الفلسطينيون قلقون من "عون الرابع"

بواسطة أحمد الحاج علي قراءة 1376
الفلسطينيون قلقون من "عون الرابع"
الفلسطينيون قلقون من "عون الرابع"

1438-2-7

2016-11-7

أحمد الحاج علي

 

ينظر الفلسطينيون في لبنان إلى الرئيس ميشال عون بحذر شديد. فهم عرفوا المقدّم ميشال عون الذي وضع خطة حصار مخيم تل الزعتر. واختبروا الجنرال ميشال عون الذي جمعه بالراحل ياسر عرفات العداء للوجود العسكري السوري في لبنان. أما عون العائد من منفاه فكان الأكثر تحدياً لمشاعرهم بتصاريح عدائية.

"أنا وضعت خطة تطويق مخيم تل الزعتر"، هكذا قال ميشال عون متفاخراً، في حديثه لمعدّي وثائقي "حرب لبنان". ما لم يقله أن مدفعية الوحدة التي كان يرأسها كانت السبب الأول في ارتفاع عدد القتلى، والذي بلغ آلاف، من أصل نحو 30 ألفاً من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الذين كانوا يقطنون المخيم المحاصر. هذا إذا تجاوزنا بعض التسريبات التي تقول إن العقبة الأخيرة أمام إخراج المدنيين كانت عناد المقدم جبرايل، الاسم الحركي لميشال عون. بعد أكثر من 30 عاماً، وفي انتخابات المتن الشمالي الفرعية، سيعيد بعض قادة التيار الوطني الحرّ التذكير أن عون كان بطل تلك المعركة، وسيُتهم المرشح أمين جميل بأنه حاول إيقاف الهجوم على المخيم في تلك الأيام.

يورد آلان مينارغ في كتابه "أسرار حرب لبنان" أنه في آب من العام 1980، أوكل قائد القوات اللبنانية حينذاك بشير الجميل إلى إنطوان نجم وميشال عون وضع خطة الاستيلاء على الدولة. نصت الخطة على "تأجيج النزاع بين الفلسطينيين من جهة والدروز والشيعة من جهة أخرى". كما ورد نص بأنه "يجب أن لا ننسى أن نزاعنا هو مع الفلسطينيين، وأنه لا مناص منه في كل الأحوال". عون، في ذلك الوقت، كان قد بلغ من العمر 47 عاماً، أي أن أفكاره السياسية قد استقرت إلى حد بعيد. وما سيطرأ بعد ذلك من علاقة مباشرة بعرفات لم يكن سوى ضرورات فرضها الواقع المستجد.

يوم كانت القذائف تتساقط على الأونيسكو ومعظم مناطق بيروت الغربية، كان هناك استثناء شبه وحيد؛ المخيمات الفلسطينية. لم تسقط سوى قذيفة واحدة على مخيم برج البراجنة. كان عون في مرحلته الثانية فلسطينياً. صدّته القيادة السورية. وجد نفسه من دون غطاء عربي، أو حتى دولي متين، باستثناء تعاطف لا يجد ترجمة فعلية من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. الناشط السياسي فايز قزي كان جاهزاً للمهمة. يد عون تصافح يد عرفات في تونس. "سنسلّمك البندقية الفلسطينية في لبنان، وسنتولّى دعمك والدفاع عنك في المحافل العربية"، هكذا قال أبو عمّار لعون، وفق ما ينقل قزي، الذي حضر اللقاء. ومن بعدها كان أبو أيمن، مبعوث عرفات، نزيلاً دائماً في فندق برمانا. علاقة بلغت حدّ أن يكون أبو عمار وسيطاً لوقف الاقتتال بين جعجع وعون.

عاد عون من منفاه في العام 2005، بنسخة ثالثة، ودخل الانتخابات في العام نفسه، ليخرج منها مستنسخاً عون الأول، من دون أدواته العسكرية، بخطاب الأشد عنصرية تجاه الفلسطينيين بعد الحرب الأهلية اللبنانية، إذا ما استثنيت بعض التصاريح العنصرية المتفرقة، التي لم ترق لتكون خطاباً متصلاً. كان خطاب عون ناتجاً من عوامل عدة. فهو ربما رأى أن الخطاب الطائفي وحده يستطيع أن يحصّن ساحة الزعيم في لبنان، ويفرض نفسه في المعادلة الداخلية. وعلى الأرجح، أن علاقته بعرفات كانت موقفاً براغماتياً مرحلياً، أما التفكير المتجذر لديه فهو العداء للفلسطينيين.

