السُنّة في سوريا والعراق إذ تجمعهم المأساة!!
الراصد نت : عناصر التشابه بين ما يواجهه العرب السنة في سوريا بعد (ثورة 15 آذار) وبين ما وقع للعرب السنة في العراق بعد الاحتلال (نيسان/أبريل 2003) تثير التخوف من تكرار فصول المأساة التي ما زلنا نعيشها في العراق، فلو نظرنا إلى ما جرى في سوريا خلال الأشهر الخمسة الماضية لوجدنا تطابقاً كبيراً بين مجريات الأحداث وبين ما وقع لسُنة العراق بعد تسلم إبراهيم الجعفري رئاسة الحكومة (نيسان/أبريل 2005)، ويمكن أن نذكر منها ما يلي:
1- القتل: فالقتل المستحر في رقاب أبناء المدن السنية السورية، والحملات الأمنية وما تنطوي عليه من قصف وحصار وقطع لأسباب الحياة (الماء، الكهرباء، الاتصالات، المواد الطبية والغذائية) يشابه ما وقع للمحافظات السنية العراقية في أيام باقر صولاغ (وزير الداخلية) وسعدون الدليمي (وزير الدفاع) في حكومة الجعفري التي ابتدأت عهدها بتنفيذ حملة البرق ومن ثم تلتها عشرات الحملات العسكرية والأمنية، ومن المتوقع أن تظهر الحقائق المروعة عن الأعداد الحقيقية للقتلى السوريين وعمليات الإعدام والدفن الجماعي بعد سقوط النظام قريباً، إذ المعروف لليوم أسماء 3000 قتيل سوري تقريباً.
2- التعذيب: أشكال التنكيل وألوان العذاب التي يذوقها الشباب السوري في المعتقلات وفروع الأمن في سوريا نسخة مشابهة إلى حد كبير لما حصل في معتقلات وزارة الداخلية والتي كشف الأميركان عن بعضها كمعتقل الجادرية (تشرين الثاني/نوفمبر 2005)، وقد كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد المواطنين الذين قضوا تحت التعذيب منذ منتصف شهر آذار/ مارس بلغ 71 شهيداً، ويكفي تعامل الأجهزة الأمنية مع الطفلين حمزة الخطيب وثامر الشرعي للوقوف على ما يخفى عن الأبصار في المعتقلات السورية.
3- المليشيات: اعتماد النظام السوري على الشبيحة (والذي ينتمي أكثرهم إلى شباب الطائفة النصيرية "العلوية") يشابه اعتماد حكومتي الجعفري والمالكي على جيش المهدي (الذي ينتمي أكثره إلى شباب مدينة الثورة (الصدر) والأحياء الشيعية في العاصمة) في حصار واقتحام المناطق السنية في بغداد والمحافظات.
4- استهداف المساجد: ولم يختلف الحال في استهداف المساجد بالقصف والحرق وقتل المصلين واعتقالهم، وقد شاهد العالم بأسره كيف تهدم الجزء العلوي لمئذنة جامع "عثمان بن عفان" في مدينة دير الزور، وهو مشهد مماثل لما وقع لمئذنة جامع "فتاح باشا" في منطقة البياع في كرخ بغداد عام 2007.
5- الحرب الإعلامية: بل نجد تماثلاً وتوافقاً بين التغطية الإعلامية الحكومية لإجرامها في العراق وسوريا، ففي العراق كان الإعلام الحكومي يتهم "الوهابيين التكفيريين والبعثيين" بالتخطيط لإبادة الشيعة وتقويض التجربة الديمقراطية الوليدة، فيما يصر الإعلام السوري على الترويج لوجود جماعات مسلحة تسعى لإقامة إمارات "سلفية" في المدن المنتفضة، وقد نجح النشاط الإعلامي للثورة السورية في تفنيد ادعاءات ومزاعم النظام مبكراً، لكن الذي أعان أجهزة الإعلام الشيعي العراقي على ترويج مزاعمه حماقات "تنظيم القاعدة" وهداياه التي كان يقدمها على طبق من ذهب لمزيد من الترويج لمظلومية شيعية مزعومة عبر وسائل الإعلام الشيعي.
