج مقترح لمواجهة التنصير.
وعلى ضوء هذه الدراسة استخلصت الباحثة النتائج الآتية:
- إن التنصير الذي يحاول أتباعه نشره بين شعوب العالم الإسلامي، وغير الإسلامي، ودعمه مادياً، ومعنوياً، لم يقم إلا على أنقاض الديانة النصرانية المحرفة.
- إن إطلاق لفظ المسيحيين على من يعتنق الدين النصراني أيضاً فيه مجانبة لما أطلقه القرآن عليهم، حيث سماهم نصارى ولم يسمهم مسيحيين فلزم أن نتبع القرآن.
- إن النصرانية الحالية كانت ذات أصول سماوية ثم حرفت بأيدٍ وقرارات بشرية، كما أن أتباع عيسى -عليه السلام- وهم حملة الإنجيل الصحيح، وقعت عليهم اضطهادات ومؤامرات لا مجال مع وجودها لدوام المحافظة على سلامة الإنجيل، وصحته من التحريف.٥- إن أخطر تحريف وقع على النصرانية كان على يد "بولس" اليهودي، والإمبراطور "قسطنطين الروماني" ومن خلال ما كان يُتخذ من قرارات في المجامع الكنسية.
- تفرق النصارى كان يزداد ويتشعب كلما زاد الاختلاف بينهم حول طبيعة الأقنومين الثاني، والثالث (الابن، والروح القدس)، وعلاقتهما بالأقنوم الأول (الآب) من حيث النشأة.
- إن الاعتقاد بأن بعض النصارى كانوا موحدين؛ وهم "آريوس"، و"مقدونيوس"، وأتباعهما قد ثبت عدم صحته بالدليل من أقوالهم، وتبين شركهم بالله عز وجل.٨- إن جميع فرق النصارى الحالية انشقت عن الفرقة الكاثوليك الأم، ثم تفرعت عنها فرق أخرى، أشد خلافاً، وأشد عداوة لبعضها البعض.
- كانت بداية إنشاء المؤسسات التنصيرية في فلسطين في القرن التاسع عشر، وذلك على يد العاملين في الإرساليات التي كانت تفد إلى البلاد من جميع أنحاء العالم، بالتواطؤ مع بعض الحكام العثمانيين.
- كانت العلاقة واضحة جداً بين الصليبية والتنصير، فالهزيمة للجيوش الصليبية كانت نقطة الانطلاق لحملات التنصير، وذلك من خلال الدعوة لإطلاق الغزو الفكري من لويس التاسع عشر ملك فرنسا المهزوم.
- لقد كان للاستشراق دوراً فعالاً في دعم التنصير بمقالاته، وأبحاثه، ودراساته، ومؤلفاته، التي يبثها بين المسلمين، ويعتمد عليها المنصرون.
- قام الاستعمار بمساندة المنصرين، وفتح أبواب الدول الإسلامية لهم لبناء كنائسهم، ومؤسساتهم، وخاصة في الدول التي كانت محتلة من قبل الاستعمار، كما استفاد الاستعمار من التوطئة التي يعدها المنصرون في دول العالم الإسلامي، تمهيداً لاستقباله على أنه الأمل المنشود، لإحداث التطور، ومسايرة ركب الحضارة.
- إن الاستعمار البريطاني سعى إلى غرس جسم غريب في قلب الأمة الإسلامية، ليحافظ على كيانه، وكان هذا الجسم هو الكيان الصهيوني، وقد ساعد المنصرون على تحقيق ذلك بشهادة العدو "بلفور" وزير الخارجية البريطاني.
- مع استمرار العداوة القائمة بين اليهود والنصارى، إلا أن كلاً منهما يحسن استغلال ما لدى الآخر، فقد اعتمد المنصرون على ما كتبه اليهود المستشرقون من كتابات تطعن في الدين، وتشوه حقائقه، كما استغل اليهود المنصرين لتوطيد أقدامهم في فلسطين.
- إن القس "صمويل زويمر" أشهر المنصرين، وزعيمهم، مات على الديانة اليهودية، حيث لقنه حاخام يهودي في ساعات احتضاره الأخيرة ما يلقنه لليهود لدى احتضارهم، الأمر الذي يؤكد نجاح اليهود في اختراق النصرانية، واستغلالها لصالحهم.
- إن المؤتمرات التنصيرية لطالما عقدت في مختلف دول العالم الإسلامي، وغير الإسلامي، ولا تزال تعقد سراً، وعلناً، لتنظيم العمل التنصيري، وتطويره، وحل مشاكله.