مع تراجع خطاب الإصلاح لدى عون والتيار الوطني الحر، تقدّم خطاب التخويف من توطين الفلسطينيين، وبدا الثاني كأنه تعويض عن غياب الأول. استطاع بخطابه هذا رفع منسوب القلق عند قسم من المسيحيين المحبطين من "الاتفاق الرباعي" ليصل إلى الخوف على الوجود المهدد بـ"49 مشروعاً للتوطين"، كما قال عون مرة. ورفع من حدّة خطابه إلى المطالبة بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على الدول العربية الغنية. وحتى المقاومة في لبنان، اعتبر سلاحها لمنع التوطين، وصولاً إلى أن لبنان مهدد بالإفلاس أو القبول بالتوطين. أما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فاعتبر أن التوطين قائم، وهناك من يسعى لتثبيته بالقوانين.

في العام 2009، وبينما كانت الحكومة اللبنانية تستعد لإطلاق ورشة إعادة إعمار مخيم نهر البارد، كان عون يعقد مؤتمراً صحافياً، يقول فيه إن هناك تحت المخيم تقع مدينة أرتوزيا الأثرية، و"لا نستطيع أن نجد أرتوزيا في مكان آخر". وكان قد أعرب قبل هذا "الاكتشاف" عن رفضه إعادة إعمار المخيم. وراحت الدراسات في التيار الوطني الحر تتحدث عن كيفية بناء أرتوزيا قبل 7000 سنة، وكيف سكت عملتها، ثم اعتنقت المسيحية مع بداية التبشير بها. ولم تستبعد تلك الدراسات أن تعيد أرتوزيا إعادة كتابة التاريخ من جديد. ولم يعد مستبعداً، وقتها، أن يخاطب عون أنصاره بـ"يا شعب أرتوزيا العظيم". وأوقف مجلس شورى الدولة الإعمار مؤقتاً.

في العام 2010، قدم النائب وليد جنبلاط وكتلته، مجموعة من القوانين التي تتيح العمل للفلسطينيين، وحق التملك. تجاوبت الكتل المسيحية مع القوانين المتعلقة بحق العمل، وتحفظت على حق التملك، باستثناء تكتل التغيير والإصلاح الذي يتزعمه النائب ميشال عون، الذي رفض كل القوانين. ثم صرّح عون بأنه "من قال إننا ضد حق العمل للفلسطينيين؟ وأصلاً هم يعملون بالأسود، وهذه ليست مشكلة".

أما التصاريح العنصرية التي أطلقها باسيل ضد الفلسطينيين والسوريين فهي كثيرة جداً، ومن أبرزها تصريحه عن تأييده إعطاء الجنسية لأبناء المرأة اللبنانية باستثناء تلك المتزوّجة من فلسطيني أو سوري. مواقفه التي وُصفت بالعنصرية استدعت بياناً شاجباً وقّعه مئات المثقفين اللبنانيين.

سيكون من المبكر جداً التنبؤ بكيفية تعامل عون مع الفلسطينيين في لبنان، وهو في سدة الرئاسة. فعون الرئيس الذي يسعى لعلاقات عربية ودولية، ويحفظ التوازنات الداخلية، ربما يختلف عن عون القائد العسكري، أو زعيم التيار السياسي. مع ذلك، يتخوف فلسطينيون من أن "عون الرابع"، سيجد نفسه مكبلاً بالمعادلات الداخلية، وربما يلجأ، في خطوة تعويضية، إلى التصعيد في وجه اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، سعياً وراء مكاسب محلية. ويرجح هؤلاء أن تقدم عون في السنّ، يدفعه إلى أن يوكل معظم المهمات إلى باسيل، وهذا خطر مضاعف على العلاقة الفلسطينية اللبنانية.

 

 

المصدر: شبكة العودة الإخبارية



مقالات ذات صلة