6- المعتقلين: ومن عناصر التشابه كذلك كثرة المعتقلين والمفقودين السنة، فالمنظمات الحقوقية تتحدث عن أعداد مهولة للمعتقلين والمفقودين في عموم المحافظات السورية يفوق 15 ألف مفقود ومعتقل، وهو نظير ما كان يجري في العراق خلال الأعوام (2005 - 2007) حيث غالباً ما كان يجد أبناء السنة ذويهم المعتقلين (رسمياً) أو المخطوفين (من قبل المليشيات) قتلى معذبين في المستشفيات أو معهد الطب العدلي أو عند مكبات النفايات.
7- التهجير: والذي عادة ما يُصاحب عمليات الاقتحام والقصف كما حصل في تل كلخ وجسر الشغور وحماة ودير الزور، وقد تعرض أهل السنة في بغداد وديالى ومدن الجنوب لعمليات تهجير كان أشدها ما جرى بعد تفجير سامراء الأول (شباط/فبراير 2006) ولغاية (نيسان/أبريل 2008)، وقد فر معظم العراقيين السنة هاربين من القتل المذهبي إلى سوريا والأردن.
8- موقف الأكراد: بالرغم من خروج الأكراد في القامشلي وإعلانهم التضامن مع درعا والمدن الثائرة مبكراً، إلا أن هذا لا يجعلنا نضمن تأييد الكُرد للعرب السنة، وما يعزز هذه المخاوف انسحاب المعارضة الكردية من مؤتمر الإنقاذ الوطني الذي انعقد في اسطنبول في (16 تموز/يوليو الماضي) لرفضهم أن تكون الهوية الرسمية للجمهورية السورية عربية، وهذا يعني أن العامل القومي هو الذي يحرك المكوّن الكردي وأنه قد يكون بمقدور أكراد العراق التحكم بقرارات أكراد سوريا مستقبلاً، وبالتالي سيصبح أكراد سوريا في الجيب الإيراني كما هو حال أكراد العراق، أو على الأقل بعيدين عن الاهتمام بمستقبل عروبة وسنية سوريا.
9- الخذلان العربي والدولي: بالرغم من العقوبات الغربية والتصريحات المنددة بوجه النظام، إلا أن التحذيرات الإعلامية لقادة الغرب لا تمثل سوى جرعات تخديرية للشعب المنتظر لأي تحرك دولي، لأن ما لا يريد الكثير أن يصرح به هو أن الصراع في سوريا لا يقف عند حدوده التقليدية كصراع بين شعب مضطهد ونظام أمني مخابراتي استبدادي كما هو الحال في تونس وليبيا ومصر، فالمعركة الدائرة في سوريا بعد 15 آذار/مارس يقف فيها الشعب السني في مواجهة محور شيعي يدعم النظام "العلوي" القمعي، ويساهم هذا المحور (إيران، العراق، حزب الله اللبناني) بشكل مباشر في إسناد وتأييد النظام السوري.
وكنت أظن أن يحافظ قادة الحكم الشيعي في العراق على توازنهم حيال الأزمة القائمة في سوريا لكن العقلية الطائفية أنطقت نوري المالكي وبيان جبر الزبيدي (صولاغ) ونبيه بري ومكارم ناصر الشيرازي بتأييد القمع والقتل الرسمي للشعب السوري، بما يؤكد أن الشيعة في المنطقة قلقون حيال مستقبل نفوذهم ووجودهم في سوريا.
إن وقوف الشعب السوري بمفرده في هذا الصراع يذكرنا بمشهد العرب السنة في العراق خلال السنوات العصيبة (2005- 2006) حينما تعالت الأصوات المحذرة من تحول بغداد إلى "مدينة شيعية" بعد أن استحر القتل والتهجير بأهل السنة فيها، وهنا لا بد من التأكيد على أنه لم يصدر من العرب أي تحرك رسمي يردع النظام العراقي الطائفي عن جرائمه، وإنما تم الاكتفاء بحفنة من التصريحات التي أطلقت في أوقات سابقة لتخدير سُنّة العراق.