- إن المنصرين إذا اتخذوا أي قرار من خلال مؤتمراتهم، فإنهم يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق ذلك القرار، حتى لا يبقى حبراً على ورق.
- تبين أن التنصير قد مر بثلاثة مراحل اختلفت فيها أهداف التنصير، ووسائل تحقيقه. فكانت المرحلة الأولى: مرحلة التنصير المباشر، أو العلني، وكانت تهدف إلى اعتناق النصرانية، واعتمدت على الدعوة الفردية، أو الجماعية المباشرة. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التنصير الشامل، أو المنظم، وكانت تهدف إلى نشر الجو النصراني بكل ما يحمله من عقائد، وفكر، وأنماط حياة، وذلك عبر المؤسسات التنصيرية المختلفة. أما المرحلة الأخيرة: فهي مرحلة التسلل، أو التنصير غير المباشر، وتمكن المنصرون في هذه المرحلة من دفع المسلمين إلى السير باتجاه التغريب، واتباع مظاهره.
- لقد نجح العمل التنصيري في النهاية، في إيجاد الإنسان المسلم اسماً، المتنصر فعلاً، في مختلف مناحي الحياة، وفي جميع دول العالم الإسلامي.
- تلتقي أهداف المنصرين في ثلاثة محاور، المحور الأول يسعى من خلاله المنصرون إلى هدم الإسلام، ونظامه، وأحكامه، والمحور الثاني منع غير المسلمين من دخول الإسلام بالتنفير منه، وإبعادهم عنه، والمحور الثالث تشجيع جلب اليهود إلى فلسطين لتحقيق عملية تنصيرهم بعد تجميعهم، لأن تنصيرهم يترتب عليه نزول مسيحهم المرتقب.
- شكلت الأهداف التنصيرية التي تحققت فعلاً، مخاطراً حقيقية عانى منها العالم الإسلامي، ولا زال يعاني.
- هناك الكثير من العوامل التي ساعدت على انتشار العمل التنصيري، وقد تواطأت فئات محدودة من المسلمين على خدمة التنصير بإرادتها، وساعدت فئات أخرى المنصرين رغماً عنها دون أن تدري، كما لعب وضع العالم الإسلامي الاقتصادي، والسياسي، دوراً كبيراً في خدمة أهداف المنصرين.
- لم يتوان المنصرون عن استغلال جميع الوسائل المشروعة، وغير المشروعة للوصول إلى أغراضهم الخفية، فاتخذوا من الطب، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، والإعلام ستاراً، يخفي حقدهم على الإسلام، والمسلمين.
- كان المنصرون من أسبق الناس إلى استغلال شبكة المعلومات الدولية، لبث أحقادهم عبر شاشات الحاسوب.
- بذل علماء فلسطين ودعاتها في أوائل القرن الماضي جهوداً كبيرة في مكافحة التنصير، تكلل معظمها بالنجاح، إلى أن نُكب مسلمو فلسطين بنكبة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فشغلوا عن مقاومة التنصير بمقاومة اليهود.
كذلك وصَّت الباحثة بالآتي:
- لا بد من العمل الجاد، والدءوب، والمنظم، لمحاربة التنصير، وفق خطة مدروسة، لأن ما كان عملاً منظماً، لا يمكن مواجهته إلا مواجهة منظمة، الأمر الذي يتطلب تكوين فريق يضم مختلف التخصصات الدعوية، والعلمية، والأدبية، ممن لهم باع طويل في مجال الدعوة، بحيث يقوم هذا الفريق بدراسة الفصل الأخير من هذه الرسالة، ووضع خطة عملية للانطلاق من خلالها لمواجهة التنصير.
- إن هذا البحث هو مجرد حلقة تم الكشف عنها من سلسلة حلقات مغمورة، تحتاج إلى من يكشف عن باقي حلقاتها، فالتنصير لم ينته بعد، ولم تكشف جذوره كلها حتى الآن، وهذا يحتاج إلى سلسلة أبحاث، ودراسات علمية تكشف عن جوانب الموضوع المتعددة، وفرق عمل متخصصة تقوم بترجمة كل ما كتب في هذا المجال، فالمدة الزمنية المحددة لإنهاء بحث التخرج غير كافية لإنجاز هذا كله، وبشكل فردي، الأمر الذي يتطلب جهوداً أخرى تكمل مسيرة البحث، بكتابة رسائل أخرى في نفس الموضوع لتعالجه من جميع النواحي.