ولا يقتصر التشابه في الأساليب القمعية وأشكال الإبادة للشعبين العراقي والسوري فحسب، بل التشابه يصل أيضاً في الثورة السورية لاسيما في خطاب المعارضة الخارجية هو محاكاة النهج السلبي اللاواقعي للقوى العراقية السنية بعد الاحتلال، ومن أهم معالم هذا النهج ونتائجه الكارثية:
1- إهمال واقع الوجود السني رغم ضخامته وأصالته تحت ذريعة عدم الوقوع في فخ الطائفية، مما يفسح المجال للأقليات للتوسع أكبر من حجمها على حساب أهل السنة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا يشترط أن تكون الأسماء والعناوين والمشاريع تحت مسمى سني فبالإمكان العمل على تكوين وجود سني قوي في سوريا تحت لافتات وطنية بعيداً عن الشعارات والمسميات الدينية، فالعمل الوطني الحقيقي لا يقوى عليه سوى السُنة فالطوائف والأقليات لن تعبأ بوطن لا تحكمه ولا ترتبط بتراثه الديني الحضاري.
إن إعماء الأنظار عن حقيقة الصراع لن يساهم إلا في تأزيم الموقف وخسارة الجولات فالطرف المقابل (الشيعي) لن يقف عند ما يقف عنده السنة الوطنيون، بل يتخذ من السذاجة والغفلة السنية وسيلة لمزيد من المناورات الرابحة والمكاسب.
فالغرب إن لم ير موقفاً سنياً موحداً وحراكاً جماعياً شعبياً وسياسياً يحافظ على قوة الكيان السني في سوريا – دون التعدي على حقوق بقية الشركاء في الوطن- فإنه سيعمد إلى العمل والتعاون مع بقية الفرقاء على حساب السُنة الضائعين بحجة المثاليات الوطنية، لا سيما أن الغرب يشتهي بقاء حكم الطوائف والأقليات.
2- إن من الأخطاء التي ارتكبها سنة العراق الدخول في صدام مع الاحتلال الأمريكي لمصلحة ترسيخ الاحتلال الإيراني الشيعي، نتج عنه إقصاء السنة وتهميشهم وتغول الشيعة على السلطة وتحكم إيران بمفاصل العراق.
ولذلك فإن إدراك حقيقة الاحتلال الإيراني لسوريا مهم جداً في إدارة الصراع مع النظام السوري المجرم، وأن الصراع لا يقتصر على عائلة أو طائفة بل هناك أيضاً نظام إيراني يحتل سوريا يجب حربه وطرده.
3- يجب الانتباه لقدرة النظامين السوري والإيراني على التلاعب بورقة التنظيمات الإسلامية المسلحة وهذا أصبح واضحاً في العراق وفي شمال لبنان (أحداث مخيم نهر البارد 2007)، إذ كانت نتائج أعمال تنظيم القاعدة كارثية على أهل السنة، ولهذا لا بد من الحذر من ظهور جماعات متطرفة كالقاعدة تنفذ عمليات قتل للعلويين أو النصارى أو حتى السُنة، فالتجربة العراقية علمتنا أن هذه الجماعات تبدأ بالقتل للمخالفين دون سبب أحيانا ثم تتحول بدون سابق إنذار بأسلحتها نحو الساحة السنية بعد أن توزع أحكام الردة والكفر على مخالفيها فتنشر القتل والفوضى الأمنية.
وليس الاختراق الأمني فحسب وإنما الاختراق السياسي الذي تبرع به إيران وحلفاؤها في المنطقة، وهذا الاختراق يأخذ أشكاله المباشرة وغير المباشر، ويكفي النظر في الساحتين السنيتين في لبنان والعراق للوقوف على مدى قدرة الإيرانيين على الوصول إلى العمق السني وحرف مسار بعض الأحزاب والجماعات (الدينية والقومية) الفاعلة في الساحة.
إن الاختراق السياسي يهدف إلى تشتيت الجهد السني وإفساح المجال أمام النشاط الشيعي ليعبث أو يؤسس لقواعد تعمل لصالح المحور الإيراني، وهذا لن يكون مفيداً للمعارضة التي لا بد أنها ستصطدم بمغريات أو ضربات الجبهة الإيرانية بعد سقوط الحكم العلوي في سوريا.